الثلاثاء، 28 شوال 1445هـ| 2024/05/07م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
المدارس الأفغانية تُسَخَّر لخدمة الحرب الاستعمارية  بدلًا من العملية التعليمية!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المدارس الأفغانية تُسَخَّر لخدمة الحرب الاستعمارية

بدلًا من العملية التعليمية!

 

(مترجم)

 

ادعت أمريكا بعد سقوط نظام طالبان بأن النظام التعليمي في أفغانستان قد حقق نموًا سريعًا. فهم يرون أن أكبر نجاح لهم منذ بدء الاستعمار يتمثل في بناء وإعادة بناء بعض المدارس وتوفير الإمكانية لنسبة أكبر من الإناث للالتحاق بالمدارس. ولكن نظرة بسيطة على نظام التعليم في البلد الذي مزقته الحرب تبين أن هذا التقدم المزعوم ليس إلّا ضربًا من الوهم.

 

فأفغانستان لا تزال إحدى الدول التي ما زال الكثير من أطفالها، الذين يبلغون سن الدراسة، لا يستطيعون الذهاب إلى مدارسهم. فبحسب وكالة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) تبلغ نسبة الأطفال في أفغانستان الذين لا يرتادون أية مدرسة نحو 40٪. وقال المشاركون في سلسلة المناقشات التي نظمها "معهد صحافة الحرب والسلام" إن العديد من الأطفال الأفغان يضطرون إلى الانخراط في العمل البدني الشاق من أجل إعالة أسرهم، ونتيجة لذلك فهم يخسرون فرصهم في التعليم. ويعمل نحو 31٪ من الأطفال في أفغانستان في الأعمال الشاقة لإعالة أسرهم بطريقة غير مشروعة. فعلى سبيل المثال، يبلغ عدد الأطفال، الذين يبلغون سن الدراسة، في ننجرهار والذين لا يحصلون على أي تعليم نحو 150000 بسبب الفقر وغيره من المشاكل التي قد سببتها الحرب.

 

وقد تم إغلاق مئات المدارس بسبب التهديدات الأمنية، وتبلغ نسبة المدارس التي ما زالت تعمل ولكن في العراء نحو 65٪. وعلى الرغم من أن التقارير البحثية تشير إلى أن الإغلاق قد طال نحو 780 مدرسة في 34 ولاية، إلا أن وزارة التربية والتعليم الأفغانية تدعي أن الإغلاق قد طال ثلث هذا العدد فقط. والمشكلة الأكبر هي المسافات بين القرى. فهي كبيرة جدًا، والسفر إلى المدارس من أبناء هذه القرى يعرضهم للخطر، وخاصة الأطفال والفتيات. وهذا الواقع ينطبق تمامًا على محافظة غور الريفية، حيث يعيش فقط نحو 29٪ من السكان على بعد خمسة كيلومترات من أقرب مدرسة ابتدائية. ويلتحق بالمدرسة فقط 28٪ من أطفال هذه المحافظة من الفئة العمرية 6-13؛ وهو معدل يماثل المعدل في المناطق الريفية الأخرى في أفغانستان. وقالت مديرية التربية والتعليم في هلمند إن 104 مدرسة من مجموع مدارس هلمند البالغ عددها 454 مدرسة قد تم إغلاقها على مدى السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، وإن 69 مدرسة قد طالها الإغلاق مؤخرًا بسبب التهديدات الأمنية. ويبلغ عدد الطلاب المسجلين في المحافظة 192500 طالب فقط، ويشمل هذا العدد 51867 طالبة. أما في محافظة زابل، فإن 60٪ من الأطفال لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس. والمقاطعات الأكثر تضررًا مثل شاهجوي، ودياشوبان، وأرغنداب، شاملزي وشينكاي. وقد طال الإغلاق في أوروزغان 60 مدرسة من أصل 292 مدرسة مسجلة منذ عام 2012. وفي فرح تم إغلاق حوالي 54 مدرسة من أصل 367 مدرسة. والذهاب إلى المدارس هو أيضًا محفوف بالمخاطر في محافظات مثل تخار، وساري بول، وبغلان وبروان، ونانغارهار، وقندوز، وبدخشان.

 

وبالإضافة إلى ذلك، وعلى نحو متزايد، بدأت قوات الأمن في البلاد باستخدام المدارس، والتي تعتبر المباني الوحيدة المبنية بالإسمنت المسلح في بعض القرى، كقواعد عسكرية خلال الهجمات ضد المناطق التي تسيطر عليها طالبان. فعلى سبيل المثال، واستنادًا إلى مهمة بحثية في نيسان/أبريل عام 2016، استخدم الاحتلال 12 مدرسة في منطقة واحدة من مقاطعة بغلان في شمال شرق أفغانستان لأغراض عسكرية. واستخدام المدارس بهذه الطريقة، يجعلها عرضة لخطر الهجوم، وبالتالي يجعل الطلاب والمعلمين عرضة للخطر.

 

وحقيقة أخرى تعكس عمق أزمة التعليم في أفغانستان وهي الحالة العامة للمدارس. فهناك الآلاف من المدارس التي تنظم صفوفها الدراسية في الخيام وفي العراء، ويشمل ذلك أيضًا العاصمة كابول. ففي العاصمة الأفغانية تعمل 81 مدرسة من أصل 273 مدرسة في مقرات مؤقتة. وعلى سبيل المثال، لا تملك نصف المدارس في قندوز أي مباني، وكذلك أكثر من نصف المدارس في تخار. أما في قندهار، فلا تملك 274 مدرسة من أصل 458 أي بناء على الإطلاق. والتلاميذ في 97 مدرسة فقط من أصل 388 مدرسة من مدارس ساري بول لا يملكون سقوفًا فوق رؤوسهم. وتفتقر العديد من المدارس التي بنتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو أس أيد) في هرات إلى الاحتياجات الأساسية بما في ذلك الكهرباء والمياه النظيفة، والعيوب الإنشائية فيها تؤثر على ممارسة العملية التعليمية وذلك بحسب رسالة إلى الوكالة من المفتش العام المختص بإعادة إعمار أفغانستان.

 

وتوفر المدارس تعليمًا ضعيفًا في مبان متهدمة تعاني نقصًا في الاحتياجات الأساسية، وفي الوقت نفسه يتكدس الطلاب في صفوفها الدراسية، ويستمر التدريس فيها لمدة بضع ساعات فقط قبل أن يأتي فوج طلبة آخرين. وفي بعض الأماكن، حتى في العاصمة كابول، يجلس الطلاب على الأرض في الخيام لأخذ دروسهم. والمعلمون في كثير من الأحيان غير مؤهلين، وبعضهم لم ينهِ أبدًا المدرسة الثانوية. وفي الوقت نفسه، بالكاد يستمر اليوم الدراسي في أفغانستان ثلاث ساعات. وعلاوة على ذلك، فإن جودة محتوى الكتب الدراسية سيئة جدًا، حتى إن عددًا قليلًا من المدارس تمتلك مختبرات علمية بأدوات بدائية. أما المعلمون فهم غالبًا لا يحصلون على التجهيزات المطلوبة، ويتقاضون أجورًا زهيدة، وأعدادهم قليلة جدًا وغير راضين بشكل متزايد عن وظائفهم. فراتب المعلم في أفغانستان هو حوالي 5000 أفغاني شهريًا فقط، أي ما يعادل 100 دولار. ونتيجة لذلك، تظاهر المعلمون في حزيران/يونيو من العام الماضي للمطالبة بزيادة الأجور.

 

ونقطة أخرى مهمة وهي سوء حالة التعليم للفتيات والنساء في أفغانستان. فنسبة محو الأمية في صفوف النساء في أفغانستان تبلغ نحو 14٪، مما يجعله بلدًا يعاني من أدنى نسب محو الأمية على مستوى العالم. فقد أفادت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) أن 90٪ من النساء الأفغانيات في المناطق الريفية أميات. وهذه الظاهرة تشكل انعكاسًا للمشاكل الاقتصادية الكبيرة. وغالبًا ما تُزوج الأسر الأفغانية الفقيرة بناتها الصغيرات ويكتفون بما وصلت في تعليمها حتى لا يتحملوا نفقاتها المالية، وفي كثير من الحالات يتم تزويج الفتيات مقابل المال. وتكلفة نفقة الابنة حتى تنهي تعليمها غالبًا ما يكون أكبر من القدرات المالية لهذه الأسر. وانعدام الأمن وعدم وجود مرافق صحية منفصلة وصفوف دراسية خاصة للطالبات، والنقص الحاد في المعلمات، كلها شكلت عوامل أثرت على التحاق الفتيات بالتعليم. وتقول وزارة التربية والتعليم إن نحو ثلث الطالبات ينقطعن عن الدراسة ولا يعدن مطلقًا.

 

ومع هذه الحالة المخيفة لنظام التعليم في أفغانستان فضلًا عن الظروف السياسية والاقتصادية العامة البائسة والفوضى والعنف في البلاد، فإنه ليس من المستغرب أن تهاجر الأدمغة من هذه البلاد التي مزقتها الحرب بشكل هائل. ووفقًا لدبلوماسي، فإن ملايين اللاجئين الأفغان بعد عام 2001 يعيشون الآن خارج البلاد، وخاصة في باكستان وإيران. وقد عادوا إلى البلاد على أمل تحسن الحياة والأمن وفرص العمل. فقد أفادت تقارير اليونسكو أن نحو 17000 طالبًا أفغانيًا درس في الخارج في عام 2013، فقد درس في إيران 9033 طالبًا أي 53٪، وفي الهند 2330 طالبًا أي 14٪، وفي تركيا 1310 طالبًا 8٪، وفي السعودية 1226 طالبًا أي 7٪، وفي أمريكا 428 طالبًا أي 3٪. وذكرت صحيفة واشنطن بوست في 13 آب/أغسطس عام 2016 أنه حتى لو وعدت الحكومة بتوفير فرص عمل للشباب، فإن ذلك لن يغير من حقيقة أن التوقعات الاقتصادية في أفغانستان ليست مبشرة في المستقبل القريب. ويقدر البنك الدولي أن نمو الناتج المحلي الإجمالي كان 1.9٪ في عام 2016، وهو يمثل انخفاضًا للعام الثالث على التوالي بنسبة 2٪. وبالتالي فإن هذه الظروف المروعة تدفع بعضًا من ألمع العقول الشابة في أفغانستان إلى الفرار من البلاد.

 

وأما الرئيس أشرف غاني فقد صرح أن من أولوياته وقف هجرة الأدمغة من البلاد. وفي العام الماضي، بدأت حكومة الوحدة الوطنية في أفغانستان برنامجًا يسمى "وظائف للسلام" لتحفيز المزيد من فرص العمل واستعادة الثقة في الاقتصاد. غير أن نقص التمويل وعدم الاستقرار في البلاد يحد بلا شك من تأثير هذه المبادرة، وهكذا فإن الشباب يتعرضون لمستقبل بائس.

 

 

كما أن التعليم أيضًا باهظ الثمن في أفغانستان، وقد تحول إلى مشروع لتحقيق المكاسب المالية. وهناك بعض المدارس والجامعات الخاصة والتي تعطي وعودًا بتوفير مستوى تعليمي أفضل. والمدارس الخاصة والجامعات غالبًا ما تكون مكلفة للغاية وهو ما يتجاوز قدرات الكثير من الأسر الأفغانية. فعلى سبيل المثال، عادة ما تتقاضى الجامعة الأمريكية في أفغانستان والجامعة السويسرية من الطلاب بنفس المبالغ التي تتقاضاها بلادها الأم (أمريكا/سويسرا). فرسوم الجامعة الأمريكية في أفغانستان على سبيل المثال تبلغ حوالي 18700 أفغانيًا أي حوالي 400 دولارًا أمريكيًا لكل ساعة معتمدة.

 

إلى جانب هذا، فقد صنفت المنظمات الدولية المعنية بمكافحة الفساد أفغانستان في السنوات الأخيرة بشكل متكرر بأنها من بين أكثر دول العالم فسادًا. وقد اعتقلت قوات الشرطة الأفغانية 7 عمال في وزارة التربية والتعليم بتهمة اختلاس 26 مليون أفغاني.

 

إن هذه المعلومات عن أزمات التعليم في أفغانستان تبين بوضوح الواقع الحقيقي البشع الذي وصل إليه التعليم في البلاد. والسبب الحقيقي الذي أدى إلى هذه الكارثة هو القوى الغربية العلمانية التي ادعت أنها ستساعد الشعب الأفغاني ولكنها في الواقع لا تهتم مطلقًا سوى بتحقيق أهدافها الاستعمارية في المنطقة. إن هذه القوى تغرق الشباب في عاصفة من الإرباك حول التعليم وتمنحهم آمالاً كاذبة ووعودًا زائفة لا يمكن أن تتحقق لبلد مثل أفغانستان الذي وصل إلى هذه الحالة الكارثية. وتحاول الحكومات الفاسدة أن تخفي هذه الحقيقة عن الناس عن طريق جعل الأعداء مؤتمنين على بناء النظام التعليمي في البلاد المستعمرة.

 

إن الطريقة الوحيدة الحقيقية لتوفير تعليم يتمتع بجودة عالية هي من خلال نظام التعليم في دولة الخلافة والتي يكون فيها التعليم حقًا مكفولًا لكل من يحمل تابعيتها. والخلافة ستحقق أهدافها عن طريق تعليم كيفية بناء شخصيات إسلامية قوية، وبالتالي ستحمي النظام التعليمي من أي شيء يمكن أن يضر بالأسس الإسلامية للدولة أو الهوية الإسلامية لأبنائها وأمتها. وبالتالي، فإنه يتوجب على جميع المسلمين العمل لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي وحدها ستتمكن من النهضة بنظام التعليم الإسلامي. إن حالة الانحطاط التي بلغها نظام التعليم الحالي في أفغانستان تبين بوضوح مرة أخرى أن النهضة الحقيقية لهذه الأمة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال الدين الإسلامي الحنيف وليس على يد القوى الاستعمارية. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [التوبة: 109]

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

آمنة عابد

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع