السبت، 26 صَفر 1446هـ| 2024/08/31م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
سلسلة مقالات من بلاد الحرمين الشريفين حول "رؤية السعودية 2030"   (4)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سلسلة مقالات من بلاد الحرمين الشريفين حول "رؤية السعودية 2030"


(4)


رؤية الصحة 2030 تخدير لأبناء بلاد الحرمين

 


أخرج الترمذي وابن ماجه من طريق سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ وكانت له صحبة قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا».


منذ مجيء الملك سلمان تم تغيير أكثر من خمسة وزراء صحة لغاية يومنا هذا، وقد فشل هؤلاء الوزراء في رعاية شؤون الناس رغم رصد مبالغ كبيرة من الميزانية للصحة، ولكن للأسف لا ينفق منها على الصحة إلا الشيء اليسير ولا يوجد تغير في الوضع الصحي ولا تحسن في مستوى المستشفيات؛ فهناك فساد كبير في الصحة، وكما نعلم فإن أحد مقاييس رعاية الدولة لرعيتها وتقدمها هي مدى اهتمام الدولة بالصحة. وقد اكتملت المشكلة عندما طال سوط "رؤية 2030" الصحة لتزيد المعضلة سوءاً وتعقيداً، وعمدت الرؤية بشكل عام إلى مساومة الناس على صحتهم ومرضهم بدل أن ترعى شؤونهم وتؤمن لهم الرعاية التي ضمنها لهم دينهم.


إن "رؤية 2030" مع كل برامجها وأهدافها لهي أكبر خديعة يخدّر بها حكام آل سعود أبناء بلاد الحرمين. فقد صرح الأمير محمد بن سلمان في مقابلته على قناة العربية أن زيادة متوسط العمر من 74 إلى 80 "وهي إحدى مؤشرات قياس جودة الصحة في أي وطن". وفي وثيقة 2030 تحت عنوان "نراعي صحتنا" يؤكد الكاتب أن قياس جودة الخدمات الصحية سيكون "من خلال شركات حكومية تمهيداً لتخصيصها". يا ترى من أين أتى الأمير بهذه الأرقام؟ ولماذا كان قياس جودة الصحة على أساس ازدياد متوسط العمر وخصخصة الخدمات الصحية؟ فعلى الأغلب هي الترجمة الحرفية للنسخة الإنجليزية للرؤية والتي كانت لا تعطي المعنى الصحيح في كثير من النقاط وبحاجة إلى شرح وتوضيح، عدا عن كونها ترجمة لرؤية رأسمالية غير منبثقة عن العقيدة الإسلامية التي من أبجدياتها أن العمر ينتهي بانتهاء الأجل ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾. وحتى تظهر الحكومة بأنها جادة في تحقيق "رؤية 2030" أتت ببرنامج التحول الوطني 2020. ومن خلال هذا البرنامج، اقترحت وزارة الصحة خمس عشرة استراتيجية بعيدة المدى وبنسب وهمية حيث ستنفق عليها الدولة حوالي 23 مليون ريال سعودي. ومن ضمن هذه الاستراتيجيات ما يلي:


١. تحسين الرعاية الصحية المقدمة في المستشفيات الرئيسية بازدياد عدد الأطباء وتحقيق أوقات انتظار مقبولة.


حيث تهدف وزارة الصحة أن تزيد عدد المؤهلين في التمريض والفئات الطبية المساعدة من 70% لكل 100.000 من السكان إلى 150% في 2020. وبالإضافة لذلك تسعى إلى زيادة نسبة المرضى الذين يتلقون الرعاية الطبية الطارئة والعاجلة من 40% إلى 70%. وبنفس النسبة (40% - 70%) سيتم الحصول على مواعيد مع التخصص الطبي المطلوب خلال 4 أسابيع. وتحقيقاً لهذه الاستراتيجية، أكد المشرف العام لمستشفى الملك خالد في نجران أن "تقليص فترة الانتظار للمرضى والمراجعين من أهدافه الرئيسية حيث استقبل من بداية العام أكثر من 300 ألف مراجع." (صحيفة المناطق 2016/08/11)


٢. تكثيف المراقبة والمحاسبة بإصلاح حوكمة النظام الصحي لتعزيز المساءلة في قضايا الجودة وسلامة المرضى.


وذلك بازدياد نسبة المرافق الصحية التي تقدم تقارير عن الأداء الشامل ومعايير الجودة من 10% إلى 100% في 2020. وتنفيذاً لهذه الاستراتيجية، أعلنت وزارة الصحة خبر إغلاق مستشفى المملكة بالرياض بسبب مخالفات عدة. وشددت "أنها لن تتهاون مع أي قصور يمس صحة وسلامة المواطنين والمقيمين وستستمر في اتخاذ أقصى العقوبات والإجراءات النظامية تجاه أي مؤسسة صحية لا تلتزم بمعايير الجودة المطلوبة للخدمات الصحية." (صحيفة عكاظ 2016/08/15)


٣. التركيز على الخصخصة بزيادة حصة القطاع الخاص من الإنفاق من خلال طرق تمويل بديلة وتقديم الخدمات.


حيث إن نسبة مساهمة القطاع الخاص في الإنفاق على الرعاية الصحية ستزداد من 25% إلى 35%. ولهذا "قطعت وزارة الصحة خطوات جادة نحو تخصيص إحدى مدنها الطبية القائمة ليشغلها مستثمرون في القطاع الطبي محلياً ودولياً وذلك مما يعد التجربة الثانية للوزارة في مجال خصخصة خدماتها واستثمارها بهدف ترشيد النفقات والارتقاء بالخدمة بعد تجربة تخصيص مراكز الغسيل الكلوي." (صحيفة مكة 2016/08/15)


والمدقق للواقع، يجد أن هذه الاستراتيجيات وُضعت لامتصاص غضب الشعب وخاصة مع كثرة نداءات أبناء بلاد الحرمين على مواقع التواصل الإلكتروني في السنوات الأخيرة التي كشفت أحوال المستشفيات الحكومية والخاصة والخدمات الصحية السيئة والأخطاء الطبية الفظيعة. وهي في حقيقة الأمر حلول ترقيعية لا تسمن ولا تغني من جوع مستوردة من منظمات رأسمالية كمنظمة الصحة العالمية التي تعمل على دعم السعودية "في بلوغ أهدافها الوطنية في مجال التنمية الصحية". فما فائدة ازدياد النسبة إلى 70% أو 150% إذا كانت هناك فئة متبقية لم ولن تحظى بهذه الرعاية؟ وأين كانت المراقبة والمحاسبة طوال هذه السنوات؟ ولماذا مستشفى المملكة بالذات؟ "والذى تم إغلاقه لمدة أسبوعين" هل لأن مالكها الأمير الوليد بن طلال؟ فيُراد بذلك طمأنة الشعب أن الرقابة على الجميع وخاصة بعد تصريح الأمير المفاجئ عن تأييده لقرار وزارة الصحة مشيراً إلى أن "الوطن والمواطن أولوية دائما"! (CNN العربية 2016/06/29) وما نتيجة الخصخصة؟ هل ستؤدي إلى نتائج إيجابية كما يدعون، لأنه سيسمح بوجود التنافس الذي سيضمن توفير أفضل الخدمات؟ أم ستصل بأبناء بلاد الحرمين إلى الهاوية؟


لقد سمحت الرأسمالية لنخبة صغيرة باستغلال القطاع الصحي من خلال خصخصة المرافق الطبية وإنشاء شركات التأمين الصحي، مما حرم معظم الناس الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف الرعاية الطبية الخاصة من الرعاية الصحية الجيدة. والداعمون لفكرة الخصخصة لم ينظروا قط إلى حق الناس ومصالحهم بل إلى النخبة الصغيرة من الرأسماليين فقط على حساب الملايين من الناس البؤساء. فمع تغلغل النظام الرأسمالي البغيض والعلمانية التي تفصل الدين عن الحياة في بلاد الحرمين تحولت الرعاية الصحية شيئا فشيئا إلى تجارة وحسابات ربح، واختفت الإنسانية والرحمة تحت ضغط المنفعة والمصلحة، وأضحت المستشفيات شركات استثمار تجارية يدخلها ويُعالج فيها من يدفع أكثر، بينما يموت الفقير وهو يبحث عن حبة دواء لا يملك ثمنها.


وبذلك نستنتج أن هذه الاستراتيجيات ليست إلا تجميلية لإلهاب مشاعر الناس وإخفاء فشل آل سعود في رعاية شؤون مصالح الناس والتي من بينها الرعاية الصحية.


إنّ هذه الحالة الصحية التي يرثى لها في بلاد الحرمين بل وفي العالم أجمع بعيدة كل البعد عما كانت عليه في زمن الخلافة.


أخرج مسلم من طريق جابر قال: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيباً فقطع منه عرقاً ثم كواه عليه».


وأخرج الحاكم في المستدرك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "مرضت في زمان عمر بن الخطاب مرضاً شديداً، فدعا لي عمر طبيباً فحماني حتى كنت أمص النواة من شدة الحمية". فالرسول صلى الله عليه وسلم بوصفه حاكماً بعث طبيباً إلى أبيّ، وعمر (رضي الله عنه) الخليفة الراشد الثاني دعا بطبيب إلى أسلم ليداويه، وهما دليلان على أن الصحة والتطبيب من الحاجات الأساسية للرعية التي يجب على الدولة توفيرها مجاناً لمن يحتاجها من الرعية. فمنذ زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سقوط الدولة الإسلامية، والدولة تولي قطاع الصحة اهتماماً كبيراً، فقيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر ببناء خيمة لعلاج الجنود المصابين وتقديم الرعاية الطبية لهم في غزوة الخندق، والمستشفيات التي بُنيت لخدمة الناس وراحتهم بغض النظر عن العرق أو الدين أو الجنس، ومستشفى المنصوري الذي أُنشئ في القاهرة عام 1283م، والذي كان يتسع لأكثر من 8.000 مريض، لكل واحد فيه ممرضان اثنان، وسرير وفراش ووعاء طعام خاص به، حتى تتوفر له كامل الراحة والعلاج بالمجان، والمستوصفات والعيادات المتنقلة التي ترعى ذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعيشون في المناطق النائية... كلها ليست سوى أمثلة قليلة على اهتمام الدولة في شؤون الرعايا وحاجاتهم الطبية وقتذاك. وقدْ شهدَ الغربيونَ أنفسهمْ بذلكَ، فَالمسيو جومارُ (Gomar) أَحد علماء حملة نابليون كتب واصفًا أحدَ البيمارستنات (المستشفيات) التي بُنيت قبل ستة قرون من حملته على مصر: "وكانَ يَدْخُلُهُ (أيِ البيمارستانُ) كلُّ المرضى، فقراءَ وأغنياءَ، بدونِ تمييزٍ، وكانَ يُجْلَبُ إليهِ الأطباءُ منْ مختلفِ جهاتِ الشرقِ وَيُجْزَلُ لهمُ العطاءُ، وكانتْ لهُ خزانةُ شرابٍ وصيدليةٌ مُجَهَّزَةٌ بالأَدويةِ والأَدواتِ". ولقد توافرت دائماً مراكز الرعاية الصحية الرائدة في العالم وطواقم الخدمات الطبية وصناعة الأدوية، وكان حكام الدول الأجنبية يذهبون إلى دولة الخلافة لتلقي العلاج فيها.


تتميز الرعاية الصحية في ظل الدولة الإسلامية بالسرعة والبساطة في تقديم الخدمة الصحية والعلاج. ومما يُقَلِّل منَ التعقيدات والمعاملات الإدارية في إدارة الرعاية الصحية، توحيد كافة الخدمات والمنشآت الصحية في الدولة الإسلامية في جهاز واحد. بالإضافة إلى ذلك، لا يُمْنَع الأفراد أو الشركات في الدولة الإسلامية من تقديم الخدمات الصحية الخاصة، أوْ فتح العيادات والمستشفيات الخاصة، ولا يُمنع أحد من الرعية من التداوي في القطاع الخاص، والدليل على ذلك ما رواه البخاري عن أنس (رضي الله عنه) قال: «دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غُلامًا حَجَّامًا فَحَجَمَهُ، وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ، أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَخُفِّفَ مِنْ ضَرِيبَتِهِ». فالغلام هنا قام بالحجامة وقبض أجره من الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن يشترط في مَنْ يُقَدِّم الرعاية الصحية من القطاع الخاص، سواء أكان فردًا أم شركةً، أَن يلتزم بقوانين الدولة ورقابتها، وَيُشترط أيضًا أن يكون مَنْ يُقَدِّم أيًّا مِنَ الخدمات الصحية مؤهلاً لذلك، سواء أعمل في القطاعِ الخاص أو العام، ومنْ يُقَدِّم أيَّ خدمة صحية دون أن يكون مؤهلاً لتقديمها يُمْنَع من قِبَلِ الدولة وَيُعاقَب، وأما إذا أدَّى إلى ضرر بعمله هذا فهو ضامن لِمَا سَبَّب من ضررٍ بإقدامِه على ما ليس من اختصاصه. فشتان بين القطاع الخاص في ظل الرأسمالية التي تستنزف أموال الناس وتستغلها شر استغلال وبين القطاع الخاص في ظل الدولة الإسلامية. إن مبادرات آل سعود العرجاء سوف تبقى قصيرة النظر كشجرة خبيثة ما لها من قرار كما كانت دائماً لأنها مبنية على أساس رأسمالي باطل. ولن يصلح الحال إلا بقلع هذه الشجرة من جذورها، واستبدال شجرة الإسلام الطيبة بها، على نهج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تحت راية العقاب في ظل الخلافة الإسلامية الثانية على منهاج النبوة بإذن الله.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


فاطمة الشمري – بلاد الحرمين الشريفين

 

 

المقالة الأولى: (1) "رؤية السعودية 2030" في ميزان الإسلام

المقالة الثانية: (2) ضرائب آل سعود على الحج والعمرة ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين

المقالة الثالثة: (3) رؤية السعودية للتسليح العسكري، سهم في كنانة الكافرين وطعنة في خاصرة المسلمين

المقالة الخامسة:  (5) رؤية 2030 في التعليم: استهداف الجيل القادم

المقالة السادسة: (6) رؤية 2030: التحول إلى الرأسمالية التامة

المقالة السابعة: (7) رؤية بن سلمان ورؤية صندوق النقد لاقتصاد آل سعود

المقالة الثامنة: (8)نظرة موجزة على ميزانية السعودية لعام 2017

 

1 تعليق

  • khadija
    khadija الأربعاء، 19 تشرين الأول/أكتوبر 2016م 18:43 تعليق

    بوركت كتاباتكم المستنيرة الراقية، و أيد الله حزب التحرير وأميره العالم عطاء أبو الرشتة بنصر مؤزر وفتح قريب إن شاء الله

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع