الخميس، 18 رمضان 1445هـ| 2024/03/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
جواب سؤال: مس الشيطان والحسد والعين

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

 جواب سؤال

 مس الشيطان والحسد والعين

 إلى محمد عادل جميل الغولي

 

السؤال:

 

بسم الله الرحمن الرحيم...

الأخ الكريم المحترم، أمير حزب التحرير، حفظكم الله تعالى.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ إلى آخر الآية 102 سورة البقرة.

 

انتشرت في بلادنا وبكثره أمراض تسمى مس شيطان وبعضها عين والبعض الآخر سحر. فهل الأسحار مرتبطة بدخول الجن الجسد؟ وهل لها تأثير؟ وهل علاجها بالرقية الشرعية صحيح أم إنها شعوذة؟ نرجو منكم التوضيح وجزاكم الله خير. أخوكم سيف طيب مطهر الغولي – اليمن.

 

الجواب:

 وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 سؤالك يتكون من أربع مسائل: الأولى موضوع ما يسميه العامة مس الشيطان، والثانية تفسير الآية الكريمة ودلالتها على السحر، والثالثة موضوع الحسد والعين، والرابعة كيف الوقاية هل هي بالرقية أو بشيء آخر. وإليك الجواب:

 

أولاً - تفسير الآية الكريمة التي يُدَّعى أنها تدل على مس الشيطان:

 

﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ...﴾ [البقرة: 275]

 

أنقل لك أدناه حول ذلك من كتاب التيسير في أصول التفسير:

 

[﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا﴾ أي يأخذونه، ويعمّ كل انتفاع به. وقد استعملت ﴿يَأْكُلُونَ﴾ في القرآن الكريم للدلالة على الذم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾ [النساء: 10] ﴿يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد: 12] وهي هنا كذلك.

 

﴿لَا يَقُومُونَ﴾ أي يوم القيامة. ﴿إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ﴾ أي أنهم يبعثون من قبورهم، يقومون كما يقوم المتخبط المصروع في الدنيا - أي المجنون - وذلك خزي لهم يومئذ وهي قرينة على النهي الجازم عن الربا والذي تكرر تأكيد تحريمه في هذه الآيات.

 

﴿مِنَ الْمَسِّ﴾ أي الجنون، يقال: مُسّ الرجل فهو ممسوس إذا جن. والخبط هو الضرب على غير استواء كخبط العشواء.

 

وقد وردت روايات في تفسير ﴿الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ والراجح منها أن الإنسان حين يصاب بالجنون يصبح للشيطان تأثير أكبر عليه من خلال وسوساته، فيخيل إليه أمور كثيرة تؤدي بالمجنون للتخبط.

 

أما القول بأن الشيطان هو الذي يصرعه أو يؤدي به إلى الجنون فالآية لا تنطق بهذا، فالله سبحانه لم يقل (يتخبطه الشيطان بالمس) أي يصيبه الشيطان بالجنون وإنما الآية ﴿يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ أي يتخبطه الشيطان بسبب جنونه، أي أن الجنون سابق لتخبط الشيطان.

 

كذلك فإن القول بأن ﴿يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ من باب الكناية والمجاز حسب أساليب العرب في إطلاقهم على المصروع أن الجن قد مسته أي أصابته بالجنون - فهم قد اشتقوا الجنون من الجن - فإن ذلك مرجوح لأنه لا يعمد للكناية والمجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة، والحقيقة هنا لا تتعذر فلا يتعذر أن يوسوس الشيطان للمجنون بتخيلات عدة يجعله يتخبط فيقال (تخبطه الشيطان)...

 

كما إني لم أطلع على حديث صحيح في تفسير الآية. وما دام الأمر كذلك، أي لا حقيقة شرعية في تفسير الآية بقي أن نعمد إلى اللغة، فالقرآن نزل بلغة العرب فنجد الراجح ما قلناه: إن مثلهم كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس أي بسبب الجنون، أي أن الجنون يسبق تخبط الشيطان للشخص فيجن الشخص بسبب من الأسباب ثم يتخبطه الشيطان بوسوساته وتخيلاته.

 

فلم يصـرع الشـيطان الشخص أي لم يجعله مجنوناً وإلا لكانت الآية الكريمة (الذي يتخبطه الشيطان بالمس) والباء تفيد الإلصاق أي بالجنون أي يصيبه بالجنون، وفي الوقت نفسه لا يلجأ إلى الكناية والمجاز فيصرف معنى الشيطان عن حقيقته لأن الحقيقة لا تتعذر.] انتهى

 

وهكذا فالشيطان لا يمس الإنسان فيصرعه ويصيبه بالجنون، فلا سلطان للشيطان على الإنسان ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾، ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، فلا يصرع الشيطان الإنسان، بل عمل الشيطان هو الوسوسة، ومن ثم يختار الإنسان الموقف تجاه الوسوسة فيصدها ويردها وهذا هو الحق أو يستجيب لها وهو الضلال ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾.

 

هذا ما أرجحه في هذه المسألة والله أعلم وأحكم.

 

ثانياً - الآية الكريمة الواردة في السؤال ودلالتها على السحر، فقد سبق أن أجبنا على هذه المسألة وأنقل لك من الجواب ما يلزم لسؤالك على النحو التالي:

 

[إن السحر هو علم يتم تنفيذه باستعمال ألفاظ كفر في عزائمه أو إجراءاته، فيجعلك تتخيل أن شكل الشيء الذي أمامك أصبح شكلاً آخر ولكن دون تغيير حقيقة الشيء وإنما مجرد تخيل، أي أنك لو أمسكت بالشيء ستجده الشيء الأصلي، أو لو حللته مخبرياً فإنك ستجده الشيء الأصلي، فالمسألة هي تخيل لا غير.

 

والدليل على أن السحر يتم باستعمال ألفاظ كفر في إجراءاته وعزائمه هو مفهوم قوله سبحانه ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ أي وما سحر، فالاستعمال المجازي لـ﴿كَفَرَ﴾ بمعنى السحر يدل على أن السحر يتم بأقوال وأفعال كفر، ولذلك فإن من عمل بالسحر يكفر. ويؤكد هذا قوله تعالى بعد ذلك ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾، وعليه فإن الساحر كافر، والمسلم الذي يعمل به مرتد يقتل من الدولة في الإسلام بردته.

 

وأما الدليل على أن ما يظهره الساحر هو غير حقيقي، بل تخيل فهو قوله تعالى ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ [الأعراف: 116] ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: 66] أي أن العصا تبقى عصاً على الحقيقة ولكنها تبدو للرائي رأي العين أنها حية تسعى، أي لا تتغير الحقيقة بحقيقة أخرى جديدة بمعنى أنها لا تلغي الحقيقة الأولى، وتتكون بدلها حقيقة جديدة، وعليه فلو أمسك إنسان بالحية التي ظهرت من العصا سيجدها عصاً ولو حللها مخبرياً سيجدها مكونات العصا نفسها التي ألقيت وخيل لنا أنها حيةٌ تسعى، ولذلك فإن السحرة لما ألقوا عصيهم كانوا هم يرونها عصاً ولكنهم سحروا أعين الناس فرأوها حية، فلما ألقى موسى - عليه السلام - عصاه رأوها - أي السحرة - حية حقيقية وليست عصاً ثم ابتلعت عصيهم فألغت حقيقتها نهائياً، فأدركوا أن هذا ليس سحراً لأن السحر لا يلغي حقيقة الأشياء فعلموا أن ما تمّ ليس سحراً، وأنه حق من رب العالمين كما قال موسى - عليه السلام - فآمنوا وكان إيمانهم عجباً.

 

والخلاصة أنه لو كان عندك كرسي ثم جاءك رجل فوقف بعيداً عن الكرسي وقال لك الآن سأقوم بعزائم وبكلمات وإجراءات وأنا بعيد عن الكرسي فأجعلك تراه وسادة، ثم بدأ يتلو كلمات فيها كفر وبعد ذلك خيل لك أن الكرسي وسادة دون أن تتغير حقيقة الكرسي، أي أنك لو أمسكت بالكرسي لن تجده وسادة بل ستجده كرسيا، فإذا فعل هذا الأمر دون أن تتغير الحقائق وبعزائم فيها كلمات كفر وبقي الشيء هو هو وإنما خيل لديك أنه شيء آخر، فإن هذا الرجل يكون ساحراً ويكون كافراً.

 

وأما إذا قام بأعمال فنية خادعة كأن أمسك بمنديل وبعصفور ووضعهما معاً ثم قام بحركات معينة فأخفى العصفور وأراك المنديل ثم قال لك إن هذا المنديل سأقلبه عصفوراً ثم تمتم بكلمات ثم أظهر عصفوراً على الحقيقة، فإن هذا ليس سحراً وإنما هو أعمال فنية أي كان العصفور موجوداً مع الرجل فأخفاه عنك بعملية فنية ثم أظهره، وبعبارة أخرى كان معه منديل وعصفور، فأخفى العصفور تارة وأظهر المنديل ثم أخفى المنديل تارة أخرى وأظهر العصفور، أي أن المنديل والعصفور كانا معه على الحقيقة فقام بعملية مخادعة فنية... أو كأن يحضر صندوقاً ويضع الصندوق فوق سرداب دون أن تراه أنت، ثم يدخل شخصاً في الصندوق أمامك ويقول لك سأقطع هذا الصندوق نصفين ويخرج الشخص منه حياً، وعندما يدخل الشخص إلى الصندوق ينزل إلى السرداب فيقطع الرجل الصندوق نصفين ولا يصيب الرجل وبعدها يخرج الرجل سالماً لا شيء فيه، فهذا ليس سحراً بل هو مخادعة بأعمال فنية، فدخل الرجل الصندوق ونزل إلى السرداب ثم صعد ثانية... أو كان في الصندوق طبيقات عدة، فدخل في إحداها الرجل، والقطع كان في طبقة أخرى... وهكذا فهذا ليس سحراً بل أعمال فنية خادعة.

 

وأما المشعوذون والدجالون الذين لا يستطيعون إظهار شيء على غير حقيقته، ولا يخادعون الناس بأعمال فنية، بل يزعمون معرفة الغيب بالفتح في كتاب أو في فنجان، أو عمل حجاب أو هرطقات كأن يقول إنه يتكلم مع الجن أو يراهم ونحو ذلك من شعوذة، فهذا ليس سحراً وإنما شعوذة ودجل. وهؤلاء يرتكبون حراماً عقوبته التعزير، وتشتد العقوبة وفق ما يحدثونه من ضرر.

 

أما السحر بمعناه الذي ذكرناه في البداية، أي أن يقوم بقول كلمات كفر وعزائم فيها ألفاظ كفر... ويجعلك ترى شيئاً على غير حقيقته دون تغيير الحقيقة، بل يخيل إليك مع بقاء حقيقة الشيء كما هي... هذا السحر يكاد يكون اندثر، لأن واقعه اليوم يكاد يكون غير موجود بهذا المعنى، هذا بالإضافة إلى أن عقوبة الساحر هي القتل، وقد استمرت الدولة الإسلامية قروناً عدة فكادت تقضي عليهم... لهذين الأمرين: (يكاد لا واقع له، وكاد يُقضي عليه بالعقوبة)، نقول إن هذا العلم يكاد يكون قد اندثر] انتهى.

 

وللعلم فإن عقوبة الساحر الذي يستعمل كلمات الكفر في سحره ومن ثم يكفر بهذا السحر كما بينا، عقوبة هذا الساحر:

 

هي كما جاء في كتاب تفسير سورة البقرة سالف الذكر:

 

(عقوبة الساحر - كما بينا - عقوبة المرتد فهو كافر على المعنى المذكور سابقا، ولقد عاقب الصحابة الساحر بالقتل... وقد تمّ مثل هذا الفعل أي قتل الساحر في عهد عمر - رضي الله عنه -، فهو إجماع من الصحابة لأنه حكم ذو شأن تمّ على ملأٍ منهم دون إنكارٍ. أخرج أحمد عن سفيان من طريق جَزْء بن معاوية عم الأحنف بن قيس قال (أتانا كتاب عمر قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وربما قال سفيان وساحرة).

 

وأما ما ذكرناه من بعض الأعمال الفنية الخفية التي يُغّرَّر بها الناس إن لَم توضَّح لهم، ودجل المشايخ وشعوذتهم فيعاقب صاحبها العقوبة التعزيرية حسب الضرر الذي ألحقه بمن غرّر بهم ممن تعاملوا معه. ومعلوم أن العقوبة التعزيرية في الإسلام تصل القتل حسب نوع الجريمة التي يقترفها.

 

ولكن الفرق بين القتل حداً والقتل تعزيراً أن الأول مرتد لا يُصلى عليه ولا يُدفن في مقابر المسلمين، والثاني مسلم فاسق أو فاجر حسب نوع جريمته يُصلى عليه ويُدفن في مقابر المسلمين.) انتهى

 

وللفائدة أنقل لك بعض آراء المذاهب الواردة في بعض التفاسير:

 

- تفسير ابن كثير ت سلامة (1/ 371)

[﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ...﴾

 

(فَصْلٌ) وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ وَيَسْتَعْمِلُهُ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَكْفُرُ بِذَلِكَ. وَمِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ قَالَ: إِنْ تَعَلَّمَهُ لِيَتَّقِيَهُ أَوْ لِيَجْتَنِبَهُ فَلَا يَكْفُرُ، وَمَنْ تَعَلَّمَهُ مُعْتَقِدًا جَوَازَهُ أَوْ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ كَفَر. وَكَذَا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تَفْعَلُ لَهُ مَا يَشَاءُ فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: إِذَا تَعَلَّمَ السِّحْرَ قُلْنَا لَهُ: صِفْ لَنَا سِحْرَكَ. فَإِنْ وَصَفَ مَا يُوجِبُ الْكُفْر... فَهُوَ كَافِرٌ. وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْكُفْرَ فَإِنِ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ.

 

قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَهَلْ يُقْتَلُ بِمُجَرَّدِ فِعْلِهِ وَاسْتِعْمَالِهِ؟ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ: نَعَمْ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا. فَأَمَّا إِنْ قَتَلَ بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا فَإِنَّهُ يُقْتل عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ. وَقَالَ أَبُو حنيفة: لا يُقْتَلُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ أَوْ يُقِرَّ بِذَلِكَ فِي حَقّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ. وَإِذَا قُتل فَإِنَّهُ يُقْتَل حَدًّا عِنْدَهُمْ إِلَّا الشَّافِعِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: يُقْتَلُ - وَالْحَالَةُ هَذِهِ - قِصَاصًا.] انتهى.

 

- تفسير القرطبي (2/ 47)

[الحادية عشرة - واختلف الفقهاء في حكم الساحر المسلم والذمي، فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفرا يقتل ولا يستتاب ولا تقبل توبته، لأنه أمر يستسر به كالزنديق... ولأن الله تعالى سمى السحر كفرا بقوله: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور وإسحاق والشافعي وأبي حنيفة.

 

وروي قتل الساحر عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبي موسى وقيس بن سعد وعن سبعة من التابعين...

 

قال ابن العربي: (... الله سبحانه قد صرح في كتابه بأن الساحر كفر فقال: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ بقول السحر ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ به وبتعليمه، وهاروت وماروت يقولان: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾ وهذا تأكيد للبيان.)] انتهى

 

ثالثاً - العين والحسد: فقد أجبنا على هذا الموضوع سابقاً وأنقل لك منه ما يلزم لسؤالك على النحو التالي:

 

[الحسد هو تمني زوال نعمة المحسود. والعين في هذا الباب المراد بها: الإصابة بالعين، التي يسمى صاحبها عائنا، يقال: عنتُ الرجل: أصبته بعيني، فأنا عائن وهو معين ومعيون.

 

ويشتركان - الحسد والعين - في الأثر الضار للمحسود أو المعيون، ويختلفان في كيفية الحسد والعين، فالحاسد قد يحسد الحاضر أمامه، وكذلك غير الحاضر، وأما العائن فلا يضر إلا من يراه بعينه أي أن يكون حاضراً، فالحسد أعم من العين، وهكذا فإن الاستعاذة من الحسد تشمل الاستعاذة من العين، وأما الاستعاذة من العين فهي جزء من الحسد. وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ... وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾، تشمل أيضاً العين، وهذا من بلاغة القرآن وإعجازه.

 

أما كيف يحدث الضرر للمحسود أو المعيون، فالمسألة هنا من شقين:

 

الأول: الحاسد أو العائن الذي يتمنى زوال النعمة عن المحسود وعن المعيون فهو آثم وعذابه عظيم، فقد أمرنا الله سبحانه أن نستعيذ من شره كما بيناه أعلاه.

 

وأما المحسود أو المعيون فإن الضرر الذي يحدث له من الحسد أو العين هو في باب الابتلاء كالمرض الذي يصيبه فيتقي هذا الابتلاء بالوسائل والأساليب التي نبينها لاحقاً.

 

وبالمناسبة فإن الحسد يأتي بمعنى مجازي، أي تمني حصول الشخص على مثل النعمة التي عند المنعَم عليه من غير تمني زوال تلك النعمة عن صاحبها، فلا بأس أن يرى الشخص رجلاً يحفظ القرآن فيتمنى أن يكون مثله، أو يرى رجلاً كثير الصدقة لله فيتمنى أن يكون مثله. أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ، وَآنَاءَ النَّهَارِ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ، فَقَالَ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الحَقِّ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ«] انتهى.

 

رابعاً - وأما كيفية الوقاية من العين والحسد والسحر:

 

1- العين والحسد: فإن ذلك يكون بأمور دلت عليها الأدلة الشرعية:

 

أ- التقرب إلى الله سبحانه بالعبادة والدعاء وقراءة القرآن، وكذلك التوكل على الله... قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين﴾ وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾.

 

ب- التعوذ بالله من شر الإنس والجان وتعويذ الأولاد والذرية وقراءة المعوذتين:

 

- «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتعَوَّذُ مِن عَينِ الجانِّ وعَينِ الإِنْسِ، فلَمَّا نَزلَتِ المُعوِّذتانِ أَخَذَ بهما وتَركَ ما سِوَى ذلكَ». أخرجه النَّسائيُّ، وابنُ ماجه، وصحَّحه الألبانيُّ.

 

- قول: «أَعُوذُ بِكَلِماتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِن شَرِّ ما خَلَقَ» رواه مسلم، وقول: «بِسْمِ اللهِ الَّذِي لا يَضُرُّ معَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ» رواه أبو داود والترمذي.

 

- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ» رواه البخاري.

 

ج- الرقية الشرعية عند الإصابة بأذى:

 

- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ» رواه مسلم.

 

- عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمَرَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنْ الْعَيْنِ» رواه البخاري.

 

والله سبحانه هو الحافظ أولاً وأخيراً: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير.

 

2- بالنسبة للسحر:

 

أما كيفية الوقاية من السحر إن حدث "وكما قلنا آنفاً فالسحر يكاد يكون انتهى وما يحدث هو أقرب إلى الشعوذة والدجل الذي لا يؤثر في شيء إلا عند ضعاف العقول، ونعوذ بالله من ذلك: فالوقاية تكون كما ذكرناه عن الوقاية من الحسد والعين أعلاه ويضاف لها ما جاء في الحديث الشريف عن قراءة سورة البقرة ففيها من الخير الشيء الكثير وبخاصة قطع أي تأثير ينتج عن السحر إن حدث... فقد روى مسلم في صحيحه قال: (حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ وَهُوَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ يَعْنِي ابْنَ سَلَّامٍ عَنْ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ» قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ) انتهى.


وخير الوقاية هو الإيمان بأن الله سبحانه هو الحافظ أولاً وأخيراً: ﴿وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾.

 

وفي الختام فلا يصح أن يقلق المسلم من مثل هذه الأمور بل يؤدِّي الفروض ويُكثر من القربة إلى الله بالذكر والدعاء والنوافل... ويطمئن بحفظ الله سبحانه وأنه عز وجل مع عبده... فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 

- روى الحاكم في المستدرك عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ» وقال «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ».

 

- أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».

 

وفي هذا الكفاية والوقاية إن شاء الله.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

19 شعبان 1439هـ

الموافق 2018/05/05م

 

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على الفيسبوك

 رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على  غوغل بلس

 رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على تويتر

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) ويب

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع