الرسالة التاسعة
شهر رمضان شهر الفتوحات والانتصارات

الحَمدُ للهِ الذي فَتحَ أبوَابَ الجِنَانِ لِعبَادِهِ الصَّائمينْ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشرَفِ الأنبيَاءِ وَالمُرسَلينْ، المَبعُوثِ رَحْمَةً لِلعَالمينْ، وَآلهِ وَصَحبهِ الطيِّبينَ الطَّاهرينْ، وَمَنْ تبِعَهُ وَسَارَ عَلى دَربهِ وَاهتدَى بهَديهِ وَاستَنَّ بسُنَّتهِ، وَدَعَا بدَعوَتهِ إلى يَومِ الدِّينْ.

مستمعي الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير: السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، وبعد: إليكم الرسالة التاسعة من "الرسائل الرمضانية من هدي القرآن والسنة النبوية"، وهي بعنوان: "شهر رمضان شهر الفتوحات والانتصارات".

إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:

إِنِّ شهر رمضان كانَ لَكُمْ شَهْرَ الفُتوحاتِ وَالانْتِصاراتِ. فَفِي هذا الشهر العَظيمِ نُقِشَتْ بُطولاتُ أَمْجادِكُمْ، وَانْتِصاراتُ أَسْلافِكُمْ.

• أَوَلا تَسْمَعُونَ صَدَى وَقْعِ سَنابِكِ خُيُولِهِمْ وَصَهيلَها، وَقَعْقَعَةَ سُيوفِهِمْ وَتَكْبيراتِهِمْ تَتَرَدَّدُ عَلَيْكُمْ مِنْ قاعِ التَّاريخِ؟
• أَفَلا تَتَشَوَّقونَ إِلى مَجْدٍ كمَجْدِهِمْ وَعِزٍّ كعِزِّهِمْ؟
• أَوَلا تَذْكُرونَ يَوْمَ الفُرْقانِ، يَوْمَ فَرَقَ اللهُ بَيْنَ الكُفْرِ وَالإِيمانِ، فِي مَعْرَكَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى؟
• أَوَلا تَذْكُرونَ فَتْحَ مَكَّةَ وكسْرَ الأَوْثانِ وَسُقُوطَ الطَّواغيتِ؟
• أَوَلا تَذْكُرُونَ فَتْحَ الأَنْدَلُسِ؟
• أَوَلا تَذْكُرونَ عَيْنِ جالوتَ؟

كُلُّ هذِهِ الانْتِصاراتِ وَالفُتوحاتِ حَقَّقَها أَسْلافُكُمْ فِي مِثْلِ هذا الشَّهْرِ، فَأَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ هذا؟ وَلكِنْ رمضان يَراكُمُ اليَوْمَ مُنْتَكِسُينَ وَمُنْكَسِرُينَ. وَيَرَى بِلادَكُمْ بِأَيْدي أَعْدائِكُمْ. فَهذا بَيْتُ المَقْدِسِ أَسيرٌ فِي أَيْدِي يَهُودَ، وَهذا عِراقُ الرَّشِيدِ مُلْتَهِبٌ، وَتلكَ الشَّامُ عَاصِمَةُ الخِلافَةِ بِأَيْدِي الصَّليبِيّينَ، وَتِلْكَ أَفْغانِسْتانُ وَالشّيشانُ وَكَشْميرُ. فَأَيْنَ الخَليفَةُ الّذِي يُحَرِّرُ بِلادَكُمْ وَيُلْحِمُ أَجْزاءَكُمْ، وَيَمْسَحُ ذلكم، وَيَضْمُدَ جِراحَكُمْ؟

إخوةَ الإيمانِ: أيها الصائمون:

شهر رمضان هو شَهْرُ الإِسْلامِ وَشَهْرُ القُرْآنِ، فَمالِه يراكُمْ عَنْ حَمْلِ الدَّعْوَةِ مُعْرِضينَ؟ وَبِمَوائِدِ الإِفْطارِ وَإِعْدادِ الطَّعامِ وَالشَّرابِ مُنْشَغِلِينَ. أَمِنْ أَجْلِ هذا خُلِقْتُمْ؟ أَوَ ما قَرَأْتُمْ قَوْلَهُ تَعالَى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)؟ فَهَلْ تَوَلَّيْتُمْ عَنْ أَمْرِ رَبِّكُمْ؟ وَأَسْأَلُ اللهَ أَلا يَكُونَ ذلِكَ، فَيَسْتَبْدِلَ بِنَاْ مَنْ هُمْ خَيْرٌ مِنّا، قالَ تَعالَى (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ). فَإِنَّ شَهْر ِرمضان هذا شَهْرٌ تَحْيا فِيهِ القُلُوبُ، فَاغْتَنِمُوا حَياتَها مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمُوتَ، فَلا تَتَقاعَسُوا فِيهِ عَنْ حَمْلِ الدَّعْوَةِ إِلى الإِسْلامِ.

فكمْ مِنْ رَمَضانَ مَرَّ عَلَيْنا وَنَحْنُ نَعيشُ فِي ظِلِّ أَحْكامِ الكُفْرِ، بِغِيابِ سُلْطانِ الإِسْلامِ وَدَوْلَتِهِ، دَوْلَةِ الخِلافَةِ، دَوْلَةِ العِزِّ وَالجاهِ وَالسُّلْطانِ؟

كمْ مِنْ رَمَضانَ مَرَّ عَلَيْنا وَأَحْوالُنا تَسيرُ مِنْ سَيّئٍ إِلى أَسْوَأَ؟ قَتْلٌ وَاغْتِيالاتٌ وَحِصارٌ وَتَجْويعٌ، وَهَدْمٌ وَتَدْميرٌ، وَضَنْكٌ فِي العَيْشِ، وَنَهْبٌ لِلْخَيْراتِ وَالثَّرْواتِ، وَتَسَلُّطٌ لِلْكُفَّارِ وَتَحَكُّمُهُمْ فِينا؟ فَبَدَلَ أَنْ نَسْتَرِدَّ عِزَّتَنا فِي رَمَضانَ وَنُحَرِّرَ ما اغْتُصِبَ مِنّا، فَإِنَّنا نَرَى أَجْزاءَ أُخْرَى تَسْقُطُ مِنْ بِلادِنا فِي أَيْدِي أَعْدائِنا.

اللهُمَّ أقـِرَّ أعْيُنَنَا بـِقيَامِ دَولةِ الخِلافَة، وَاجْعلْنـَا مِنْ جُنُودِهَا الأوفِياء المُخلِصينْ.
وَالسَّلامُ عَليكـُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَرَكاتهُ.