السبت، 11 شوال 1445هـ| 2024/04/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

(سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي")

 

جواب سؤال

 

ما هي البدعة، وما حدُّها؟

 

وما الفرق بينها وبين "من سن سنة حسنة"؟

 

إلى Radwan Yusuf

 

 

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سؤالي أرجو أن يجيب عنه الأمير وهو ضروري جدا. ما هي البدعة وما حدها؟ وما الفرق بينها وبين من سن سنة حسنة؟ وهل عدم فعل النبي ﷺ لشيء يعد دليلا شرعيا يصح الاستدلال به؟ فكثيراً ما نناقش بعض الجماعات فيقول لك بدعة ما فعلها النبي ﷺ. السؤال مهم بارك الله فيكم. أود توضيحاً وأرجو أن تكون في الإجابة أمثلة حتى يتيسر لنا الفهم.

 

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

لقد سبق أن أصدرنا جواب سؤال حول موضوع البدعة في 18/9/2009، ثم نشرنا جواباً لسؤال أحد الإخوة في الفيس حول البدعة في 6/6/2015، ويمكنك الرجوع إليهما... ولكنني سأُجمل لك ما فيه الكفاية لسؤالك إن شاء الله:

 

1- البدعة هي مخالفة أمر الشارع الذي وردت له كيفية أداء... وهذا المعنى هو مدلول الحديث: «وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» [البخاري ومسلم]. فإذا فعل الرسول ﷺ فعلاً يبين فيه كيفية أداء أمر في الكتاب أو السنة ثم أديت أنت ذلك الأمر على خلاف فعل الرسول ﷺ، فتكون قد أتيت ببدعة وهي ضلالة وفيها إثم كبير:

 

- مثلاً: يقول الله سبحانه ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ، فهذه صيغة أمر، ولكنه لم يُترك للإنسان أن يصلي كما يريد، بل بيَّن الرسول ﷺ بفعله كيفية الأداء من إحرام وقيام وقراءة وركوع وسجود... أخرج أبو داود عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ، عَنْ عَمِّهِ... فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ، فَيَضَعَ الْوُضُوءَ - يَعْنِي مَوَاضِعَهُ - ثُمَّ يُكَبِّرُ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، وَيَقْرَأُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ، ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ...»، فمن خالف هذه الكيفية فقد جاء ببدعة، فمن سجد ثلاث سجدات بدل سجدتين فقد جاء ببدعة وهي ضلالة...

 

- ومثلاً قال سبحانه ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾ وهذه صيغة أمر بالحج "خبر في معنى الطلب"، وكذلك بيَّن الرسول ﷺ بفعله كيفية أداء الحج... أخرج البخاري عن الزُّهْرِيِّ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ إِذَا رَمَى الجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا، فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، وَكَانَ يُطِيلُ الوُقُوفَ، ثُمَّ يَأْتِي الجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ اليَسَارِ، مِمَّا يَلِي الوَادِيَ، فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو، ثُمَّ يَأْتِي الجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ العَقَبَةِ، فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا»، فمن خالف هذه الكيفية بأن رمى ثماني حصيات بدلاً من سبع فقد جاء ببدعة.

 

وهكذا فإن كثيراً من العبادات قد بيَّن الرسول بفعله كيفية أدائها فمن خالف فعل الرسول في الأداء فقد أتى ببدعة وهي ضلالة وفيها إثم كبير.

 

* وهذا يعني أن البدعة تقع في مخالفة الفعل الذي بيَّنه الرسول ﷺ. وأما القيام بفعل لم يفعله الرسول ﷺ ولم ينص على كيفية أدائه فإنه يقع في باب الأحكام الشرعية من خطاب التكليف أو خطاب الوضع، فأن يسجد الرسول ﷺ سجدتين وأنت تسجد ثلاثاً فقد أتيت ببدعة، لأن الرسول ﷺ سجد سجدتين وأنت سجدت ثلاثاً بخلاف فعل الرسول ﷺ. وأما إن فعلت فعلاً لم يفعله الرسول ﷺ كأن ركبت سيارة والرسول ﷺ لم يركب سيارة فلا يقال إنك أتيت ببدعة، بل يُدرس هذا الفعل حسب الأحكام الشرعية فيقال رُكب السيارة مباح وهكذا...

 

2- مخالفة أمر الشارع الذي لم ترد له كيفية أداء، بل ورد عاماً أو مطلقاً، فإنه لا يقع في باب البدعة، بل في باب الأحكام الشرعية، فيقال عنها "حرام، أو مكروه..." إن كان خطاب تكليف، أو يقال "باطل أو فاسد..." إن كان خطاب وضع، وذلك حسب القرينة المصاحبة:

 

* فمثلا قوله ﷺ «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» [أخرجه البخاري]، فهنا أمر بالسلم "السلف" بصيغة الجملة الشرطية، فقد أمر أن يكون السلم في كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم، ولكن لم يبين الشارع كيفية إجراءات الأداء، كأن يقف العاقدان أمام بعضهما، ويقرءا شيئاً من القرآن، ثم يتقدما خطوة إلى الأمام، ويتعانقا ثم يتخاطبا في موضوع السلم... وبعد ذلك يتم الإيجاب والقبول... ليس الأمر كذلك، فلم يبين الشرع إجراءات الأداء، بل تركها عامة وفق اتفاقهما، ولهذا فإن من أسلف "أي عَقَد عقد السلم" بخلاف أمر الشارع، أي دون كيل معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم، لا يقال إنه جاء ببدعة، وإنما يقال إن هذا العقد المخالف لأمر الشارع هو باطل أو فاسد وفق نوع المخالفة.

 

* ومثلاً أخرج مسلم عن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى»، فلو خالف مسلم هذا الحديث فباع الذهب بالذهب بزيادة، وليس وزناً بوزن، فلا يقال إنه أتى بدعة، بل يقال إنه ارتكب حراماً، أي الربا... وذلك لأنه لم يبين فيه إجراءات للأداء كما بينَّا، بل تُرك عاماً وفق اتفاقهما.

 

* ومثلاً يقول الرسول ﷺ «فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» [البخاري]، فمن تزوج بغير ذات الدين لا يقال عنه إنه أتى ببدعة، بل يُدرس الحكم الشرعي المتعلق بزواج غير ذات الدين، وذلك لأن الشرع لم يبين إجراءات عملية في الاختيار مثلاً أن يقف الخاطب أمامها ويقرأ آية الكرسي، ثم يتقدم خطوة ويقرأ المعوذتين، ثم يتقدم خطوة أخرى ويسمي الله، ثم يمد يده اليمنى ويتقدم بالخطبة... بل تُرك الأمر حسب شروط الانعقاد وشروط الصحة، وبذلك تكون دراسة المخالفة في باب الحكم الشرعي وليست في باب البدعة.

 

* ويؤكد هذا ما ورد في الأحاديث الشريفة من وصف مثل هذه المخالفات بالحكم الشرعي وليس بالبدعة:

 

- عن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ لَمْ يُنْكِحْهَا الْوَلِيُّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ...» أخرجه ابن ماجه. وهنا وُصف الزواج دون ولي بالباطل وليس بالبدعة.

 

- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ في حديث الأضاحي «... وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ...» أخرجه مالك. وهنا ذكر أن المسكر حرام ولم يذكر بدعة.

 

- وعن أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ حَرَامٌ». أخرجه مالك. وذُكر هنا أنه حرام وليس بدعة.

 

- وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَيْرٍ يَعْنِي الْغَافِقِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ «أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ وَأَخَذَ ذَهَبًا فَجَعَلَهُ فِي شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» أخرجه أبو داود. وهنا وُصفت المخالفة بالحرام.

 

وهكذا فإن جلَّ، إن لم يكن كل، المعاملات والعقود، هي عامة أو مطلقة وفق شروط الصحة وشروط الانعقاد الواردة في الشرع، وليس فيها إجراءات تنفيذية للأداء كما هي في كثير من العبادات، ولذلك فإن المخالفات فيها تكون غالباً في باب الأحكام الشرعية وليست في باب البدعة.

 

 

3- والخلاصة:

 

* مخالفة الكيفية التي فعلها الرسول ﷺ في أداء أمر من الكتاب والسنة، هذه المخالفة تكون بدعة، وفيها إثم كبير، فيجب أن يؤدى الأمر كما أداه الرسول بفعله.

 

* أما إذا لم يفعل الرسول ﷺ فعلاً وأنت فعلته، فيكون بحثه في باب الأحكام الشرعية من حيث خطاب التكليف أو خطاب الوضع، ومن ثم يتبين الحكم الشرعي فيه أهو فرض أم مندوب أم مباح أم مكروه أم حرام... أم باطل أم فاسد...

 

* مخالفة أمر الشارع المطلق أو العام الذي لم يبين الشارع له كيفية أداء، تكون هذه المخالفة واقعة في الأحكام الشرعية "التكليف - حرام، مكروه،..." أو "الوضع - بطلان، فساد.."

 

4- أما سؤالك عن "من سن سنة حسنة..."، فهذا موضوع آخر وهو يعني أن من سبق لأداء ما أمر به الشرع فشجَّع الآخرين فتبعوه، فإن له مثل أجرهم دون أن ينقص من أجورهم شيء... ومن سبق لفعلِ ما نهى الشرع عنه فشجَّع الآخرين فتبعوه، فعليه مثل وزرهم دون أن ينقص من أوزارهم شيء، والدليل على ذلك:

 

- أخرج مسلم في صحيحه عن جرير بن عبد الله، قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَيْهِمِ الصُّوفُ فَرَأَى سُوءَ حَالِهِمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ حَاجَةٌ، فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَأَبْطَئُوا عَنْهُ حَتَّى رُئِيَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ بِصُرَّةٍ مِنْ وَرِقٍ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ». وواضح من الحديث أنهم تباطأوا عن الصدقة ثم إن رجلاً من الأنصار أسرع بالصدقة فتبعه الآخرون حتى عرف السرور في وجه الرسول ﷺ.

 

آمل أن يكون في هذا الكفاية بإذن الله.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

رابط الجواب من صفحة الأمير على الفيسبوك

رابط الجواب من موقع الأمير


رابط الجواب من صفحة الأمير على الغوغل بلس

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع