السبت، 11 شوال 1445هـ| 2024/04/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لا للاستسلام للواقع

 

 

قال تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ [آل عمران: 139-140].

 

إن واقع الأمة الإسلامية اليوم بما تواجهه من نكبات من تمزيق وتشتيت لصفوفها وتفريق وَحْدتها وعرقلة مسيرها وخلق العقبات أمامها، يستوجب علينا عملاً حثيثاً بكل جدية وإخلاص، فالواقع الآن لا يُمكن إغفالُه أو التهرُّب منه بحالٍ من الأحوال، فنحن في حقبة من أشد الحقب حرجاً ونعاني أشد المعاناة من جراء ما نزل علينا من شدائد ومحن، فإن الاستسلام لها لهو أشد خطراً من المحنة ذاتها، فإن الناظر لواقعنا اليوم بكل ما فيه من أسى يتذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «يوشِك الأُمم أن تَدَاعى عليكم، كما تداعى الأَكَلة إلى قَصْعتها»، فقال قائل: مِن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم كثير، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السَّيْل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهن»، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: «حُب الدنيا، وكراهية الموت»؛ رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والطبراني في الكبير عن ثوبان، وهذا هو واقع الأُمَّة الإسلاميَّة اليوم.

 

فإن الأمة تعيش اليوم حِقبة من أشد الحِقَب حَرَجًا، وتُعاني أشدَّ المعاناة، من جرَّاء ما نزَل بها من الشدائد والمِحَن، وعلى الرغم من جَسَامة هذه المحنة؛ أعني: تمزيق أوصال الأمة الإسلاميَّة، فإن الاستسلام لها هو أشدُّ خطرًا من المحنة ذاتها.

 

إنَّ افتقاد الأُمَّة الإسلاميَّة للقوة والإرادة هو من الأسباب التي أدَّت إلى السقوط إلى الهاوية، فتَفَتَّتت الأُمَّة وتبَعْثَرت، وتمزَّقت رُقعة التفكير في وحدتها وإعادة أمجادها، فما عاد واقعنا اليوم كماضينا، وما أظنُّ أنَّ واقِعنا اليوم يحتاج إلى شواهدَ أو إسقاطات تاريخيَّة، فعمل الغرب على تكبيل سواعد الأمة حتى أصبحت عاجزة عن استعادة أمجادها وحماية تاريخها المؤصَّل، كلُّ ذلك وغيره يشكِّل مواطنَ الضَّعف التي أُوتِينا من قِبَلها، وصِرنا هدفًا للغرب يُسيطر ويُهيمن عليه، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله، وعلينا أن نعلمَ أنَّ العالَم الغربي بجميع طوائفه ليس له هدفٌ إلاَّ تفكيك العالَم الإسلامي، وتشريد المسلمين، وتقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة، وذلك هو الواقع الذي يعمل من أجْله الغرب؛ وذلك للعمل على تقسيم العالَم الإسلامي، وإضعاف شأنه في جميع المجالات، وأن يشغل العالَم الإسلامي بقضايا فرعية من شأنها تمزيق وَحْدته، ونشْر الكراهية بين جميع فئات المجتمع؛ حتى لا تكون للإسلام قوَّة، وحتى لا يكون للمسلمين شأنٌ.

 

وهذا يسهل عليها الطريق للاستيلاء على ثروات الشعوب، واستخدامها كسلاح لِمُحاربة الإسلام والمسلمين، وما حدَث في بعض البلاد الإسلاميَّة خيرُ شاهدٍ على ذلك، وأن ينفرد بكلِّ سَّطوة وقوة؛ حتى يمكنَ السيطرةُ على العالم أجمع.

 

وتلك حقائق مؤكَّدة لا تَقبل التزييف، والواقع يشهد بذلك وإذا رَجَعنا إلى تاريخ أسلافنا، فإننا نَجد أنَّ الدولة الإسلامية عندما قامت، قامَت على أُسسٍ ومبادئَ وقِيَم إسلامية، وعلى نَبْذ العصبيَّة الجاهليَّة والعُنصريَّة، فكان ذلك نموذجًا في تأسيس الدولة الإسلامية في مُدة زمنيَّة محدودة، وكيف المسلمون الأوائل حافظوا على هذه القوَّة، وعَمِلوا على أن تكون الدولة الإسلامية هي الأقوى، وتلك هي القوة والإرادة لهؤلاء الرجال الذين صنعوا التاريخ لنا، تاريخًا نَفخر به، وجاء دور الخُلفاء، فحافظوا على قوَّة الدولة الإسلامية، بل وزادوا في رُقعتها وقوَّتها قوَّة فوق قوة، فكانت الفتوحات الإسلامية التي لَم يَسبق لها مثيلٌ، ودانَت الأرض من مَشرقها إلى مغربها لدولة الإسلام، وسادَت الهُويَّة الإسلاميَّة بما فيها من حضارة، وتأثَّرت بها الحضارات المجاورة.

 

نعم، كان لأُمَّتنا الإسلاميَّة تاريخٌ وأمجاد وحضارة، وحاوَل الغرب المستحدَث طمْسَ هُويَّتنا الإسلاميَّة بكلِّ مَعالمها، ولكنَّه لن يستطيعَ؛ لأنَّ أمة الإسلام قامَت على أركان وأُسس قويَّة منذ تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، ومرورًا بالدولة الإسلاميَّة في بلاد الشام ودمشق، ثم بعد ذلك الدولة العباسيَّة، حتى امتدَّت دولة الإسلام إلى مصر والمغرب العربي، ثم الغرب الأوروبي وجنوب فرنسا، ودولة الأندلس بكلِّ حضارتها الإسلاميَّة، والعالَم كله يشهد بذلك المجد العريق.

 

فواجبٌ علينا - كأُمَّة مسلمة لها تاريخ مؤصَّل وعريق - أن نأخُذَ هذه الأسباب بعين الاعتبار؛ حتى لا يتفاقم الأمر، وحتى نستطيع أن نَقِفَ وجْهًا لوجْه أمام أي عدوٍّ أراد أو يُحاول تفكيكَ وَحْدة الأُمة.

 

بل إنَّ الذي يجب علينا في ظلِّ هذه الظروف - كأُمَّة لها أمجادٌ - أن نتكاتَف ونَجمع شَمْلنا؛ لمواجهة هذه التحدِّيات، واستعادة أمجاد أُمَّتنا، ولنا أن نَعلمَ أنَّ في الاتحِّاد قوَّةً، وفي التفرُّق ضَعْفًا، لنا أن نجعلَ من ذلك دافعًا لأن نكون يدًا واحدة، وأن نعملَ على نزْع الفُرقة والنزاع من بيننا؛ حتى نستعيدَ أمجاد أُمَّتنا الخالدة، وحتى نستطيع أن نتكاتَف ونَجمع شَمْلنا للتصدِّي لهذه النَّكبات التي تواجِه أُمَّتنا اليوم يجب علينا أن نتحرك بشكل سريع ومدروس لإعادة وتحقيق الوحدة لهذه الأمة العظيمة شعارا وعملا، وتعبئة كل الجهود لمواجهة هذا الخطر العظيم الذي يمزق أوصال أمتنا الإسلامية ويهددنا جميعا.

 

فإننا نحتاج إلى عمل جاد دائمٍ ودؤوب في جميع المجالات؛ لتقوية دعائم الأمة الإسلامية لمواجهة هذه الظروف والتحدِّيات التي تُواجه الأُمة الإسلاميَّة اليوم، والتكامل الفردي والجماعي بين الأفراد والجماعات في المجتمع المسلم؛ حتى نَلحق بالرَّكب الحضاري الإسلامي، ويتحقَّق الهدف، وتتحقَّق وَحْدة الأمة الإسلامية؛ عملاً بقول الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ [آل عمران: 103].

 

أيها المسلمون عامة وحملة الدعوة خاصة، أود أن أوجه لكم رسالة أحاسب عليها يوم القيامة..

 

علينا أن نعيد أمجاد أمتنا فالأمر ليس بخيال أو حلم علينا أن نستعيد ماضينا العريق، إنَّ الأُمَّة الإسلامية اليوم تحتاج إلى أن تتضافَر الجهود كلٌّ في مكانه ومجاله، أفرادًا وجماعات، لإعادة هذا المجد المنشود؛ حتى يعلوَ شأْن الأمة الإسلامية، ونقيم شرع الله وخلافة راشدة على منهاج النبوة ولسوف يكون ذلك بعون الله؛ فالله لا يرضى لأمة الإسلام المَذَّلة، وإنَّ غدًا لناظرِه لقريب.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

دارين الشنطي

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع