Logo
طباعة
رسائل رمضانية  - 37

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الرسالة السابعة والثلاثون

وعد الله بالنصر للمسلمين، والتمكين لدين الإسلام

 

 

 

الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.

 

أحبتنا الكرام : السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة السابعة والثلاثين من "الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية"، وهي بعنوان: "وعد الله بالنصر للمسلمين والتمكين لدين الإسلام".

 

إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:

 

 

كَثِيرًا مَا تَتَرَدَّدُ عِبَارَةُ "النَّصْرُ وَالتَّمْكِينُ" عَلَى أَلْسِنَةِ الكَثِيرِينَ مِنْ حَامِلِي الدَّعْوَةِ، وَمِنَ الـمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ. فَمَاذَا تَعنِي كَلِمَةُ "تَمْكِين"؟ وَمَنْ هُمُ الَّذِينَ يُمكِّنُهُمُ اللهُ فِي أَرْضِهِ، وَيُسَخِّرُهُمْ لِعَمَارَتِهَا، وَتَحقِيقِ مَصَالِحِ النَّاسِ؟ وَمَا  الهَدَفُ مِن التمكين؟ إنَّ لفظة (التَّمْكِين) وَرَدَتْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ كَقَولِهِ تَعَالَى: (وكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) وَقَولِهِ سُبْحَانَهُ: (الَذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ) وَقَولِهِ عَزَّ وَجَلَّ: (إنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً). فَالتَّمْكِينُ هُوَ الوُصُولُ إِلَى السُّلْطَةِ، وَإِلَى القُوَّةِ، وَإِلَى الهَيمَنَةِ لِتَحْكِيمِ شَرْعِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهَذَا وَاضِحٌ فِي قَولِ اللهِ تَعَالَى: (إنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً). يفهم من القُرآن الكَرِيم أنَّ التَّمكِينِ الَّذِي نَنشُدُهُ فِي سَعْيِنَا لِإِقَامَةِ دَولَةِ الخِلَافَةِ الرَّاشِدَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ هُوَ هَيْمَنَةُ هَذِهِ الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ، وَإِرْجَاعُ دَورِهَا الحَضَارِيِّ فِي هِدَايَةِ النَّاسِ، وَإِقَامَةِ العَدْلِ، وَإِزَاحَةِ الظُّلْمِ، وَتَحْكِيمِ شَرْعِ اللهِ، وقد ذَكَرَ القُرآنُ الكَرِيمُ التَّمْكِينَ لِأَهْلِ الإِيمَانِ، وَذَلِكَ كَمَا مَكَّنَ اللهُ لِنَبِيِّنَا محمد صلى الله عليه وسلم وَصَحَابَتِهِ الكِرَامِ رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ، وَكَمَا مَكَّنَ لِذِي القَرْنَينِ.

 

نُقِلَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَولُهُ: "فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (الَذِينَ إن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الـمُـنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ). فَأُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا بِغَيرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ قُلْنَا: "رَبُّنَا اللهُ" ثُمَّ مُكِّنَّا فِي الأَرْضِ، فَأَقَمْنَا الصَّلَاةَ، وَآتَينَا الزَّكَاةَ، وَأَمَرْنَا بِالـمَعْرُوفِ، وَنَهَينَا عَنِ الـمُنْكَرِ، وَلله عَاقِبَةُ الأُمُورِ، فَهِيَ لِي وَلِأَصْحَابِي".

 

لِذَلِكَ كُلِّهِ نَحْنُ نَعْمَلُ مَعَ الأُمَّةِ، وَرَأْسُمَالِنَا هُوَ الأُمَّةُ الـمُسَيَّرَةُ بِالـمَنْهَجِ النَّبَوِيِّ، وَنَحْنُ مُتَأَكِّدُونَ وَوَاثِقُونَ بِنَصْرِ اللهِ، وَثِقَتُنَا آتِيَةٌ مِنْ ثِقَتِنَا بِوَعْدِهِ جَلَّ فِي عُلَاهُ فِي الآيَةِ الخَامِسَةِ وَالخَمْسِينَ مِنْ سُورَةِ النُّورِ فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ الَّذِي لَا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ، حَيثُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ: (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ) وَجَاءَ هَذَا القَولُ مُؤَكَّدًا بِمُؤَكِّدَينِ اثْنَينِ: بِاللَّامِ الـمُوَطِّئَةِ لِلْقَسَمِ، وَبِنُونِ التَّوكِيدِ الثَّقِيلَةِ، وَثِقَتُنَا آتِيَةٌ أَيضًا مِنْ صِدْقِ البِشَارَةِ الَّتِي بَشَّرَنَا بِهَا رَسُولُ اللهِ الصَّادِقُ الـمُصَدَّقُ صلى الله عليه وسلم حَيثُ قَالَ: "ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ رَاشِدَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ". نَحْنُ وَاثِقُونَ أَشَدَّ الوُثُوقِ بِأَنَّ فَكْرَةَ إِسْلَامِنَا العَظِيمِ سَتَنْتَصِرُ مَهْمَا طَالَ الزَّمانُ، وَكَثُرَتِ الصِّعَابُ، وَأَنَّ دِينَنَا الحَنِيفَ سَيُهَيْمِنُ عَلَى كُلِّ الأَدْيَانِ، وَسَيُظْهِرُهُ اللهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ وَالـمُشْرِكُونَ أَعْدَاءُ اللهِ، وَأَعْدَاءُ رَسُولِهِ، وَأَعْدَاءُ الـمُؤْمِنِينَ. وَهَا أَنْتُمْ أُولَاءِ إِخْوَةَ الإِيمَانِ وَالإِسْلَامِ تَسْمَعُونَ بِآذَانِ رُؤُوسِكُمْ مَا يَتَلَفَّظُ بِهِ عُلَمَاءُ السَّلَاطِينِ مِنْ كَلَامٍ يُسْقِطُ هَيبَتَهُمْ، وَيَحُطُّ مِنْ قَدْرِهِمْ، وَتَرَونَ بِأُمِّ أَعْيُنِكُمْ مَا يُهَيِّئُهُ اللهُ مِنْ أَحْدَاثٍ جِسَامٍ بَينَ يَدَي قِيَامِ دَولَةِ الخِلَافَةِ، وَمَا يَتَخَبَّطُ بِهِ حُكَّامُ الضِّرَارِ مِنْ أَفْعَالٍ تُطِيحُ بِعُرُوشِهِمْ، وَتُعَجِّلُ فِي زَوَالِهِمْ. (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ). عَلَينَا أَنْ نَبْذُلَ فِي اتِّخَاذِ الأَسْبَابِ أَقْصَى جُهُودِنَا وَكُلَّ مَا بِوُسْعِنَا كَأَنَّهَا كُلُّ شَيءٍ، ثُمَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ كَأَنَّنَا لَـمْ نَبْذُلْ فِي اتِّخَاذِ الأَسْبَابِ أَيَّ شَيءٍ. وَلله دَرُّ الشَّاعِرِ حَيثُ يَقُولُ:

 

عَلَى المرْءِ أَنْ يَسْعَى إِلَى الخَيرِ جَاهِدًا ... وَلَيسَ عَلَيهِ أَنْ تَتِمَّ المقَاصِدُ

 

فَاللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ وَاهِبُ النَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ ... نسأل الله تعالى أن يجعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ أَهْلًا لِنَصْرِهِ وَتَمكِينِهِ.

 

اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.

 

وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ  وَبَرَكاتهُ.

آخر تعديل علىالأحد, 31 أيار/مايو 2020

وسائط

Template Design © Joomla Templates | GavickPro. All rights reserved.