السبت، 26 صَفر 1446هـ| 2024/08/31م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 4 تعليقات
ثورة الشام الأبية... والاستراتيجيات

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

ثورة الشام الأبية... والاستراتيجيات

 

 

نعم إنها بلاد الشام.. ليس لذات ثرواتها ومعادنها وخامها الصناعي، وإن كانت كذلك، بل لأنها أم وأب الإنسانية، فهي مهبط الرسل والأنبياء، وأرض المحشر والمنشر، وأرض الحشد والرباط، فكل هذه الأوصاف استراتيجيا تعني ما يقال بحق الشام وثورتها وأهلها، فقد تؤول الأوضاع إلى حرب عالمية ثالثة وإن لم تكن فهي حرب إقليمية أشبه بالثالثة المتوقعة، وللإسلام ونهضته باع استراتيجي فكري طويل بها..!!

 

أما كيف يكون ذلك؟ فالكلام سياسي، والسياسة كالمعلقات الشعرية أو كالألفيات، فالحديث بالألف والباء فيه ليس بالأمر السهل، فلا بد من بلوغ الواو والياء، ولكن باختصار شديد جداً، فمن يتابع أحوال وأخبار الشام منذ أكثر من ثلاثة عقود، أي منذ أن دمر المجحوم حافظ الأسد مدينتي حماه وحلب، وانتزع أخوه رفعت حجاب نساء سوريا في قلب دمشق دون خجل أو وجل والمسلمون يتحرقون شوقًا ليوم يتخلصون منهم ومن أمثالهم من حكام العرب والمسلمين.

 

فأمريكا الدولة الأولى في العالم هي اليوم بعد الأزمة المالية التي تعصف بها، وحربين كبيرتين في العراق وأفغانستان استنْزفت كثير من إمكانياتها، ومديونيتها تزيد عن العشرين ترليون دولار، ورجال السياسة فيها أصبحوا من أمثال ترامب وكلينتون، ومع ذلك ولأنه لا منافس لها على المركز الأول في العالم، فروسيا ليست منافسا، رغم قوتها العسكرية، حيث القوة العسكرية وحدها لا تكفي للانفراد أو المشاركة بالسيطرة على شؤون العالم، وأوروبا كذلك تترنح باتحاد لا أساسات قوية له ولا جذور راسخة (بريطانيا مثالا يضرب)، وعليه فإن الربيع العربي وثوراته قد وضع الحبل على البئر، وفي الوقت والمكان غير المناسب لأمريكا والعالم، فلا الوقت خدمها مع الأزمة المالية وكثرة مشاكلها الداخلية والخارجية، ولا المكان الذي يتكئ عليه حبل أمريكا صعودًا ونزولاً مما قلل من عمر استعمال حبلها الذي تعتمد عليه ذاتيا، وكذلك عملاؤها الدكتاتوريون الذين امتدحتهم، فكان مقتلها بالطعام المسموم (الحكام العملاء) الذي صنعته بيديها فقيل فيها وفيهم: "يداك أوكتا وفوك نفخ"، فهي ومنذ سنوات تحاول حلحلة الأمور ولم تستطع، وأوكلت لعملائها مثل إيران وحزبها في لبنان وقد رأينا فشلهم، وسخرت تركيا وكل دول الخليج وجوار سوريا، وفشلت، فأوكلت المهمة لمن يحلم بالعودة إلى المسرح الدولي، ولكن أنى له ذلك..!، فجرب بوتين الدب الروسي ما نرى ونسمع، ولم يجنِ من الشام إلا الشوك، والقادم أسوأ، وتحاول أوروبا عن طريق فرنسا وبريطانيا التدخل ولكن كل ذلك ممنوع أمريكيًا، ومحظور عليهم، ولذا نراهم متحفزين، وينتظرون الفرصة المناسبة للتدخل علهم يحصلون على جزء من جزء من الكعكة.

 

ولأن الأمر أكبر من جميع اللاعبين سواء الحكم أو المنظم أو الجمهور، فهنا لا بد من النظرة الاستراتيجية التاريخية للمنطقة كما أسلفنا. إنها بلاد الشام، وما أدراك ما بلاد الشام؟ التي فتحها خالد بن الوليد، وأبو عبيدة، ثم حررها صلاح الدين الأيوبي، وقطز، وحافظ عليها السلطان عبد الحميد، الذي قال لهيرتزل: "إن فلسطين ليست أرض آبائي وأجدادي، ولو عمل المبضع في جسدي، لن أعطيكم جزءًا من فلسطين، فإذا هدمت دولة الخلافة، حينها تستطيعون أخذها بدون ثمن"، فكان أن تآمر الغرب وخونة العرب والترك لهدم دولة الإسلام، وتم احتلال بل إعطاء فلسطين ليهود وتنصيب أزلام على بلاد المسلمين، يخدمون الغرب الكافر على عينه.

 

وعودًا على بدء: إن ما يحصل في بلاد الشام ليس هو فقط مصالح ومنافع مادية وثروات، فكل ما يريدونه يحصلون عليه بأبخس الأثمان، ودون حسيب أو رقيب، وحتى الثروات التي ينهبها الحكام العملاء توضع في البنوك الأجنبية، في حسابات سرية، وفي أي لحظة قد تحتجز تحت أي ذريعة، ولذا فإن عقدة الشام "مبدئية وعقدية" تخص الإسلام بوصفه مبدأ حياة يصلح لكل زمان، وكل مكان.

 

لقد أيقنت أمريكا أن سوريا إن حصل فيها تغيير حقيقي، فستكون نقطة ارتكاز لدولة الخلافة على منهاج النبوة، فما أن رفع المسلمون رايات العقاب أي راية رسول الله تعالى حتى جُنَّ جنونهم، وأدركوا أن ربيع المسلمين يَنُم عن وعي وفكر قد ضخ ونشر ودرّس للمسلمين خلال عقود خلت دون أن يلتفتوا له أو يستطيعوا إيقاف تأثيره، رغم السجون والتقتيل والمحاصرة، وكل أفاعيل الشياطين، فعمدت أمريكا إلى عسكرة الثورة، ومد أمدها علها تخيف المسلمين، وتعيدهم إلى قفص الطاعة والخنوع والذل، وذلك بإسالة الدماء والتدمير، وعندما لم يجدوا حلاً، ولا سبيل للحل فاقموا الأمر بالتقتيل بطرق وحشية انتقامية، وتدميرية للإنسان والأرض والشجر والحجر، وما علموا أن المسلمين يشتاقون للقاء ربهم شهداء، ولا يأبهون لدنيا زائلة لا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة، بل وإن طلابها كلاب وخصوصًا إن كانت بلا عزة وكرامة الإسلام ومرضاة رب العزة العظيم.

 

فأمريكا اليوم بين "حيص وبيص" سياسيًا فقد أجلت الحل خوفًا من القادم وساءها طول الأمد لأن الأمة تتمرس على المصابرة، وتوطن نفسها على الحرب، ومقاتلة العدو كائنًا من كان، سواء أكان دولة كبرى، أم دولة صغرى متمثلة بعميل، أو من يريد موقعًا ومصلحة.

 

إن أمة الإسلام أمة مجاهدة، من درس تاريخها عرفها بحق، وتجنب منازلتها، أو الدوس على طرفها، أو التعدي على حرماتها، فأثارت أمريكا بين المسلمين النَّزعات الطائفية والعرقية والإقليمية، علها تستطيع تنفيذ خططها، وخصوصا إعادة تقسيم المقسم من بلاد المسلمين قاطبة، وكل ذلك له عقبات وعواقب، ومكلف، وباهظ الثمن دمًا ودولارات، والداخل في دوامته لا يعلم أي منقلب سينقلب، وكيف ستدور الدائرة، هل تكون له أم عليه؟

 

إن هذا التخبط الأمريكي، وعدم إدراك نهاية ظلمهم بديمقراطيتهم المصطنعة، والتي تخدم حفنة أصحاب رؤوس الأموال وبعض الساسة، كله آت من المبدأ الخاطئ، وهو المبدأ الرأسمالي، الذي يترنح للحاق بالمبدأ الشيوعي الذي انهار وأفل في بداية تسعينيات القرن الماضي ولذا فإن مصرع أمريكا يلوح في الأفق ويراه كل متتبع لأحوالها سواء في بلاد الشام، أو بدعمها لعملائها، وظلمهم في بلاد المسلمين كنظام (السيسي) مثلاً، أو داخليا بالأزمة المالية. فكل ما سبق مجتمعًا جعل الأمر معقدًا بشكل استراتيجي، لأمر مهم تخشاه أمريكا في بلاد الشام، وهو تفلت المنطقة من يدها، والذهاب باتجاه وحدة بلاد المسلمين، وإقامة دولة المسلمين التي تحكم بالقرآن والسنة النبوية، وترعى المسلم وغير المسلم بالعدل والإحسان، ولذا ترى نفسها في الرمق الأخير، ويجب أن تسيطر على الأمور بأي شكل كان، ولذا نرى أن أفاعيلها هي وروسيا إجرامية، وكل العالم يرى ويسمع. وعليه فهي لا حلول منظورة لديها وقابلة للتنفيذ، وكل ما نرى ونسمع للتأجيل علَّ حلاً يلوح في الأفق، ولا حل حسب المنظور إلا بوحدة بلاد المسلمين، وطرد الكافر المستعمر وكفره، وكشف وفضح كل مستور داخليًا وخارجيًا، وظهور تلك الدولة الإسلامية للملأ: ترعى مصالح العالم بأحكام رب العالمين.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

وليد نايل حجازات

 

 

 

وسائط

4 تعليقات

  • إبتهال
    إبتهال الجمعة، 14 تشرين الأول/أكتوبر 2016م 10:40 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

  • om raya
    om raya الخميس، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2016م 21:40 تعليق

    جزاكم الله خيرا و بارك جهودكم

  • ام عبدالله
    ام عبدالله الخميس، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2016م 19:39 تعليق

    جزاكم الله خيرا

  • Khadija
    Khadija الخميس، 13 تشرين الأول/أكتوبر 2016م 17:33 تعليق

    مقالة ممتازة جزاكم الله خيرا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع