الجمعة، 17 شوال 1445هـ| 2024/04/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

فلنكن من المتّقين...!

 


يقول سبحانه وتعالى: ﴿الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [سورة البقرة: 1-5]


فالسّبيل إلى التّقوى بيّن وجليّ: كتاب الله وهديه. فمن أراد أن يسلكه عليه أن يتحلّى بصفات المتّقين وقد بيّنها سبحانه في الآيات التي سبق ذكرها: فالمتّقون هم الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وينفقون ممّا رزقهم الله ويؤمنون بما أنزل إلى الرّسول ومن سبقه من الرّسل ويوقنون بالآخرة... هؤلاء قال عنهم ربّهم إنّهم على هدى وهم مفلحون. فلماذا لا يكون المسلم تقيّا والسّبيل أمامه لذلك واضح وقد رسمه الله له كما رسم له سبيل الهدى؟ لماذا خصّ الله هؤلاء بالثّناء عليهم وبوعده لهم بالفوز بالجنّة في مواضع كثيرة من كتابه العزيز؟


يقول عزّ وجلّ ردّا على من يحبّ الدّنيا ومتاعها وعلى من زُيّن له حبُّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والحرث ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ نعم! للمتّقين جنّات يخلدون فيها ولهم من الله رضوان لا يسخط عليهم بعده أبدا. أيّ جزاء هذا سيلقاه المتّقون؟!! كيف يفرّط المسلم في هذا السّبيل وهو يسعى ليفوز الفوز الكبير؟ ما هي العوائق التي تحول دون أن يسلك المسلم هذا الطّريق ويكون تقيّا؟


يزيد الإيمان وينمو كلّما سقيناه بالطّاعة وينقص ويذبل إن تمكّنت منه آفة المعصية ومن لا يعمل ويدعو إلى سبيل ربّه فإنّه سيبتعد عن خالقه ويضعف إيمانه ويخبو نوره فيركض إلى الدّنيا وزينتها يغترف منها ما استطاع فيزيّن له الشّيطان أعماله ويحيد به عن الطريق فيبتعد عن الدّعوة إلى الله ويتنازل عن دوره ويضيّع الأمانة ويضعف عن التّمسك بأمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. قيل للإمام أحمد: متى يجد العبد طعم الرّاحة؟ قال: عند أوّل قدم يضعها في الجنّة.


ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة فقد كان العبد الشّكور الذي لا يتوقّف عن ذكر الله وعبادته والدّعوة إليه وسار على خطاه صحابته رضوان الله عليهم فسمعوا وأطاعوا وأحسنوا الطّاعة.


سئل حذيفة رضي الله عنه عن ميّت الأحياء فقال: الذي لا ينكر المنكر بيده ولا بلسانه ولا بقلبه... فالإنسان ميّت إن لم يجعل همّه الدّعوة إلى توحيد الله والاقتداء بهديه في كلّ صغيرة وكبيرة في حياته... ميّت لأنّه لم يجعل الدّعوة قضيّة حياته المصيريّة بها يحيا وبها يموت!!...


تلك هي السّبيل وذلك هو طريق الهدى والتّقوى وعلى المسلم أن يعضّ عليه بالنّواجذ... عليه أن يعلم أنّ طريق الحقّ محفوف بالمخاطر وبالعوائق والصّعوبات، فعلاوة على محاربة الباطل وأهله له ووسوسة الشّيطان الذي يصرّ على إغواء المسلمين وحرفهم ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾، فإنّ النّفس أمّارة بالسّوء تدفع صاحبها للشّرّ وتزيّن له فعله وتقعده عن الخير وتنفّره منه...


بين كلّ هذه العوائق يتخبّط الإنسان وإن لم يتمسّك بأحكام دينه ويجعلها فوق كلّ اعتبار فإنّه سيضعف ويسقط في المعصية. فإن كان همّ المسلم في كلّ حين وحال رضوان ربّه لا يهمّه إن خسر مالا أو جهدا ويكون الله ورسوله أحبّ إليه من الدّنيا وما فيها فقد سلك طريق التّقوى وتغلّب على الصّعاب والعراقيل وعمل بقول حبيبه المصطفى «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» وقوله «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ» فلماذا يصعب على النّاس أن يسلكوا سبيل المتّقين؟ وكيف نكون من المتّقين؟!


يقول e: «إنّ روحَ القدسِ نفثَ في رُوعي أنّه لن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقَها، فاتّقوا الله وأجملوا في الطّلب، ولا يحملنكم استبطاءُ الرّزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإنّ ما عند الله لا ينالُ إلّا بطاعته».


كثير هم النّاس الذين يتّخذون سعيهم لطلب الرّزق ذريعة لكونهم غير عاملين لآخرتهم فصعوبة الحياة وغلاء المعيشة والظّروف الاقتصادية والإنسانية تحول دون أن يركّز في طاعاته بل تدفعه هذه الظّروف في بعض الأحيان إلى الوقوع في المعاصي فيجمع صلواته ولا يؤدّيها كما يحبّ ربّه ويرضى، ويقترض بالرّبا ليبني بيتا أو ليدفع مصاريف دراسة أبنائه ويتقاعس عن حمل "الأمانة العظمى" والدّعوة إلى الإسلام وإعادة الحكم به في الحياة كنظام فرضه خالقه... ينشغلُ في طلب الرّزق ويُضيع جلَّ وقته فِيه ويتعلّلُ بقلّة ذات اليد وحاجةِ الأولاد... ينسى أنّ رزقه مكفولٌ له، وأنّ طلبَ الرّزق لم يمنع الصحابةَ وغيرهم من الدّعوة إلى طريق الخير والرّحمة فتراه يجري ويلهث لا يلوي على شيء يمنّي النّفس بفوز في الدّنيا وبمغفرة من الله في الآخرة متحجّجا بأنّ الله أعلم بالحال...


من العراقيل التي تعترض المسلم وتحرفه عن طريق التّقوى ما يكيده الكفّار باللّيل والنّهار من تضييق عليه في طلب رزقه فقد تفشّت البطالة والفقر ونشرت المفاهيم الرّأسماليّة الفاسدة التي جعلته يلهث لنيل أكبر نصيب من الدّنيا والتّخلّي عن ابتغاء الآخرة فانقلبت المفاهيم وتخلّى المسلم عن ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾، تخلّى وتعلّل بأنّ ظروف الحياة صعبت وأن لا مفرّ من ذلك.


قال ابن القيم: جمع النّبيّ e في قوله: «فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ» مصالح الدّنيا والآخرة ونعيمها ولذّاتها، إنّ ما يُنالُ بتقوى الله وراحة القلب والبدن وترك الاهتمام والحرص الشّديد والتّعب والعناء، والكدّ والشّقاء في طلب الدنيا، إنما ينال بالإجمال في الطّلب، فمن اتّقى الله فاز بلذّة الآخرة ونعيمها، ومن أجمل في الطّلب استراح من نكد الدّنيا وهمومها...


آخرون يتذرّعون بكبر سنّهم وعجزهم عن القيام بالأعمال الصّالحة وبواجبهم تجاه دينهم قال تعالى: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾ قال الحسن البصري: لم يجعل الله للعبد أجلا في العمل الصّالح دون الموت. فالمسلم يتّقي الله في جميع أعماله حتّى تأتيه المنيّة: في عباداته ومعاملاته وفي نصرة دينه... فعن عائشة رضي الله عنها: أنّ ورقة قال لرسول الله e: وإن يُدْرِكْنيِ يومُك أنصرْكَ نصراً مؤزّراً مع كبر سنّه وذهاب بصره، وقد تمنّى أن يكون فيها جذعاً قويّاً فيكون نفعُهُ أكبرَ وأثرُهُ أكثرَ.


هكذا هو المسلم لا يرتاح عن العمل لنيل رضوان ربّه لا تعوقه عقبات ولا تحول دونه الصّعوبات... عن أنس: أنّ أبا طلحة الأنصاريّ قرأ سورةَ براءة، فلما أتى على هذه الآية: ﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً﴾ قال: أرى ربَّنا عز وجل سيستنفرنا شيوخاً وشباباً، جهّزوني أي بني، فقال بنوه: يرحمك الله قد غزوت مع رسول الله e حتّى مات، ومع أبي بكر رضي الله عنه حتّى مات، ومع عمر رضي الله عنه، فنحن نغزو عنك، فأبى فجهّزوه فركب البحر فمات، فلم يجدوا له جزيرةً يدفنونه فيها إلّا بعد سبعةِ أيّام فلم يتغيّر فدفنوه فيها.


من أراد الدّنيا وسعى إليها نسي الآخرة وغفل عنها ومن أراد الآخرة وتاق إلى الثّواب ترك الدّنيا ولم يعرها وملذّاتها اهتماما. ولعلّ ابن القيّم قد وقف على ذلك فوضّحه خير توضيح يقول: لا بدّ في قبول المحلّ لما يوضع فيه أن يفرغ من ضدّه، فقبولُ المحلّ لما يوضعُ فيه مشروطٌ بتفريغه من ضدّه، وهذا كما أنّه في الذّوات والأعيان فكذلك هو في الاعتقادات والإرادات، فإذا كان القلب ممتلئاً بالباطل اعتقاداً ومحبّة لم يبق فيه لاعتقادِ الحقّ ومحبّتِهِ موضع، كما أنّ اللّسان إذا اشتغل بالتكلّم بما لا ينفع لم يتمكّن صاحبه من النّطق بما ينفعه إلا إذا فرغ لسانه من النّطق بالباطل، وكذلك الجوارح إذا اشتغلت بغير الطّاعة لم يمكن شَغلُها بالطّاعة إلاّ إذا فرغها من ضدّها، فكذلك القلب المشغول بمحبّة غير الله وإرادته والشّوق إليه والأنس به، لا يمكن شغلُهُ بمحبّة الله وإرادته وحبّه والشّوق إلى لقائه إلاّ بتفريغه من تعلّقه بغيره.


إخوتي في اللّه: علينا أن نجعل انشغالنا الأكبر وهمّنا الأوحد: طاعة الله وحبّه والشّوق لجنّته فنعمل بما يرضيه ونعرض عمّا يغضبه ونتغلّب على أنفسنا فنقودها كما يحبّ الله ورسوله «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعاً لِمَا جِئْتُ بِهِ»... عن مالك بن دينار قال: إنّ صدور المؤمنين تغلي بأعمال البرّ، وإنّ صدور الفجّار تغلي بأعمال الفجور، والله تعالى يرى همومكم فانظروا ما همومكم رحمكم الله.


فلننظر ما همومنا في هذه الدّنيا: مال يُجمَع؟ زوجة تُنكَح؟ منصب نصبو إليه؟ مسكن نأوي إليه فنبنيه كأنّنا سنخلد في هذه الدّنيا الفانية؟ أبناء ينسوننا الآخرة فيصبحون هم ومشاغلهم أكبر همّنا؟ قال الإمام مالك: بقدر ما تحزن للدّنيا كذلك يخرج همّ الآخرة من قلبك، وبقدر ما تحزن للآخرة كذلك يخرج همّ الدّنيا من قلبك. فأيّ حزن - أختاه - تختارين؟


لماذا صرنا نتنافس على الدّنيا وملذّاتها ونذر الآخرة وثوابها؟ لماذا ضعف شعورنا بمسؤوليّتنا تجاه ديننا وتجاه أنفسنا لنقيها غضب الله وعذابه؟ لماذا تبلّد الإحساس وصار عنوانه العريض التّواكل على العوائق والصّعوبات وظروف الحياة؟ لماذا تخلّينا عن التّنافس في الخيرات والطّاعات ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ﴾؟؟ لماذا صرنا نتباطأ وقد حثّنا ربّنا ومولانا ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ﴾؟ لماذا لا نسلك إذاً طريق المتّقين؟
طريق التّقوى مليء بالأشواك وعلى من يسلكه أن يتجنّبها وإن غرزت فيه فعليه أن يتحلّى بالصّبر وأن يقوّي من عزيمته وينتزعها ويواصل السّير في طريق التّقوى وإن أُدمِيت قدماه - ألم تُدمَ قدما الحبيب المصطفى؟! -... عليه أن يكون مصرّا ثابتا لا يهمّه كيد الأعداء ولا نفاق الأقرباء... عليه أن يتغلّب على إغراءات نفسه ويبتعد عن ملازمتها والسّير وراء وسوساتها.


قال الوليد بن مزيد: سمعت الأوزاعي يقول: إن المؤمنَ يقولُ قليلاً، ويعملُ كثيراً، وإن المنافقَ يتكلمُ كثيراً، ويعملُ قليلاً.


فعلينا أن نعمل ولا نكترث لمن قعدوا ونحيد عن طريقهم ونتأسّى بمن كان همّه طاعة ربّه والدّعوة إلى دينه.


قال حماد بن سلمة: ما أتينا سليمان التّيمي في ساعة يطاعُ اللهُ فيها إلاّ وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعةِ صلاةٍ وجدناه مصلّياً، وإن لم تكن ساعةُ صلاة وجدناه إمّا متوضّئاً، أو عائداً مريضاً، أو مشيّعاً لـجَنَازة، أو قاعداً في المسجد، وكنّا نرى أنّه لا يحسن أن يعصي الله... هذا ما يجب أن نكون عليه. نحيا بأحكام الله في كلّ أمر من أمور حياتنا مهما قلّ شأنه أو عظم فنقترب منه أكثر ونطيعه ونخشاه أكثر فنخطو بذلك خطاً ثابتة نحو سبيل المتّقين.


علينا أيضا أن لا ننتظر جزاء ولا شكورا من النّاس فعملنا لله نبتغي منه رضاه ونسأله أن يتقبّله خالصا لوجهه ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا﴾ إذ إنّ "كلّ ما لا يراد به وجه الله يضمحلّ" كما قال الرّبيع بن خيثم. فمن أراد السّير في هذا الطّريق عليه بالثّبات والصّبر فلا يضيره إن خالفه غيره ولا تضعفه فتنة من الفتن الكثيرة ولا تعوقه صعوبة ولا ابتلاء "ومتى شهد العبدُ أنّ ناصيتَه ونواصي العباد كلَّها بيد الله وحده يصرفهم كيف يشاء لم يخفهم بعد ذلك ولم يرجهم ولم ينزلهم منزلة المالكين، بل منزلة عبيد مقهورين مربوبين، المتصرّفُ فيهم سواهم، والمدبّر لهم غيرُهم، فمن شهد نفسه بهذا المشهد صار فقرُهُ وضرورته إلى ربّه وصفاً لازماً له، متى شهد النّاسَ كذلك لم يفتقر إليهم، ولم يعلّق أملَهُ ورجاءَهُ بهم، فاستقام توحـيدُهُ وتوكّلُهُ وعبوديّتُهُ، ولهذا قال هـود لقومـه: ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾" (ابن القيّم).


يسير وثقته في وعد ربّه وفي رحمته لا يهمّه في ذلك تأخّر الاستجابة فذاك أمر موكول للخالق وحده عليه أن يلحّ ويلحّ على الرّحمن الرّحيم لا ييأس من ذلك بل يسرع في كلّ حين إليه يناجيه ويسأله التّوفيق والرّضا ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ * عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ لا يرتاح في عمله ولا يرتاح في طلبه لنيل رضا ربّه. قال بعض أصحاب عمر بن عبد العزيز القدامى لعمر: لو تفرّغت لنا فقال: وأين الفراغ؟ ذهب الفراغ فلا فراغ إلاّ عند الله.


هذا دأب الصّحابة والخلفاء وهذا ما على المسلم اليوم السّير عليه - وقد عُطّلت أحكامُ الله في الأرض وصار يصارع تيّارات المفاهيم الفاسدة السّائدة التي بثّها الكافر في أمّة الإسلام بعد أن قضى على كيانها ودولتها التي تذود عن أحكام الإسلام وعن المسلمين ضدّ الأعداء وتعين رعاياها على أنفسهم فتدفعهم إلى طريق الخير حتّى يسلكوه - عليه أن يعمل بلا راحة "فلا راحة بعد اليوم" وقد وعى على واقعه الخاطئ الذي يجب تغييره. فـ"كثير من النّاس إذا رأى المنكر، أو تغيّر كثير من أحوال الإسلام، جزع وكَلَّ وناح كما ينوح أهل المصائب وهو منهيّ عن هذا، بل هو مأمور بالصّبر والتوكّل والثّبات على دين الإسلام، وأن يؤمن بالله مع الذين اتّقوا والذين هم محسنون، وأنّ العاقبة للتّقوى، وأنّ ما يصيبه فهو بذنوبه فليصبر، إنّ وعد الله حقّ، وليستغفر لذنبه، وليسبّح بحمد ربّه بالعشيّ والإبكار" (ابن تيمية). حتّى لا يستبدل به ومن معه قوما آخرين ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾.


يقول ابن القيم: وطالب النفوذ إلى الله والدار الآخرة، بل وإلى كل علم وصناعة ورئاسة، بحيث يكون رأساً في ذلك مقتدى به فيه، يحتاج أن يكون شجاعاً مقداماً، حاكماً على وهمه، غيرَ مقهورٍ تحت سلطانِ تخيله، زاهداً في كلّ ما سوى مطلوبه، عاشقاً لما توجه إليه، عارفاً بطريق الوصول إليه، والطرقِ القواطعِ عنه، مقدامَ الهمة، ثابتَ الجأش، لا يثنيه عن مطلوبه لومُ لائم ولا عذل عاذل، كثيرَ السكون، دائمَ الفكر، غير مائل مع لذة المدح ولا ألم الذّم، قائماً بما يحتاج إليه من أسباب معونته، لا تستفزه المعارضاتُ، شعاره الصّبرُ وراحته التّعب.


اللّهمّ استعملنا لنصرة دينك وأعنّا على طاعتك وحسن عبادتك واكتبنا اللّهمّ من عبادك الصّالحين المتّقين اللّهمّ آمين

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير


زينة الصّامت

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع