السبت، 11 شوال 1445هـ| 2024/04/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
عامان من الذبح والتجويع لمسلمي اليمن ليست كافية لهز مشاعر النظام العالمي الحالي!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عامان من الذبح والتجويع لمسلمي اليمن ليست كافية لهز مشاعر النظام العالمي الحالي!


(مترجم)

 


في شهر آذار/مارس الماضي أتمت الحرب الوحشية في اليمن عامها الثاني بين التحالف الذي تقوده السعودية وبين الحوثيين الذين تدعمهم إيران، والتي كان لها أثر مدمر في حياة الشعب اليمني والتي خلقت أزمة إنسانية في البلد؛ وهي واحدة من الأسوأ في التاريخ حيث قُتل أكثر من 10.000 شخص في هذه الحرب الوحشية وجُرح حوالي 40.000. وفي تقرير نشرته اليونيسيف في 26 آذار/مارس بعنوان "السقوط عبر الصدوع - أطفال اليمن" بينت أن حوالي 1.500 طفل يمني قتلوا منذ آذار/مارس 2016، بزيادة تصل إلى 70% مقارنة بالفترة نفسها من السنة السابقة، وأن 2.450 تعرضوا للإصابة، حوالي ضعفي السنة السابقة.


أما الظروف التي تواجه الشعب اليمني فهي ذات أبعاد مروعة. فبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن حوالي 18.8 مليون شخص بحاجة لمساعدة مباشرة (70% من الشعب اليمني)، ويشكل الأطفال أكثر من نصف هذا الرقم، و2 مليون شخص تعرضوا للتشريد الداخلي. وفي تقرير أعدته الأمم المتحدة ونشر في 15 آذار/مارس بيّن أن 60% من اليمنيين، أي حوالي 17 مليون شخص، في وضع غذائي طارئ ويتهددهم خطر المجاعة. وهذه نتيجة لاجتماع الجفاف وآثار الحرب معا. وتستورد اليمن حوالي 90% من المواد الغذائية الأساسية إلا أن الحظر البحري المفروض من التحالف الذي تقوده السعودية، بالإضافة إلى القتال الذي يدور حول ميناء عدن الذي يخضع لسيطرة الحكومة، والضربات الجوية الموجهة لميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، كل هذا أدى إلى تقييد استيراد الطعام والدواء بشكل كبير منذ 2015. وقد ضاعف سوءَ الوضع نقصُ الوقود، وانعدام الأمن، وتدمير الطرق، مما أدى إلى صعوبة إيصال المساعدات لأولئك الذين يحتاجونها. المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي، إيرثارين كوزين، حذرت في آذار/مارس بأن عمال الإغاثة واجهوا "سباقا مع الزمن" لمنع المجاعة، مضيفة أنه "كان لدينا مخزون طعام داخل البلد يكفي لحوالي ثلاثة أشهر". إن الملايين من إخواننا وأخواتنا المسلمين في اليمن يتهددهم خطر المجاعة الحقيقية في غضون أشهر. كما بينت الأمم المتحدة أن حوالي 3.3 مليون شخص، بما فيه 2.1 مليون طفل يعانون فعليا من سوء التغذية، وأن حوالي نصف مليون طفل يتعرضون إلى سوء التغذية الحاد الشديد - أي إلى المجاعة حسب تعبير ليمان - وهذه زيادة بنسبة 200% منذ 2014 أي قبل بداية الصراع.


وإضافة على مسرح الأحداث فإنه بجانب الذبح والمجاعة وبحسب الأمم المتحدة، فإن حوالي 14.4 مليون شخص غير قادرين على الوصول إلى مياه صالحة للشرب أو الحصول على صرف صحي. وهذا يرجع بشكل كبير أولا: إلى القيود المفروضة على استيراد الوقود والذي هو أساسي للحفاظ على مصادر المياه، وثانيا: بسبب الدمار الحاصل لمضخات المياه ومرافق معالجة مياه الصرف الصحي. ونتيجة لذلك، فإن الناس يعتمدون على مصادر المياه غير المعالجة والتي تحمل خطر الأمراض التي تهدد الحياة. وفي تشرين أول/أكتوبر 2016، كان هنالك انتشار للكوليرا والإسهال المائي الحاد والذي استمر بالانتشار، حيث وصل إلى حوالي 22.500 إصابة مشتبه بها و106 حالة وفاة.


إن نظام الرعاية الصحية في اليمن هو أيضا على حافة الانهيار بسبب تدمير المستشفيات، والمرافق الطبية، وسيارات الإسعاف، وحظر استيراد وتوصيل الأدوية واللوازم والمعدات الطبية الحيوية. حيث إن هذا سيترك 15 مليون رجل وامرأة وطفل بدون الحصول على رعاية صحية. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2016، تم تدمير 274 مرفقاً صحياً على الأقل بشكل كلي أو جزئي، وتقدر الأمم المتحدة أن حوالي 600 مرفق صحي، أي ما يعادل أكثر من خُمس المرافق الصحية الموجودة في اليمن، خرجت من الخدمة بسبب الصراع. ونتيجة لذلك، فإن الآلاف يموتون بسبب حالات يمكن علاجها. وبحسب اليونيسيف، فإن 7 مليون طفل لا يمكنهم الحصول على رعاية صحية كافية، ويُقدر أن حوالي 10.000 طفل يموتون سنويا بسبب أمراض يمكن منعها، وأن حوالي 600.000 امرأة حامل لا يمكنهن الحصول على دعم طبي إلا بشكل محدود في بعض الحالات. كما أن التغذية السيئة ونقص العناية الطبية يؤدي أيضا إلى زيادة حالات الإجهاض.


رئيس قسم الأمومة في مركز الجمهوري الطبي في سعدة، شمال اليمن، حنا مصلح، أعلن في مقابلة مع الـ بي بي سي في تشرين الأول/أكتوبر 2016، أنه قبل الحرب كان هنالك ما معدله حالتا إجهاض خلال الأسبوع في المستشفى، أما الآن فإن هنالك حوالي حالتين إلى ثلاث كل يوم. ووصف تقرير الـ بي بي سي كيف أنه في قسم الأمومة قد رحل آخر أخصائيي أمراض النساء والتوليد، تاركين وراءهم قابلات غير مؤهلات بما فيه الكفاية لعلاج الأطفال وتوليد النساء. (مُنى) وهي واحدة من هذه القابلات قالت إن النساء اللواتي يتمكّن من الوصول إلى المستشفى بسلامة هن من القليلات المحظوظات لأنه "في بعض الأيام تقوم الطائرات بضرب أي شيء يتحرك". كما وصفت (مُنى) إحدى النساء اللواتي ماتت مع طفلها على طاولة العمليات في أحد أيام حزيران/يونيو الحارة، بعد أيام من حاجتها لعملية قيصرية طارئة: "...لقد نزفت المرأة حتى الموت في المقعد الخلفي للسيارة حيث حاولت أن تلد وهي في طريقها إلى المشفى؛ ... وإحدى النساء التي وصلت وقد احترق ثلثي جسدها وماتت مع طفلها، بعد ثمانية أيام من قصف منزلهم". أما حسان بوسينين، رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود، فقد قال: "إن هذه الحالات ليست حالات مأساوية فريدة، إنها أمور تحصل بشكل يومي".


وعلى الرغم من هذه المأساة الإنسانية التي انتشرت في كافة أرجاء اليمن كنتيجة لهذه الحرب الوحشية، فإن القنابل مستمرة بالسقوط، والأسلحة النارية مستمرة بإطلاق نيرانها، والحكومات الغربية وصناعاتها الحربية مستمرة في تحقيق الأرباح بمليارات الدولارات من الأسلحة التي تباع إلى الفصائل المتحاربة. وحقيقة فإن الصراع يُظهر أملا صغيرا بانقشاعه، إلا أن العنف في البلد آخذ في الازدياد. فبحسب وكالة رويترز وغيرها من وكالات الأنباء، فإن إيران زادت من توريد الأسلحة للحوثيين خلال الأشهر الأخيرة، حيث أرسلت أيضا أسلحة متطورة للحركة العسكرية كطائرات بدون طيار متطورة والتي تحمل رؤوسا شديدة الانفجار، وصواريخ أرض-أرض قصيرة المدى. كما صعّدت أمريكا من حملتها للقصف الجوي منذ بداية إدارة ترامب، مستهدفة ما تدعي أنهم عسكريون تابعون للقاعدة في اليمن. وبحسب (أ ف ب) فإنها شنّت أكثر من 70 غارة جوية منذ 28 شباط/فبراير من هذا العام. المتحدث باسم البنتاغون كابتن البحرية جيف دافيس، أعلن أن طائرات الولايات المتحدة شنت أكثر من 20 غارة خلال نهاية هذا الأسبوع (بداية شهر نيسان/أبريل). وفي كانون الثاني/يناير، تعرض مجموعة من المدنيين اليمنيين، من بينهم 9 أطفال على الأقل قتلوا في غارة أمريكية في البلد. بالإضافة إلى ذلك، وفي أثناء زيارة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إلى الرياض هذا الأسبوع، أعلنت عن أملها بأن الاجتماع مع الملك السعودي "ستزيد من العلاقات" بين البلدين، دون ذكر "تقليل" مبيعات الأسلحة للنظام والتي كانت السبب الأساسي للدمار في اليمن، مع ما تقدر قيمته بـ 3.3 مليار جنيه إسترليني من المعدات العسكرية والتي تم بيعها للسعودية منذ بداية الحرب. وبحسب صحيفة الإندبندنت البريطانية، فإن وايتهال تعمل مع أنظمة شركة الفضاء البريطانية لبيع كميات أكبر من الطائرات النفاثة التي تحلق حاليا فوق اليمن.


ومن الواضح أن كل أولئك المشاركين في هذا الصراع الدموي الذي خلق هذه الكارثة الإنسانية يرون أن وفاة آلاف الأبرياء وخطر المجاعة الذي يواجه الملايين الآخرين كثمن لوسيلة تقدمهم في تأمين مصالحهم السياسية والاقتصادية. وها نحن نعيش اليوم في عالم لا توجد فيه حكومة واحدة ترى أن إنهاء هذه الكارثة الإنسانية هو أمر مستعجل. وإنما هو العكس، بوجود العديد من الدول التي ترى منها مصدرا نفعيا وطريقة لفرض نفوذهم على المنطقة. لقد كان هذا الصراع دوما حربا نيابة عن بريطانيا وأمريكا لضمان حصول حلفائهم على سيطرة أكبر في أي بنية سياسية مستقبلية في البلد. فإن مثل هذه الحكومات المستعمرة ترى دوما بلاد المسلمين كرقعة شطرنج يتقاتلون من خلالها للحصول على النفوذ، مستغلين مسلمي المنطقة كبيادق الشطرنج في لعبهم السياسية الدموية.

 

وإن مسلمي اليمن تم تقديمهم قرباناً لتغذية المصالح الأنانية للأنظمة المتعطشة للقوة، وداعميهم الغربيين، وصناعة الأسلحة الفقيرة أخلاقيا والتي تنظر بمنظار يستعصي على الفهم إلى المعاناة الإنسانية والخسائر في النفوس البشرية كثمن يستحق دفعه مقابل المصالح المالية والسياسية.


كما أن هذه الكارثة الإنسانية كانت نتيجة لصراع التحالف بقيادة السعودية وداعميها الغربيين من أجل إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة في اليمن - العميل الذي اصطفته بريطانيا. ولقد شنوا هذه الحملة الدموية تحت غطاء إعادة ما يسمى بشرعية حكمه بعد حصار صنعاء، عاصمة الدولة من قبل الحوثيين في 2014. وبما أنه عميل اصطفاه الغرب، فما هي الشرعية التي يمكن لحكم هادي أن ينالها؟ وفي الوقت نفسه، فإن الحوثيين تحالفوا بأنفسهم مع القوات من المؤتمر الشعبي العام - حزب الرئيس الديكتاتور السابق علي عبد الله صالح، لتقاتل المجموعتان في هذا الحرب الوحشية من أجل ضمان تمثيل سياسي أكبر في الحكومة المستقبلية.


وبالتالي فإن كل سفك الدماء، والمجاعة المروعة، والمستوى المثير للبؤس من المعاناة الإنسانية، هذا كله من أجل زرع دمية غربية جديدة لتكون في السلطة كحاكم في اليمن سيقوم بتنفيذ أوامر أسياده الغربيين أو أن يُعاد تجميع بقايا الدكتاتورية المتوحشة للنظام الذي استمر 30 عاما والذي كان أيضا دمية في يد الغرب. وإضافة إلى هذا فإن الفصائل المتقاتلة تفتقد إلى أية رؤية، في حال نيلها للسلطة، لكيفية إيجاد الحلول العملية لمشاكل البلاد السياسي والاقتصادية والاجتماعية المتجذرة. إن هذا كله محض جنون!!!


إن ما يؤلم القلب حقا ليس فقط رؤية حجم معاناة المسلمين في اليمن، وإنما تذكر الاستقرار والأمان والازدهار العظيم الذي شهدته هذه البلاد تحت ظل حكم الخلافة. ففي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تم تعيين معاذ بن جبل ليكون واليه في اليمن. وفي إحدى السنوات أرسل معاذ للخليفة ثلث أموال زكاة أهل اليمن. فأنكر عمر ذلك، وقال له: "يا معاذ، لم أبعثك جابياً إنما بعثتك هادياً، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم" فما كان من سيدنا معاذ إلا أن قال له: "والله يا أمير المؤمنين ما بعثت إليك بشيءٍ وأنا أجد أحداً هناك يأخذه". وفي السنة التالية أرسل معاذ بنصف مال الزكاة وتبادلا نفس الحوار. أما في السنة الثالثة فأرسل معاذ فيها أموال الزكاة كلها، فقال له عمر كلاما مشابها. فما كان من معاذ إلا أن أجابه "ما بعثت إليك بشيءٍ وأنا أجد أحداً هناك يأخذه". فيا سبحان الله!


هذا هو تاريخ بلاد المسلمين العظيم، بما فيها اليمن، تحت حكم نظام الله عز وجل نظام الخلافة العظيمة، والتي بها وحدها رُئِبَت الصدوع التي نمت اليوم بين المسلمين بسبب عقود من الخضوع لأنظمة حكم غير إسلامية. فهذه القيادة غير الإسلامية إضافة إلى من يدعمها من المستعمرين الغربيين والمستفيدين من الضعف الذي نتج عن الانقسام بين المسلمين والذين شتتوا انتباههم بالاقتتال فيما بينهم بدلا من التوحد والوقوف في وجه الأنظمة التي اضطهدتهم وحرمتهم من حقوقهم التي أعطاها الله لهم.


إن إعادة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة هو ما سينهي هذه الصراعات الاستعمارية الدموية التي تُمارس في بلادنا؛ إنها ستمنع استخدام الطائفية كوسيلة لتحقيق الأجندات السياسية وستؤمّن حقوق جميع المسلمين - بمن فيهم السنة والشيعة؛ وستجيش أبناء المسلمين لمحاربة أعداء الإسلام وللدفاع عن إخوتهم وأخواتهم بدلا من ذبحهم نيابة عن القوى الغربية؛ وستحكمها التقوى التي ستعتني بإخلاص بحاجات الناس، وستطبق أحكام الله عز وجل والتي وحدها تضمن الأمن والعدالة والازدهار للبشر.


وطالما يدعم المسلمون أي حاكم أو قائد أو نظام يطبق أي شيء سوى الإسلام كاملا، من خلال إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فإن الأمة ستستمر بمعاناة أقسى أنواع الاضطهاد وسفك الدماء والمعاناة الإنسانية بدون أي أمل. فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 123-124]

 


كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


د. نسرين نواز


مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع