الأحد، 11 ذو القعدة 1445هـ| 2024/05/19م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً﴾

 

يقول الطبري في تفسير قوله تعالى ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً﴾: "وجميع خلقه سوف يرد عليه يوم تقوم الساعة وحيداً لا ناصر له من الله، ولا دافع عنه، فيقضي الله فيه ما هو قاضٍ، ويصنع به ما هو صانع". فيوم القيامة يأتي الواحد منا ليقف بين يدي الله سبحانه وحده لا ينفعه مال ولا بنون ولا جاه ولا سلطان إلا ما قدم من عمل، يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾، وفي ذلك اليوم نحصد ثمار ما قدمت أيدينا في الدنيا ونحاسب حتى على مقدار الذرة خيراً كانت أم شراً، فالطائع يلقى الجنان والنعيم، والعاصي يرى الخزي والهوان ويصلى نار جهنم والعياذ بالله ﴿یَوْمَىِٕذ یَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّیُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَیْراً یَرَهُ * وَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً یَرَهُ﴾.

 

إنّ هذه الآية تجعلنا نعيد حساباتنا ونكون دائمي المحاسبة لأنفسنا خائفين من الله سبحانه ومن ذلك الموقف العظيم، يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، هذا الخوف الذي يجب أن يجعلنا نُقبل على الله سبحانه ونؤدي ما افترضه علينا من فرائض وواجبات ونستزيد من النوافل والقربات لنملأ صحائفنا بالحسنات ونثقّل موازيننا بالأعمال الصالحات ﴿فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾، ونحن الآن في شهر مبارك فيه فرصة سانحة لتثقيل الموازين بالصالحات والقربات والعبادات من صيام وصلاة مفروضة ومندوبة وصدقة وقراءة للقرآن وذِكر وأداء العمرة وصلة الأرحام وتفطير الصائمين وحمل الدعوة والعمل لإعزاز هذا الدين، وقد كان السلف يحرصون على اغتنام هذا الشهر ويعتبرونه فرصة للربح والفوز العظيم، فيُروى أنّهم كانوا إذا انقضى رمضان يقولون: "رمضان سوق قام ثم انفض، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر"، فاللهم اجعلنا من الرابحين المقبولين في هذا الشهر المبارك.

 

ومن جهة أخرى فإنّ هذه الآية تقوينا على التحمل والثبات على الدين في زمان الغربة عنه، زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر حيث المنكرات والمعاصي والفساد والإفساد ومحاربة كل مَنْ يقول كلمة حق وتكالب الكفار على أمة الإسلام، فنثبت على طريق الحق رغم كل الصعوبات والتحديات والافتراءات والاستهزاء الذي نتعرض له في هذا السبيل قاصدين رضا الله سبحانه وحده لأننا نعلم أننا سنأتيه يوم القيامة فُرادى وسيحاسبنا على ما قدمنا ولن ينفعنا أهل الأرض جميعاً إن كنا مقصرين أو عاصين.

 

إنّ هذه الآية تدفعنا للتفكير في الموت وما بعده، وبأنّه لا بدَّ سيأتي يوم وتنتهي رحلتنا في هذه الحياة الدنيا فهل نحن جاهزون لذلك اليوم؟ وماذا أعددنا له؟ وإلى أين سيكون مصيرنا؟ أكنا من المحسنين أم من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً؟!

 

إنّها آية تجعلنا نعيش ما بين الخوف والرجاء، خوف من الله فنستشعر وجوده ومراقبته لنا قبل القيام بالعمل وأثناء القيام بهِ فنتقيه ونتبع ما أمر، وخوف على مصيرنا ماذا سيكون، ورجاء بأن يغفر لنا ربنا ويرحمنا ويظلنا في ظله في ذلك اليوم الذي سنقف فيه بين يديه أفراداً. فيا ربِّ اجعل الجنة دارنا ومصيرنا، وأعِنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

براءة مناصرة

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع