الثلاثاء، 28 شوال 1445هـ| 2024/05/07م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
خطبة جمعة (التمييز العنصري)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

خطبة جمعة (التمييز العنصري)

 


الحمد لله الذي أخبر ملائكته أنا خالقٌ بشراً من طين.


الحمد لله الذي أقسم أنه خلق الإنسان في أحسن تقويم.


الحمد لله القائل ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً.


الحمد لله القائل: ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم.


الحمد لله الذي خلق الناس كلهم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، وهو الأعلم بالناس كلهم إذ هم أجِنَّةٌ في بطونِ أمهاتهم.


وأشهد ألا إله إلا الله، ربَّ العالمين، ربَّ الناسِ أجمعين، ملكَ الناس، إلهَ الناس، وهو على كل شيء قدير.


ونشهدُ أن سيدَنا محمداً عبدُه ورسولُه، أخرج به الناسَ من الظلمات إلى النور، ومن الظلمِ إلى العدل، ومن الشقاءِ إلى السعادة، وأتمُّ الصلاةِ وأكملُ التسليم على المبعوث رحمة للعالمين أجمعين، أبيضِهم وأسودِهم وأحمرِهم، شريفِهم ووضيعِهم، ذكرِهم وأنثاهُم، عربيِّهم وعجميِّهم، صلوات ربي وسلامه على من بلّغ رسالةَ ربه، وطبّقها تطبيقاً عملياً، بقولِه وفعلِه وتشريعِه، فقال عليه الصلاةُ والسلامُ: الناسُ لآدمَ، وأدمُ من تراب، عليه صلوات ربي وسلامه الذي جمع بين أبي بكرٍ شريفِ قومِه، وبلالٍ الحبشيِّ الذي كان عبدا رقيقاً، وصهيبٍ الرومي، وسلمانَ الفارسيِّ، فجعل منهم بالإسلامِ سادةً شرفاء، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


أما بعد، أوصيكم عبادَ الله بتقوى الله، فهي مقياسُ التفاضلِ بين البشر، فقد قال الحقُ سبحانه وتعالى: (إن أكرمَكم عندَ اللهِ أتقاكم)، فاتقوا الله عبادَ الله، وتقربوا إليه بتقواه وخشيته في السرّ والعلن، وبتحكيم شرعِ الله سبحانه وتعالى في حياتكم، واجعلوا مفاهيمَ الإسلام هي مقياسَ نظرتِكم في الحياة وفي كل شيء في الحياة، فهي الهدى، (قل إن هدى الله هو الهدى) ولا هدى سواه، (فماذا بعدَ الحقِّ إلا الضلالُ؟)، (فبأيِّ حديثٍ بعدَ اللهِ وآياتِه يؤمنون؟).


عبادَ الله


إنها فتنٌ كالليل المظلم، وكموجِ البحرِ العاتي، تمرُّ بالبشريةِ منذ غيابِ حكمِ الإسلامِ عن الأرضِ، لقد كانَ المسلمونَ حملةَ نبراسِ الهدايةِ والسعادةِ للبشريةِ جمعاء قروناً عديدة، وأزماناً مديدة، عندَما كانت لهم دولةٌ تحكمهم بالإسلامِ، وتحملُ الإسلامِ إلى الناسِ كافةً، وتنشرُ العدلَ بينهم، ولكنّ العالمَ الإسلامي بخاصةٍ، والعالمَ كلَّه بعامة غرقَ في مستنقعات الضلال، ودخلَ نفقَ الشقاء منذ هدمتْ دولةُ الخلافةِ التي تحكمُ بالإسلامِ.


مرّت بالعالمِ جائحةُ كورونا ولم تنته بعد، ولم تستطع الأنظمةُ البشريةُ كلُّها التصرفَ حِيالَها، ولا معالجتَها ولا معالجةَ تبعاتِها، واليوم تمرّ بالعالمِ الغربيِّ جائحةُ التمييزِ العنصريِّ، فتنةٌ تموجُ بالناسِ في الغرب موجاً، يتيهُ فيه الحليمُ ويصبحُ حيرانَ، كل ذلك بسببِ غيابِ الإسلامِ عن الحياةِ، وغيابِ حكمِ الإسلامِ عن الحياةِ.


أيها الناس


لقد عجزت كلُّ الأنظمةِ والمبادئِ عن حلِّ مشكلةِ التمييزِ العنصريِّ، ولم يحلَّها الحلَّ الحقيقيَّ العمليَّ الصحيحَ إلا الإسلامُ، لقد عاش الناسُ كلُّهم في ظلِّ حكمِ الإسلامِ الوارفِ لا يخافُ أحدُهم من ظلمِ قويٍّ، أو تمييزٍ بسببِ عرقِه أو لونِه أو أصلِه، أو عشيرتِه أو قومِه، أو بلدِه أو موطنِه، أو جنسِه، أو غير ذلك، لقد عاشوا معززين مكرّمين، ولا اعتبارَ لأيِّ فرقٍ بين الناس.


إنه الإسلامَ الذي أعلنَ وَحْدَةَ الخالق، وأنّ كلَّ المخلوقاتِ وكلَّ الناس ربُّهم واحدٌ، فقال سبحانه وتعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجَها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً)، وقال عزّ من قائل: (يا أيها الناسُ إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائلَ لتعارَفوا إن أكرمكم عندَ الله أتقاكم)، ولذلك كانت النظرة إلى الإنسان مستندةً إلى هذا الأساسِ المتينِ، فنظرَ الإسلامُ إلى الإنسانِ حين معالجةِ مشاكلِه على أنه إنسانٌ، لديه حاجاتٌ عضويةٌ وغرائزُ، مشكلة إنسانٍ تحتاجُ إلى حلّ، لم ينظرْ إليها على أنها مشكلةٌ اقتصاديةٌ مثلاً، أو صحية، أو تعليمية، أو سياسية، ولم ينظر إليها على أنها مشكلةُ أسودَ أو أبيضَ أو أحمرَ، ولم ينظر إليها على أنها مشكلة رجلٍ أو امرأةٍ، أو مشكلة صغير أو كبير، أو مشكلةُ مواطن أو مقيمٍ أو وافدٍ، بل نظر لمشاكل الناسِ نظرةً واحدةً، مشكلة إنسانٍ تحتاج إلى حلّ، ووضع الحلَّ على هذا الأساس، فعاش الناسُ في ظلِّ الإسلامِ كما قلنا معززين مكرّمين حتى لو خالفوا المسلمين في الدين.


لقد طبّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المساواةَ بين البشر عملياً، فنزع من نفوسِ الناسِ نظرةَ التفريقِ بين الناس على أساسِ العرق أو اللون أو غيره، فكانت النظرةُ إلى أبي بكرٍ الشريفِ كالنظرةِ إلى بلالٍ الحبشيِّ ذي البشرة السوداء، فهذا عمرُ رضي الله عنه، خليفةُ المسلمين، كان يقولُ عن أبي بكرٍ وبلالٍ: سيدُنا أعتقَ سيدَنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قد أبعدَ عنكم نخوةَ الجاهليةِ وتعاظمَها بالآباء، الناسُ لآدمَ وآدمُ من ترابٍ)، عن المعرور بن سويد، قال: رأيت أبا ذر وعليه حُلَّة، وعلى غلامِه مثلُها، فسألته عن ذلك، قال: فذكر أنه سابَّ رجلاً على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعيَّره بأمِه، قال: فأتى الرجلُ النبيَ - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ذلك له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنك امرُؤٌ فيك جاهلية، إخوانُكم وخَوَلُكُم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه، فَلْيُطْعِمْهُ مما يأكل، وَلْيُلْبِسْهُ مما يَلْبِسُ، ولا تكلّفوهم ما يَغْلِبُهُم، فإنْ كَلَّفتموهم فأعينوهم عليه". ومما يروَى أن أبا ذرٍ رضي الله عنه قال للغلامِ (أي العبدِ): يا ابن السوداء، والحُلّةُ لباسٌ فاخر يختلفُ عن الثوبِ المعتادِ الذي كان يلبِسُه الناس. لقد أصبح أبو ذرٍ رضي الله عنه يُلبِسُ عبدَه مما يلبِس، ويطعِمُه مما يأكل، إنه الإسلام العظيم الذي قرّرَ وَحْدَةَ النوعِ الإنسانيّ، وجعل هذه التقريرَ أساساً من أسس التعاملِ والمعاملةِ بين الناس.


عبادَ الله


إن مشكلةَ التمييز العنصري مشكلة حضارة، وليست مشكلة قوانينَ أو أنظمة، لا يستأصلُ هذه النظرةَ العنصريةَ من نفوسِ الناس إلا مبدأ قويمٌ صحيحٌ منزلٌ من عندِ ربّ العالمين، أما المبدأ الرأسماليّ وغيرُه من المبادئ البشريةِ الوضعيةِ فإنها عاجزةٌ عن حلّ أبسط مشكلات الإنسان، فضلاً عن أعقدِها، إنّها الرأسمالية التي فصلت الدينَ عن الحياة، وأعطت عقلَ الإنسانِ الناقصَ المحدودَ حقّ التشريع والتنظيم والتقنين، عقلَ الإنسانِ المتصفَ بالاختلاف والتفاوتِ والتناقضِ والتأثرِ بالبيئة، هذا هو المبدأ الرأسمالي الذي جعل الناسَ يعيشونَ في شقاءٍ دائم، وكدٍّ لا نهايةَ له جرياً وراء رغيف الخبز، المبدأ الذي مسخَ فطرةَ الإنسانِ التي خلقه الله عليها، وقتل فيه كلَّ قيمةٍ إلا القيمةَ الماديّةَ، جعلَ الناسَ طبقاتٍ، رأسماليين، وفقراء، بيضاً وسوداً، فرّق الناسَ وفضّل بعضَهم على بعضٍ بما لا فضلَ لهم فيه، بل مما هو من القضاء والقدر، ومما لا يملك الإنسان له تغييراً، ووضع مقاييسَ خاطئةً للتفاضلِ تمزّق الناسَ وتجعلُهم شيعاً فلا حول ولا قوة إلا بالله، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه عباد الله.

 


الخطبة الثانية:


الحمد لله الذي أكرمنا بنعمة الإسلام، ومنّ علينا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم سيدِ الإنبياء، وشرعَ لنا شرائعَ دينِه، بها تستقيم شؤون الحياة، وبها يسعَدُ الناس، يعبدون رباً واحداً، ويتبعون رسولاً واحداً، وديناً واحداً، ويتجهون لقِبلةٍ واحدةٍ، ويحكمون بنظام ربانيٍّ واحد، صراطِ الله الذي له ما في السموات والأرض، صراطِه المستقيم، فالحمدُ لله ربِ العالمين.


عبادَ الله


كلما مرَّ على الناس يومٌ جديدٌ بأحداثٍ جديدةٍ أدرك العالمُ والمسلمون أهميةَ رسالةِ الإسلامِ، وشريعةِ ربِ العباد، واتّباعِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، تبيّنَ للجميعِ أنه بغياب حكمِ الإسلامِ تتراكمُ المشكلاتُ دونما حلّ، ويزدادُ شقاءُ الناسِ، ويزدادُ الظلمُ، وأنه باستمرارِ سيادةِ المبدأ الرأسمالي يزدادُ غضبُ الله تعالى على الناسِ، وعلى المسلمين المقصّرين في العمل لتحكيم الإسلام، فعلى المسلمين أن يدركوا أنهم أصحاب رسالة، وحَمَلَةُ المبدأِ الصحيح، وأنهم أحوجُ ما يكونونَ لتطبيق شرعِ الله تعالى، وأنَّ البشريةَ جمعاء بحاجةٍ إليهم، لينقذوهم من براثنِ الرأسماليةِ العفنةِ، وما نتجَ عنها من قومياتٍ نتنةٍ، ووطنياتٍ مَقيتةٍ، وتمييزٍ عرقيِّ وعنصريّ ما أنزل الله بها من سلطان. لقد آن لكم أيها المسلمون أن تدركوا عِظَمَ الواجبِ الذي كلفكم الله عز وجل به، وجعلكم به خيرَ أمةٍ للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله، وإن أعظمَ منكرٍ هو الاستمرار في الحكم بالأنظمة الرأسمالية البشرية، وإن أعظمَ معروف هو الحكمُ بما أنزل الله في دولة خلافة على منهاج النبوة، التي هي وعدُ الله تعالى، وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم، (ثم تكونُ خلافة على منهاج النبوة)، فشمّروا عن سواعدكم أيها المسلمون وأقيموا دولةَ الإسلام، واعملوا على تحكيم شرع الله، واحملوا الإسلام وحضارته إلى الناس، تفوزوا في الدارين وتسعدوا في الدنيا والآخرة.


اللهم أقمْ دولةَ الإسلام، دولةَ الخلافة على منهاجِ النبوة


اللهم أعزّ الإسلامَ والمسلمين


اللهم ارحم المؤمنين والمؤمنات، الأحياءَ منهم والأموات، الله ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فإنك علينا قادر، والطف بنا اللهم في ما جرت به المقادير.


الله أبرِمْ للمسلمين وللناسِ أجمعين أمرَ رُشدٍ يعزُّ به أهلُ طاعتِك، ويَذِلُّ به أهلُ معصيتِك.


اللهم غيّر حالَ المسلمين إلى أحسنِ حال، اللهم ارفعِ البلاءَ والوباءَ والغلاءَ عن المسلمين، اللهم أعزَّنا بالإسلامِ، وأعزَّ الإسلامَ بنا، واهدنا، واهدِ بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى.


اللهم مكّن للمسلمين وحَمَلَةِ دعوةِ الإسلامِ في الأرض، وانصرنا على القومِ الكافرين.


عبادَ الله


إن الله يأمرُ بالعدلِ والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله العظيم يذكرْكم، واستغفروه يغفرْ لكم، واسألوه يعطِكم، وأقم الصلاة.

آخر تعديل علىالجمعة, 05 حزيران/يونيو 2020

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع