- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نكون من المفلحين في الدنيا والآخرة؟
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْـزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
جاء في تفسير الطبري رحمه الله: فالذين صدَّقوا بالنبيّ الأميّ، وأقرُّوا بنبوّته ووقَّروه وعظموه وحَمَوه وأعانوه على أعداء الله وأعدائه بجهادهم ونصب الحرب لهم واتبعوا القرآن والإسلام "الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها جلّ ثناؤه أتباع محمد ﷺ، هم المنجحون المدرِكون ما طلبُوا ورجَوْا بفعلهم ذلك".
لقد جعل الله عزّ وجلّ الفلاح في هذه الآية وآيات أخرى كثيرة مرتبطا بالإيمان والعمل الصالح والقيام بما أمر الله واجتناب ما نهى عنه فقال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾. وقال: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. وقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ وقال: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
وبالتالي فطريق الفلاح قد سطره الله لنا تسطيرا وجعله جليّا واضحا وجعل زاده التزام أوامره تعالى وفعل ما يطلبه واجتناب الحرام والبعد عمّا يغضبه.
إنّ الفلاح ليشمل الدنيا والآخرة فمن يتقي الله يجعل له من أمره يسرا ويبارك له في أعماله ويصلح له في نفسه وزوجه وأولاده، ويجعل له مخرجا عند العثرات، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويكون الله حسبه ويُعظم له الأجر والثواب بصبره على الشدائد. وقد قال بعضهم: "الفلاح هو الظفر وإدراك البغية فالدنيويّ هو إدراك السعادة التي تطيب بها الحياة، والأخرويّ أربعة أشياء: بقاء بلا فناء وعزّ بلا ذلّ وغنى بلا فقر وعلم بلا جهل"
فكان لزاما على من يطلب الفلاح في الدنيا على جميع المستويات أن يعيَ أنّ مفتاحه طاعة الله وحده والتزام شرعه والتي تؤدي بدورها إلى الفوز في الآخرة، وأنّ لا سبيل آخر لذلك بل هو سبيل واحد أمرنا الله به ﴿وأنّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾.
وعلى الواحد منّا أيضا أن ينتبه لأمور قد تعيقه عن هذا الدرب فقلّة السالكين له لا تضرّه ما دام قد اهتدى وأدرك أنّه درب النجاة الوحيد، وقد نبهنا الله تعالى لذلك فقال: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ﴾.
كذلك أصبح المسلم الساعي لمرضاة الله وتحقيق الفلاح في هذا العصر غريبا غربة كبيرة لبعد مقاييسه عن مقاييس مجتمعه واختلاف مفاهيمه عن المفاهيم التي يحملها الناس حوله، فمن لم يشتّد عوده ويكون شخصية إسلامية قويّة ومتوازنة فسيتأثر لا محالة بالسائد وبالمتفشي حوله، فكان المانع من ذلك كله استحضار المسلم الدائم لمفاهيم الإسلام ومقاييسه والسعي الدائم لجعلها قوية مؤثرة في عقليته ونفسيته، ووزن كل الأفكار والأمور المتفشية في المجتمع بمقاييس الإسلام وتوجيه البوصلة إلى وجهتها الصحيحة فيحفظ نفسه من أن تشوب أفكاره وميوله شوائب بغير علم، ويسعى دائما في درب الارتقاء بنفسه وتهذيبها!
وليحذر الواحد منّا أيضا أن تردّه عن طريق الفلاح شهوات آنية وزلات شيطانية فيترك فلاحه الأبدي لأجل لذّات فانية، وهذه هي فخاخ إبليس التي يحاول إيقاع عباد الله فيها، فسبيل النجاة منها هو الاعتصام بالله والإخلاص له وأن يكون المرء أوّابا إذا أذنب أسرع بالتوبة والاستغفار ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ﴾.
إنّ وصول المسلم إلى غايته وهي نوال رضوان الله وأن يكون من المفلحين ليس بالأمر السهل فقد حفّت الجنّة بالمكاره وحفّت النار بالشهوات، فلا بدّ أن يكون حاضرا في ذهنه أنّ عليه أن يضحّي وأن يترك أموراً كثيرة ولو كانت مباحة لوجه الله، وأن يبذل حتّى نفسه رخيصة في سبيل الله، فإن وعى ذلك كانت الدنيا هيّنة عليه ولم ينغمس فيها انغماس عامة النّاس ولم يخلد إلى الأرض بل كان متعلقا بالحياة الدائمة والعيش الآخر.
فاللهمّ اجعلنا من المفلحين في الدنيا والآخرة واجعل الدنيا آخر همّنا واجعلنا نلقاك وأنت راض عنّا يا أرحم الراحمين.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
منّة الله طاهر