الجمعة، 10 شوال 1445هـ| 2024/04/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نظرة شرعية لميزانية السودان لسنة 2018م

 

إن الدول الديمقراطية تضع ميزانية عامة للدولة كل سنة، وواقع هذه الميزانية هو أنها تصدر على شكل قانون اسمه قانون الميزانية لسنة كذا مثلاً. يصادق عليه البرلمان، ويسنه قانوناً بعد مناقشته ومناقشة فصول الميزانية فصلاً فصلاً، والمبالغ التي يتضمنها كل فصل. ويعتبر كل فصل كلاً لا يتجزأ، يجري التصويت عليه ككل لا على جزء منه، فيقبله البرلمان أو يرفضه جملة، وإن كان عند المناقشة، له أن يناقش كل جزء من أجزائه وكل مبلغ من المبالغ التي يشتمل عليها. وقانون الميزانية يكون مؤلفاً من بضع مواد، منها مادة توضع لتبين المبلغ الذي يرصد لنفقات الدولة خلال السنة المالية، التي وضعت لها الميزانية، وتوضع مادة لتبين المبلغ الذي تخمن إيرادات الدولة به خلال السنة المالية التي وضعت لها الميزانية، وتوضع مواد لرصد مصروفات لبعض المؤسسات، كما توضع مواد لتخمين واردات بعض المؤسسات، وتوضع مواد لإعطاء وزير المالية بعض الصلاحيات، وتوضع في كل مادة إشارة إلى جدول، يتضمن أبواب الميزانية لما تتضمنه المادة، سواء أكانت للواردات أم للمصروفات، ثم توضع في كل جدول مفرداته، أي الفصول التي يتضمنها الباب، ثم يوضع في كل فصل المبالغ الإجمالية لمفردات الفصل جميعها. وعلى هذا الأساس توضع الميزانية كل سنة مع بعض اختلافات فرعية، في بعض السنين حسب الوقائع المختلفة، أو مع بعض اختلافات فرعية بين الدول حسب الوقائع المختلفة.

 

لقد أجيزت (ميزانية 2018م) الأحد 2017/12/24م وتم تنفيذ الرؤية الديمقراطية الرأسمالية بكل حذافيرها وبأبشع صورها، ولم تبن على أساس عقيدتنا الإسلامية بالطبع، ولنأخذ بعض الإجراءات المصاحبة لها:

أولاً: الإيرادات: بحسب ما أوردته صحيفة الصيحة السودانية الاثنين 2017/12م25م عدد (1178) أودع وزير المالية محمد عثمان الركابي منضدة المجلس الوطني مشروع الموازنة العامة للدولة 2018م بحجم كلي بلغ (173،1) مليار جنيه بلغت الإيرادات الضريبية وغير الضريبية والمنح والإيرادات الأخرى (116،9) مليار جنيه، في حين بلغت المصروفات الجارية (127،2) مليار جنيه بنسبة 68% وبلغ العجز الكلي المتوقع في الميزانية (28،4) مليار جنيه بنسب 2،4% من الناتج الإجمالي. تفصيلاً:

 

1/ بلغت الإيرادات الضريبية أي الجبايات (108،8) مليار جنيه أي ما يعادل 63%. بينما قدرت القروض الخارجية، والاستدانة من الجمهور، ومن النظام المصرفي بـ(55.3) مليار جنيه بنسبة 32% من إجمالي الوارد.

 

2/ بلغت إيرادات الأصول غير المالية (600) مليون جنيه بنسب 0،3% والأصول المالية (343) مليون جنيه بنسبة 0،2%.

 

3/ المنح تقدر بـ(8.1) مليار جنيه.

 

4/ تخفيض الرسم الإضافي على العربات (التاكسي) من 150% إلى 130% وألغت الوزارة ضريبة القيمة المضافة على وجبات الأطفال ومرضى السكر.

 

5/ زيادة تبغ الشيشة من 150% إلى 230% وتخفيض على التبغ المصنع للسجاير من 150% إلى 40% وزيادة الرسم الإضافي على معسلات التبغ والتمباك من 150% إلى 230%.

 

6/ تخفيض الرسم الإضافي للأحذية من 30% إلى 10% والأدوات الصحية بورسلين من 40% إلى 20%.

 

هناك أمر مهم وهو ما يتعلق بسعر الصرف، هذا ما أعرب عنه وزير المالية الركابي حيث قال (أبرز التحديات التي تواجه الميزانية هو عدم استقرار سعر الصرف. وجاء في الميزانية زيادة سعر الدولار الجمركي من 6.9 جنيه إلى 18 جنيها، ما يترتب عليه استيراد السلع الأساسية وعلى رأسها القمح. فقفز سعر جوال الدقيق زنة 50 كيلو إلى 300%، من 170جنيها للجوال إلى 440 جنيها.

 

أكد علي صلاح، الأمين العام للغرف القومية قائلاً: نسبة لزيادة الدولار الجمركي في ميزانية 2018م ستزيد الجمارك بنسبة 141% في حال إلغاء ضريبة التنمية. وتزيد الأسعار بنسبة 155% وفقاً لضريبة القيمة المضافة، مستشهداً بأن كيلو العدس سوف يزيد سعره بنسبة 225%، وكيلو الأرز بنسبة 169%، واعتبر المشكلة في سياسات بنك السودان المتعلقة بشراء الذهب وزيادة الرسوم الجمركية. وأوضح أن السلع المستوردة، والمستوردين لن يتأثروا بالزيادات، بل الذي يتأثر هو (المواطن). (الصيحة عدد 1178).

 

هذا يعني اعتماد الميزانية على الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي حرمها الشرع سواء أكانت مكوساً؛ ضرائب جمارك أم ضريبة قيمة مضافة. والتي تؤثر في السلع مباشرة وتزيدها، وتزيد الفقر، تنفيذا لتوصيات صندوق النقد الدولي. والجدير بالذكر أن صندوق النقد الدولي دعا الحكومة إلى تحرير سعر صرف الجنيه وخفض دعم الطاقة والقمح من أجل تعزيز النمو وزيادة الاستثمار.

 

وقد دلت الأدلة على حرمة هذه الضرائب منها قوله ﷺ: «لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» رواه مسلم، وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنْ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالَ: أَأَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلا مَرَّتَيْنِ. رواه أحمد.

 

ثانياً: المصروفات:

 

1- الاستمرار في الإنفاق البذخي على ما يسمى بحكومة الوفاق الوطني، فقد أوجدت وظائف لا تكاد تحصى من وزير ووزير دولة ووكلاء وزارات ومساعدي رئيس الجمهورية واستحداث منصب مجلس وزراء وغيره.

 

2- فقد بلغ الصرف على الأمن، ووزارة الدفاع، والدعم السريع في الميزانية (23.495.313) مليار جنيه بنسبة 16.37%، منها (4.170) مليار جنيه للدعم السريع، و(4.654) لجهاز الأمن، و(11.507) لوزارة الدفاع.

 

3- في حين بلغ الصرف على كل من:

 

أ- الصحة مبلغ (2،505) مليار جنيه بنسبة 2،02%.

 

ب- الزراعة مبلغ (2.339) مليار جنيه بنسبة 2%.

 

ج- التعليم مبلغ (4.548) مليار جنيه بنسبة 3،65%.

 

4- بلغ الصرف على الأجهزة التشريعية، والتنفيذية القومية، بما فيها المجلس الوطني، ومجلس الولايات، (2.400) مليار جنيه. ووزارة الداخلية (6.484) مليار جنيه وبلغ الصرف على مستشفيات جهاز الأمن والمخابرات (135) مليون جنيه.

 

5- الالتزام بسداد الديون الخارجية التي بلغت أكثر من 54 مليار دولار والقروض الربوية من صندوق النقد الدولي، وهذا يعني أن تجبى الأموال بهذه الطريقة المحرمة لتدفع في تكلفة القروض الربوية، التي تكون حرباً على الله ورسوله، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ [البقرة: 278-279].

 

هذه بعض الإجراءات المصاحبة لميزانية 2018م:

 

أ/ يلاحظ في الإنفاق أن الدولة ليست مسئولة عن الفقراء، إذ إن الضرائب والجمارك في الإيرادات بلغت 68% من الإيرادات العامة، وكلها يتحملها أهل البلد، وهي مسئولة عن العاملين في دواوينها على غرار النظام الرأسمالي الجائر.

 

ب/ وكذلك يلاحظ أن هناك عجزاً كبيراً في الميزانية، حيث بلغ 28.4 مليار جنيه. وقد قال الوزير بأنه سيتم تمويل هذا العجز بالاستدانة من النظام المصرفي والجمهور واستقطاب تحويلات المغتربين والقروض الخارجية، هذا يعني أيضا على الحلول الرأسمالية التي لا تعرف حلالاً ولا حراماً، بل تتعامل بالباطل لتنفيذ أغراضها، فهذه الحلول لتمويل العجز أيضاً تعني الأخذ بالربا والذي أدناه هو أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية، قال رسول الله ﷺ: «دِرْهَمٌ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَشَدُّ مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً». أو الاستدانة من البنك المركزي، وهو التمويل بالعجز مما يؤدي إلى تخفيض العملة وغلاء الأسعار المؤدي للفقر حتماً.

 

هذه بعض الجرائم والفظائع التي تقوم عليها ميزانية 2018 لجعلها النظام الرأسمالي أساساً، وليس الإسلام.

 

فالمخرج منها هو جعل الإسلام أساساً، بجعل الدولة بكل أنظمتها على أساس الإسلام كما أوجب ديننا. فالدولة الإسلامية لا توضع لها ميزانية سنوية، حتى يحتاج الأمر سنوياً إلى سن قانون لها. ولا تعرض على مجلس الأمة، ولا يؤخذ فيها رأي منه. وذلك لأن الميزانية في النظام الديمقراطي قانون في أبوابها وفصولها، والمبالغ التي تتضمنها، وهو قانون لسنة واحدة، أي يحدث فيه التغيير السنة التي تليه، والقانون عندهم إنما يسنُه البرلمان. ولذلك يحتاج الأمر إلى عرضها على مجلس البرلمان، وهذا كله لا تحتاج إليه الدولة الإسلامية، لأن واردات بيت المال تصل بحسب الأحكام الشرعية المنصوص عليها.

 

مثلاً واردات بيت المال: واردات بيت المال الدائمة هي: الفيء، والغنائم، والأنفال، والخراج، والجزية، وواردات الملكية العامة بأنواعها، وواردات أملاك الدولة، والعشور، وخمس الركاز، والمعدن، وأموال الزكاة. إلاّ أن أموال الزكاة توضع في حرز خاص بها من بيت المال، ولا تصرف إلاّ للأصناف الثمانية الذين ذكروا في القرآن، ولا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الأصناف الثمانية، سواء أكان من شؤون الدولة، أم من شؤون الأمّة. إلاّ أنه يجوز للإمام صرفها على رأيه واجتهاده، لمن يشاء من الأصناف الثمانية. فله أن يعطيها لصنف منهم أو أكثر، وله أن يعطيها لهم جميعاً. وكذلك واردات أموال الملكيات العامة، فإنها توضع في مكان خاص في بيت المال، ولا تخلط بغيرها، لأنّها مملوكة لجميع المسلمين، يصرفها الخليفة وفق ما يراه مصلحة للمسلمين حسب رأيه واجتهاده، ضمن أحكام الشرع.

 

وكذلك تصرف بحسب الأحكام الشرعية المنصوص عليها. وهي كلها أحكام شرعية دائمية. فلا مجال للرأي في أبواب الواردات، ولا في أبواب النفقات مطلقاً، وإنما هي أبواب دائمية قررتها أحكام شرعية دائمية. هذا من ناحية أبواب الميزانية. أما من ناحية فصولها، والمبالغ التي يتضمنها كل فصل فإن ذلك كله موكول لرأي الخليفة واجتهاده، لأنه من رعاية الشؤون التي جعلها الشرع للخليفة يقرر فيما يراه، وأمره واجب التنفيذ. وتصرّفات الرسول ﷺ في الغنائم تبيّن أن أمرها موكول إلى رأي الإمام، يتصرف فيها بما يراه محققاً لمصلحة الإسلام، والمسلمين. فقد روى أبو عبيد عن طريق حبيب بن مسلمة أن الرسول ﷺ نفل من الغنيمة الثلث، كما نفل منها الربع بعد الخمس. كذلك روى أبو عبيد عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت قال: «غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَنَفَّلَنَا فِي بَدْأَتِهِ الرُّبُعَ، وَحِينَ قَفَلْنَا الثُّلُثَ»، كما نفل سلب القتيل لقاتله. روى مسلم عن أبي قتادة أن رسول الله ﷺ قال يوم حنين: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ». وذكر ابن إسحاق في السيرة أن الرسول ﷺ قسم غنائم بني النضير على المهاجرين دون الأنصار، إلاّ سهل بن حنيف، وأبا دجانة، فقد أعطاهما لفقرهما. وقد علل الله هذا الإعطاء في سورة الحشر بقوله: ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: 7]. وهذا ما فعله عمر بن الخطاب أيضاً وعمل به في أرض السواد في العراق، وفي أرض الشام، وأرض مصر، عندما سأله بلال وصحبه قسمة ما أفاء الله عليهم من العراق والشام. حيث قال: «وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية، يؤدّونها فتكون فيئاً للمسلمين، المقاتلة، والذريّة، ولمن يأتي بعدهم» رواه أبو يوسف في الخراج.

 

فالواجب العمل لإقامتها خلافة راشدة على منهاج النبوة يطبق فيها الإسلام ومنه النظام الاقتصادي. هذا هو المخرج الوحيد، فلا يصلح أمر المسلمين اليوم إلا بما صلح به أوله... خلافة راشدة على منهاج النبوة.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

الفاتح عبد الله إسماعيل – السودان/ الدخينات

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع