السبت، 26 صَفر 1446هـ| 2024/08/31م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 2 تعليقات
دولة الخلافة، وحسن رعاية شئون الناس

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

دولة الخلافة، وحسن رعاية شئون الناس

 


أكتب هذا المقال ردًا على حكام المسلمين اليوم الذين يمارسون برامج التضييق الاقتصادي. هذه البرامج المعدة من قبل أسيادهم في الغرب وينفذونها علينا بالحديد والنار سمعًا وطاعة عمياء لأسيادهم؛ علهم يتقربون إليهم زلفى فينالوا رضاهم ويمدوا لهم العون للبقاء في كراسيهم المعوجة القوائم؛ لإشباع جشعهم وجبروتهم.


لقد بويع عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه على الخلافة، وكان بيت المال فارغًا، بل عليه ديون، لأن الأمراء الذين قبله اعتدوا على بيت المال، واستدانوا باسم بيت المال؛ لأجل تسيير شئون الدولة. بهذا يكون عمر بن عبد العزيز أمام تحدٍّ كبير؛ لأن دولة الخلافة مترامية الأطراف، حيث كانت تشمل شبه جزيرة العرب، وبلاد الشام ومصر والسودان والمغرب الإسلامي فكيف ستسير شئون الدولة والناس؟


• هل ستفرض ضرائب بأنواعها مباشرة وغير مباشرة على الناس يا عمر بن عبد العزيز؟


• هل ستحتكر السلع الأساسية مثل الدقيق والبرسيم والدواء للتحكم في سعر السلع لأجل تزويد بيت المال بالمال الوفير على حساب الرعية؟


• هل ستستدين المال لأجل تسيير شئون الدولة؟


• هل ستقلل الإنفاق الحكومي، بمعنى أن لا تنفق على الفقراء والمساكين، وأن لا تحفر آبارًا؛ ليشرب منها الناس، وأن لا توفر مستشفيات لعلاجهم مجانًا وأن لا توفر التعليم مجانًا؟


• هل ستفرض إيصالات مالية، وتزيد عددها، وتستخدمها في كل شبابيك الدوائر والدواوين الحكومية؟


• هل ستعوّم العملة؟


• هل ستسرّح عددًا كبيرًا من موظفي دولة الخلافة في إطار تقليل الإنفاق الحكومي مما ينعكس على تخفيض الخدمات المقدمة للناس وبالتالي زيادة مشاكلهم؟


• هل ستخفض رواتب موظفي دولة الخلافة لتقليل الإنفاق الحكومي؟


• هل ستهمل مصالح الناس، وتكتفي بالتصريحات الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع؟


• هل ستعقد مؤتمرًا صحفيًا وتعلن فيه إفلاس بيت المال وأن أفق الحلول مغلق، وتدعو الناس للتقشف، وعدم زيادة تطلعاتهم في العيش الكريم، وأن يحتسبوا مرضاهم وفقراءهم وجوعاهم لله وأن الدنيا دار ابتلاء وعليكم بحسن الصبر؟
• هل ستبيع بلاد المسلمين يا عمر بن عبد العزيز للكفار لأجل الحصول على المال لتغذية بيت المال؟


• هل ستبيع ثروات المسلمين من مناجم الذهب والفضة وبقية المعادن للكفار بدعوى أنك لا تستطيع استخراج هذه المعادن؛ لأن دولة الخلافة تفتقر للخبراء والمال؟


• هل ستجلب مستثمرين من أوروبا الكافرة في مجال الزراعة؛ لأجل توفير المال لبيت المال على حساب تعطيل المزارعين عن الزراعة؟


• هل ستستورد الطعام من أوروبا الكافرة مقابل تأجيرهم أراضي بلاد المسلمين الخصبة للزراعة لمدة 50 أو 100 عام؟


• هل ستشجع الناس على الهجرة إلى بلدان الكفار للعيش فيها؟ أم أنك لا تعرف هذه السياسات؛ لأنه لم يولد في زمانك الفطاحلة آدم سميث وكينز خبراء ومنظّرو الاقتصاد الرأسمالي، ولم يولد في زمانك كارل ماركس صاحب النظرية الاقتصادية الشيوعية!!
• ماذا فعلت يا عمر بن عبد العزيز؟ لقد حيرتنا فأنت لم تكن تحكم بلدًا صغيرًا مثل لبنان، بل كنت تحكم دولة الخلافة كل الشرق الأوسط حاليًا، ولم تكن لديك تكنولوجيا مثلنا.


• ماذا فعلت يا أمير المؤمنين؟ هل اعتكفت في المسجد طوال فترة حكمك، ونزلت الملائكة لتحل كل المشاكل وأنت جالس في المسجد؟! أم أنك مارست معالجات عملية صادقة من رحم الإسلام، ثم بعد ذلك سألت ربك التوفيق والسداد فوفقك سبحانه وتعالى؟


تعالوا لنرى ماذا فعل عمر بن عبد العزيز حتى استطاع أن ينجح نجاحًا باهرًا يسطر في التاريخ بمداد من نور، لقد هدم دواوين الضرائب وما أدراك ما الضرائب؟ فأرسل لعامله في رفح وقال له: اذهب للبيت الذي برفح يقال له بيت المكس، ولكنه البخس الذي قال الله تعالى فيه: ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ فاهدمه، ثم ألقه في اليم، (وانسفه فيه نسفًا)، مع أن هذا الديوان لم ينشئه الخلفاء من قبله حاشاهم، ولكنه كان من مخلفات الحكم الروماني!!


يا عمر بن عبد العزيز، هذا مبنى لماذا لم تستعمله لأي غرض آخر؟ لماذا هدمت هذا المبنى العملاق ورميت حجارته في البحر؟ الجواب على ذلك أنه رضي الله عنه يعلم أن الضرائب هي فساد، واعتداء على أموال الناس، يريد أن يترسخ في أذهان المسلمين على مدى التاريخ أن دولة الخلافة لم تكن تعتدي على أموال رعاياها، وتأخذ منهم الضرائب، والجمارك على الإطلاق، بل إن دولة الخلافة تهدم كل باطل، وتمحو أثره للأبد، فتربي الأجيال على الحلال والحرام مقياسًا للأعمال. ثم ترك الناس يزرعون، فهو لا يأخذ منهم ضرائب، ويأخذ منهم زكاة زروعهم، ولم يخصص أماكن إنتاج المعادن غير المنقطعة الموجودة بكميات كبيرة للأفراد أو لدول أوروبا الكافرة، بل أشرف على إنتاجها فقط بوصفه خليفة، ولم يخصصها للدولة، وإنما هي ملكية عامة، فوزع الذهب والفضة على الرعية فردًا فردًا، وأعطى الزكاة لمستحقيها، فأشبع حاجاتهم الأساسية إشباعًا تامًا، فجاء إليه عمال بيت المال يقولون: "إن الخير كثير رغم توزيعنا لكل الفقراء والمساكين إلى حد الإشباع التام، ولكن الأموال تتكدس في بيت المال فماذا نصنع"؟؟


فقال لهم عمر بن عبد العزيز: "سددوا ديون الغارمين، وسددوا الديات أيضًا، فأنهى بذلك ملف الغارمين المتعثرين في سداد ديونهم ودياتهم من المحاكم نهائيًا، ثم أمرهم ببناء دار لمن لا دار له، وتزويج الأيامى رجالا ونساء، وعلاج المرضى، ولكن كان عمال بيت المال كلما نفّذوا أوامره يرجعون إلى بيت المال فيجدون دخله فائضًا، فأمرهم بقضاء حاجات أهل الذمة ففعلوا، ولا زالت الأموال فائضة، فانقلب التحدي من بيت مال دخله صفر إلى بيت مال يبحث عمن له حاجة فيقضيها له، بل حتى حاجات الطيور حيث قال: "انثروا القمح فوق رؤوس الجبال لكي لا يقال: جاع طير في بلاد المسلمين".


أين أنتم يا آدم سميث وكينز أصحاب نظرية الندرة النسبية للثروة أمام الحاجات غير المحدودة؟ أين أنتم من هذا الإبداع في رعاية شئون الرعية، والذي أثبت لكم ولتلاميذكم أن الثروة الموجودة في الأرض تكفي حاجات الناس؟ قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا منه﴾.


ولكن هنا نقطة مهمة وهي أن العلاقة بين دولة الخلافة ورعاياها هي علاقة رعاية "مثال ذلك كتب الخلفاء إلى ولاتهم بأن يفعلوا كذا وكذا مع الرعية" وحكامنا اليوم ينظرون إلينا بأننا شعب أو جمهور فلا توجد علاقة بين الجمهور والحكام والدولة، وبالتالي مفهوم الرعاية بعيد كل البعد عن الدولة والحكام؛ لذلك تجد كل حكامنا اليوم يتنصلون من مسؤولية رعاية شئون الناس، وإن تصرفاتهم وسياساتهم كلها لا علاقة لها بمفهوم الرعاية، ولذلك فإن السياسة في دولة الخلافة كانت تعني الرعاية، والسياسة اليوم أصبحت عند الحكام الفاقدين لمفهوم الرعاية السيطرة والجبروت والجاه، والتسلط على رقاب الشعب أو الجمهور، فأصبحت كلمة سياسة اليوم تحمل مفهومًا غير مفهومها الحقيقي والأصلي في الإسلام عند عامة الناس بسبب سوء الأنظمة التي يرزحون تحتها.


ونخرج من قصة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الذي حكم لمدة عامين فقط، بأن الثروات لا تنضب أبدًا، وهي كافية لإشباع حاجات الأفراد فردًا فردًا إشباعًا تامًا، وإنما القضية فقط في إحسان توزيع هذه الثروة بين الناس، وتمكين الناس منها، والنظام الذي يضمن التوزيع العادل الذي يحقق السعادة والرفاه والعيش الكريم للرعية هو الإسلام فقط.


وختامًا على المسلمين اليوم أن ينتفضوا ضد حكامهم، وينهضوا لاستئناف الحياة الإسلامية من جديد باستئصال هذه الدويلات الكرتونية التي تنظر إليهم نظرة دونية، وتمارس عليهم صنوف العذاب، وأن يقيموا مع العاملين المخلصين دولة الخلافة، دولة الرعاية على منهاج النبوة. قال تعالى: ﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾، ودمتم سالمين.

 


كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


المهندس محمد مصطفى – الخرطوم

 

2 تعليقات

  • khadija
    khadija الخميس، 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2016م 19:48 تعليق

    بارك الله بكم . ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة .

  • إبتهال
    إبتهال الخميس، 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2016م 12:18 تعليق

    جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع