الأحد، 11 ذو القعدة 1445هـ| 2024/05/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 11) الامتزاج بين الدوافع والمفاهيم يبلور الدافع فيصبح ميلاً

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 11)

الامتزاج بين الدوافع والمفاهيم يبلور الدافع فيصبح ميلاً

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبّتنا الكرام:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الامتزاج بين الدوافع والمفاهيم يبلور الدافع فيصبح ميلاً".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "ومن هذه العقلية والنفسية تتكون الشخصية. فالعقل أو الإدراك وإن كان مفطورًا مع الإنسان، ووجوده حتمي لدى كل إنسان، ولكن تكوين العقلية يجري بفعل الإنسان. والميول وإن كانت مفطورة عند الإنسان، ووجودها حتمي لدى كل إنسان، ولكن تكوين النفسية يجري بفعل الإنسان. وبما أن وجود قواعد أو قاعدة يجري عليها قياس المعلومات والواقع حين الربط هو الذي يبلور المعنى فيصبح مفهوماً، وبما أن الامتزاج الذي يحصل بين الدوافع والمفاهيم هو الذي يبلور الدافع فيصبح ميلاً، كان للقاعدة أو القواعد التي يقيس عليها الإنسان المعلومات والواقع حين الربط الأثر الأكبر في تكوين العقلية وتكوين النفسية، أي الأثر الأكبر في تكوين الشخصية تكويناً معيناً".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: لدينا في هذه الحلقة سؤالان مهمان: سؤالنا الأول يتكون من شقين اثنين: لقد صار هذا معلومًا لدينا أنه من العقلية والنفسية تتكون الشخصية، فكيف يجري تكوين العقلية؟ وكيف يجري تكوين النفسية؟

 

والجواب على الشق الأول هو أن الله تعالى خلق الإنسان، ووهبه العقل، فالعقل مفطور مع الإنسان، ووجوده حتمي لدى كل إنسان، ولكن تكوين العقلية يجري بفعل الإنسان نفسه عن طريق التلقي الفكري والثقافة المركزة مثلما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبي الأرقم مع صحابته الكرام، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته عن التفكر في ذات الله تعالى، وأمرهم بالتفكر في آياته، كما في معجم الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  «تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله».

 

وقد تتابعت نصوص أهل العلم في النهي عن التفكر في ذات الله عز وجل، والحث على التفكر في آياته الكونية المرئية، وآياته الشرعية المقروءة، ونعمه التي تغمر الإنسان وتحيط به. ومثلما يفعل حزب التحرير مع أفراد كتلته حين يثقفهم في حلقات أسبوعية مركزة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء عقليات صحابته.

 

وأما الشق الثاني من السؤال الأول، فجوابه أن الميول وإن كانت هي الأخرى مفطورة عند الإنسان، ووجودها حتمي لدى كل إنسان، ولكن تكوين النفسية يجري بفعل الإنسان نفسه كذلك، حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي يعتني فيه ببناء العقلية الإسلامية عند صحابته رضي الله عنهم يعتني في الوقت نفسه ببناء نفسياتهم:

 

فكان يتلو عليهم قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). ‎(النساء٦٥) ويتلو عليهم قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ). (النازعات ‎٤٠) ويتلو عليهم قوله تعالى: (وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ). (ص‎٢٦‏) ويتلو عليهم قوله تعالى: (‏وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ). (المائدة 49).

 

وكان يقول لهم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به». ويقول لهم: «حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره». ويقول لهم الحديث المتفق عليه الذي رواه الإمامان البخاري، ومسلم في صحيحيهما: عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بين، وبينهما أمور مُشْتَبِهَاتٌ لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشُّبُهات فقد اسْتَبْرَأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يَرْتَع فيه، ألا وإن لكل مَلِك حِمى، ألا وإن حِمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».

 

وروى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إليَّ من كل شيء إلا من نفسي! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك»، فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر».

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: محبة الله بل محبة الله ورسوله من أعظم واجبات الإيمان، وأكبر أصوله، وأجلِّ قواعده، بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدِّين، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).(التوبة 24) قال القرطبي رحمه الله: في الآية دليل على وجوب حب الله ورسوله، ولا خلاف في ذلك بين الأمة، وأن ذلك مقدم على كل محبوب. وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين».

 

وأما السؤال الثاني في حلقتنا هذه فهو: ما الشيء الذي له الأثر الأكبر في تكوين العقلية وتكوين النفسية؟ أي الأثر الأكبر في تكوين الشخصية؟ فجوابه هو أن القاعدة أو القواعد التي يقيس عليها الإنسان المعلومات، والواقع حين الربط لها الأثر الأكبر في تكوين العقلية وتكوين النفسية، أي الأثر الأكبر في تكوين الشخصية تكوينًا معينًا. فالقاعدة هي العقيدة أو المبدأ الذي يؤمن به صاحبه. هذه القاعدة ينبثق عنها أحكام يجري عليها قياس المعلومات والواقع حين الربط، وهذا يبلور المعنى فيصبح محددًا، وواضحًا، ومفهومًا. هذا هو الذي يبلور الدافع؛ فيصبح ميلًا إيجابيًا بالفعل أو ميلا سلبيًا بالترك، أي بالإقبال على الفعل، أو بالإحجام عنه، وهذا هو الذي له الأثر الأكبر في تكوين الشخصية. فمثلا أراد شخص مسلم أن يمتلك بيتا ليسكن فيه هو وأفراد عائلته، والمبدأ الذي يؤمن به هو عقيدة الإسلام، وهي تشتمل على قواعد اقتصادية تحرم الربا من مثل قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‎(٢٧٥)‏ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ). ‎(البقرة ٢٧٦) يربط المسلم المعلومات التي حصل عليها من النص القرآني عن واقع الربا وتحريمه والعقوبة المترتبة عليه في الدنيا وهي المحق، وفي الآخرة وهي دخول نار جهنم خالدا فيها، فيصبح لديه ميل سلبي بالإحجام والابتعاد عن الربا، ولو بقي هذا المسلم طول حياته يسكن بالإيجار. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأحد, 02 نيسان/ابريل 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع