الإثنين، 27 شوال 1445هـ| 2024/05/06م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق
تعليم المرأة المسلمة والخروج من عنق الزجاجة...

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تعليم المرأة المسلمة والخروج من عنق الزجاجة...

 

(المسلمة والتعليم 2)

 

ضمن حملة: الخلافة والتعليم إحياء العصر الذهبي

 

مع انتهاء الحكم الإسلامي وسقوط دولة الخلافة، بدأت دعوات التغريب والتخريب تظهر في بلاد المسلمين على لسان الناعقين الذين انضبعوا بالغرب. فلم يتركوا جحراً إلا ودخلوه خلفه، وغردوا كما الببغاء بكل نشاز يدعون لتحرير المرأة ويطالبون بحقوقها، مقتفين أثر الحركات النسوية في الغرب. متعامين عن المكانة التي احتلتها المرأة في الإسلام. ظهرت الأصوات المطالبة بتعليم المرأة، وضرورة مخالطتها للرجال وعدم فصلها عن المجتمع، فنادى خلفهم أذنابُهم. وساد اللغط في مسألة تعليم المرأة بين من يحرم خروج المرأة وظهورها للرجال كلياً بحجة تحريم الاختلاط، وبين من يؤيده وقد فتنه بريق الانفتاح الغربي وغاب عنه التاريخ المشرق للعالمات المسلمات.

 

والعجيب أن كلا الطرفين، من سمح بالاختلاط لأجل تعليم النساء، ومن حرم خروج المرأة، أجحف بحق المرأة ووقع في الفتنة، وصُرف نظره عن أساس المشكل، فغُضَّ طرفه عن الحل الشرعي الصحيح. فليست مسألة تعليم المرأة مسألة مستحدثة، ولا هي جديدة في ديننا، بل إن الإسلام جاء بكل أحكامه للبشر جميعاً رجالاً ونساء، يحمل إليهم الهدي والهدى، والنور والإيمان، جاء ليخرجهم من الظلمات ويرفع عنهم الجهل والعصيان. وكلُّ مسلم يقرأ قول الله سبحانه: ﴿قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ [الزمر: 9]. بل إن رسول الله ﷺ قد أمر الشفاء بنت عبد الله القرشية وقد كانت قارئة وكاتبة، وكانت تعلم نساء المسلمين، فقال لها: "علمي حفصة رقية النملة كما علمتيها الكتابة"، وتقديراً لعلمها ومكانتها فقد حرص الخلفاء على استشارتها والأخذ برأيها، وكان عمر يقدمها في الرأي.

 

وقد نهلت النساء المسلمات في الصدر الأول من الإسلام من النبع الصافي حيث ظهر منهن النابغات في مختلف العلوم والفنون، وبرز من النساء المفسرات والفقيهات وراويات الشعر والأخبار وعالمات الأنساب، وأسهمت المرأة في نقل الأحكام إلينا عن طريق السند حيث كان منهن النساء الثقات المحدثات، ولا سيما ما يخص أحكام النساء والبيوت، وكان جل الصحابة والخلفاء رضي الله عنهم يرجعون إلى أمهات المؤمنين، وعلى رأسهن عائشة وحفصة وأم سلمة - رضىي الله عنهن - يستفتونهن عما خفي عليهم من أحكام دينهم أو غاب. وقد ألف الزركشي كتاباً قائماً برأسه، قصره على الأمور التي استدركتها عائشة رضي الله عنها على أعلام الصحابة. وقد بلغها يوماً أن عبد الله بن عمرو بن العاص يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: "يا عجباً لابن عمرو؛ يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟!... لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد وما أزيد أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات".

 

كما روى البخارى أن النساء قلن للنبى ﷺ: "غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً من نفسك". فعيّن لهن يوما يلقاهن فيه ويعلمهن. وهو ما يفسر كثرة أعداد راويات الحديث النبوي، اللاتي أفرد لهن محمد بن سعد، في كتابه الطبقات الكبير جزءًا خاصًا حيث بلغ عددهن أكثر من سبعمائة راوية. كما ترجم ابن حجر حياة (1543) محدِّثة، وقال عنهن إنهن كن ثقات عالمات، بل لقد خصص السخاوي مؤلفاً كاملاً من قاموس سيرته الذاتية بعنوان "الضوء اللامع" مكون من 12 مؤلفاً، للعلماء من الإناث، وذكر معلومات عن 1075 عالمة وباحثة.

 

لقد كان هذا الاهتمام بتعليم المرأة، واهتمامها هي بطلب العلم وتعليمه ونفع الناس به، أن دولة الإسلام قد ركزت على تعليم الناس أمور دينهم ودنياهم، وكانت دولة رعاية بحق ترعى الناس وتسوسهم وقد أيقن الخلفاء أنهم عن رعيتهم سيُسألون. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال "كان أبو بكر يعلمنا التشهد على المنبر كما يعلم المعلم الغلمان في الكُتَّاب". ويروي الإمام مالك رحمه الله في الموطأ عن عبد الرحمن بن عبد القاري "أنه سمع عمر بن الخطاب وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا التحيات لله..." ووصل اهتمام عمر بن الخطاب بتعليم رعيته كل ما يحتاجون إليه في حياتهم أنه كان يعلم المرأة كيف تعد طعام بيتها، فقد روي عن حزام بن هشام عن أبيه قال: "رأيت عمر بن الخطاب عام الرمادة مر على امرأة وهي تعصد عصيدة لها، فقال: ليس هكذا تعصدين، ثم أخذ المسوط (ما يخلط به كالملعقة) فقال: هكذا، فأراها، وكان يقول: لا تذرن إحداكن الدقيق حتى يسخن الماء بل تذره قليلا وتسوطه بمسوطها فإنه أريع له وأحرى ألا يتقرد، أي يتجمع ويركب بعضه بعضا".

 

 وهذا كله في بيئة إسلامية تؤاخي بين الرجال والنساء فتجعل المرأة شقيقة الرجل، وتجعل أساس العلاقة بينهم: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة 71]. في نظام إسلامي، من عند خبير لطيف، فرض نظاماً عادلاً كفيلاً بإحقاق الحق وإزهاق الباطل، فكفل بمنظومته التشريعية وأحكامه السامية تعليم المرأة، وعفة المجتمع. فأحكام اللباس الشرعي للمرأة وغض البصر، وتحريم الخلوة والاختلاط والخضوع والتبرج... كلها جاءت لمعالجة النظام الاجتماعي في المجتمع المسلم وضبط علاقة الرجل بالمرأة وفق أصول شرعية، كما تقوم الدولة الإسلامية على رعاية حسِّ المجتمع وفكره فتمنع انتشار الدعوات المشبوهة والمفاهيم الهدَّامة التي تحصر العلاقة بين الرجال والنساء بغريزة النوع ومظهر الميل للآخر، وتحرص كل الحرص على إيجاد الثقافة الإسلامية الصحيحة في المجتمع، بحيث يربي الأجيال عبر مختلف الوسائل وعلى كافة الأصعدة على الحياء والتقوى وغض البصر والغيرة على المحارم وأعراض المسلمين. وفي هذا الجو الإيماني تتلقى المرأة العلمَ عن محارمها من الرجال، أو نساء مثلها أو رجال بحيث يعلم رجلٌ مسلمٌ جماعة من النساء، ولا تخالط النساء الرجال من طلبة العلم. ويكون المعلم رجلاً ذا ثقة مستأمناً على نساء المسلمين. ورد في الحلية لأبي نعيم قصة تزويج سعيد بن المسيب ابنته رباب لأبي وداعة، وقد ذُكر في القصة أنه لما أراد زوجها الخروج من البيت ذات يوم قالت أين تذهب فقال: إلى مجلس سعيد يعني أبوها لكي أتعلم العلم فقالت (اجلس أعلمك علم سعيد) قال فجلست (فوجدت عندها ما عند سعيد من العلم).

 

"فصل الرجال عن النساء عامة أمر ثابت بالنصوص الشرعية في القرآن والسنة، وهذا الفصل جاء عاماً، لا فرق في ذلك بين الحياة الخاصة، والحياة العامة. ولا يستثنى من ذلك إلا ما جاء الشارع بجواز الاجتماع فيه سواء في الحياة الخاصة، أو في الحياة العامة. وقد أجاز الشارع للمرأة البيع والشراء وأوجب عليها الحج ومحاسبة الحكام، وأجاز لها تمثيل غيرها وحضور صلاة الجماعة إلى غير ذلك فلم يعزلها عن المجتمع. فهذه الأفعال التي أجازها الشارع للمرأة، أو أوجبها عليها ينظر فيها فإن كان القيام بها يقتضي الاجتماع بالرجل جاز حينئذ الاجتماع في حدود أحكام الشرع، وفي حدود العمل الذي أجازه لها، وذلك كالبيع والشراء والإجارة والتعلم والتطبيب والتمريض والزراعة والصناعة وما شابه ذلك. لأن دليل إباحتها أو إيجابها يشمل إباحة الاجتماع لأجلها، وأما إن كان القيام بها لا يقتضي الاجتماع بالرجل سواء كان الاجتماع مع وجود الانفصال كما في المسجد، أو كان مع وجود الاختلاط كما في مشاعر الحج والبيع والشراء فهذا الاجتماع غير جائز". (مقتبس بتصرف من كتاب النظام الاجتماعي في الإسلام للشيخ تقي الدين النبهاني).

 

فالإسلام لم يحرم اجتماع المرأة بالرجل للتعليم، بل أجازه في حدوده وضوابطه، فهذا رسول الله يعلم النساء بنفسه في يوم أسبوعي رتيب، وقد درس ابن عساكر نفسه على يد 80 معلمة مختلفة في عصره، ويروي ابن سعد في طبقاته أن الشفاء بنت عبد الله العدوية رأت فتياناً يقصدون في المشي ويتكلمون رويداً فقالت: ما هذا؟ قالوا: نُسَّاك. فقالت: كان والله عمر إذا تكلم أسمع وإذا مشى أسرع وإذا ضرب أوجع هو والله الناسِك حقاً.

 

وهذه كريمة المروزية أو "أم الكرام" كما سمَّاها علماء عصرها، ممن رووا صحيح البخاري، قال عنها الحافظ الذهبي: "كانت إذا روت قابلت بأصلها، ولها فهم ومعرفة مع الخير والتعبد، روت الصحيح مرات كثيرة..." وممن أخذ الصحيح عنها أبو الغنائم النرسي وقد فصل كيفية الأخذ عنها، فقال: "أخرجت كريمة إلي النسخة بالصحيح، فقعدت بحذائها - أي إزائها أو قبالتها كما في المعجم الوسيط تحت مادة حذا -، وكتبت سبع أوراق، وقرأتها، وكنت أريد أن أعارض وحدي، فقالت: لا حتى تعارض معي، فعارضت معها. قال: وقرأت عليها من حديث زاهر". [السير للذهبي 18/234] بهذه الأحكام الغراء، وبوجود دولة للمسلمين تطبقها،

 

ارتفعت مكانة المرأة العلمية فاستفادت وأفادت، وكانت علماً في الهدى والمعرفة. بل كانت للمرأة في ظل الخلافة الأوقاف والمدارس والمساجد يبنينها من أموالهن الخاصة ويقمن على رعايتها. مثل فاطمة الفهري التي قامت بتأسيس جامعة القرويين عام 859م. واستمر ذلك حتى الأسرة الأيوبية في القرن الثاني عشر، عندما تم تأسيس 160 مسجداً، ومدرسة في دمشق، وأسست النساء 26 منهم من خلال نظام الوقف. وكان نصف المسؤولين عن هذه المؤسسات أيضًا من النساء. وفي ظل الخلافة العثمانية أنشأت "بَزْم عَالم سلطان" زوجة السلطان "محمود الثاني" ووالدة السلطان "عبد المجيد اﻷول" مؤسسات خيرية كثيرة منها مشفى عام 1843م وجامع بجوار المشفى عام 1845م، وجامع آخر فيه مكتبة، بالإضافة إلى المدرسة المعروفة الآن باسم مدرسة "إسطنبول الثانوية للبنات" وذلك عام 1850م، وتبرعت لها بأربع مئة وواحد وثلاثين كتابًا.

 

لقد رفع الإسلام منزلة المرأة الأدبية، فأنقذها من الحضيض وبوأها الأوج. فبقيت في سماء المجتمع الإسلامي بمكانة مقدسة تتطاول إليها الأنظار بالرحمة والرعاية. وإذا أردنا استعادة هذه المكانة، فإنه لا يمكننا تصور المرأة المسلمة تتعلم تعليماً حقاً يخلق منها شخصية مسلمة رفيعة القدر، بغير تصور نظام إسلامي يُطبق بشكل كامل. إن فهم نجاح المرأة في طلب العلم يجب أن يكون في ضوء الأحكام الشرعية كمنظومة متكاملة جاءت من عند الله الخبير اللطيف، لرعاية شؤون البشر وإرشادهم. فلا يتأتى إسقاط النظرة الغربية للمرأة على المسألة ومحاولة التوفيق، ولا يتأتى لنا أن ننظر للمسألة بعين الواقع، كما لا يمكن أن نفهم حقيقة المسألة دون تصور كامل للحياة الإسلامية في ظل نظام إسلامي يطبق الإسلام لرعاية الشؤون كما أمر الله عز وجل.

 

وهذا لا يكون إلا بالعمل الجاد المخلص لاستئناف الحياة الإسلامية، وإزالة كل دخيل على ديننا من أفكار ومفاهيم وقوانين ومواثيق واتفاقيات غربية، تؤطر لوضع المرأة في ظل نظام وضعي، وتفرض عليها مخالفة شريعة الله لتنال العلم، فتخيرها بين معصية الله ومعصيته! وتفنيد كل السموم التي تمرر من خلال المناهج العلمانية التي فرضت على مدارسنا وجامعاتنا، ووسائل الإعلام والتواصل والندوات والجمعيات التي ترعاها دول الغرب، لنبرئ ذمتنا أمام الله سبحانه، ويكون عملنا شفيعاً لنا يوم القيامة حين نُسأل عمَّا فعلنا تجاه أخواتنا وبناتنا المسلمات.

 

﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [التوبة: 105]

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بيان جمال

 

 

1 تعليق

  • omraya
    omraya الخميس، 02 آذار/مارس 2017م 14:11 تعليق

    جزاكم الله خيرا و بارك جهودكم

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع