الأحد، 11 ذو القعدة 1445هـ| 2024/05/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
ردة فعل المجتمع الدولي على مأساة الروهينجا: تجاهل الإبادة الجماعية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ردة فعل المجتمع الدولي على مأساة الروهينجا: تجاهل الإبادة الجماعية

(مترجم)

 


لقد شهدنا خلال الأسابيع الماضية تزايدا لأعداد القوارب المحملة بالآلاف من الروهينجا المسلمين الذين يخوضون رحلة محفوفة بالمخاطر في عرض البحر. مع هذا، فبدلاً من أن يجدوا السلام والراحة في البلدان المجاورة، لاقوا الطرد.


أستراليا هي إحدى هذه الدول التي تتبنى حقوق الإنسان (بزعمها)، ولكن فقط عندما تخدم مصالحها العالمية والإقليمية. وبما أنها وقعت على ميثاق الأمم المتحدة، فمن الممكن لأحدنا أن يتوقع أن تتصرف أستراليا لمصلحة الضعفاء والمهاجرين، ولكنها رفضت قبول أي لاجئ سياسي وصل إليها عبر البحر.


خلال هذه المحنة قام رئيس الوزراء توني آبوت بالإدلاء بتصريحات قاسية وعنصرية مثل "إذا وصلت إلى هنا عن طريق قارب مترحل، لن تحصل على ما تريد وهو حياة جديدة في بلد غربي". وقام بتصريح سلبي وقاس آخر مثل "إذا أردت أن تبدأ حياة جديدة، يجب عليك أن تأتي من الباب الأمامي لا الخلفي".


هذه التصريحات المقيتة من شأنها الحط من شأن إخواننا وأخواتنا الروهينجا الذين خاطروا بحياتهم عبر هذه الرحلة الخطيرة نتيجة لأوضاعهم اليائسة.


هذه التصريحات تعكس السياسة الحالية الحكومية التي تتسم بالصرامة في أمن الحدود والهجرة المتعلقة باللجوء السياسي إلى البلاد على متن القوارب. لقد تبنت الحكومة سياسة عنيفة وهي "الجر إلى الخلف" وتعني إعادة القوارب المحملة باللاجئين إلى البحر، وعدم إظهار أي نوع من الرحمة تجاه من تكبدوا الكثير من المخاطر للهروب من الاضطهاد. أما بالنسبة للذين تمكنوا من الوصول إلى الشواطئ الأسترالية فلا توجد لديهم حياة حقيقية. سياسة أستراليا تقتضي توقيف الروهينجا لأشهر طويلة، وتعريضهم لأوضاع قاسية ومذلة في مراكز التوقيف مثل تلك المراكز في نورا وجزيرة مانوس في غينيا الجديدة. وبعدها يجبر اللاجئون على العودة إلى إندونيسيا من دون وجود أمل في قبولهم بالبقاء في أستراليا. تدعي الحكومة الأسترالية أن هذه السياسة الصارمة تمثل حلا لأزمة تجارة البشر التي تحصل في جنوب شرق آسيا، ولكنها حقيقة تساعد في المشكلة وتسمح باستمرارها. هذا يؤكد على أنها "المسماة" بالحلول لا تخدم مصلحة المحتاجين ولكنها فقط تؤمن هدوء تلك الدول، مما يبرز تغاضي الدول الديمقراطية عن الدفاع عن حقوق الإنسان إذا تعارضت مع مصالحها الوطنية. بعض الأرواح تساوي أكثر من غيرها، فمن الواضح أن أرواح المسلمين رخيصة في أعينهم.


تشكل هذه السياسة الأسترالية سابقة في المنطقة لأنها تعطي الدول المجاورة الأخرى الضوء الأخضر للقيام بنفس الأعمال ومنها ماليزيا وإندونيسيا اللتان تقيدان القوارب المحملة باللاجئين إلى البحر عندما تصل إلى شواطئها. وهذا يعفي أستراليا من واجبها في الدفاع عن حقوق الإنسان عندما يتعلق الأمر بمأساة الروهينجا، وترمي الكرة إلى أحضان الدول المتأثرة مباشرة بالمسألة وهي تايلاند وماليزيا وإندونيسيا، وبنغلادش وميانمار. وهكذا تتخلص أستراليا من عبء إيواء اللاجئين وتقديم المساعدات اللازمة والمؤقتة لهم أو حتى توطينهم، بل أكثر من هذا محاسبة نظام ميانمار على الإبادة الجماعية ضد الروهينجا المسلمين.


وقد حصلت وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيثوب على تأييد لتصريحاتها من وزير خارجية ميانمار الجنرال هتين لين، التي وصفت فيها الأوضاع الرهيبة للروهينجا المسلمين بأنها مسألة هجرة غير قانونية بدلا من اعتبارها أزمة لاجئين ضخمة تسببت فيها حملة تطهير عرقي ممنهجة من قبل النظام البورمي ضد الروهينجا المسلمين. هذه هي إحدى الألاعيب التي تمارس من أجل تحويل الانتباه عن أسباب الأزمة وتصويرها بأنها هجرة لأسباب اقتصادية وخسارة وظائف، وتجارة بشر بدلا من تبيان واقعها الحقيقي وهي كونها إبادة جماعية تغذى من تعصب ديني أعمى وعداوة كبيرة من البوذيين تجاه الإسلام والمسلمين.


هذا الموقف القاسي واللاإنساني هو أمر متوقع من دولة تسعى لتأمين مصالحها الوطنية وخصوصا الاقتصادية، أولا، وتضعها فوق وقبل حماية الكرامة الإنسانية والحقوق الأساسية للإنسان. والحقيقة التي لا يمكن تصورها هو كيف لهذه الدول التي تدعي بأنها منارات للدفاع عن حقوق الإنسان أن تترك الأطفال والنساء هائمين في عرض البحر بدون تقديم أي مساعدة لهم.


بالإضافة لهذا، فإن الفشل الكامل للقانون الدولي والمجتمع الدولي كما نرى من الكيانات الحالية مثل منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمة دول جنوب شرق آسيا هو فشل مروع. لقد عجزوا عن التعامل مع هذه الأزمة التي ظهرت على الساحة العالمية منذ سنوات، وهذا يبرهن على أن هذه المنظمات ما هي إلا منظمات شكلية ولا تملك أي قوة حقيقية أو أي اهتمام حقيقي لإنقاذ المسلمين الروهينجا أو أي مسلم آخر في النقاط الساخنة في العالم ولكن هذا الموقف ليس مفاجئاً. إن موقف الأمم المتحدة المحزن وغير الملائم لأزمة اللاجئين السوريين ولقتل مئات الآلاف منهم على يد المجرم بشار الأسد وأيضا عدم إرادتهم التصرف ضد كيان يهود حتى عندما قام بتفجير أبنيتهم ومدارسهم أثناء اعتدائه على قطاع غزة العام الماضي، يثبت عجزهم ووهنهم. لقد اقتصرت أفعالهم على إحصاء أعداد القتلى واستنكارات فارغة المضمون تتجاهلها الحكومات، وتقديم مساعدات محدودة، أما بالنسبة لتصريحاتها وقوانينها الدولية وقراراتها، فما هي إلا ضجة إعلامية لا يسمعها أحد في خضم حملات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المسلمون في العالم. هذا لأنها مجردة من القدرة على القيام بعمل حقيقي لوقف نزيف الدماء والاضطهاد في ميانمار وغيرها إلا إذا تلقت الأمر بذلك من أسيادها الدول الغربية.


فكيف إذن كانت ردة فعل الدول الغربية تلك تجاه الأزمة؟ لقد اختاروا تجاهل هذه الإبادة الجماعية للروهينجا المسلمين، وبدون اعتبار لجرائم واضطهاد النظام البورمي للروهينجا على مدى عقود، للأقلية العاجزة، فقد قررت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن بورما، وإعادة العلاقات الدبلوماسية معها بشكل كامل، وبالرغم من الحملة المكثفة لقتل واضطهاد الروهينجا المسلمين، فإن هذه الدول قامت خلال السنوات الأخيرة بدعم الاستثمارات في بورما، وقدمت ملايين الدولارات من المساعدات لحكومة ميانمار وعزّزت العلاقات الاقتصادية مع النظام البورمي، لقد تجاوزت المساعدات الأمريكية لبورما 200 مليون دولار منذ 2012، كما وأطلقت السفارة الأمريكية أكثر من 20 برنامج شراكة بين معاهد أمريكية وأخرى بورمية في مجالات التعليم العالمي، ومؤسسات عامة وخاصة للأعمال، بما فيها مايكروسوفت وسيسكو، وغاب وهيوليت بكرد وجونسون وجونسون. كما قد وصلت المساعدات التطويرية لبورما من الاتحاد الأوروبي لأكثر من 200 مليون يورو.


بالإضافة لهذا فقد قام أوباما بزيارة بورما مرتين واعتبرها "قصة نجاح" نتيجة لتبنيها إصلاحات ديمقراطية. إن هذا كله يبرهن على أنه في ظل الديمقراطية الرأسمالية الغربية سوف يتم تجاهل موضوع الإبادة الجماعية إذا كان هناك مال يجنى من ورائها، ويبرهن أيضاً على أن المصالح الاقتصادية تقدم على المحافظة على القوانين الدولية أو حماية النفس الإنسانية. في الواقع فإن هذه الدول لم تمارس أي ضغط حقيقي على نظام ميانمار لإنهاء حملات القتل والاضطهاد، ولم تتطرق حتى لقطع العلاقات مع الحكومة البورمية.


إن جميع ما ذكر يبرهن على أن الحكومات الغربية غير راغبة في اتخاذ أي فعل ضد الدكتاتورية البورمية الذي من الممكن أن يؤدي إلى تعريض الاستثمارت للخطر أو التقليل من الأرباح المادية، بغض النظر عن أعداد المسلمين الروهينجا الذين يذبحون أو يغرقون في البحار. إن أفعالهم تثبت أنه لا توجد لديهم نية أو رغبة حقيقية لإنقاذ حياة الروهينجا أو لإنهاء مآسيهم.


وحتى فَتاتهم الذهبية الفائزة بجائزة نوبل للسلام وصاحبة صورة الغلاف للمنادين بالديمقراطية في بورما، أونج سان سوكي، قد التزمت الصمت المطبق على جرائم الإبادة الجماعية ضد الروهينجا المسلمين لأنها ببساطة لا تريد أن تخاطر بطموحاتها السياسية من أجل حقوق المظلومين، ولكنها في النهاية تغرد داخل سرب الدول الديمقراطية.


الأخوات الكريمات: بالتأكيد فإن جميع هذا يذكرنا بأنه لا يمكننا على الإطلاق أن نضع أملنا أو ثقتنا في المجتمع الدولي أو المنظمات الإقليمية أو الحكومات الرأسمالية الغربية لحل أزمة الروهينجا ولحماية إخواننا وأخواتنا في شتى بقاع المعمورة. لقد أثبتوا أنهم على استعداد كامل لتجاهل القيم الأخلاقية أو حقوق الإنسان الأساسية عندما تتطلب المصالح السياسية والاقتصادية ذلك. ولا يجب علينا أن نحبس أنفاسنا في انتظار مساعداتهم لأن قيمة النفس الإنسانية عندهم توزن بميزان المصالح الرأسمالية.


يقول الحق سبحانه: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [العنكبوت: 41]


بالإضافة لهذا، فإن المباحثات الدولية أو الإقليمية والبعثات الدبلوماسية هي مضيعة للوقت ولا تقدم أي حل لحماية المسلمين وإنما تقوم بصرف الانتباه عن الأسباب الحقيقية للمآسي. كم من المفاوضات والمحادثات جرت بخصوص الروهينجا أو سوريا أو فلسطين، ولكنها جميعها فشلت في تقديم أي شيء سوى الكلمات الفارغة في الوقت الذي يستمر القتل في المسلمين.


من هنا أخواتي العزيزات، يجب علينا نحن المسلمين أن نحلّ مأساة الروهينجا بأيدينا كأمة واحدة، ولا نعتمد على مصادر خارجية لحلها. ويجب أن نبحث عن حلول لها من ديننا فقط، لأنها أوامر الله رب العالمين.


إن في القرآن الكريم والسنة النبوية منهاجاً واضحاً وثابتاً لكيفية إنهاء مأساة الروهينجا وغيرهم من المسلمين المظلومين. وهذا الحل هو إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي ستكون الدرع الواقي والحامي لعباد الله المظلومين.


يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [النور: 39]

 

عضو في حزب التحرير / أستراليا

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع