الجمعة، 24 شوال 1445هـ| 2024/05/03م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

لم يكن الابتلاء يُعجز الأمة بل كان مصدر قوتها

 

 

منذ أن أخرج الله سيدنا آدم وزوجه من الجنة وأنزلهما الأرض بدأت سنة الابتلاء، هذه السنة التي لا تبديل ولا تحويل لها، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً﴾.

 

فهل نحن اليوم نُدرك حقا مفهوم هذه السنة؟

 

وإن كُنّا نفهمها لماذا يتفاجأ البعض منا من أحداث الواقع؟

 

وإن كان دخولنا إلى الجنة مترتبا على هذه السنة كيف سيكون موقفنا لعدم فهمها؟

 

إن سنة الابتلاء التي بيّنها الله في كتابه العزيز تجعلنا لا نتفاجأ من أحداث الواقع ولن ننصدم مهما كانت مؤلمة ونعجز عن تفسيرها، لأن عدم وقوع الشيء يصدم الإنسان ويجعله غير قابل لتلك المفاجئة وغير محتسب وصابر، وما تعانيه الأمة الإسلامية اليوم، إلا من رحم ربي، من صدمات وأزمات تسببت في ارتفاع نسبة الاكتئاب والانتحار، دليل على عدم فهمها لسنة الابتلاء.

 

يقول الله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.

 

إن تأكيد سنة الابتلاء في هذه الآيات العظام يجعلنا ندرك أن هذا الأمر لا بد منه ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ في كل شيء مهما كانت قيمته، وبهذا الاستعداد لن يفاجئنا الابتلاء ونكون حين وقوعه من الصابرين المحتسبين الذين ينالون صلوات من ربهم ورحمة، هذه الصلوات والرحمة التي تُذهب عنا الكآبة والضيق في الدنيا ونجني ثمارها في الجنة برحمة الله.

 

الابتلاء أول طريق الاصطفاء، ولقد اصطفى الله أنبياءه وجعلهم أكثر الناس ابتلاء. عن مصعب بن سعد عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ». ما يعني أن سنن الله إذا كانت تجري على خير الخلق فكيف بغيرهم، هؤلاء الناس الذين أدركوا أن الابتلاء يقربهم من منازل الأنبياء؟!

 

لقد كانت الأمة الإسلامية تفقه مفهوم الابتلاء طوال مدة حكم الإسلام بإدراكها طريقة عيشها التي جعلت للحياة مفهوما خاصا؛ هو أنها ممر للآخرة، ولن ينال المسلم الجنة في الآخرة إلا بالتضحية بكل غال ونفيس في سبيل الله، فكانت أعظم أمة وأعظم دولة. ولما خرجت عن طريقة عيشها بعد سقوط دولة الخلافة انتكست وأصبحت تقدم الحياة على الآخرة وأصابها الوهن كما يقول ﷺ: «حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» حينها تغير مفهوم الابتلاء بتغير المفهوم الحقيقي عن الحياة وعظم شأن الدنيا في أعين المسلمين وركونهم لها، والسبب في هذا هو تطبيق النظام العلماني الذي يفصل الدين عن الحياة.

 

وأصبحت الأمة لا ترى في الإسلام إلا الشعائر والعبادات وتحولت حياتها إلى ضنك، فتمكن منها الكافر المستعمر ينهش لحمها ويكسر عظامها وجعلها مزقاً بعدما كانت أمة واحدة: أصبحت تُفرّقها الحدود التي رسمها الكافر المستعمر وجعل على كل جزء ناطورا يحرس مصالحه ويمنع توحيد الأمة حتى في أحلك حالاتها كما يجري في غزة الآن.

 

إنّ المُصاب جلل والألم عظيم مما يجري في غزة، ولكن هذا الابتلاء حرك في الأمة معاني كثيرة فبدأت تتلمس مسارها الطبيعي الذي يُصحّح لها مفاهيم الإسلام لأن أهل غزة ضربوا أعظم الأمثلة في التضحية بكل شيء في سبيل الإسلام والأرض المباركة. فها هو مفهوم الجهاد في سبيل الله يتحرك في الأمة بقوة ما يجعلها تعود سيرتها الأولى التي خلدها التاريخ ببطولات الرجال الذين لا يهابون الموت فتفانوا في حمل رسالة الإسلام إلى العالم.

 

نعم هكذا كانت الأمة الإسلامية عندما آمنت بأن الابتلاء هو المحنة التي تأتي قبل المنحة، وكان دائما النصر مقرونا بالابتلاء، والرّضا بالقضاء طبيعي في حياتها... وما نراه اليوم في غزة ليس بغريب، بل هو الأصل والحال الطبيعي لأمّة الإسلام عندما كانت تؤمن أن الدنيا ليست إلا ممرا للآخرة.

 

إن ما تعيشه غزة من آلام وأوجاع ليست حكرا عليها فقط بل هي محنة عمّت أمة الإسلام قاطبة، وهذا ما شهدناه، ولكن التضحيات وشدة البلاء تحمّلها أهل غزة هاشم الأبطال الأشاوس، وهذا ما يجب أن يعُم أمة الإسلام أيضا ألا وهو التضحيات الجسام حتى نخرج من المحنة إلى المنحة، وهذا لا بد فيه من فهم دقيق لمعنى الابتلاء وواقعه في تصور الحياة.. وأكثر فئة عليها أن تتصور هذا المعنى هي جيوش المسلمين ليهبوا هبة واحدة للزحف نحو فلسطين وتحرير مسرى رسول الله ﷺ ونصرة غزة وإقامة الخلافة...

 

 


كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

سعاد خشارم

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع