الخميس، 23 شوال 1445هـ| 2024/05/02م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

هل اكتشف أهل اليمن أنهم كانوا يقدسون صنما من تمر؟!!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لقد تغنى بالوطنية الكثيرون وقام سدنتها المنتفعون منها بتزيينها وإضفاء القداسة عليها وترسيخها عند الشعوب، لكنهم وللأسف لم يدركوا أن الوطنية وحب الوطن أمر ناتج عن المشاعر فلا يمكن ضبطه على إيقاع ولا يمكن أن يكون رابطة تربط بين أهل اليمن أو بين قاطني أي قطر من الأقطار، إذ لا تنبثق من الوطنية أية حلول لمشكلات ساكني ذلك القطر ولا تصلح أن تكون رابطة مستقرة تربط فيما بينهم، فهي تعود بهم إلى انتكاسة الحمأ والطين، وسرعان ما اكتشف مقدسوها الغرائزيون المخدوعون أنهم لم يكونوا يقدسون إلا صنما من تمر؟!!


لقد كانت رابطة العقيدة الإسلامية هي التي تربط المسلمين مع المسلمين ولو كانوا في الصين مهما كانت الاختلافات الاجتهادية موجودة ما دامت العقيدة الإسلامية نفسها قد حددت ضوابط وحدود تلك الاختلافات وعينت الجهة التي لها الحق في البت فيها، في ظل دولة راشدة تحكم بشرع الله وتحمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد فيدرك المسلمون واجبهم ويعيشون بمسئولية فيحملوا رسالتهم رغم هذه الاختلافات مستشعرين أنهم محل قدوة للعالم فتختفي الآثار السلبية لتلك الاختلافات.


لم تكن لدى المسلمين مشاكل استعصت فجاءت الوطنية الغرائزية أو المستوردة من الاستعمار لتحلها، ولم يكن المسلمون آنذاك ينقصهم فيتامين الوطنية ليدافعوا عن بلاد الإسلام التي استظلت بنوره وعدله، بل إن مشكلة المسلمين تفاقمت بعد أن غُذي المسلمون بالوطنية الاستعمارية التي مزقتهم فانحطوا وأصبحوا كالبهائم لا يفكر المرء إلا بنفسه ومكانه، ورفعت شعارات اليمن أولا عند أهل اليمن، والأردن أولا عند أهل الأردن، وهكذا في كل قطر من بلاد المسلمين، لقد هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة دون أن يقيم وزنا للمكان الذي تربى فيه إلا أنه يحبه لأنه أطهر البقاع وأحبها إلى الله وبالتالي أحبها إليه عليه الصلاة والسلام، لا لأنها وطنه ومحل سكنه، فكان أن أبدله الله رجالا مهاجرين وأنصارا تجسد فيهم المبدأ فحملوه ولم يركنوا إلى بلادهم بل حملوا الإسلام رسالة هدى ونور بالدعوة والجهاد حرصا منهم على إرضاء الله وتبليغ دينه، وكذا حرصا على البشرية التي كانت تعيش الشقاء والاستعباد لبني البشر نتيجة العقائد المفروضة عليها بالحديد والنار والتي لا تقنع العقل ولا توافق الفطرة، بالإضافة إلى الأنظمة التي كانت تحُكم بها فلا تعالج المشكلات ولا تنظر للقيم العليا للمجتمع مما جعلها بعيدة عن السعادة إلا من مفهوم قاصر بدائي بهائمي مفاده أنها إشباع الجوعات والشهوات.


وفعلا لقد دخل الناس في دين الله أفواجا عن قناعة وطواعية وخضعوا لنظام الإسلام وإن لم يدخلوا فيه، وفتحوا عقولهم وأبواب بلادهم طوعا ليدخلها الفاتحون المسلمون بعد أن اطمأنوا إلى قدرة النظام الإسلامي على حل مشكلات الناس واطمأنوا كذلك إلى عدالة القائمين عليه، حتى بدا الغرب يفكر وخاصة فرنسا كيف يقفون سدا منيعا أمام تلك الفتوحات فإذا به يتبنى فكرة الوطنية حيث لم تكن العقيدة النصرانية عقيدة سياسية فلم تستطع أن تربط بين معتنقيها على اختلاف مذاهبهم في اليمن رغم ما يعانيه أهله جميعا من جراء الصراعات والحروب التي تعصف بهم سواء من الداخل أو من الخارج، أصبح أهل اليمن جميعا يدركون أن الصراع الذي يعصف ببلدهم إنما هو صراع خارجي يحقق مطامع الدول الكبرى وخاصة أمريكا التي تريد الاستئثار بالعالم واعتباره حظيرة من حظائرها، فهي تعمل لطرد وإزالة النفوذ الاستعماري القديم المسطر بسايكس - بيكو ثم تعيد صياغة المنطقة حسب إحداثيات جديدة تكمن فيها عوامل الضعف لهذه الأمة بما يفتتها ويثير فيها الفتن فتُتحقق سياسات الغرب الاستعمارية.


لقد وقعت القوى السياسية في اليمن والتي قرارها ليس ذاتيا وما عاد أحد يكابر في ذلك فالممول أو الممون هو الذي يملك القرار، وهذه القوى مربوطة بقوى في المنطقة وبالأخص السعودية وإيران حيث كل منهما يلعب الدور المرسوم له من قبل سيده الغربي ثم يكون الضحية أهل اليمن، وإذا بالناس في اليمن رغم ذلك منقسمون يكيل كل واحد منهم للآخر أنه ليس وطنيا، ويحاول كل واحد أن يلقي باللوم على الآخر، فلا الوطنية جمعتهم ولا هم يحزنون - كما يقال - بل إنها فرقتهم وجعلت كل طرف من أطراف الصراع يستولي على البلد ومقدراته من ثروة وسلطة بحجة الحفاظ على الوطن!! وبالمقابل هناك من نادى واستغاث وابتهج حينما أتت دول المنطقة بالحرب فعصفت بالجميع، وحجة هذا في ابتهاجه أن هؤلاء أتوا ليعيدوا الوطن المسلوب إلى أصحابه الشرعيين!!


لقد أخبر الله سبحانه على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن هدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم، فلماذا لا يلتفت هؤلاء المتقاتلون والمبررون للقتل والاقتتال إلى حرمة الدماء بين المسلمين وحرمة أموالهم وأعراضهم وأمنهم وكرامتهم وينطلقوا لحل مشكلاتهم بمعالجات دينهم بدل الضجيج والنحيب بمصطلحات لا يترتب عليها إلا الشقاء والشقاق وغضب الله سبحانه وتعالى؟!


لقد سخر الله الكون وهذه الأرض لهذا الإنسان ليعمرها بما أراده سبحانه وجعله مستخلفا فيها لتكون كلمة الله هي العليا فينال الناس حقوقهم وتصلح أوضاعهم وتحقن دماؤهم، ثم يأتي هؤلاء الوطنيون ليستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، أفلا يعقلون؟!


كل طرف من أطراف الصراع يقول لك (أنا وطني)، لكن سرعان ما تتبدد هذه الوطنية إذا ما حُجّمت مصالحه وأحس أنه لن يكون له النصيب الأكبر من الكعكة، حينها فإنه لن يمانع أن تضم اليمن لإيران أو إلى السعودية (كمثال على ذلك ما جاء على لسان عبده الجندي ناطق حزب المؤتمر في مقابلة معه). كل ذلك بدافع التعصب الأعمى وسيستعين بالشيطان وسيأتي بالأدلة التي كان ينكرها ويسفهها والتي تدعو وتوجب أن تكون بلاد المسلمين واحدة وسيلعن اتفاقية سايكس - بيكو مما يجعلك تظن أن منسوب الإيمان لديه قد ارتفع وهو في الحقيقة ليس إلا دوار مع مصلحته وشهواته كالريشة في مهب الريح وليس له من مبدأ - إلا من تاب وأخلص فتاب الله عليه - مع أن هذا الموقف الذي اتخذه مؤخرا هو موقف شرعي ويجب تأييده والعمل له، ما لم يكن في هذه الوحدة بين بعض أقطار المسلمين ما يزيد من تسلط الكفار بنفوذهم الفعلي على تلك الأقطار المتوحدة.


هذه هي الوطنية تناقض من النقيض إلى النقيض وانحطاط إلى الحضيض، فلا يقولن أحد من مناصري الوطنية أن الشعب لم يفهمها بعد!! فقد روج لها هؤلاء الذين يتشدقون بها لعقود لكنهم كانوا أول من أكلوها لما تعارضت مع مصالحهم الخاصة.


الوطنية وما أدراك ما الوطنية، إن كانت بمعنى الحنين إلى البلد الذي تقطنه فهي بهذا تكون مظهرا من مظاهر غريزة البقاء تجدها حتى عند الحيوان، وحب البلد، هكذا دون اعتبار لعوامل أو اعتبارات أخرى إلا العاطفة؛ فهذا عند كل الناس مسلمهم وكافرهم، أما حين أوجب الشرع أو ندب أو أباح للإنسان الدفاع عن أرضه أو ماله فيجب فهم ذلك الحكم كما أمر الله، وبالاعتبارات المعتبرة شرعا؛ فالمسلم يجب عليه أن يكون سلم القيم لديه مرتبا، فحب الله ورسوله في سلم القيم وما أحبه الله ورسوله لا بد أن يحبه كل مسلم؛ فمكة يجب أن تكون أحب للمسلم من بلده، وإن كان لم يرها أو يسكن فيها، وكذا كل أرض مقدسة قدسها الشرع وأعطاها الأولوية والمكانة فيجب أن يكون حبها مقدماً على غيرها لأن الله ورسوله أمرا بذلك، والمسلم لا بد أن يسير هواه وميوله وأعماله وتصرفاته بالأحكام الشرعية وليس لاعتبار المنفعة والمصلحة والعاطفة وغيرها.


أما إن كانت الوطنية بمفهومها الاستعماري الوافد إلينا بقوة الحديد والنار من دول الاستعمار والتي جعل إطارها وحدودها اتفاقيات التمزيق الاستعمارية القديمة أو القادمة التي يخطط لها - نسال الله أن يرد كيده في نحره - فهذه ليست من الإسلام كذلك وهي أشد جرما وتفتيتا للأمة من تلك الوطنية الغرائزية التي لا تعدو أن تكون تعبيرا مشاعريا عن الحنين إلى الموطن أو المسكن، حيث الأولى منعت وحدة بلاد المسلمين وجسدت الحدود وكرست الفرقة ومنعت أن يكون تولي مناصب الدولة العليا في أي قطر إلا من شخص يحمل ما يعبر عنه بالجنسية لذلك القطر فجعلت من الوطنية رابطة ورتبت عليها حقوقا وواجبات مخالفة للإسلام.


هكذا ضاعت بلاد المسلمين وقسمت بخنجر القومية والوطنية حتى أصبحت الأولويات غير مرتبة على أساس الشرع؛ فصار الوطنيون يقولون اليمن أولا لكنهم لم يراعوا حتى يمنهم فضيعوا اليمن وضيعوا قبلها تحت ذات الوطنية فلسطين وغيرها من بلاد المسلمين، فعن أي أمن قومي تتحدث السعودية وإيران دول النفاق والشقاق والعمالة ومن هم على شاكلتها من أنظمة السوء ولأي وطنية يقدسون.


لقد غدت الحيوانات المفطورة غريزيا على الحنين إلى الموطن تعاف من الانضواء ضمن سياجات وحدود ولو تركت حرة لسافرت عبر أقطار الأرض، أما نحن المسلمين - والعصر عصر التكنولوجيا والاتصالات - فقد انحططنا إلى أسفل مستوى من درك الحيوان ورضينا أن نكون قطعانا مسجونة في سجون الوطنية البهائمية في ظل أنظمة بوليسية بعيدة عن شرع الله... والله المستعان، لكن ذلك لن يطول بإذن الله فستذوب هذه الحدود وتزول الطواغيت وتعود الأمة أمة واحدة في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة... والله على ما يشاء قدير...

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد المؤمن الزيلعي
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع