الثلاثاء، 03 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

كتاب الأمير إلى حملة الدعوة بعد توليه إمارة الحزب

 

 


الإخوة الكرام ،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
لقد شاء الله أن أخلف في إمارة الحزب رجلين عظيمين، سبقاني تقوى وفضلاً، وفاقاني قوةً وعدلاً:

 

الأول: أبو إبراهيم، مؤسس الحزب وبانيه، العالم الجليل (الشيخ تقي الدين النبهاني) رحمه الله، وحشره مع النبيّين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.


والثاني: أبو يوسف، الساعد الأيمن للمؤسس، والأمير من بعده، العالم الفاضل (الشيخ عبد القديم زلوم)، أتم الله عليه الصحة والعافية، ومتَّع ناظريه بالخلافة الراشدة.

 

لقد أتعب الشيخان من جاء بعدهما في إمارة الحزب، فعليه أن يبذل الوسع كل الوسع، والجهد كل الجهد كي يلحق بمنزلتهما أو يدنو منها. وإني أسأل الله سبحانه العون والسَّداد لعلّي أكون خير خلف لخير سلف بإذن الله.

 

الإخوة الكرام،
إني أعيش بينكم، أُحسُّ بما تُحسون، وأدرك ما تدركون، وإني لأعلم أن الشدائد قد استحكمت علينا أو كادت، وأن ملاحقة الظالمين لنا قد زادت، فالاعتقالات والسجون، ووطأة التعذيب المفضي إلى الاستشهاد قد اشتدت علينا بأيدي الظالمين وزبانيتهم. وإني لأعلم أنَّ منا بل كلّنا يتحرق شوقاً لإقامة الخلافة ينتظرها بفارغ الصبر يوماً بعد يوم. وكذلك منّا من يظن أنَّ هذا الأمر لم يعط حقه، معللاً ذلك بأنه لا يرى شيئاً فوق السطح ماثلاً للعيان. وإني لأعلم كذلك أنَّ الكثير منا زادته هذه الأمور قوةً وإيماناً، وثقةً بقيادته واطمئناناً، فبقي واقفاً واستمر واقفاً كالطّود الشامخ، لا تضعفه الفتنة، ولا يفتنه الابتلاء، بل ملء قلبه وناظريه أن يرى الخليفة واقفاً يأخذ بيعة الناس، فيغذّ الخطا مسرعاً يبايعه، أو يرى قصره في الجنة فيدخله حامداً ربه وشاكراً أنعمه. لكنني كذلك أعلم أنَّ هناك من تأثر بهذه الأمور، فأصابه اليأس أو شيء من اليأس، فجلس بعد وقوف أو دنا من الجلوس. بل هناك من بلغ به الحال إلى أن يظن بقيادته الظنونا لأنه قد بعدت عليه الشقة وطال به الطريق. وبدلاً من أن ينشط في المسير ليصل إلى الهدف قعد وانزوى ثم انحرف.

 

إن تدبر كتاب الله وسنة رسوله وسيرته صلوات الله وسلامه عليه تذهب اليأس وتبعث الأمل، وتشعل الحرارة من جديد، وتجعل المرء خلقاً آخر، من خافت الصوت، خائر القوى، إلى صاعقة تدك الظالمين. ومن مغشي عليه إذا أصابته نازلة إلى مستبشرٍ فرجاً بوقوع النازلة.

 

أما كتاب الله، فآيات كثيرة تبين أنّ الشدّة مؤذنة بالفرج، وأنّ تفاقم الأزمة مفتاح حلّها، وأن النصر مع الصبر، واليسر مع العسر. يقول تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا} ويقول سبحانه: {مسَّتهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}. ولقد قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {فإنَّ مع العسر يسراً . إن مع العسر يسراً} فقال عسر واحد لن يغلب يسرين.

 

أما سنة رسول الله وسيرته صلى الله عليه وسلم، فالأمر فيها واضح جلي. لقد آذى الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم اشتد أذاهم حتى بلغ غايته، فقرّروا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم. أي أن الأذى اشتد ثم تفاقم، حتى بلغ القتل، والقتل أقصى الأذى. فلما وصل الأذى أقصاه وقرروا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذْن الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة، وإقامة الدولة، وعز المسلمين. فكانت قمة النصر عند قمة الأذى. وهذه نعمة منّها الله على عباده المؤمنين أنّ اشتداد الأزمة عند غيرهم تُضعف القوى، وتوجد اليأس، أما هم، المؤمنون، فتزيدهم قوةً على قوة، وبشرىً فوق بشرىً بالفرج القريب.

 

أيها الإخوة،
إن اشتداد الأزمة مؤذن بانفراجها، وهذا الضّيق الذي يكاد يلفّنا من كل جانب يجب أن يدفعنا لبذل الوسع، والسعي الحثيث للأخذ بالأسباب الموصلة للهدف، مهما طال الطريق واشتد، فسلعة الله غالية، والجنة حفت بالمكاره، وتاج الفروض يستحق التضحية بكل غالٍ. فالخلافة لن تقوم وحدها، بل بسواعد المؤمنين الصادقين. وإننا أيها الإخوة لعازمون بإذن الله أن لا نترك سبباً مشروعاً نستطيعه إلا استعنا بالله وفعلناه، لعل الله يشف صدوركم وصدورنا في وقت ليس ببعيد وما ذلك على الله بعزيز.

 

إننا نعمل وعيوننا تتطلع إلى الخلافة، وقلوبنا تخفق نحوها، وكلنا طمأنينة بقيامها فرسول الله صلى الله عليه وسلم أنبأنا بذلك وبشرنا «... ثم تكون خلافةً على منهاج النبوة». وكل هذا حقيق على أن يشحذ الهمم، ويقوي العزائم، ويشرح الصدور.

 

أيها الإخوة ،
قبل أن أختم كتابي هذا إليكم أذكر لكم أمراً لفت نظري في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سالف الذكر. فالرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن قال «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون» ذكر أنَّ بعدها «تكون خلافةٌ على منهاج النبوة». بعد ذلك ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم الملك العاض، والملك الجبري، ثم ذكر صلوات الله وسلامه عليه أن الخلافة ستعود ووصفها كما وصف الخلافة الأولى فقال: «... ثم تكون خلافةً على منهاج النبوة». أي أن الخلافة التي تقام قريباً إن شاء الله هي من جنس الخلافة الراشدة الأولى، فكلاهما بالوصف نفسه «خلافة على منهاج النبوة». لما تدبّرت هذا الأمر علمت أن من ستقام بأيديهم الخلافة الراشدة الثانية هم أمثال أولئك أهل الخلافة الراشدة الأولى، أي أمثال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فوقر في قلبي أننا كلما اقتربنا من سيرة أولئك الصحابة الميامين كلما قربت بإذن الله إقامة الخلافة الراشدة. فأعينوني أيها الإخوة من أنفسكم بالعمل الجاد الصادق المخلص لنكون أمثال أولئك الصحابة الكرام، مخلصين لله، صادقين مع رسول الله، لا نخشى في الله لومة لائم، نتقرب إلى الله بما افترض، ونأخذ من النوافل ما شاء الله، فنزداد قرباً إليه سبحانه، لعلنا بهذا نقرِّب الطريق، ونرفع الراية نحن قبل أن يرفعها أبناؤنا. وما ذلك على الله بعزبز.

 

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله سبحانه قال: «من أهان لي ولياً فقد بارزني بالعداوة، ابن آدم لن تدرك ما عندي إلا بأداء ما افترضته عليك، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فأكون قلبه الذي يعقل به، ولسانه الذي ينطق به، وبصره الذي يبصر به، فإذا دعاني أجبته، وإذا سألني أعطيته، وإذا استنصرني نصرته، وأحب عبادة عبدي إلي النصيحة».

 

اللهم إنا ندعوك فأجبنا ونستنصرك فانصرنا.


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

13 من صفر الخير 1424هـ

15/04/2003م

 

أخوكم
عطاء أبو الرشته (أبو ياسين)

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع