الجمعة، 10 شوال 1445هـ| 2024/04/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
العقدة الكبرى والعقد الصغرى - الحلقة الخامسة والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

 

العقدة الكبرى والعقد الصغرى

الحلقة الخامسة والعشرون

 

 

نواصل حديثنا في العقد المتعلقة بمفهوم الهدى والضلال:

 

لكنّ الشيطانَ بمكره وكيدِه، يزيّنُ للإنسانِ بما يوافقُ أهواءَه، وشهواتِه، ودوافعَه الغريزيةَ، ويسعى إلى إضلالِهِ، ويعطيه من الحججِ الواهية ما يحاولُ أن يقنعَ بها نفسه، ليضعَ المسؤوليةَ على الله تعالى، ويضعَ المسؤوليةَ على غيرِهِ، جرياً على عادةِ الإنسان في الدفاعِ عن نفسِه والهروب من تحمّلِ مسؤولية نفسه، فيبحث عن المبررات ليبرر بها ضعفَ نفسِهِ، وضعفَ قرارِه، مع أنه لو عاد إلى نفسه قليلاً لوجد أن الضعف يتطرق إليه في المواضع التي يزيّنُ له الشيطانُ فيها، ولكنه في أمور أخرى تجدُه قوياً مبدعاً، فلو أنصف الإنسانَ لأدركَ أنَّ الكرةَ في ملعبِهِ، وأنّ عليه أن يختارَ الصراطَ المستقيم، والطريق السويّ، ويجبرَ نفسَهُ على اتباعهِ وسلوكِه، لينجوَ بنفسه من شقاء محقق في الدنيا، وعذاب أليم في الآخرة.

 

ولكنَّ المصيبةَ الكبرى في من اتخذ من المبدأ الرأسماليِّ إلهاً، ومن فكرة الحرياتِ رباً معبوداً من دون الله، ومن فصل الدين عن الحياة حضارةً وتقدماً، يسير في حياته متناقضاً متضارباً، وإن سألته عن ذلك أجاب أنه لا مانع من تجربة أي شيء، بل كلِّ شيء، ويتكرر الخطأ في سلوكاته ومعالجاته، ويغوص في الشقاء إلى أذنيه، ويظنُّ نفسَهُ أسعدَ الناس، ثم يقول إنّ هذا هو الحلّ الأمثل، وإن تعمقْتَ في الحوار معه كان جوابه: إنّه الشرّ الذي لا بد منه.

 

لقد حُرِمَ أمثالُ هؤلاءِ من الاطلاع على الحلّ الصحيح للعقدة الكبرى من قبل حكوماتهم وأنظمتهم وإعلامهم، وبتقصير من أبناء الأمة الإسلامية في حمل الإسلام إلى هؤلاء، إنهم يقولون ما قالوا لأنهم لم يروا غير ما يرون ويعيشون، تقوم الأنظمة والحكومات وأجهزة الإعلام بعرض هذا النظام الرأسمالي على أنه البلسم الشافي من كل داء، وأنه المسعدُ لبني البشر، والمنجي لهم من براثن الشقاء، مع أنهم يتمرغون في الشقاء، ولكن كما قلنا، لا يرون غيره، ويُحالُ بين الكلمة الصادقة، والدعوة الصحيحة، من أن تصل إلى الناس، حتى في بلاد المسلمين، بلاد الإسلام، يُحارَبُ الإسلامُ، ويُحارَبُ حَمَلةُ دعوتِه الصادقون المخلصون الواعون على الإسلام، وعلى الواقع، ويُحسنون تنزيل أحكام الإسلام ومفاهيمه على وقائعها التي تنطبق عليها، ولكنهم حِيْلَ بينهم وبين ما يسعون إلى تطبيقه بشتى الوسائل والسبل.

 

يصوّر لنا الحق جلَّ وعلا صورة من صور الكفار في النار، فيقول في سورة فاطر: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ، وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ  فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ)، فعندما يصطرخ أهل النار مستغيثين مما هم فيه من العذاب الشديد، ويطلبون من الله تعالى أن يخرجهم من النار ويعيدهم إلى الدنيا ليعملوا صالحاً بزعمهم يكون الجواب: أنهم عمروا العمرَ الكافي للتفكير والتدبر والتذكر، وجاءهم رسولهم فكذبوه، فهذا جزاؤهم. وفي موضع آخر يكذبهم الله تعالى، بأنهم لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نُهوا عنه، يقول سبحانه في سورة الأنعام: (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ،  وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ)، الكفار، من أمثال الرأسماليين اليوم، الذي يفصلون الدين عن الحياة، أو ينكرون الدين، ويقولون إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين، يتمنون أن يعودوا للدنيا حتى لا يكذبوا بآيات ربهم، وحتى يكونوا من المؤمنين بزعمهم، لكنّ الله تعالى المحيطَ علمُه بكل شيء يخبرُ أنهم لو رُدّوا لعادوا لما نُهوا عنه، وأنهم كاذبون.

 

يقول الحقُّ جلَّ وعلا: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، فالقرآن يهدي للطريق المستقيم، من استمسك به اهتدى واستقام، ومن ابتغى الهدى في غيره أضلّه الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا يشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبه، من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم. وبه تنحلُّ عقدةُ حيرةِ الإنسان بين الهدى والضلال.

 

وقد هيأ الله لعباده أحوالاً من أحوال الهداية، وطلب منهم أن يحافظوا عليها، وأن يوجدوها في واقع الحياة، فمنها الحاكم الذي يحكم بما أنزل الله، ومنها دولة الخلافة، ومنها المجتمع الإسلامي النقي، ومنها القضاء العادل، ومنها الصديق الصالح، وغير ذلك من الأحوال المعينة للإنسان لأن يستمر في الهداية التي وفقه الله سبحانه وتعالى إليها.

 

 

كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير

أبو محمد – خليفة محمد - الأردن

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع