السبت، 26 صَفر 1446هـ| 2024/08/31م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 3 تعليقات
بريطانيا وخروجها من الاتحاد الأوروبي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بريطانيا وخروجها من الاتحاد الأوروبي

 

أحدثت نتيجة التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ردود فعل متباينة بين مؤيد ومحذر من عواقب غير منظورة قد تصيب بريطانيا، وكان يتوقع أن تبقى بريطانيا في الاتحاد الأوروبي بعد أن حصل كاميرون على بعض التنازلات من ألمانيا وفرنسا ورئاسة الاتحاد الأوروبي، والناظر لبريطانيا قد يعجب لصغر حجمها وعظم أثرها في السياسة الدولية منذ ثلاثمائة عام تقريبا، وإن كانت مكانتها تتقلص منذ أن استولت أمريكا على حق التنقيب عن البترول في السعودية واكتشافه بكميات هائلة، وكذلك مع انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت أمريكا تعمل على إخراج بريطانيا من الشرق الأوسط لتحل مكانها. ويمكن أن نعتمد أن بريطانيا قد بدأ لها شأن منذ انتصارها على إسبانيا سنة 1588م في المعركة البحرية - الأرمادا - التي حجمت طموح إسبانيا تجاه تأديب بريطانيا، ومهما كان سبب تلك المعركة إن كان اعتداء القراصنة الإنجليز المدعومين من ملكة بريطانيا على السفن الإسبانية العائدة من المستعمرات والمحملة بالذهب والفضة أو المنافسة بين الدولتين في تجارة العبيد أو الثأر لمقتل ملكة أيرلندا الكاثوليكية، فإن النتيجة كانت لصالح الإنجليز، ورفعت من قدرهم وأصبحت بريطانيا هي الدولة الأولى الأوروبية آنذاك - إسبانيا - تحسب حسابها فقامت إسبانيا والكنيسة الكاثوليكية بحصار بريطانيا ومنع التجارة معها، فذهبت ملكة بريطانيا واتصلت بالدولة العثمانية ودولة بلاد فارس وعقدت معهما اتفاقات تجارية مكنت لها باباً مفتوحاً بدون حسيب ولا رقيب، لأن المسلمين والدولة الإسلامية كانوا لا يخلطون بين التجارة والحرب والسياسة فلا تسير الجيوش مع التجار ولا أمامهم أو خلفهم، ولا يكون التجار جواسيس يجوبون البلاد لمعرفة أوضاعها طليعة للغزو العسكري.

 

يكاد يكون الإنجليز من أخبث شعوب الأرض، فقد حكموا شعوبا كثيرة من خلف الحاكم المعتاد عليه من أهل البلاد فلذلك لا يلحظهم عامة الناس ولا تثار حفيظتهم تجاه ما يصنعون، ويذكر أن اللورد كرومر سُئل هل تريد أن تحكم مصر فأجاب "أريد أن أحكم من يحكم مصر". ونحن المسلمين العرب قد خبرنا هذا الخبث بتقسيم بلادنا وحكمها بعد إسقاط الدولة العثمانية (الدولة الإسلامية التي كان لها الولاء النابع من العقيدة الإسلامية وأخوة الإيمان من جميع رعاياها أتراك وأكراد وعرب وألبان وأرمن وغيرهم من شعوب الدولة الإسلامية، كان الولاء للإسلام هو الذي يجمعنا والدولة الإسلامية هي التي تطبق الإسلام على جميع رعاياها المسلم منهم والكافر الجميع سواء أمام الشرع بدون تفرقة بغض النظر عن الدين أو القومية).

 

وقد زرعت بريطانيا وقوى الاستعمار الأخرى القومية العربية عند العرب والقومية الطورانية عند الأتراك والألبانية عند الألبان، وأيضا عند غيرهم من المسلمين، واستبدل ولاء القومية والوطنية بالإسلام فكان ما نجده اليوم من الهوان والبطش والاستبداد والتفرقة والحكام الظلمة.

 

لقد كانت الجزيرة العربية وبلاد الشام والعراق ومصر - والهند - تحت حكم الإنجليز ومكن الإنجليز اليهود من فلسطين وشردوا أهلها، وهذه دول الطوق صنعتها بريطانيا، عدا مصر لأجل الحفاظ على دولة يهود والاعتراف بها من دول المنطقة. وكانت بريطانيا قد احتلت مصر سنة 1882م وكعادتها أبقت على الخديوي وعائلته صوريا حكاما لمصر والإنجليز هم الحاكم الفعلي لمصر وما يتبعها، حتى مديرية خط الاستواء - أوغندا - وكان محمد علي باشا قد مكن لنفسه حكم مصر، وخرج عن طاعة الخليفة العثماني، وانتهج سياسة خاصة به لتحقيق أطماعه الشخصية، مما سهل تدخل قوى الاستعمار المتربصة بالدولة الإسلامية: بريطانيا وفرنسا، وفرضت عليه الحصار، وتحديد أعداد الجيش، ووضعت المراقبين عليه في داخل مصر، حتى يقال إنه مات كمدا مما صنعت يداه وجرت عليه أطماعه وعلى البلاد.

 

والأغرب من ذلك منظمة التحرير الفلسطينية! التي نشأت تحت شعار تحرير فلسطين من اليهود ثم باتت تخدم اليهود أكثر من اليهود أنفسهم، واعترفت لليهود بحق الوجود في غالبية أرض فلسطين، فقد أعطت لليهود ما لم يجرؤ أي عربي وتحت أي صفة إعطاءه لهم، - كما أعطى مدعي العروبة والتحرر والنهضة الإنجليز واليهود ما لم يعطهم السلطان عبد الحميد منه شيئا - ولا زالت السلطة الفلسطينية وتوابعها تقف مانعا بين الناس ومحاربة اليهود، وتسحق أهل فلسطين بوعود لا طائل منها وتسميات خادعة كاذبة؛ دولة فلسطين، السيد الرئيس، وهو الذي لا يمون على سرواله، ورئيس وزراء ووزير خارجية ورئيس برلمان ووزراء وعمداء وضباط، وهيلمان أجوف، ومناصب وأسماء وهمية جوفاء خاوية على عروشها لا نفع منها ولا فائدة فيها، تعطي اليهود مسوغا وعذرا للاستحواذ على كامل فلسطين وعلى البطش بمن تشاء من أهلها، فقد أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية وفتح والسلطة الفلسطينية وتوابعها من جملة أساليب تمكين اليهود من فلسطين، حتى أنه يقال إن وعد بلفور المشؤوم قد أعطى أهل فلسطين واعترف بحقوقهم أكثر مما أعطاهم اتفاق أوسلو.

 

لقد دفعت بريطانيا الدول العربية التي كانت تحت حكمها بحرب صورية سنة 1948م حيث إن طبائع الأشياء تحتم على الدول العربية أن تنقذ أهل فلسطين وتحارب عدوهم طبعا ضمن ما تمليه عليهم بريطانيا، وأخبرتهم ألا يتجاوز أحد منهم خطوط التقسيم، وهي قد جهزت اليهود لحرب هذه الدول المصنعة بيدها، بجيش دربته وسلحته ومكنته من أرض فلسطين كل ما يستطيع الاستحواذ عليه وطرد أهلها منها.

 

إن لنا ثأرا عند بريطانيا ودول الاستعمار الأخرى لم نستوفه بعد، وعلينا أخذه بعين الاعتبار والعمل لأخذه من جميع قوى الاستعمار.

 

إن الصراع على المنافع والمصالح بين الدول من طبيعة الحياة، كما إن التداخل بين السياسة والاقتصاد أمر طبيعي، بمعنى أن كل عمل سياسي لا يخلو من إجراء اقتصادي ولا يخلو أي عمل اقتصادي من خلفية سياسية، وإن هذا التداخل والصراع على المنافع وتحقيق المصالح من طبائع الأشياء، فتجد أن هذه العجوز الماكر بريطانيا وهي تصارع الموت والاندثار لا يضيرها الكذب والخداع ما دام أنه يحقق مصالحها ويجلب لها المنافع - وإن ساعدتها الظروف فأطالت نزعها ولم يفتك بها أحد بعد - تنظر إلى ماضي أوهام العظمة التي حققتها بالخديعة والمكر ومص دماء الشعوب، فتجد من يستلهم تلك العظمة البائدة ويدعو للخروج من الاتحاد الأوروبي ظنا منهم القدرة على تنظيم شؤون معيشتهم بما يحقق مصالحهم منفردين عن غيرهم من الشعوب المحيطة بهم، معتدّين بتاريخٍ يرونه متفردا وإن كانوا في حقيقتهم شعباً طفيلياً خبيثاً جشعاً مستغلاً لغيره من الشعوب التي استطاع الهيمنة عليها بشتى الوسائل والأساليب.

 

ولم يتعظ الإنجليز من محاولة ونستون تشرشل وهو وزير للخزانة سنة 1925م إعادة ربط الجنيه الإسترليني بالذهب متوهما أن بلاده ما زالت الدولة العظمى القادرة على توجيه السياسة الدولية والتحكم بها وإعادة الجنيه الإسترليني لقاعدة الذهب كما كان قبل الحرب العالمية الأولى، فجاءه الاستهزاء من ماينرد كينز ابن جلدته أستاذ الاقتصاد، ولم تقو بريطانيا لا سياسيا ولا اقتصاديا على العودة إلى قاعدة الذهب بعملتها وانزوت وناورت ونجحت بتعدي الحرب العالمية الثانية لتبقى على قيد الحياة في إعداد الدول الكبيرة بين الشعوب والأمم، لقد كان عمل تشرشل آنذاك عملا سياسيا بإجراء اقتصادي، فقد حاول إعادة العملة البريطانية إلى قاعدة الذهب، وكان هذا قرارا سياسيا، حتى ينجح لا بد أن يكون الاقتصاد البريطاني قادرا على إجراء التعاملات التجارية الدولية على أساس الذهب بين دول تقوم عملاتها على أساس العملات الورقية ولا تتخذ الذهب مقياسا لعملاتها التجارية، وهذا بطبيعة الحال لا يكون بمجرد إصدار القرار السياسي بل يجب أن يكون الاقتصاد قادرا على تحمل ذلك بجانب الإرادة والقدرة السياسية على مجابهة الدول الأخرى المؤثرة في مسرح السياسة الدولية، لأن ذلك لن ينجح إذا كان فقط قرارا سياسيا، وقد اعترض ماينرد كينز على تشرشل وسخر منه لعدم قدرة بريطانيا على تحقيق العودة إلى نظام قاعدة الذهب لتطور الأوضاع الاقتصادية والسياسية للدول الأخرى المنافسة لها سياسيا واقتصاديا وعسكريا وبداية ضعفها وظهور من هو أقوى منها من الدول المنافسة.

 

إن للذهب قيمة ذاتية وقد حباه الله تبارك وتعالى بميزات جعل الإنسان يقدره في مختلف العصور ويجعله بمثابة ملك المعادن، والذهب لا يبلى ويبقى على حاله وكميته تكاد تكون محدودة بالنسبة لغيره من المعادن المعروفة، وقد ربط بأحكام شرعية كنصاب الزكاة مثلا. فكان الذهب أصلح ما يكون لتقاس به أثمان الأشياء والخدمات عالميا ومحليا، ويمكن الحصول عليه عند الجميع إما بتبادل السلع والخدمات بيعا وشراء أو باستخراجه تنقيبا وتنقية.

 

ومن فوائد قاعدة الذهب للعملات النقاط التالية:

 

- يمنع التضخم لأنه يحد من حرية الدولة من التوسع بإصدار النقود الورقية.

 

- يضبط الإنفاق الحكومي ويمنع الدولة من التلاعب بالقوة الشرائية لعملتها ولا يسمح لها بالتوسع بالدين ويجبرها على مستوى معيشة حقيقي يتناسب مع ثروة البلاد.

- يثبت سعر الصرف بين العملات.

 

- يوفر وسيلة ثابتة للمدفوعات بين الدول في التجارة الخارجية.

 

- تنحو التجارة الداخلية والخارجية للازدهار والاستقرار، ذلك لأنه يحافظ على استقرار الأسعار والثقة بين التجار.

 

والدول التي تجعل نظام عملتها قائما على أساس قاعدة الذهب تظهر قوتها الاقتصادية وإرادتها السياسية المعتدة بالنفس فتمنع غيرها من التحكم باقتصادها ولا تعرض ثروتها للنهب والاستحواذ عليها وتمنع تعرضها للمضاربات والتجارة الوهمية.

 

وكانت الولايات المتحدة قد استغلت انتصارها في الحرب العالمية الثانية (انتصار الحلفاء) فدعت إلى اجتماع في بريتون وودز وأملت على المجتمعين ما تمليه مصالحها، ولم تُلقِ بالا لاقتراحات ماينرد كينز الذي كان بدوره يمثل المصالح البريطانية، فجاءت الاتفاقات كما أملتها الولايات المتحدة وربطت الدولار بالذهب وأصبح الدولار حكما وواقعا العملة العالمية التي تبرئ الذمة المالية وتقوم بجميع المعاملات المالية حول العالم باستثناء العالم الشيوعي فيما بينه. وبالرغم من أن نكسون قد فك الارتباط بين الذهب والدولار سنة 1971م إلا أن الدولار بقي العملة العالمية بدون منازع، مع أنه فقد سند الذهب وأصبح لا يساوي إلا ثمن الورق المطبوع عليه وإن الولايات المتحدة تطبع بدون حسيب أو رقيب وأن دينها يساوي على أقل تعديل 100% من إنتاجها القومي، لكن هيمنتها السياسية والعسكرية وقوتها الاقتصادية أبقت على إقبال الدول على التعامل بالدولار كما لو أنه مدعوم بالذهب، وقد بقي الطلب على سندات الخزينة الأمريكية كما هو رغم المديونية العالية للولايات المتحدة وذلك لرواجها والإقبال العالي عليها من الدائنين.

 

إن بوادر الضعف الحقيقي المميت للولايات المتحدة، سيكون عند بداية تراجع دور الدولار كعملة عالمية تبرئ الذمة المالية في المعاملات التجارية، وامتناع الدول عن اتخاذه عملة احتياطية لديها، ويكون ذلك قبل لمس الضعف العسكري والسياسي للولايات المتحدة.

 

إن من يدعو اليوم إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتمثل بتشرشل حين ظن أن عظمة بريطانيا البائدة قادرة بكفاءتها الاقتصادية وخبثها السياسي على تحقيق ما فاتهم من العظمة فقرر إعادة ربط الجنيه الإسترليني بالذهب لعلمه بالفوائد الجمة التي تستحوذ عليه الدولة التي تصبح عملتها عملة عالمية. وهؤلاء يرون أن الظرف مناسب لعودة عظمة بريطانيا، وخصوصا بعد أن خلا مسرح السياسة الدولية من صراع الحرب الباردة، وهؤلاء هم الشعبويون المتطرفون القوميون الأغبياء.

 

ومن يدعو إلى البقاء في الاتحاد الأوروبي يتمثل بماينرد كينز لعلمه أن بلاده لم تعد مصاص دماء الشعوب الأول والمهيمن والمسيطر بخبثه وخداعه لكثير من الشعوب، ولعلمه أن هذه التجمعات الاقتصادية الكبيرة خادمة لأعضائها الأكثر تقدما في الصناعة والتقنية والنشاط التجاري والخدمات المالية والفنية والصحية والإدارة، وهؤلاء هم الأشد خبثا ودهاء ومعرفة بوضعهم المتردي. فكلما كان العضو دولة صناعية وبدرجة متقدمة في الصناعة والتجارة وتوابعها من الخدمات والسلع والمواد الأولية وتصنيعها تخدمه الأسواق باتساعها بتصريف بضاعته وسهولة انسيابها برفع الحواجز الجمركية من أمامها وتنقل الأيدي العاملة والأموال في أرجاء بلاد الأعضاء بدون عوائق أو تعقيد، وكلما كان الشعب نشيطا منضبطا متقدما صناعيا وتقنياً، استحوذ على فوائد أكثر من السوق والشعوب الأقل تقدما والأكثر فقرا في شؤون الصناعة والتجارة والإدارة هي الأقل فائدة من الاتحاد فكأنها أعطيت فقط الأولوية في نبش قمامة موائد الدول الأكثر تقدما وأكل فتات موائدهم مقابل أنها سوق استهلاكية لهم لضعف اقتصادها وعدم قدرتها على المنافسة.

 

نسي الأوروبيون ويلات الحرب التي دارت بينهم وخصوصا الحرب العالمية الثانية والدمار الذي حاق بهم من هيمنة القومية عليهم وشعاراتها والشعور بالعظمة وادعائهم بالتميز، وتناسى الأوروبيون حقبة الاستعمار وبطشهم بالشعوب المستعمرة وإبادة بعضها والعيش على مص دمائها، فيسرفون اليوم بادعاء الإنسانية وحقوق الإنسان كأن أحدا لا يعرف تاريخهم المشؤوم ولا مصدر ثروتهم.

 

بعد الدمار الذي حل بأوروبا في الحرب العالمية الثانية، تقدمت الولايات المتحدة بمشروع مارشال لإعادة إعمارها خوفا من أن ينقلب النصر إلى هزيمة إذا تركت أوروبا لمصيرها المحتوم واستحوذ الفقر عليها والدمار قد ملأ أرجاءها، ولأصبحت لقمة سائغة للاتحاد السوفيتي واستولى عليها كما استولى على أوروبا الشرقية، فكان مشروع مارشال الذي هو عبارة عن مشروع إعادة إعمار أوروبا الغربية لتكون الخندق المتقدم للولايات المتحدة أمام الاتحاد السوفيتي، هذا المشروع هو نواة السوق الأوروبية المشتركة الذي تطور إلى الاتحاد الأوروبي هذه الأيام وهو مشروع اقتصادي بحت ولا يستطيع أن يكون مشروعا سياسيا يحقق الوحدة السياسية لاختلاف القوميات المكونة لشعوب أوروبا، إن الرأسمالية بحد ذاتها لا تتعدى حدود القومية، ولا تردمها وإن كانت تفخر أنها تجمع نصراني بحت يحكمها المثل الجاهلي أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب، فالاندماج بين شعوب الاتحاد الأوروبي غير وارد لوجود الشعبويين القوميين المعتزين بقوميتهم لكل شعب منهم، وما يجمعهم، الأمل عند الشعوب الفقيرة بتحقيق شيء من الرفاه الذي تتمتع به الشعوب الغنية، وعند الأغنياء مزيد من الأرباح والفوائد الاقتصادية، الناجمة عن حرية التجارة فيما بينهم، وحركة الأموال وحرية الاستثمار وتنقل الأيدي العاملة الرخيصة التي لا يحق لها المطالبة بتحسين الأوضاع، هذا الأمل عند الفقراء والتخطيط والفوائد عند الأغنياء سوف يمنع تفكك الاتحاد الأوروبي لما يتحقق من فوائد لدى الفريقين، مع العلم أن الاتحاد في الأصل اتحاد اقتصادي وليس اتحادا سياسيا وإن كانت السياسة لا تغيب عن الأعمال القائمة بين الدول بشكل عام إلا أن الاتفاقات التي تمت لإنشاء السوق الأوروبية كانت اقتصادية وبقي الأساس لتطوره إلى الاتحاد الأوروبي كذلك اقتصاديا تحاول لبس قميص السياسة بدون نجاح لطبيعة الرأسمالية النفعية والقومية أي أن الرأسمالية لا تردم الحدود القومية.

 

إن من صور خبث النظام الاقتصادي الرأسمالي - وهو يكاد يكون نظاما إنجليزيا - دعوى آدم سميث وأنصاره مبكرا للتجارة الحرة ورفع الحواجز الجمركية وهي للوهلة الأولى تظهر البراءة ولصالح ازدهار التجارة. إلا أنها في حقيقة الأمر دعوة مريبة تصب في صالح الاقتصاد البريطاني آنذاك المتقدم على غيره من اقتصاد الدول الأخرى، لينبري لهم فريدرك لست الألماني ويدعو بلاده إلى ضرورة وضع الحواجز الجمركية أمام السلع البريطانية ريثما تزدهر الصناعة الألمانية وإلا سوف تبقى ألمانيا بلدا زراعيا بعيدة كل البعد عن الصناعة، فبعد أن أصبحت ألمانيا بلدا صناعيا أخذت تدعو إلى حرية التجارة ورفع الحواجز الجمركية أمام بضائعها! هكذا هم الرأسماليون خبيثون جشعون لا رحمة في قلوبهم إلا تصنعا، انظر ماذا تجمع لدى مالتس من أفكار إن كانت منه أو ممن تعلم منهم وهو قسيس أصبح أستاذا في معهد شركة الهند الشرقية البريطانية الاستعمارية، فهو يحمل الفقراء وزر فقرهم وأن الفقر أولا وآخرا من صنع أيديهم، وأنك مهما صنعت لهم فهم لا ينفكون عن العودة لجحر الفقر الذي حاولت إنقاذهم منه بكثرة إنجابهم، وأن قلة الموارد الغذائية المتاحة أمام تزايد السكان التي سوف تؤدي إلى الانفجار السكاني من تزايد السكان بوتيرة أسرع بأضعاف من تزايد الموارد الغذائية، مما جعله ينصح بعدم زيادة أجور العمال لكي لا يتاح لهم فرصة الزواج أو إنجاب عدد أكبر من الأولاد، ونصح بعدم الإنفاق على العاطلين عن العمل حيث من ليس لديه طعام لا مكان له بين الأحياء، فاستند كثيرون لأقواله وقاموا بالتعقيم القسري لكثير من الفقراء والسود في الولايات المتحدة، وتم التخلص وقتل أناس كثيرين في الاتحاد السوفيتي، واستحدثت المجاعات في الهند تحت الاستعمار البريطاني واستهان الرأسماليون بإبادة وقتل الشعوب الضعيفة، وقامت بعض الدول تحت ذريعة برامج تنظيم الأسرة بتحديد النسل والتعقيم القسري في الهند وفي مصر تحت حكم عبد الناصر وفي الصين ببرنامج الطفل الواحد. وتجد أن ميركل مستشارة ألمانيا تعبر بعقل ولسان الرجل الأبيض الغربي وبما عبر عنه مالتس بثقافته الرأسمالية الجشعة المستبدة في السابق عندما تدعي أن أزمة الغذاء العالمية الناتجة عن ارتفاع الأسعار عالميا سببها أن الهنود أصبحوا يأكلون في اليوم وجبتين من الطعام، فتحسن معيشة الهندي وتمكنه من تناول وجبتين من الطعام أو شرب الصيني للحليب فإن ذلك سوف يؤثر سلبا على السيد الأبيض ويخفض من مستوى معيشته، حينما ترتفع أسعار المواد الغذائية لطلب السوق عليها، والأفضل ألا تتحسن أحوال غير الأوروبيين المعيشية - بتصرف عن BBC المؤتمر نت، 19 نيسان/أبريل، 2008 هكذا هم الرأسماليون جشعون وخبيثون في قرارة أنفسهم وإن تصنعوا الإنسانية، فحقبة الاستعمار وبطشهم في الشعوب المستعمَرة شاهد عليهم، إلا إن القوة والثراء والرفاه الذي تحقق عند الأوروبيين بعد الحرب العالمية الثانية جعلهم في بلادهم يتصرفون مع الغرباء نوعا ما بإنصاف لا يحصلون عليه في بلادهم مع أن الغربيين في الغالب هم من أنشأوا تلك الدول الظالمة المستبدة في بلاد المسلمين

 

بشكل خاص، وهذه الأيام ينشط الشعبويون اليمينيون المتطرفون العنصريون في أوروبا وأمريكا وينشرون الخوف من المسلمين بشكل خاص بين شعوبهم لأجل الحصول على تأييد الناس في بلادهم، وتستغل ظاهرة الهجرة في إشعال التطرف وادعاء التأثير السلبي في حياتهم مع أن الفوائد التي قد تجنيها ألمانيا تساوي أو أكبر مما يجنيه اللاجئون، فالمجتمعات الأوروبية تشكو من الشيخوخة السكانية واللاجئون في غالبيتهم شباب، وأن مساهمة المهاجرين في عمليات الإنتاج تفوق تكاليف احتوائهم، وفي الغالب يكون المهاجرون نشطين في الأعمال التي يقومون بها ومثلهم كمن يجد أمام منزله سيارة أجرة جديدة لم يتكلف بفلس واحد من ثمنها ولا يشاركه أحد فيما يجنيه من الأموال، وعليه صيانتها فقط لتستمر صلاحيتها.

 

أخيرا إن المسلمين يتحملون وزر ما أصابهم بسكوتهم عن حقبة الاستعمار وقبولهم بالحكام الظلمة المستبدين الذين يأتمرون بأمر الكفار ويحاربون الإسلام، والمسؤولية في الإسلام مسؤولية فردية ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾، وليس هناك من يقول إني عبد مأمور، ولا من هو إمعة يقول إذا أحسن الناس أحسنت وإذا أساء الناس أسأت، بل كل مسلم مسؤول عن نفسه وعمن يعول وعن المسلمين بالرفق واللين والنصيحة، والحفاظ عليهم أنفسهم وأموالهم ودمائهم وأعراضهم كما يحافظ على نفسه، ومطلوب منه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والالتزام شخصيا بأحكام الإسلام ونصح الناس بطاعة الله، ومحاسبة الحكام ودفعهم على وجوب تطبيق الشرع الإسلامي ولا يرضى أو يقر بفصل الدين الإسلامي عن تنظيم شؤون حياة المسلمين ويدعو ليعم الإسلام تنظيم حياة الناس جميعا كل الناس ولا يظلم أحداً ولا يكون عونا لظالم، ويبقى الإسلام همه وعمله دين الهدى والرحمة ينشره ويقيمه، ينظم حياة الناس وينصفهم ويحقق العدل الرباني بينهم بتقوى الله وطاعته وطاعة رسوله ﷺ باستئناف الحياة الإسلامية.

 

 

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

إبراهيم سلامة

 

 

3 تعليقات

  • om raya
    om raya الجمعة، 14 تشرين الأول/أكتوبر 2016م 16:03 تعليق

    جزاكم الله خيرا و بارك جهودكم

  • Khadija
    Khadija الجمعة، 14 تشرين الأول/أكتوبر 2016م 12:21 تعليق

    أدامكم الله سندا لخدمة هذا الدين .. وسدد رميكم وثبت خطاكم .. ومكنكم من إعلاء راية الحق راية العقاب خفاقة عالية .. شامخة تبدد كل المكائد والخيانات والمؤامرات.. اللهمّ آمين، إنه نعم المولى ونعم النصير..

  • إبتهال
    إبتهال الجمعة، 14 تشرين الأول/أكتوبر 2016م 12:17 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع