الثلاثاء، 28 شوال 1445هـ| 2024/05/07م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
النظام التعليمي التركي العلماني تركيبه وفساده وهدفه الحقيقي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

النظام التعليمي التركي العلماني

 

تركيبه وفساده وهدفه الحقيقي

 

(مترجم)

 

 

وجهت الجمهورية التركية ضربتها الكبيرة في طريقها نحو استئصال القيم الإسلامية من عقليات ونفسيات الناس من خلال علمنة نظامها التعليمي. فقد كان "قانون توحيد التعليم"، الذي جرى تطبيقه منذ 3 آذار/مارس عام 1924م، خطوة أساسية نحو "تحديث"، أي "علمنة" الحياة الثقافية في تركيا، وبالتالي فهو يُعبّر بشكل أوسع عن إعادة هيكلة الجمهورية. وقد أصبح التعليم بشكل عام والتدريس في المدارس يحمل طابعًا وطنيًا وعلمانيًا مع تطبيق هذا القانون، وقد جرى كذلك إلغاء المدارس الإسلامية والكتاتيب التي كانت تقع تحت إدارة شيخ الإسلام في نظام التعليم في دولة الخلافة العثمانية.

 

وقد تلى هذا القانون بشكل مستمر قوانين جديدة ترسخ العلمانية والحداثة وما يسمى "بالتعليم العلمي". وقد شُرّع نظام التعليم الحالي من خلال قانون مؤسسات التعليم الذي وضع في 2 آذار/مارس عام 1926م، والذي حدد مبادئ معينة للتعليم الابتدائي والثانوي والعالي، وفرض الحصول على إذن الدولة لفتح المدارس وحدد نوع وطريقة التدريس والمناهج في المدارس. وقد أزال هذا القانون أيضًا دروسًا مثل التفسير وتاريخه، والحديث وتاريخه، والفقه وتاريخه، وتاريخ علم الكلام من المناهج الدراسية، وتبنى نظام التعليم الذي يكرس الاختلاط. وقد أدت التغييرات القانونية من 1925-1935م إلى تبني التقويم الميلادي بدلًا من التقويم الهجري، ونظام الساعة الحديث بدلا من نظام الأذان (تنظيم اليوم وفقًا لأوقات الصلاة)، ونظام الأرقام اللاتينية بدلًا من الأرقام العربية؛ وتطبيق الوحدات الأوروبية في القياس والأعياد. وتم تغيير العطلة الأسبوعية من الجمعة إلى ما بعد ظهر السبت والأحد. وقد نصت المادة الثانية من دستور الجمهورية على أن "دين الدولة التركية هو الإسلام". ولكن في 10 نيسان/أبريل عام 1928م، جرى إزالة هذه المادة، وبعد ذلك جرى إزالة الحروف العربية واستبدلت بها الحروف اللاتينية. فبين عشية وضحاها، تم تجريد الأمة من إرثها الثقافي واللغوي بكل ما في الكلمة من معنى!

 

ووفقًا لمواد قانون التعليم الأساسي الوطني التركي، فإن "الهدف العام للتعليم هو النهوض بجميع أفراد الأمة التركية ليصبحوا (مواطنين) يوالون الثورة ومبادئ (أتاتورك)، ويعرفون ويتبنون كسلوك واجباتهم ومسؤولياتهم تجاه الجمهورية الديمقراطية والعلمانية في تركيا، وهي دولة القانون" (المادة 2). والهدف أيضًا هو "إيجاد مجتمع قوي ومستقر، حر وديمقراطي والحفاظ عليه" (المادة 11). "العلمانية مبدأ أساسي في التعليم الوطني التركي." (المادة 12). والتعليم هو "علمي/أكاديمية" (المادة 13). "التعليم المختلط للذكور والإناث هو أمر أساسي في المدارس". (المادة 15).

 

وباختصار، فإن النظام التعليمي العلماني هذا ولأكثر من 90 عامًا، يقلد أنظمة التعليم الغربية وقد تأسس أيضًا على أساس المبدأ الغربي وتوجيهاته، وهو لا يهدف إلى أي شيء سوى صنع جيل لا يرتبط بأي شكل بماضيه الإسلامي، ولصياغته وتشكيله وفق مبادئ الشخصية الغربية ومن ثم ربطه بالإسلام فقط حتى يذكر ذلك في الهوية الشخصية. وهكذا، فإن أي شيء يتعلق بالإسلام، باستثناء العبادات الفردية والأخلاق، جرى إزالتها من المناهج. ومن خلال دراسة المسائل التي تصنف تحت عنوان "درس الدين"، يلاحظ عدم وجود أي صلة لها على الإطلاق بحقيقة الإسلام. فقد أصبح السعي لترسيخ مفهوم العلمانية في الدين وإبراز الفكرة العلمانية الرسمية أمرًا واضحًا.

 

واليوم، فإن التدريس في مدارس الإمام الخطيب وكليات أصول الدين، التي تدعي تقديم التعليم الإسلامي، أصبح يقتصر فقط على العبادات الفردية والأخلاق، بينما تُرسَّخ العقائد العلمانية وتتجاهل المفاهيم الإسلامية. ويتم التعامل مع الإسلام كعلم أكاديمي وحُصر ذلك في التاريخ والفلسفة. وبدلًا من تزويد الأطفال بمعارف تساهم في صقل شخصياتهم الإسلامية، صاروا يُلقَنون عددًا قليلًا من الآيات والأحاديث التي تتعلق بالأخلاق والعقيدة فقط ليحفظوها عن ظهر قلب لأداء الامتحانات ولينسوها بعد ذلك.

 

والمناهج الدراسية للمواد الأخرى بالإضافة لمادة الدين، تكرس وتفرض مفاهيم تتعارض مع العقيدة الإسلامية ووجهة نظرها. فعلى سبيل المثال، ما زالت نظرية داروين في التطور تُدرَّس في علم الأحياء، على الرغم من أنها كفرٌ واضحٌ وفقًا للإسلام. وكليات القانون تدرس القانون الغربي بصفته القانون الأسمى، وتتجاهل حقيقة أن الشريعة الإسلامية وحدها تتفوق على كل أشكال التشريع الأخرى. والاقتصاد الرأسمالي الربوي، الذي يتعارض تمامًا مع السياسات الاقتصادية في الإسلام، يدرس في مواد الاقتصاد، ومن وجهة نظر النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يقوم على الربا والضرائب والذي ينص على أن الموارد محدودة بينما الحاجات غير محدودة، وأن إشباع حاجات الفرد ليست من بين أهداف الاقتصاد الرأسمالي خلافًا للإسلام. فهدفه الوحيد هو إنتاج السلع والخدمات. ومع ذلك، فإنه يجعل مهمة إشباع الحاجات الأساسية والكمالية مهمة للأفراد أنفسهم، وفي الوقت نفسه تركز فقط وبشكل مباشر على زيادة الدخل القومي ومستوى الإنتاج في البلاد. وهذه النظرة الاقتصادية تؤدي إلى زيادة ثروة أصحاب رؤوس الأموال وزيادة الفقر بين الغالبية العظمى من الناس. ومع ذلك، يتم تدريس هذا النظام الاقتصادي الرأسمالي الرجعي وكأنه النظام الصحيح الوحيد في العالم والذي لا يوجد له أي بديل آخر غير الاقتصاد الشيوعي الذي فشل بالفعل، وفي الوقت نفسه يتجاهل تمامًا وجود النظام الاقتصادي الإسلامي الذي ثبت بالفعل نجاحه في كل بلد دخله عبر عصور التاريخ.

 

وإلى جانب ذلك، يتم إجراء التشريح في كليات الطب، وتعرض دروس التاريخ الافتراءات والأكاذيب عن الإسلام وتاريخ قادة الأمة وكأنها حقيقة، وبالتالي فهي تفصل جيل الشباب عن تاريخهم وماضيهم وأجدادهم، فضلًا عن أنها تغرز فيهم كراهية والشعور بالعار من تراثهم الإسلامي العظيم وثقافته. أما دروس الفلسفة فهي تُدرس الآراء والمذاهب المنحرفة مما يلوث عقول الشباب. ويتم التعامل مع "علم النفس" و"علم الاجتماع" على أنها مواد علمية، وهو ما يخلط بين التفكير العقلي والتفكير العلمي ويعزز الاستنتاجات الخاطئة حول طبيعة الإنسان التي تتعارض مع الإسلام. فعلم النفس، على سبيل المثال، يقول بأن أي سوء تصرف للإنسان أو فشل يقع فيه (مثل المثلية أو الإحباط الدائم) هو مجرد خلل في الدماغ، وليس نتيجة للمفاهيم والسلوكيات الخاطئة أو الضارة، وهي الأمور التي يستطيع الإسلام معالجتها فضلًا عن منعها. والنتيجة لذلك، أجيالٌ شابة تتنازعها طريقتان في الحياة، فيحرمون من التصورات الصادقة الحقيقية عن الحياة الدنيا والآخرة؛ أجيالٌ لا تستطيع تحقيق الإنجازات العلمية ولا تتمكن من أن تكون بحق عبادًا لله سبحانه وتعالى.

 

ونموذج التعليم هذا، الذي يركز على علمنة الناس، يصرف الشباب بشكل تام عن وجهة النظر الإسلامية، وبدلًا من ذلك يروج لنمط الحياة الغربية. ومن خلال استيراد واستنساخ نمط الحياة الغربية، فإن الجمهورية التركية قد لوثت المجتمع في هذا البلد المسلم بالأمراض نفسها التي أصابت المجتمعات الغربية بسبب قيمهم ونمط حياتهم. بل إن نظام التعليم المختلط وحده يمثل مشكلة بحد ذاته. وبينما تفضل العديد من المدارس في الغرب نظامًا تعليميًا يُفصل فيه الذكور عن الإناث وذلك بسبب الفشل الدراسي الناتج عن التعليم المختلط، فإن تركيا لا تزال تصر على نظام التعليم المختلط هذا ببساطةٍ لأسبابٍ أيديولوجية علمانية. والعلاقات الجنسية أو حتى الشجار بدافع الغيرة نتيجة علاقات الذكورة والأنوثة أمر شائع للأسف في المدارس التركية. فالقتل أو الانتحار في المدارس نظرًا لهذه الأسباب تظهر بشكل متكرر في الأخبار. وقد نشر اتحاد عمال التعليم والعلوم تقريرًا بعنوان "تقرير التمييز الجنسي في التعليم / 2015"، وقد بين فيه أن المدارس هي مكان رئيسي لأعمال العنف ضد الفتيات والنساء، وأن المدارس هي من أكثر الأماكن التي يحدث فيها العنف والتمييز بين الجنسين. وكشف استطلاع آخر أجراه أيضًا اتحاد عمال التعليم والعلوم أن 13٪ من جميع الطلاب الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إنهم قد تعرضوا لاعتداءات جسدية وأن 54٪ من هذه الهجمات قامت بها عصابات داخل المدارس. إلى جانب ذلك، فقد تم تصنيف 90.8٪ من الطلاب بأنهم مدمنون على المسلسلات التلفزيونية. وفي تشرين الأول/أكتوبر من هذا العام، ظهرت فضيحة أخرى في تركيا تجسد حجم انتشار الدعارة بين الأطفال الذين يبلغون سن طلاب المدارس. فقد تم ضبط فتاة تبلغ من العمر 17 عامًا في مدينة تيكيرداغ تقوم بتهريب فتيات مدارس يبلغن من العمر 13 عامًا لرجال أكبر سنًا مقابل المال.

 

وعلاوة على ذلك، فإن زيادة مشكلة تعاطي المخدرات والكحول تؤثر حتى على الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 10 أعوام. فكل عام يتقدم نحو 230000 مريض بطلب للحصول على العلاج من تعاطي المخدرات، وتتراوح أعمار 25٪ منهم بين 12-14، وأن أكثر من 17٪ منهم تبلغ أعمارهم 11 عامًا أو أقل، وأن 8٪ من مدمني المخدرات الذين تتراوح أعمارهم بين 15-18 عامًا قد فقدوا حياتهم، بينما مات 1.2٪ من الذين تقل أعمارهم عن 15 عامًا. هذه هي فقط الحالات التي وصلت مراكز الشرطة. وعلاوة على ذلك، فقد أظهرت بيانات معهد الإحصاء التركي بأنه في كل عام يعتقل نحو 115000 طفل بتهمة ارتكاب جرائم مثل السرقة أو بيع أو شراء الأدوية أو المواد المخدرة، وإتلاف الممتلكات والتهديد بالعنف أو الانخراط في أعمال العنف الفعلي.

 

وفي الوقت الذي وصلت فيه حالات وأعداد مثل هذه المشاكل الاجتماعية والأخلاقية المأساوية إلى أشكال وأبعاد مخيفة يومًا بعد يوم، فإن الدولة التركية لا تزال تصر على نظام التعليم العلماني في هذا البلد الذي يُعتبر جميع أهله من المسلمين. وعلاوة على ذلك، فإن النظام التعليمي هذا يحظى بالدعم المالي والمنح والقروض والمنح الدراسية

 

من الدول الغربية. وتخدم برامج الدراسة في الخارج، مثل كومينيوس، وإيراسموس، وليوناردو دا فينشي، وجراندتفيغ، وبرنامج الشباب وبرنامج جان مونيه، تخدم أيضًا هذا الغرض. فكل عام تنفق المؤسسات، مثل الاتحاد الأوروبي واليونيسيف والبنك الدولي، المليارات من خلال برامج المنح الدراسية، مثل ميدا وماترا، لتحقيق هذا الغرض في تركيا. فهذه البرامج تركز فقط فكرة أن الغرب متطور، وأنه لا يمكن تحقيق مستقبل متطور إلا من خلال النمط الغربي في التعليم والحياة.

 

إن كل ما سبق لا يشكل سوى عرض موجز لجميع المشاكل المتتالية الناجمة عن تطبيق نظام التعليم العلماني هذا لأكثر من 90 عامًا. وبالإضافة إلى ذلك، فقد ثبت فشل هذا النظام في الحصول على التفوق والنجاح الدراسي وفقًا لنتائج برنامج "البرنامج الدولي لتقييم الطلبة" (بيسا) وبرنامج "الاتجاهات في الدراسة العالمية للرياضيات والعلوم" (TIMSS). فنتائج الرياضيات للصف الرابع والثامن ونتائج العلوم للصف الرابع كانت أقل من متوسط تقييم برنامج (TIMSS). ووفقًا لنتائج برنامج بيسا (قياس مهارات القراءة والرياضيات والمهارات العلمية للطلاب الذين يبلغون من العمر 15 عامًا)، فقد انخفض مستوى تركيا بالمقارنة مع السنوات السابقة، فقد حصلت على المرتبة الثانية قبل الأخيرة ضمن 35 دولة من دول منظمة التعاون والتنمية. أما نتائج "برنامج التقييم الدولي لكفاءات الكبار" (PIAAC)، الذي يقيم الفئة العمرية من 16 عامًا إلى 65 عامًا، فلا تعطي مؤشرًا أفضل. فقد احتلت تركيا المرتبة 31 من بين 34 دولة من دول منظمة التعاون والتنمية، وحصلت على المرتبة الثالثة قبل الأخيرة في مجال محو الأمية. وحصلت تركيا أيضًا على النتيجة نفسها في تقييم العمليات الحسابية... وفي الجزء الأخير من الاختبار الذي جاء تحت عنوان "حل المشاكل في البيئات الغنية بالتكنولوجيا"، حصلت تركيا على المرتبة الأخيرة. فنتائج جميع الاختبارات تثبت فشلًا عامًا ومنتشرًا في كافة أطر نظام التعليم التركي.

 

وأخيرًا، فإن الهدف الرئيسي لنظام التعليم العلماني لهذا النظام العلماني هو منع بناء شخصيات إسلامية تحمل وجهة نظر الحقيقية عن الحياة. والسبب في ذلك واضح وضوح الشمس: إن نظام التعليم العلماني في تركيا العلمانية قد تم تصميمه وتطبيقه لمنع المسلمين من النظر إلى الإسلام كمبدأ، ولتضليل المسلمين عن حقيقة هذه الجمهورية التي أنشئت فقط لخدمة مصالح القوى الاستعمارية الغربية التي تهيمن على الأمة الإسلامية. ذلك أن الشخص الذي يفكر تفكيرًا سليمًا سيبدأ في التساؤل عن النظام القائم وأفكاره وعقائده، وفي النهاية سيدرك حقيقته وسيرغب في أن يستبدل به نظاما يحكم بالإسلام، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة... وذلك لأن العقيدة التي شرعها الله سبحانه وتعالى والأحكام والأفكار التي تنبثق عنها، هي وحدها القادرة على علاج كافة المشاكل التي أصابت الأمة الإسلامية والبشرية جمعاء جراء تطبيق الأفكار والمفاهيم ونمط الحياة الغربية. فهل هناك خطر على استمرارية وديمومة الدول العلمانية أكبر وأشد من هذا؟

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

زهرة مالك

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع