الثلاثاء، 14 شوال 1445هـ| 2024/04/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

جواب سؤال: حقيقة العلاقة بين الهند والباكستان

 

 

السؤال:

 

استدعت الخارجية الباكستانية الخميس 18/12/2008م نائب السفير الهندي في إسلام أباد وأبلغته احتجاجها على خرق الطيران الحربي الهندي أجواء باكستان... كما أن مسئولين في وزارة الدفاع الأمريكية أعلنوا أن واشنطن تملك معلومات عن بدء سلاح الجو الهندي استعداداته للهجوم...

والملاحظ أنه على الرغم من مرور نحو شهر على أحداث مومباي، إلا أنها لا زالت تتفاعل دون تمكن حكومة حزب المؤتمر الحاكم في الهند من اتخاذ قرار حاسم في المسألة، فتارة تهدد بالتصعيد مع باكستان، وتطالب بتسليم متهمين، وتارة تجمد عملية السلام مع باكستان، ومن قبل تتهم جماعة عسكر طيبة، وتضيف أن المخابرات الباكستانية قامت بتدريب المهاجمين... ثم تهدأ التهديدات، وتعود المسألة إلى مناقشة البرلمان الهندي تشديد قوانين مكافحة الإرهاب كما حدث في 17/12/2008م ... ثم تعود للتصعيد باختراق الأجواء الباكستانية... ما يبين حيرة حكومة الهند في اتخاذ قرار حاسم حول هذه الأحداث.

فما حقيقة الأمر؟ وما الذي يجعل حكومة الهند في حيرة من اتخاذ قرار حاسم حول هذه الأحداث؟

ثم هل هذه الأحداث كانت أعمالا محلية أو إقليمية أو دولية؟

 

 

الجواب:

 

نعم إن حكومة الهند في حيرة من حيث اتخاذ القرار الحاسم حول أحداث مومباي والسبب أن هذه الأحداث جاءت في مرحلة ما قبل الانتخابات الهندية في شهر أيار/ مايو القادم، ولذلك فهي تشكل عاملا رئيسيا في خسارة حزب المؤتمر للانتخابات إن لم يقم بعمل معين يظهر الحكومة قوية، وأي عمل لن يعيد هيبة الحكومة والثقة بها إن لم يكن ضخما على مستوى أحداث مومباي، وهذا يعني أعمالا هجومية مؤثرة تقوم بها تجاه باكستان، وهي كانت على وشك الإعداد لذلك فعلاً، غير أن كون الهند وباكستان منطقتي صراع للدول الكبرى المؤثرة هناك، انجلترا وأمريكا، فقد جعل تحركات الهند في دائرة الضوء، ولذلك بدأت التحركات المكثفة من الدولتين في هذا الاتجاه، بريطانيا تحاول إظهار الباكستان معتدية، وأنها وراء العناصر التي قامت بتفجيرات مومباي، وأمريكا تحاول إظهار الباكستان غير متورطة في الأحداث، وأنها مستعدة للتعاون في التحقيق مع الهند، وفي الوقت نفسه تضغط لمنع الهند من أي عمل عسكري مؤثر في المنطقة حتى لا ينتقل ثقل القوة الباكستانية من الغرب إلى الشرق.

إن تحركات أمريكا المكثفة الفورية بعد الأحداث، بل وأثناءها، وضغوطاتها الضمنية على الهند، وكذلك محاولة إضعاف الاتهام الهندي لباكستان من حيث ضعف الأدلة على تورطها في الأحداث، بالإضافة إلى جعل الباكستان تبدي مرونة زائدة تجاه الهند تصل حد الإذلال، من حيث استعدادها لاعتقال ومحاكمة كل باكستاني يثبت أن له ضلعاً في الأحداث، وإظهارها الاستعداد التام للمشاركة في التحقيق، ثم اعتقالها عددا من جماعة الدعوة بحجة أنها مرتبطة بعسكر طيبة... كل ذلك قد سبب حرجا لحكومة حزب المؤتمر في القيام بأي هجوم، ولكنها في الوقت نفسه بحاجة إلى عمل يعيد لها هيبتها وثقة الناس الأمنية بها.

وأي عمل غير التصعيد العسكري مع باكستان لا يوازي الحدث، ولأن عملا عسكرياً كبيراً قد أصبح مستبعداً حالياً نتيجة الظروف الدولية التي أوجدتها التحركات الأمريكية، لذلك فإن حكومة حزب المؤتمر في حيرة من أمرها، فهي تبحث عن إجراء ساخن مناسب تقوم به تجاه باكستان، وفي الوقت نفسه لا تستطيع... وهذا هو سبب الحيرة...

وحتى يفهم هذا الأمر جيداً، لنعد قليلا لتسلسل الأحداث:

1- في نهاية الشهر الماضي وبالتحديد بتاريخ 26/11/2008 وقعت هجمات في مدينة مومباي الهندية وحصلت اشتباكات بين المهاجمين وقوات الأمن الهندية استمرت ثلاثة أيام، وقد أعلن أنه قتل حوالي 200 شخص وجرح أكثر من 300 . وذكر أن عدد المهاجمين عشرة أشخاص، وأن حكومة الهند قد اعتقلت أحدهم.  وقد اتهمت الهند الباكستان بان المهاجمين قد أتوا منها، وأنهم ينتمون لجماعة عسكر طيبة وقد تدربوا في معسكراتها، وزادت من وتيرة الاتهامات فيما بعد إلى أن قالت إن هؤلاء قد تدربوا على أيدي المخابرات الباكستانية.

2- على اثر هذه الهجمات واتهامات الهند للباكستان ومع بدء توتر العلاقات بين هذين البلدين نشطت الحركة الدبلوماسية للدولتين المستعمرتين اللتين لهما تأثير في تلك المنطقة ويتصارعان على النفوذ فيها وهما أمريكا وبريطانيا، واهتمت وسائل إعلامهما وصحفهما بالحدث وكأنه حدث داخلي يمس مواطنيهما:

أما بالنسبة  لأمريكا، فقد قامت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس بزيارة الهند في 3/12/2008. وفي مؤتمر صحفي مشترك جمعها مع وزير خارجية الهند براناب مخرجي، احتد الوزير بعدما قالت رايس "أن هذا وقت يتعين أن يتعاون فيه الجميع" فقال:" لقد أخبرت الدكتورة رايس بأنه ما من شك في أن الهجمات الإرهابية في مومباي ارتكبها أفراد جاءوا من باكستان ومديروهم في باكستان". فردت رايس قائلة:" إذا كان المسئولون عناصر من خارج الحكومة فان مسؤولية باكستان اتخاذ خطوات كافية ضدها والتعاون من اجل إحالة مرتكبي الهجوم للعدالة." وقالت:" أن أي رد من جانب الهند ينبغي الا يؤدي لزيادة التوتر بين الجارتين اللتين خاضتا ثلاثة حروب منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 47"(رويترز 3/12/2008)، مما يعني أن أمريكا لا تتهم الباكستان من أنها وراء هذه الأحداث، بل دافعت عنها ضمنيا، وأنها لا تريد من الهند أن تقوم بزيادة التوتر وبالتالي الهجوم على الباكستان للانتقام للضربة الموجعة التي تلقتها حكومة حزب المؤتمر الهندي.

وهكذا فقد جاءت التحركات الأمريكية المكثفة بعد هذه الهجمات للَجْم الهند. وهذا واضح من اجتماع رايس بالمسئولين السياسيين والأمنيين في الهند حيث دعتهم إلى ضبط النفس. فقام ضابط في جهاز المخابرات الهندية وعرض على رايس تقريرا استخباراتياً وقال لها: هل تريدنا واشنطن أن نصمت، انظري، إن الإرهابيين الباكستانيين ما زالوا يتسللون إلى الهند بحرية تامة عبر المناطق الحدودية ( موقع الرأي 5/12/2008). وقد ذكر هذا الموقع "الرأي" مع خبره الآنف؛ أن مصادر عسكرية أكدت إن الأسطول الأمريكي قام بتركيز قوات كبيرة في أعقاب تفجيرات مومباي في بحر العرب والخليج العربي قبالة الهند وباكستان وإيران. وهذا لمخاوف أمريكية لحدوث مواجهات مسلحة بين الهند والباكستان، فوصلت حاملة الطائرات جون ستينيس على متنها 80 طائرة مقاتلة و3200 جندي، فصار عدد حاملات الطائرات هناك ثلاثاً منها حاملة الطائرات ثيودور روزفلت وحاملة الطائرات ايفو جايما وعليها قوات ضخمة من المارينز وقوات دورية بحرية. وقام رئيس هيئة الأركان الأمريكية مولن بزيارة الهند في 2/12/2008.

3- وقد توجهت رايس بعد الهند إلى الباكستان ومدحت الحكومة الباكستانية، فقالت إن الحكومة الباكستانية المدنية الفتية ملتزمة التزاما تاما بالحرب على الإرهاب ولا ترغب بربط اسمها بالعناصر الإرهابية" ( الإذاعة البريطانية 4/12/2008). وهذا يدل على دعم أمريكا للباكستان في وجه الهند. و كذلك فقد قام رئيس الأركان الأمريكي مولن بزيارة الباكستان، وذكر بيان رسمي صدر عن السفارة الأمريكية في إسلام أباد بأنه أي مولن قد "لمس لدى المسئولين الباكستانيين قناعة واضحة بان المأساة التي وقعت في مومباي تمثل تصعيدا خطيرا في تطور هجمات الإرهابيين وتهديدا متزايدا للمنطقة بأسرها" ( الجزيرة 3/12/2008)، للدلالة على أن باكستان بعيدة كل البعد عن أحداث مومباي لأنها تصفها بالتصعيد الخطير! وقد تكررت زيارات الأمريكيين للباكستان فذهب وفد من الكونغرس برئاسة جون ماكين المرشح السابق للحزب الجمهوري الأمريكي. وكل ذلك لدعم عملائهم فيها وللتخفيف من مخاوفهم من شن الهند عملية عسكرية ضدهم فيضطرون لسحب الجيش الباكستاني الذي يحارب المسلمين لحساب أمريكا في منطقة وزيرستان والقبائل إلى الحدود الهندية للرد على الهجمات الهندية المحتملة!.

كما قام مساعد وزير الخارجية الأمريكية  جون نغروبنتي في 11/12/2008 بزيارة الباكستان بعد قرار مجلس الأمن الذي صدر في 10/12/2008 المتعلق بوضع حركة الدعوة وأربعة من مسئوليها على قائمة الإرهاب، وقد اعتقلتهم الحكومة الباكستانية وداهمت مكاتب هذه الحركة وأغلقتها. فيظهر أن أمريكا أرادت بذلك إرضاء الهند وإسكاتها، فطلبت من الباكستان تنفيذ القرار فورا بدون تأخير، حتى لا تقوم الهند بشن عملية عسكرية ضد الباكستان مما سيحرج عملاء أمريكا فيها سواء رئيس الجمهورية زرداري أو رئيس الوزراء جيلاني، فيؤدي لزيادة النقمة على النقمة الزائدة عليهما من الشعب الباكستاني بسبب تلبيتهما لمطالب أمريكا في محاربتها للإسلام والمسلمين، لأنها تريد أن تبقي وظيفة عملائها في الباكستان محصورة في حرب الإسلام والمسلمين في الباكستان وأفغانستان، لا أن ينشغلوا بحرب مع الهند ويتركوا تلك الجبهة المهمة لأمريكا والخطرة على وجودها ونفوذها العالمي.

4- أما الانجليز فقد تحركوا هم أيضا على أعلى المستويات ولكن في خط غير متلاقٍ مع الأمريكيين، فقام رئيس الوزراء البريطاني براون وزار نيودلهي في 14/12/2008 واجتمع مع رئيس الوزراء سينغ وأعلن دعمه للموقف الهندي فقال :( نعلم أن "لشكر طيبة" مسئولون عن الهجمات ويجب أن "يجيبوا" عن هذه المأساة الكبرى) "الجزيرة 14/12/2008". هذا ما صرح به بروان في الهند، ولكنه عندما قام بزيارة لباكستان بعد الهند، كان موقفه هناك مطالبة الباكستان بمحاربة المسلمين، واستعد بتقديم ما قيمته 9 ملايين دولار  للباكتسان لمساعدتها  في موضوع ما يسمى بمحاربة الإرهاب!. وقد نشرت الصحف الانكليزية أخبارا تتهم فيها الباكستان بوقوفها وراء هذه الهجمات، وأنهم أي المهاجمين تلقوا تدريبات على يد الجيش الباكستاني. فقالت صحيفة صنداي تايمز في 8/12/2008 أنها اطلعت على تقرير للمخابرات الهندية يزعم أن الرجال العشرة الذين هاجموا مومباي هم من مجموعة من 500 شخص تلقوا تدريباتهم على يد قوات الجيش والبحرية الباكستانية. وذكرت هذه الصحيفة عن مصادر مقربة من جهاز المخابرات الهندي قولها " إن أي هجوم جديد على الهند قبل الانتخابات العامة القادمة سيجعل الحرب بين البلدين حتمية". وهذا دليل على أن الانجليز وعملاءهم في الهند يبحثون عن عملية عسكرية ضد الباكستان تعيد ثقة الشعب الهندي في حكومة حزب المؤتمر قبل الانتخابات العامة القادمة.

5-انه من المعلوم أن حزب المؤتمر الهندي عريق بعمالته وموالاته للانجليز، وأنه قادم على انتخابات في شهر أيار/ مايو القادم لعام 2009، والكفة تميل لصالحه بسبب ما ينشر ويذاع من أن الهند حققت في عهده زيادة في النمو الاقتصادي مما اوجد لديها ازدهارا اقتصاديا، عدا ما اظهره من تحقيق عهده انجازات كبيرة في التقدم العلمي وفي غزو الفضاء وفي تطوير السلاح. وبذلك فانه يأمل بالنجاح في الانتخابات القادمة. فعندما وقعت أحداث هذه الهجمات الأخيرة في مومباي وهزت الهند وحكومتها هزة قوية؛ وجدت الأحزاب المعارضة في الهند وعلى رأسها حزب بهاراتيا جاناتا الموالي لأمريكا والذي سقط في انتخابات أيار/مايو عام 2004، وجدت فرصة سانحة لزعزعة موقف حكومة حزب المؤتمر واتهمت هذه الأحزاب رئيس الوزراء سينغ وحكومته بالضعف فيما يتعلق فبي الموضوع الأمني، وبالعجز  على مسك خيط مسببي هذه الهجمات كما ذكر، وبذلك يزداد حرج الحكومة الهندية وهي مقبلة على انتخابات بعد شهور عدة. ومن المعلوم  أيضا أن حكومة بهاراتيا جاناتا قد سقطت بعد هجمات عدة، وتفجيرات حدثت في عهدها ولم تتهم الباكستان أنها من ورائها بل اتهمت الحركة الطلابية الإسلامية داخل الهند، ومع ذلك اتهمت بالضعف والعجز والتقصير من قبل حزب المؤتمر الذي كان يرأس المعارضة يومئذ. وكان حزب بهاراتيا جاناتا قد اظهر نجاحه في مواجهة الباكستان، عندما ضغطت أمريكا على حكام الباكستان ليقدموا لحكومة هذا الحزب الهندوسي تنازلات مهينة ومشينة في موضوع القضية الكشميرية. فنجح في الانتخابات السابقة وبقي في الحكم من عام 1999 حتى عام 2004. والآن يستعمل الموضوع الأمني لزعزعة الثقة في حكومة حزب المؤتمر، ويظهر انه سلاح فعال في هذا الشأن. وقد ذكر موقع الرأي الالكتروني بتاريخ 5/12/2008 عن أن جهاز المخابرات الهندي نقل تقارير أن هناك هجمات محتملة ضد المطارات الهندية واختطاف طائرات واستخدامها في مهاجمة مدن رئيسية.

6- ويستنتج من ذلك انه لا ينقذ حكومة حزب المؤتمر الهندية ويعيد لها الثقة التي اهتزت إلا تنازلات من الباكستان تطالب بها كتسليمها 20 شخصا مطلوبا لديها يعيشون في الباكستان أو شن عملية عسكرية تحقق بها انتقاما لهجمات مومباي أو تظهر فيها انتصارا على الباكستان

ولأنه يصعب على الباكستان في ظل هذه الظروف ان تسلم المطلوبين للهند، حيث صرح وزير الدفاع الباكستاني احمد مختار برفض بلاده تسليم أي من المطلوبين للهند.( الحياة 8/12/2008)، وذلك لأن هذا يضعضع الثقة المهتزة أصلا لدى الباكستانيين في حكامهم من رئيس الجمهورية إلى رئيس الوزراء، ويقوي موقف حكومة حزب المؤتمر الهندي الذي لا تريد له أمريكا قائمة إلا إذا تبعها.

ولأن الأمريكيين يعملون بكل قواهم على ردع الهند وإخافتها من الهجوم على الباكستان،  فذلك يضيع الفرصة على الأمريكيين لإسقاط الحكومة الهندية الحالية هناك، وهم يبرزون التفاف الشعب الباكستاني حول قادته  في محاربة الهند، فقد كتبت صحيفة واشنطن بوست في 8/12/2008 بأن الشعب بدأ يرص صفوفه حول قادته في الباكستان وحتى المقاتلين من طالبان الباكستان اظهروا استعدادهم لقتال الهند بجانب الجيش الباكستاني إذا ما تعرضت بلادهم لهجوم من قبل الهند، وأوردت الصحيفة تصريحات لبعض قادة طالبان الباكستان مثل مولوي نذير وبيت الله محسود عن استعدادهم لقتال الهند بجانب الجيش الباكستاني، فأظهرت أن الكل مستعد لقتال الهند حتى المناوئين للحكومة الباكستانية... هذا بالإضافة إلى محاولات أمريكا التي ذكرناها من حيث إضعاف الاتهام الهندي لباكستان، ثم جعل باكستان تبدي مرونة زائدة تجاه الهند من استعدادها لاعتقال كل باكستاني يثبت أن له ضلعا في الأحداث، وأن باكستان مستعدة للمشاركة في التحقيق، كما أنها اعتقلت عددا من جماعة الدعوة... كل ذلك سبب حرجا للحكومة الهندية في القيام بعمل عسكري كبير.

وهكذا، فإن حكومة حزب المؤتمر بحاجة إلى عمل ساخن على مستوى أحداث مومباي ينقذها من السقوط في الانتخابات، ولكنه يصعب عليها القيام بعمل عسكري كبير يوازي أحداث مومباي نتيجة الظروف الدولية التي أوجدتها التحركات الأمريكية، وكذلك فليس من السهل على باكستان أن تسلمها مطلوبين...وعليه فقد كانت تلك الحيرة التي تحيط بحكومة حزب المؤتمر لاتخاذ قرار حاسم.

هذا من حيث الحيرة.

7- أما واقع الحدث، فإنه حدث دولي استغل وقائع على الأرض الهندية، وذلك واضح مما يلي:

أ- ما ذكرناه سابقا عن تحركات أمريكا وبريطانيا، فور وقوع الحدث، ما يدل على اهتمام الفريقين بما جرى ويجري في الهند وجارتها باكستان.

ب- بتدبر تصرفات أمريكا وإنجلترا يتبين أنهما يسيران في خطين متعاكسين، فإن بريطانيا تؤيد الهند وتدعمها في اتهام باكستان بأنها وراء التفجيرات بشكل واضح، وأمريكا تضعف أدلة الاتهام، وتبين خطر التصعيد العسكري.

ج-إن هجمات مومباي ليست لصالح حكومة حزب المؤتمر الهندية، بل هي تشوش عليها في سيرها، وتزعزع الثقة بها لدى شعبها ومؤيديها، فتقلل من حظها في كسب الانتخابات القادمة، وتضعضع من موقفها الإقليمي والدولي...

د- لقد وجد عملاء أمريكا في الهند في تلك الهجمات فرصة ذهبية سنحت لهم  لتقوية مواقفهم الضعيفة وحظوظهم الضئيلة في كسب الانتخابات القادمة، وذلك بالقيام  بمعارضة قوية تقوي حظوظهم في الانتخابات. وهذا عين ما تريده أمريكا من جعل حكومة حزب المؤتمر الموالية للانجليز تسقط في الانتخابات القادمة ويأتي عملاؤها مرة أخرى.

والخلاصة من ذلك أن الراجح  هو أن وراء هذه الأحداث أمريكا وعملاؤها، سواء أكان ذلك مباشرة أم غير مباشرة، أي سواء أكانت أمريكا وعملاؤها هم المخططين المنفذين أم استغلوا دوافع الانتقام الموجودة لدى بعض الجهات المظلومة بقسوة في الهند ، وشجعوها للانتقام لنفسها بتلك الهجمات، فيكون عملها مصلحة لتلك الجهات المظلومة، في حين أنها مستغلة سياسيا لصالح أمريكا، وبخاصة وأن الهند مكونة من العديد من الطوائف الدينية والأعراق غير المتجانسة، فإلى جانب العديد من الحركات الكشميرية المعروفة يوجد هناك العديد من الحركات الهندية الانفصالية من مثل  جبهة التحريرِ المتّحدةِ في السام، والجبهة الوطنية الديمقراطية في بودلاند، وجبهة التحرير الوطني لتروبورا، وجبهة تحرير برو الوطنية، وارنجال لقوة التنين، وقوة تحرير كالستان، وغيرها الكثير من الحركات، وإضافة لهذه الحركات فإن هناك العديد من الحركات الهندوسية التي تستهدف المسلمين والمسيحيين، كحزب "بهارتا جاناتا" الذي ما فتئ يستخدم شعار المناهضة ضد المسلمين لأغراض انتخابية. هذا فضلا عن الدولة الهندية نفسها التي تستخدم الأعمال الوحشية كحرق المسلمين أحياءً كما فعلت في "غجرات"  وكاستمرارها في قمع المسلمين وقتلهم في كشمير على مدار ستة عقود خلت.

وهكذا فإن واقع الطوائف المتعددة في الهند، وواقع الظلم الذي تمارسه الطبقة الحاكمة في الهند، وبخاصة تجاه المسلمين، يجعل الهند منطقة حبلى بالتفجيرات وأحداث العنف المختلة.

فإذا أضيف لكل ذلك أن أمريكا بعد أن بذلت الوسع في مجيء عميلها فاجبايي إلى الحكم تمكن حزب المؤتمر العريق في الولاء للإنجليز من العودة مجدداً إلى الحكم في الهند، وهو كان يدرك أن أمريكا لن تقبل خروج نفوذها من الهند بسهولة، ولذلك فإن حزب المؤتمر من البداية قد جاء لحكومته برئيس وزراء ليِّن مع أمريكا "سينغ" لتخفيف ضغوط أمريكا على حزب المؤتمر، ومع ذلك فقد كثفت أمريكا نشاطها تجاه الهند، تارة بالإغراء بعقد اتفاقات نووية ومساعدات اقتصادية، وتارة بإثارة الاضطرابات واستغلال ظلم النظام الحاكم في الهند على الأقليات... لخلخلة وضع حزب المؤتمر الانتخابي في الانتخابات القادمة. ثم كانت أحداث مومباي هي الحدث الضخم في هذه السلسلة من المحاولات الأمريكية لعودة عملائها إلى الحكم في الهند بدل حزب المؤتمر العريق في موالاته للإنجليز.

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع