الأحد، 11 ذو القعدة 1445هـ| 2024/05/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 7) الفرق بين الآراء السابقة، والمعلومات السابقة  في طريقة التفكير

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 7)

الفرق بين الآراء السابقة، والمعلومات السابقة

في طريقة التفكير

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبّتنا الكرام:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعةِ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الفرق بين الآراء السابقة والمعلومات السابقة في طريقة التفكير".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "ومن هنا كان من المحتم على الشخص أن يتلقى الكلام تلقيًا فكريًا، سواءً قرأه أو سمعه. أي أن يفهم معاني الجمل كما تدل عليه من حيث هي لا كما يريدها لافظها أو يريدها هو أن تكون. وأن يدرك في نفس الوقت واقع هذه المعاني في ذهنه إدراكًا يشخِّص له هذا الواقع، حتى تصبح هذه المعاني مفاهيم. فالمفاهيم هي المعاني المدرك لها واقع في الذهن سواء أكان واقعًا محسوسًا في الخارج أم واقعًا مسلماً به أنه موجود في الخارج تسليمًا مبنيًا على واقع محسوس. وما عدا ذلك من معاني الألفاظ والجمل لا يسمى مفهومًا، وإنما هو مجرد معلومات". 

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: السؤال الأول في حلقتنا هذه هو: ماذا نعني بالتلقي الفكري؟ وجوابه هو الآتي: لقد طلب الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - أن يتم تزويد الشباب حاملي الدعوة بالثقافة الإسلامية عن طريق التلقي الفكري كما كان يتلقى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم القرآن عن رب العزة - مع فارق التشبيه - فقال: "على الشخص أن يتلقى الكلام تلقيًا فكريًا". والله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ). ‎(النمل ٦)‏ يا له من تعبير قرآني بليغ!!، التلقي الفكري يعني فيما يعنيه أمرين اثنين أمكننا - بفضل الله تبارك وتعالى - استنباطهما من الآية الكريمة، ومن فعل نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مع الوحي عند تلقيه القرآن الكريم:

 

أولا: أن يكون المعطي (المشرف) عالمًا، وحكيمًا، ومتمكنًا من الموضوع الذي يعطيه، مستعدًا - قدر الإمكان - للإجابة عن كل مسألة جزئية تتعلق به. ولا ينتقل من فكرة إلى فكرة إلا بعد أن يشبع الفكرة الأولى بحثًا.

 

ثانيا: أن يكون المتلقي متوجهًا إلى من يتلقى عنه العلم بكليته وبجميع جوارحه، أي أن يكون كله آذانًا صاغية متنبهًا، متيقظًا، واعيًا لكل ما يقال. وإذا مرت به مسألة تعسر عليه فهمها، سأل عنها بعد الاسئذان؛ فإنما شفاء العي السؤال! وينبغي أن يحرص المتلقي على أخذ الإجابة الموافقة للفطرة، والمقنعة للعقل، والتي تملأ قلبه بالطمأنينة!!          

 

أما السؤال الثاني في حلقتنا هذه؛ فقد ورد لأميرنا العالم الجليل والمفكر السياسي عطاء بن خليل أبو الرشتة (أبو ياسين) - حفظه الله ورعاه وأعزه ونصره - وهذا نصه: ما الفرق بين الآراء السابقة، والمعلومات السابقة في طريقة التفكير، ومع العلم أن الفكر أو الإدراك أو العقل لا يتم إلا بالمكونات الأربعة: الواقع، والحس، والمعلومات السابقة، ودماغ صالح للربط، فما الفرق بين الآراء السابقة، والمعلومات السابقة المتعلقة بتفسير الواقع؟؟

 

أجاب أبو ياسين - حفظه الله - بالآتي:

  1. كما جاء في السؤال فإن العقل أو الإدراك أو الفكر هو نقل الإحساس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ومعلومات سابقة يفسر بواسطتها هذا الواقع... أي أن العملية الفكرية لا تكتمل حتى تتوفر العناصر الأربعة: الواقع، الإحساس بالواقع (الحواس)، الدماغ الصالح للربط، المعلومات السابقة عن الواقع أو المتعلقة به...
  2. وحتى يوجد التفكير عند الإنسان على هذه الأرض فقد زود الله سبحانه آدم عليه السلام بالمعلومات السابقة التي تفسر الوقائع الجارية على الأرض موضع التفكير.
  3. جاء في الشخصية الجزء الثالث: وأما قوله تعالى: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) فإن المراد منه مسميات الأشياء لا اللغات، أي علمه حقائق الأشياء وخواصها، أي أعطاه المعلومات التي يستعملها للحكم على الأشياء، فإن الإحساس بالواقع لا يكفي وحده للحكم عليه وإدراك حقيقته، بل لا بد من معلومات سابقة يفسر بواسطتها الواقع. فالله تعالى علم آدم الأسماء أي مسميات الأشياء، فأعطاه معلومات يستطيع بها أن يحكم على الأشياء التي يحسها... انتهى. ومن ثم نشأت الأفكار، وتتابعت منذ أول تفكير حدث بتزويد الله آدم بالمعلومات السابقة ومن ثم استعملها في تفسير الواقع موضع التفكير مع العنصرين الآخرين الموجودين معه (الدماغ والحواس)، واستمرت الحياة تزخر بمجالات التفكير الواسعة... وهكذا فإن الإدراك الصحيح لكيفية حدوث العملية الفكرية الأولى للإنسان سيؤدي حتمًا إلى الإيمان بالله سبحانه، ولذلك فإن الحركات الكافرة التي تنكر وجود الخالق تُعرِّف العقل أو الفكر بإسقاط المعلومات السابقة! مع أن الفكر عن الواقع لا يمكن أن يتم دون المعلومات السابقة التي تفسر الواقع وهذا معلوم بالضرورة، ولكن الحركات الكافرة كالشيوعيين ينكرون المعلومات السابقة حتى لا تقودهم للإيمان بالخالق الذي زود آدم عليه السلام بالمعلومات السابقة لإنشاء الفكر الأول في هذه الحياة، ومن ثم تتابعت عملية التفكير، وذلك لأن الإحساس بالواقع مع الدماغ لا ينتج فكرًا دون المعلومات السابقة لتفسير الواقع موضع التفكير، فإن الإحساس بالواقع وإحساس زائد إحساس وزائد مليون إحساس مهما تعدد نوع الإحساس، إنما يحصل منه إحساس فقط، ولا يحصل فكر مطلقًا. بل لا بد من وجود معلومات سابقة عند الإنسان يفسر بواسطتها الواقع الذي أحس به حتى يحصل فكر، ومن ثم فإن تتابع الأفكار، وخاصة الفكر الأول، يقود إلى الإيمان بالله الذي زود آدم عليه السلام بالمعلومات السابقة..
  4. هذا عن المعلومات السابقة، أما الآراء السابقة فهي أحكام على الواقع سبق أن أصدرها الإنسان إما بقيامه هو بالعملية الفكرية وحكمه على الواقع وإما بتلقيه تلك الأحكام من غيره بالتلقين أو القراءة... إلخ، فالآراء السابقة هي أفكار عن الواقع..
  5. وهكذا فإن الفرق بين المعلومات السابقة والآراء السابقة يمكن إجمالها في فرقين رئيسين:

 

الأول: إن الآراء السابقة هي الأفكار السابقة عند الإنسان التي هي حكم على الواقع المبحوث عنه، كليًا أو جزئيًا، وأما المعلومات السابقة فهي ما يمكن تفسير الواقع بها دون الحكم عليه، وإنما فقط لتفسيره، وهي عامل من عوامل التفكير لا يتم التفكير دونها.

 

والثاني: الرأي السابق هو حكم مسبق عن الواقع المراد التفكير فيه، وذلك لإيجاد الحكم الصواب في نظر المفكر، ولذلك فلا يصح أن يستعمل في العملية الفكرية، فالذي يستعمل هو المعلومات فقط مع الحيلولة دون وجود الرأي السابق عند العملية ودون تدخله. فإن الرأي السابق إذا استعمل قد يسبب الخطأ في الإدراك، لأنه قد يتسلط على المعلومات فيفسرها تفسيرًا خاطئًا فيقع الخطأ في الإدراك، ولذلك لا بد أن يلاحظ التفريق بين الرأي السابق، وبين المعلومات، وأن تستعمل المعلومات فقط، ويستبعد الرأي السابق عن الواقع المراد بحثه... جاء في كتاب التفكير صفحة (21-23) إلا إنه يجب أن يفرق في تعريفها بين الآراء السابقة عن الشيء، وبين المعلومات السابقة عنه أو ما يتعلق به، فالمحتم في الطريقة العقلية ليس وجود رأي أو آراء سابقة عن الواقع، بل وجود معلومات سابقة عنه أو متعلقة به. ولذلك فإن المحتم الوجود هو المعلومات وليس الرأي.

 

6. وفي ما يلي مثالان لتوضيح المذكور أعلاه:

 

المثال الأول: إذا أعطيت إنسانًا، أيّ إنسان كتابًا سريانيًا، ولا توجد لديه أية معلومات تتصل بالسريانية، ونجعل حسه يقع على الكتابة، بالرؤية، واللمس، ونكرر هذا الحس مليون مرة، فإنه لا يمكن أن يعرف كلمة واحدة حتى تعطى له معلومات عن السريانية، وعما يتصل بالسريانية، فحينئذ يبدأ يفكر بها ويدركها. ولا يقال هذا خاص باللغات، وإنها وضعية من وضع الإنسان، فتحتاج إلى معلومات عنها، لا يقال ذلك، لأن الموضوع هو عملية عقلية، والعملية عملية عقل، سواء في وضع الحكم، أو في فهم الدلالة، أو في فهم الحقيقة. فالعملية العقلية عملية واحدة في كل شيء...

 

المثال الثاني: إذا أردت البحث في مسألة سياسية للوصول إلى الرأي الصواب فيها، ولتكن مثلاً مسألة تدخل تركيا في الأحداث في ليبيا وإرسال مقاتلين مرتزقة ودعم السراج وحكومة الوفاق بالسلاح والمعلومات... وكان هناك رأي سابق بأن دعم أردوغان لقوات حكومة الوفاق هو بسبب حبه للمسلمين، وحرصه على أهل ليبيا، ولأنه يؤيد الحركات الإسلامية المسلحة ويقدم لها الدعم... إلخ، فهذا الرأي هو حكم على المسألة التي تريد أن تبحثها، وليس معلومة سابقة عنها فحسب، وصحة البحث تقتضي منك التخلي عن هذا الرأي السابق، وأن تدرس المسألة ضمن الأدلة السياسية المتوفرة دراسة موضوعية... ومن ثم تصل إلى الرأي الصواب في المسألة. آمل أن يكون في هذا التوضيح كفاية والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأربعاء, 29 آذار/مارس 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع