الإثنين، 12 ذو القعدة 1445هـ| 2024/05/20م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 35)- الخالق لا بد أن يكون أزليا لا أول له

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول
(ح 35)
الخالق لا بد أن يكون أزليا لا أول له

 


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:


أيها المؤمنون:


مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:


السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الخامسةِ والثلاثين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الخالق لا بد أن يكون أزليا لا أول له".


يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "والخالق لا بد أن يكون أزلياً لا أول له. إذ لو لم يكن أزلياً لكان مخلوقًـا لا خالقًـا، فكونه خالقًـا يحتم أن يكون أزليًا. فالخالق أزلي حتمًا. وإذا استعرضت الأشياء التي يمكن أن يظن فيها أنها الخالق يتبين من استعراضها أن الخالق إما أن يكون المادة وإما أن يكون الطبيعة وإما أن يكون الله تعالى. أما كون المادة هي الخالق فباطل لما تقدم توضيحه من أن المادة تحتاج إلى من يُعيِّن لها النسبة حتى يحصل تحويل الأشياء فهي غير أزلية، وغير الأزلي لا يكون خالقاً. وأما كون الطبيعة هي الخالق فباطل، لأن الطبيعة هي مجموع الأشياء والنظام الذي ينتظمها فيسير كل شيء في الكون طبق هذا النظام. وهذا الانتظام ليس آتيًا من النظام وحده لأنه دون وجود الأشياء التي تُنظَّم لا يوجد نظام. ولا هو آت من الأشياء، لأن وجود الأشياء لا يُوجِد النظام آلياً أو حتمياً ولا يجعلها وجودها تنتظم من نفسها دون منظم. ولا هو آت من مجموع الأشياء والنظام لأنه لا يحدث التنظيم إلا وفق وضع مخصوص يخضع له النظام والأشياء. فهذا الوضع المخصوص للنظام مع الأشياء هو الذي يوجد التنظيم، فالوضع المخصوص مفروض على النظام وعلى الأشياء ولا يحصل التنظيم إلا بحسبه. وهو ليس آتيًا من النظام، ولا من الأشياء، ولا من مجموعها، فهو آت إذن من غيرها. فتكون الطبيعة التي لا تستطيع أن تتحرك إلا بحسب وضع مخصوص مفروض عليها من غيرها، محتاجة إلى غيرها، فتكون غير أزلية، وغير الأزلي لا يكون خالقا. فلم يبق إلا أن يكون الخالق هو الذي اتصـف بصفة الأزلية اتصافـًا حتميًا. وهو الله سبحانه وتعالى". ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.


يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ
أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ


وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:


بعد أن بحثنا موضوع المرحلة الأولى من مراحل إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى، وهو "الاحتياج"، نواصل الآن إخوة الإيمان بحث موضوع المرحلة الثانية ألا وهو الأزلية. نقول وبالله التوفيق:


الخالق سبحانه وتعالى لا بد أن يكون أزليًا أي لا أول له، ولا آخر. إذ لو لم يكن أزليُا لكان مخلوقاً لا خالقـًا، فكونه خالقـًا يحتم أن يكون أزليًا. فالخالق أزلي حتمًا. وإذا استعرضنا الأشياء التي يمكن أن يظن فيها أنها الخالق يتبين من استعراضها أن الخالق يكون أحد الاحتمالات الثلاثة الآتية: إما أن يكون المادة، وإما أن يكون الطبيعة، وإما أن يكون الله تعالى، وسنبدأ الآن مستمدين العون منه الله سبحانه بمناقشة هذه الاحتمالات الثلاثة واحدًا بعد واحد، مستخدمين الفكر المستنير، وذلك باستبعاد ما لا تنطبق عليه شروط الدليل العقلي الصالح للاستدلال، واستبقاء الدليل الذي تنطبق عليه، وهذه الشروط هي أن يوافق فطرة الإنسان، ويقنع العقلَ، فَيملأ القلب طمأْنِينة، حتى يتبين لنا الحق.


أما الاحتمال الأول، وهو كون المادة هي الخالق فباطل؛ وسيتم استبعاده؛ لما تقدم توضيحه من أن المادة تحتاج إلى من يُعيِّن لها النسبة حتى يحصل تحويل الأشياء؛ فهي غير أزلية، وغير الأزلي لا يكون خالقًـا.


وأما الاحتمال الثاني، وهو كون الطبيعة هي الخالق فباطل أيضًا، وسيتم استبعاده كذلك؛ لأن الطبيعة هي مجموع الأشياء والنظام الذي ينتظمها، فيسير كل شيء في الكون طبق هذا النظام.


وأما الاحتمال الثالث، وهو أن الخالق ليس هو المادة، وليس هو الطبيعة، بل هو الله تعالى فهو الاحتمال، الصحيح وسيتم استبقاؤه؛ وذلك لأن الانتظام الذي ينتظم الكون والإنسان والحياة له هو الأخر احتمالات أربعة نناقشها واحدا بعد واحد، نستبعد منها كذلك ما يستحيل عقلا، أو ما لا تنطبق عليه شروط الدليل الصالح للاستدلال، ونبقي ما يتفق مع أولي الألباب، ذوي العقول الراجحة السليمة.


الاحتمال الأول: أن يكون هذا الانتظام آتيا من النظام. وهذا الاحتمال باطل، وسيتم استبعاده؛ لأن الانتظام ليس آتيًا من النظام وحده؛ لأنه دون وجود الأشياء التي تُنظَّم لا يوجد نظام.


الاحتمال الثاني: أن يكون الانتظام آتيا من الأشياء. وهذا الاحتمال باطل أيضًا، وسيتم استبعاده كذلك؛ لأن وجود الأشياء لا يُوجِد النظام آليًا أو حتميًا، ولا يجعلها وجودها تنتظم من نفسها دون منظم، وأعظم مثال على ذلك قصة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان مع الملحدين المنكرين وجود الله تعالى فقد كان قد وعدهم أن يلتقي بهم، وتأخر متعمدًا، وحين سألوه عن سبب تأخره أخبرهم أنه في طريق الوصول إليهم اعترضه نهر، فرأى على ضفة النهر شجرة تقطعت وحدها ألواحًا، واصطفت الألواح إلى جانب بعضها، وتراصت حتى صارت قاربا، فركبه وجاء إليهم، فقالوا: لقد جُنَّ أبو حنيفة. أيعقل أن يحدث ما أخبرنا به من أمر الشجرة؟ فقال لهم: إذا كنتم لا تصدقون أن قاربًا قد أوجد نفسه بنفسه، فكيف تصدقون أن هذا الكون العظيم قد أوجد نفسه بنفسه؟ فبهت الذي كفر، وأسقط في أيدي الملحدين.


الاحتمال الثالث: أن يكون الانتظام آتيًا من مجموع الأشياء والنظام، وهذا الاحتمال باطل أيضًا، وسيتم استبعاده كذلك؛ لأن التنظيم لا يحدث إلا وفق وضع مخصوص يخضع له النظام والأشياء. فهذا الوضع المخصوص للنظام مع الأشياء هو الذي يوجد التنظيم، فالوضع المخصوص مفروض على النظام وعلى الأشياء ولا يحصل التنظيم إلا بحسبه.


الاحتمال الرابع والأخير: لقد ثبت بطلان الاحتمالات الثلاثة الأولى، وتم استبعادها، فلم يبق إلا الاحتمال الرابع، وهو أن الانتظام ليس آتيًا من النظام ولا من الأشياء، ولا من مجموعها، فهو آت إذن من غيرها. وهذا هو الاحتمال الصحيح وسيتم استبقاؤه، فتكون الطبيعة التي لا تستطيع أن تتحرك إلا بحسب وضع مخصوص مفروض عليها من غيرها، محتاجة إلى غيرها، فتكون غير أزلية، وغير الأزلي لا يكون خالقـًا؛ فلم يبق إلا أن يكون الخالق هو الذي اتصـف بصفة الأزلية اتصافـًا حتميًا. وهو الله سبحانه وتعالى.


أيها المؤمنون:


نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

25

 

 

آخر تعديل علىالسبت, 29 نيسان/ابريل 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع