الجمعة، 09 ذو القعدة 1445هـ| 2024/05/17م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 


كلمة أمير حزب التحرير العالم عطاء بن خليل أبو الرشتة

التي ألقيت في افتتاح مؤتمرات حزب التحرير

بمناسبة ذكرى سقوط الخلافة 1428هـ

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه


الإخوة الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد


إن الله سبحانه قد فضَّل الإنسان على كثير ممن خلق { وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاًِ}، فضَّله بالعقل والتفكير، ليقف عند الأحداث العظيمة التي تمر به، سواء أكانت خيراً أم شراً، ليتعظ بها ويعتبر؛ فيزيلَ شرها وينمِّيَ خيرها، لا أن يمر عليها مراً عابراً كأن لم تكن.

 

ولقد اختص الله سبحانه أماكن وأزماناً جعل أحداثها تستأهل الوقوف عندها فوق ما تستأهله هذه الأحداث نفسها لو وقعت في غير تلك الأماكن والأزمان.

 

فالظلم مثلاً حرام وإثم إن حدث في أي مكان، ولكنه في البيت الحرام أشد تحريماً وأكبر إثماً { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍِ}. وهو، أي الظلم، كذلك حرام وإثم في جميع الأزمان، ولكنه في الأشهر الحرم هو أشد تحريماً وأكثر إثماً { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}.

 

وهكذا، فإن الأحداث التي تقع في الأشهر الحرم، خيرَها وشرَّها، تستأهل الوقوف عندها فوق ما تستأهله الأحداث نفسها إن وقعت في الأشهر الأخرى.

 

وأنتم اليوم تجتمعون في شهر حرام، شهر رجب الفرد، شهر رجب مضر، شهرٍ عظَّمه الله سبحانه وحرَّمه، فعظَّمه رسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وحرَّمه، وإني مذكِّركم بثلاثة أحداث بارزة من أحداثه، لنقف عندها؛ فنتدبرها قليلاً، ونعتبر منها ونتعظ، فنزداد بخير أحداثها تنميةً لذلك الخير، وإقداماً على مثله، ونزداد بشر أحداثها عزماً على منع ذلك الشر وإحجاماً عن مثله، أي نقف عندها ونتدبرها للعمل وفق ما تقتضيه، لا أن نعيد قراءتها قراءة قصة لقتل الفراغ وقطع الوقت دونما تدبر وعبرة وعمل.

 

أما أول حدث أذكِّركم به فهو الإسراء والمعراج. إنه في أشهر الأقوال في السابع والعشرين من رجب، وقد حدث بعد وفاة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها ثم وفاة أبي طالب، ومن ثَمَّ اشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه رضوان الله عليهم، وتجمد مجتمعُ مكة أمام الدعوة، فأكرم الله رسوله صلوات الله وسلامه عليه بأن أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى السموات العلى، فرأى من آيات ربه سبحانه ما رأى صلى الله عليه وسلم ، فكانت حادثة الإسراء والمعراج علواً لشأن الإسلام ورسول الإسلام، وتطميناً لقلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإيذاناً بأن شأن الكفر وأهله قد ادّارك في الدنيا وأن النصر قريب.

 

وهنا أيها الإخوة نقف عند أمر مهم يغفل عنه كثيرون وهم يروون حادثة الإسراء والمعراج، وهذا الأمر يستأهل الوقوف عنده والنظر والتدبر، وهو أن حادثة الإسراء والمعراج قد صاحبت حدثاً مهماً آخر وهو طلب النصرة، فإن الله سبحانه قد أكرم رسوله بأمرين عندما اشتد الأذى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما طلب النصرة وحادثة الإسراء والمعراج. وهكذا عانقت حادثة الإسراء والمعراج بيعة العقبة وأعمال النصرة الأخرى.

 

إنه لحري بنا أن نتدبر ونعتبر ونعمل، ففي الوقت الذي نتذكر فيه الإسراء والمعراج ونحمد الله على هذا الخير، علينا في الوقت نفسه أن نصل الليل بالنهار ونغذ السير، فنطلب نصرة أهل القوة بصدق وإخلاص ونحن مطمئنون بنصرة هذا الدين بأنصار قادمين كأولئك الأنصار الذين سبقوا بالإيمان، ومن ثَمَّ تعود الخـلافة الراشدة على منهاج النبوة، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله.

 

وأما الحدث الثاني الذي أذكِّركم به في هذا الشهر الحرام فهو تحرير بيت المقدس في السابع والعشرين من رجب سنة 583هـ.

 

وكما كان في الحدث الأول أمر مهم يغفل الناس عنه وهم يتحدثون عن الإسراء والمعراج ألا وهو طلب النصرة، فكذلك هنا، فإن أمراً مهماً يغفل كثيرون عنه وهم يستعيدون ذكرى تحرير المسجد الأقصى من رجس الصليبيين.

 

أما هذا الأمر المهم فهو أن تحرير الأقصى كان في رجب 583هـ وقد سبقه في (567هـ) إعادة ولاية مصر إلى الخـلافة بعد أن كان الفاطميون قد خرجوا على الخـلافة واقتطعوا مصر منها في (359هـ)، أي أن صلاح الدين، ومن قبلُ نور الدين، لم يستطيعا تحرير فلسطين من رجس الصليبيين إلا بعد أن أعيدت اللحمة للخـلافة. ثم في عهد الخليفة الناصر العباسي حيث كان صلاح الدين والي مصر والشام، نصر الله المسلمين بقيادة صلاح الدين فحرروا المسجد الأقصى، وأرسل صلاح الدين بالبشرى للخليفة العباسي الناصر، وكـبَّر المسلمون وهللوا للنصر العظيم، وحمدوا الله سبحانه على فضله ونعمائه.

 

وهذا أمر يجب أن تدركه العقول والأفهام من حادثة تحرير القدس والأقصى، فإن من أحب الأقصى وتحرير الأقصى عليه العمل الجاد المجد لإيجاد دولة واحدة للمسلمين، خلافةٍ راشدةٍ على منهاج النبوة، تقتلع كيان يهود من جذوره وتعيد فلسطين كاملةً إلى ديار الإسلام، دونما تفاوض أو صلح مع يهود، فإن لم يستطيعوا اليوم فلا أقل من أن يبقوا حالة الحرب قائمةً مع دولة يهود حتى يأتي من يكرمه الله يتحريرها، ومن ثَمَّ يكون له بذلك الفوز العظيم.

 

وأما الحدث الثالث الذي أذكّركم به في هذا الشهر الحرام فهو مأساة القضاء على الخـلافة حيث تمكَّن الكفار المستعمرون بزعامة رأس الكفر آنذاك بريطانيا مع خونة العرب والترك من إزالة عنوان عز الإسلام والمسلمين فأُلغيت الخـلافة في الثامن والعشرين من رجب سنة 1342هـ الموافق للثالث من آذا سنة 1924م.

 

لقد توالت بعد هذا الحدث المؤلم مآسي المسلمين، فمزِّقت بلادهم فوق خمسين مزقةً، نصب الكفار المستعمرون على رأس كل منها إنساناً سموه حاكماً، وصار بأسهم بينهم شديداً، فهم لا يتفقون على خير للأمة، بل إن اتفقوا فشر مستطير، وتلك قممهم تنطق بضررهم وآخرها قمة الرياض التي (توَّجوها) بإجماعهم على بيع معظم فلسطين لليهود.

 

لقد وصل الهوان بهؤلاء الحكام حداً بئيساً تستخدمهم فيه أمريكا لأن يَهدفوا نحورهم لإنقاذها من مأزقها في العراق، كما جاء في مؤتمر بغداد وشرم الشيخ، بدل أن يزيدوها غرقاً ومأزقاً، ألا ساء ما يحكمون. وما ذلك إلا لأنهم جعلوا فرض الله بإقامة الخـلافة وراء ظهورهم، فأصابهم الخزي والذل من كل مكان.


ونحن اليوم أيها الإخوة مطالَبون بأداء هذا الفرض، فنعمل له ونحن مطمئنون بعودة الخـلافة راشدةً كما بدأت مصداقاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةً عَلَى مِنْهَاجِ الـنُّـبُوَّةِ» وعندها نعز كما عز من سبقونا بالإيمان ونفوز كما فازوا، ونلقى الله وهو راضٍ عنا. فنموت وقد بايعنا خليفةً يحكم بالإسلام، فتشهد لنا بالخـير البيعةُ التي في أعناقنا، لا أن نمـوت ميتةً جاهليةً إن لم نكـن عاملين للخـلافة جادّين مجدّين صادقين مع الله ورسوله.

 

أيها الإخوة
أكتفي بهذه الأحداث الثلاثة في هذا الشهر الحرام، شهر رجب الفرد:


الإسراء والمعراج واقترانهما بطلب النصرة
وتحرير بيت المقدس من الصليبيين بعد أن أُعيدت اللُّحمة للخـلافة
ومأساة القضاء على الخـلافة، ووجوب العمل الجاد لإعادتها.


وفي الختام أسأل الله سبحانه لاجتماعكم سداد الرأي وصدق العمل، وبالغ الأثر، وأن يكون له ما بعده من بركة التوفيق وعميم الخير وعظيم النصر والظفر.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

28 رجب 1428هـ
2007-08-11م

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع