الأحد، 11 ذو القعدة 1445هـ| 2024/05/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

خديعة برنامج مكافحة التضخم الشامل

 

(مترجم)

 

في الاجتماع المنعقد في مركز المؤتمرات بإسطنبول، أعلن وزير الخزينة والمالية براءة البيرق عن برنامج مكافحة التضخم الشامل. وقال إن البنوك ستعمل على تخفيض قروضها ذات الفوائد العالية إلى 10%، اعتباراً من 1 آب/أغسطس، وأضاف: "اتفقنا على أن تقوم جميع شركاتنا بتخفيضات قدرها 10%، وأن تستمر في ذلك حتى نهاية العام". (t24.com.tr)

 

بدايةً أود أن أذكّركم بأنه لم يبق سوى شهرين على نهاية العام الحالي، وهذا يعني أنهم يريدون أن يخفضوا التضخم اعتماداً على برنامجٍ مدته شهران، وهذا يعني أن تركيا لم تستطع أن تعلن عن برنامج متوسط الأمد إلا في نهاية أيلول/سبتمبر، علماً أنه كان من اللازم إعداده حتى نهاية شهر أيار/مايو. ولم يعلن إلا باسمه الجديد "البرنامج الاقتصادي الجديد" (YEP). وبالطبع طبل الإعلام وحيد اللون الذي يسود إعلامنا على بث هذا البرنامج بثاً مباشراً، ولم يكد الوزير ينهي كلمته حتى ارتفع سعر الدولار من 6.14 ليرة تركية إلى 6.29 ليرة تركية.

 

فما الذي كان يُنتَظَر من "البرنامج الاقتصادي الجديد"؟

 

كان يُنتَظَر من البرنامج الاقتصادي الجديد أن يُحدِث آثاراً أو رياحاً تثير شهية أسواق الأموال الأجنبية، وتجعل لعابها يسيل، ولكن ذلك لم يتحقق. وأكد براءة البيرق، صهر رئيس الجمهورية أردوغان ووزير الخزينة والمالية، على أن الرياح العاتية أو الاضطرابات أو الأزمات - سمّها ما شئت - التي تعصف بالاقتصاد سوف تزول وتتلاشى مع إعلان البرنامج متوسط الأمد. ثم ظهر على شاشة قناة NTV في 3 آب/أغسطس، ورفع سقف التوقعات بقوله: "عند الإعلان عن البرنامج في شهر أيلول، سيرى الجميع تحولاً لا يشبه أياً من البرامج متوسطة الأمد".

 

وفي هذه المرة تم الخروج عن المعهود في الإعلان عن البرنامج متوسط الأمد في أنقرة، فتم الإعلان عنه في إسطنبول، عاصمة الأموال، ليستهدف عدداً أكبر من المستثمرين المحليين والأجانب. ولهذا السبب كانت القاعة تعج بأصحاب رؤوس الأموال في تركيا، الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر البرنامج الاقتصادي الجديد وتشخيصه للضائقة التي يمر بها الاقتصاد التركي، في حين عارض رئيس الجمهورية أردوغان وصف الضائقة "بالأزمة"، وقال: "ليست هناك أية أزمة".

 

يتضمن البرنامج الاقتصادي الجديد عدداً أكبر من المشاكل، التي يتم وصفها بـ"العوامل الخارجية". وفي فقرةٍ تحت عنوان "الوضع السياسي والاقتصادي الحالي" يقولون: "بفضل الانتخابات الأربع والاستفتاء الشعبي الذي جرى في الفترة بدءاً من أحداث غازي بارك، وأحداث 17 – 25 كانون الثاني، وانقلاب القضاء 2013، وصولاً إلى المحاولة الانقلابية الفاشلة 15 تموز 2016، تم تعزيز الاستقرار السياسي في البلاد، وضمان سير الديمقراطية بشكل سليم. ولكن هذه المرحلة كانت لها تداعيات سلبية على الاقتصاد". وفي عبارة أخرى: "لقد أحدثت الأزمة السورية، وارتفاع فوائد نظام الاحتياطي الفيدرالي، و"استهداف الإدارة الأمريكية الاقتصاد التركي والليرة التركية استهدافاً مباشراً"، أحدثت تباطؤاً في تدفق رؤوس الأموال، وزيادة وحدّة المخاطرة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الفوائد وأسعار الصرف".

 

هذه التحليلات والتشخيصات في واقع الأمر لا تثير دهشة واستغراب من يتابع حزب العدالة والتنمية عن قرب. فكما هو معلوم، فإن حزب العدالة والتنمية يتمتع بميزةٍ أساسيةٍ، ألا وهي أنه لا يرى نواقصه وعيوبه على الإطلاق. ولهذا السبب لم يتم الحديث عن استقالة أي وزير أو بيروقراط رفيع المستوى في حزب العدالة والتنمية، خلال جميع الأزمات التي شهدتها البلاد وحتى اليوم؛ فهم يرون أن جميع المشاكل التي تحصل في تركيا عبارة عن هجماتٍ ضحاياها أعضاء حزب العدالة والتنمية.

 

وخلال حديثه في المؤتمر التاسع للاستثمارات التركية الذي تم تنظيمه من قبل مجلس العمل التركي الأمريكي (TAİK)، في نيويورك للمشاركة في الاجتماع الـ 73 للجمعية العمومية للأمم المتحدة، قال الوزير البيرق إنه يجب الإحاطة التامة بما عاشته تركيا في العامين الماضيين، لفهم وضعها الاقتصادي الحالي. ثم صرّح عن نيّته في التعاون مع شركة مكينزي McKinsey للإدارة الدولية، من أجل مكتب المالية والتحول المالي الذي تأسس في إطار البرنامج الاقتصادي الجديد. هذا يعني أن البيرق يعزو سبب تباطؤ تدفق رؤوس الأموال وزيادة وحدة المخاطرة وارتفاع الفوائد وأسعار الصرف إلى استهداف الإدارة الأمريكية الاقتصاد التركي والليرة التركية استهدافاً مباشراً من جهةٍ، ويتفق من جهةٍ أخرى مع شركةٍ أمريكية تعمل ولا تزال مع الحكومة الأمريكية من أجل الرقابة المالية على الشركات التركية التي لها يدٌ في أزمة اليوم.

 

من الجدير بالذكر أن الحلول التي قدمتها شركة مكينزي لحكومة حزب العدالة والتنمية عام 2003، للخروج من الأزمة الاقتصادية، تشكل الأسباب الرئيسية وراء الأزمة الحالية. وإليكم بعض تلك الحلول:

 

  • بناء سوق القروض السكنية طويلة الأمد،
  • الترتيبات القانونية لتشكيل بدائل في العمل المصرفي الفردي،
  • تأمين الحوافز للبلديات من أجل تطوير الأراضي،
  • إزالة القيود التي تحول دون تموضع متاجر التجزئة الكبيرة في مراكز المدن،
  • خلق التنافس من خلال رفع القيود عن استيراد المواد الغذائية.

وعندما اشتدت ردود الأفعال المتعلقة بالاتفاق مع شركة مكينزي عبر وسائل التواصل الإلكتروني والأحزاب المعارضة عدا حزب الحركة القومية؛ صرح الوزير البيرق على شاشة قناة NTV التلفزيونية، فقال: "في الفترة الجديدة أسسنا مكتباً محلياً وطنياً بكل معنى الكلمة. سوف نتلقى الآراء ولكننا سنكتفي بالمواقف المحلية والوطنية. والتعليقات على هذا الموضوع أعتبرها خيانةً إن لم تكن جهالة". هذا يعني أنه يعتبر الانتقادات الموجهة إليهم فيما يتعلق بشركة مكينزي خيانةً. ولكن رئيس الجمهورية أردوغان عندما رأى ردود أفعال الرأي العام، قال: "أخبرت جميع زملائنا ألا يتلقوا منهم حتى الاستشارة الفكرية، لا داعي لذلك؛ لأنه لدينا اكتفاء ذاتي".

 

خلال الشهور العشرة الماضية ارتفع الدولار في تركيا 56 بالمئة، وارتفعت الفوائد الربوية من 12 بالمئة إلى 36 بالمئة، ورفعت البنوك المركزية فوائدها الربوية من 8 بالمئة إلى 24 بالمئة. وازدادت الديون الخارجية للقطاع الخاص التي تقدر بـ 372 مليار دولار؛ 56 بالمئة بالعملة التركية. وحسب معدلات التضخم في شهر أيلول، الصادرة عن هيئة الإحصاء التركية (TÜİK)، ارتفع التضخم في شهر أيلول/سبتمبر بمعدل 6.30 بالمئة مقارنة مع معدل التضخم في الشهر السابق، وبمعدل 19.37 بالمئة مقارنةً مع معدل التضخم في كانون الأول/ديسمبر من العام المنصرم، وبمعدل 24.52 بالمئة مقارنةً مع معدل التضخم في الشهر نفسه من العام المنصرم، وبمعدل 13.75 بالمئة مقارنةً مع متوسط معدل تضخم اثني عشر شهراً.

 

بناء عليه، قال الوزير البيرق إنه سيعلن عن برنامجٍ جديدٍ بعنوان "مكافحة التضخم الشامل"، ورفع سقف التوقعات مجدداً. وأعلن اليوم بتاريخ 9 تشرين الأول/أكتوبر 2018 ماهية هذا البرنامج. يقوم هذا البرنامج على ثلاث خطواتٍ وقائيةٍ هي: فرض حسومات على المنتوجات التي تشملها سلة التضخم، وتأجيل زيادة أسعار بعض المنتجات الأساسية والطاقة مستعيناً بإمكانات الدولة، ودعم الشركات التي تعاني صعوبات بسبب تكاليف الاستيراد.

 

هذه الخطوات الوقائية تؤمن تخفيضاً في الأسعار التي تنعكس على الرعايا لا سيما في الأسواق على مدار شهرين فقط. ولكن بعد مضي الشهرين ستعود الأسعار في الارتفاع أضعافاً مضاعفة. فالحزب الحاكم همّه أن يتدارك الوضع إلى حين الانتخابات المحلية في شهر آذار/مارس المقبل. إن "برنامج مكافحة التضخم الشامل" يشبه حملةً تناسب دعوة الاستنفار التي أطلقها أردوغان في شهر آب/أغسطس. وبالتالي يمكننا القول إن هذا البرنامج يستهدف مكاسب سياسية، ولا يعنى بحلول الأزمة الاقتصادية. وحزب العدالة والتنمية يعلم جيداً الأسباب التي أطاحت بالحكومة السالفة، ولهذا السبب لا يريد أن يطلق اسم "الأزمة" على الأزمة الاقتصادية الحالية حتى لو بدا كالنعامة حتى يدرك الانتخابات المحلية، أي أنه قام بتأجيل تطبيق برامج الشركات الاستعمارية سواء أكانت شركة مكينزي أو صندوق النقد الدولي حتى يجتاز الانتخابات المحلية.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحربر

عثمان أبو أروى

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع