الإثنين، 27 شوال 1445هـ| 2024/05/06م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون

 

 

قال الإمام البخاري رحمه الله: حدثنا محمَّد بن المثنى، حدثني يحيى، عن إسماعيل، حدثنا قيس، عن خبَّابِ بن الأرتِّ قال: "شكَوْنا إلى رسول الله e وهو متوسِّدٌ بردةً له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصرُ لنا، ألا تدعو الله لنا، قال: «كان الرجلُ في من قبلكم يُحفَرُ له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار، فيُوضَع على رأسِه، فيُشقُّ باثنتين، وما يصدُّه ذلك عن دينِه، ويُمشَط بأمشاطِ الحديد ما دون لحمِه من عَظْم أو عصَب، وما يصدُّه ذلك عن دينِه، والله ليُتمنَّ هذا الأمرَ حتى يسيرَ الراكبُ من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا اللهَ أو الذئبَ على غنمِه، ولكنكم تستعجلون»".

 

هذا الحديث أورده المباركفوري في كتاب السيرة: الرحيق المختوم تحت عنوان "عوامل الصبر والثبات" في بند: البشارات بالنجاح. وقال: "ولم تكن هذه البشارات مخفية مستورة - يعني عن قريش - بل كانت فاشية مكشوفة، يعلمها الكفرة، كما كان يعلمها المسلمون، حتى كان الأسود بن المطلب وجلساؤه إذا رأوا أصحاب النبي e تغامزوا بهم وقالوا: قد جاءكم ملوك الأرض، سيغلبون على ملوك كسرى وقيصر، ثم يصفرون ويصفقون".

 

لا أرى حال أصحاب النبي في فترة الدعوة في مكة قبل إقامة دولة الإسلام، إلا كحالنا.. مستضعفين مهانين مذلين لا نصير ولا سند يُتّكأ عليه في الأرض يحمي الإسلام وأهله. بل هي بشارات تطمئن الأفئدة بحتمية النصر. وليس حال الأسود وأقرانه إلا كالأنظمة الجبرية في بلاد المسلمين حيث تُسّخر الآلة الإعلامية وتُنفق الأموال لمحاربة حملة الدعوة وصنع رأي عام ضد الإسلام بشكل عام، ومشروعه السياسي المتمثل في إقامة دولة الخلافة بشكل خاص.

 

إن الصراع الأبدي بين الحق والباطل، يمضي بثبات أهل الحق وعنجهية الباطل وأهله. عنجهية تطوّع السخرية والهمز وسيلة لمجابهة الصراع الفكري، والبطش والشدة وسيلة لمواجهة الكفاح السياسي. ولطالما كان فرعون مضرب المثل في غطرسة الباطل وعلوّه. فها هو يواجه دعوة التوحيد على لسان سيدنا موسى بالسخرية والتكذيب. ﴿قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ [الشعراء: 18-19]. واستمر بالسخرية تارة والتكذيب أخرى، "قال فما رب العالمين". وبهذه العقلية الجدلية واجه أبو جهل رسالة الإسلام. روى الحاكم بإسناد صححه، أن أبا جهل قال للنبي e: "إنا لا نكذبك، ولكن نكذب ما جئتَ به، فأنزل الله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: 33]". وفي رواية لابن أبي حاتم، قال أبو جهل: "والله إني لأعلم أنه لَنبيٌّ، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعاً؟!"

 

هذا التكذيب والجحود واجهه سيدنا نوح ﴿وَیَصنَعُ ٱلفُلكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَیهِ مَلَأ مِّن قَومِهِۦ سَخِرُوا مِنهُ قَالَ إِن تَسخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسخَرُ مِنكُم كَمَا تَسخَرُونَ﴾ [هود: ٣٨]. قال ابن إسحاق: "كانُوا يَسْخَرُونَ ويَقُولُونَ: صِرْتَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ نَجّاراً".

 

وتعرض لها سيد الخلق محمد e ﴿وَإِذَا رَءَاكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا إِن یَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِی یَذكُرُ ءَالِهَتَكُم وَهُم بِذِكرِ ٱلرَّحمَـٰنِ هُم كَـٰفِرُونَ﴾ [الأنبياء: 21].

 

وما من نبي ولا صاحب دعوة حق إلا تعرض للتكذيب، فهذا دأب أهل الباطل منذ القديم ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون﴾ [يس: 30]. قال ابن كثير: "أَيْ: يُكَذِّبُونَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، وَيَجْحَدُونَ مَا أُرْسِلَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ".

 

يشتد التكذيب كلما اشتد عود الدعوة وثبت عليها أهلها. بل إن أهل الحق ليعلمون أن تكذيب الظالمين وبطشهم وسخريتهم إن هو إلا ابتلاء وامتحان لثباتهم على العهد الذي عاهدوا الله عليه، فلا تؤثر فيهم السخرية، بل لسان حالهم كقول سيدنا نوح: ﴿قَالَ إِن تَسخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسخَرُ مِنكُم كَمَا تَسخَرُونَ﴾ [هود: 38]. واثقين أن الله سبحانه مولاهم وأن الذين كفروا لا مولى لهم، يضعون نصب أعينهم قول الله سبحانه: ﴿وَلَقَدِ ٱستُهزِئَ بِرُسُل مِّن قَبلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِینَ سَخِرُوا مِنهُم مَّا كَانُوا بِهِۦ یَستَهزِءُونَ﴾ [الأنعام: 10].

 

وهم واثقون أن اشتداد الأذى لن يمنع نصراً. قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد e، مسليّاً عنه بوعيده المستهزئين به عقوبةَ ما يلقى منهم من أذىَ الاستهزاء به، والاستخفاف في ذات الله: هَوِّنْ عليك، يا محمد، ما أنت لاقٍ من هؤلاء المستهزئين بك، المستخفِّين بحقك فيّ وفي طاعتي، وامضِ لما أمرتك به من الدُّعاء إلى توحيدي والإقرار بي والإذعان لطاعتي، فإنهم إن تمادوا في غيِّهم، وأصَرُّوا على المقام على كفرهم، نسلك بهم سبيلَ أسلافهم من سائر الأمم من غيرهم، من تعجيل النقمة لهم، وحلول المَثُلاثِ بهم. [أورده جرير الطبري في تفسيره]

 

كما لم يمنع أذى قريش رسول الله e من إقامة دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة، بل إنه e صبر على الأذى وقاوم الإغراءات ولم يأبه بسخرية أهل قريش بل كان يجيبهم بالوعيد الشديد لمن يكذب بآيات الله. "عن عبد الله قال: بينما رسول الله e قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريشاً في مجالسهم، إذا قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي، أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه، فانبعث أشقاهم، فلما سجد رسول الله e وضعه بين كتفيه، وثبت النبي e ساجدا، فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى فاطمة عليها السلام وهي جويرية، فأقبلت تسعى، وثبت النبي e ساجدا حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم، فلما قضى رسول الله e الصلاة، قال: اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، ثم سمى: اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد، قال عبد الله فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب" (متفق عليه. البخاري: الوضوء؛ إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد/ مسلم: الجهاد والسير؛ ما لقي النبي e من أذى المشركين والمنافقين).

 

قال العلامة ابن حجر في كتابه النفيس الدرر الكامنة: كان النصارى ينشرون دعاتهم بين قبائل المغول طمعاً في تنصيرهم وقد مهد لهم الطاغية هولاكو سبيل الدعوة بسبب زوجته الصليبية ظفر خاتون. وذات مرة توجه جماعة من كبار النصارى لحضور حفل مغولي كبير عقد بسبب تنصر أحد الأمراء، فأخذ واحد من دعاة النصارى في شتم النبي e، وكان هناك كلب صيد مربوط، فلما بدأ الصليبي الحاقد في سب النبي e، زمجر الكلب وهاج، ثم وثب على الصليبي وخمشه بشدة، وخلصوه منه بعد جهد. فقال بعض الحاضرين: هذا بكلامك في حق محمد e. فقال الصليبي: كلا بل هذا الكلب عزيز النفس، فلما رآني أشير بيدي ظن أني أريد أن أضربه. ثم عاد لسب النبي e وأقذع في السب، عندها قطع الكلب رباطه ووثب على عنق الصليبي وقلع زوره في الحال فمات الصليبي من فوره، فعندها أسلم أربعون ألفا من المغول [الدرر الكامنة جزء 3 صفحة 202].

 

وهذه الأخبار كثيرة لا حصر لها، تعزي المؤمنين وتثبت قلوبهم. وتزيد من يقينهم بحتمية نصر الله لهم، وأنه سبحانه سيورثهم الأرض، ويمكن لهم ما وعدهم، مستبشرين بوعد الله سبحانه ﴿وَعدَ ٱللَّهِ حَقّا وَمَن أَصدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِیلاً﴾ [النساء: 122].

 

فلا أمريكا بجبروتها ولا روسيا بإلحادها ولا الصين بإجرامها تستطيع منع وعد الله، بل كل ما يصنعون هو محاولات فاشلة لتأخير نصر الله. ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا یُنفِقُونَ أَموَٰلَهُم لِیَصُدُّوا عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَیهِم حَسرَة ثُمَّ یُغلَبُونَ وَٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا إِلَىٰ جَهَنَّمَ یُحشَرُونَ﴾ [الأنفال: 36].

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بيان جمال

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع