بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة مفتوحة من حزب التحرير - اسكندينافيا إلى وزير الثقافة، بير ستيج مولر
كوبنهاغن 7 يناير 2011
نتوجه إليك بهذه الرسالة المفتوحة حول ردة فعلك على الندوة التي يعقدها حزب التحرير لمناقشة قضية احتلال أفغانستان. بداية نود أن نشير إلى أن ردة فعلك تلك قد تُفهَم أنها ضغط سياسي لا يليق برجل يضطلع بمسؤولياتك. فبدون حجج موضوعية طالبت، كوزير للثقافة، الإدارة في المكتبة الملكية تبرير قرارها السماح لنا بعقد الندوة، وهي عبارة عن لقاء مفتوح للمناقشة الحرة حول المشاركة الاسكندينافية في احتلال أفغانستان.
لقد كانت ردة فعلك مثيرة للدهشة، فمن جهة لا تحبذ فرض الحظر على الندوة وتقول أن ذلك أمر غير ممكن مبررا ذلك بأن "هناك حرية تأسيس الجمعيات في الدانمرك، والمكتبة الملكية يجب أن لا توضع في حالة تُتَّهَم فيها بالتمييز ضد جمعية غير محظورة قانونيا". ومن جهة أخرى تشير إلى أن هدف مطالبتك المسؤولين في المكتبة الملكية تبرير قرارهم هو "معرفة ما إذا كان بإمكانهم إعادة النظر في الأمر". ولا يمكن للمرء حيال ذلك إلا أن يتساءل عما إذا كان هذا الطلب ضغطا سياسيا من قبلك يهدف لمنع الندوة دون أي مسوغ قانوني أم هو محاولة للظهور على المستوى الشخصي، جريا وراء زملائك الذين يتطاولون على المسلمين؟ لكن هل يليق ذلك بوزارة الثقافة؟ وأي ثقافة يمثل هؤلاء السياسيون عندما يلجؤون إلى التشويه والضغوط السياسية والمطالبة بالحظر للوقوف في وجه نقاش حر وتبادل للأفكار؟.
أضف إلى ذلك، فقد حاولت إضفاء الشرعية على الحرب في أفغانستان بقولك: "نحن في حرب مع حركة طالبان بناء على طلب الأمم المتحدة لمنع الحركة من العودة إلى السلطة مجددا في أفغانستان"
ولكن ما مدى شرعية قرار الأمم المتحدة عندما يستند إلى طلب من نظام دمية فاسد أنشِئ في ظل الاحتلال وبانتخابات مزورة، فهو لا يمثل شعب أفغانستان ولا يتمتع بأي سلطة فيها، اللهم إلا في المنطقة الخضراء في كابول!.
وأي شرعية تمثلها الأمم المتحدة عندما تكون أداة لإضفاء الشرعية على حروب القوى الكبرى وتأمين مصالح تلك الدول؟ ما مدى مصداقية الأمم المتحدة وهي لا تحرك ساكنا تجاه الاعتداءات والانتهاكات المتكررة للدول الكبرى، سواء في أفغانستان أو العراق أو فلسطين أو في أماكن أخرى؟ كل هذا يلقي ظلالا من الشك حول ما إذا كانت الأمم المتحدة هي تلك الهيئة الدولية المرجوة القادرة على ضمان الأمن والعدالة وحماية المستضعفين من القمع والاضطهاد، والتي هي شروط ضرورية يجب أن تتوفر في أي منظمة تطمح أن تكون مرجعا دوليا يتمتع بالمصداقية.
وبالإضافة إلى ذلك، فإننا نتساءل: إذا كانت قرارات الأمم المتحدة هي الأساس عند السياسيين الدانمركيين، فلم شاركتم في الحرب الأميركية على العراق من دون تفويض من الأمم المتحدة؟ وإذا كانت الأمم المتحدة حقا هي المرجع، فعلام يتجاهل السياسيون الدانمركيون الانتقادات والتوصيات المتكررة من الأمم المتحدة المتعلقة بقانون الأجانب والتمييز العنصري في الدانمرك؟ ولم تقوم أنت وزملاؤك بتشويه المواقف المتعلقة بحق الشعوب المُحتًلة في الدفاع عن نفسها عندما تُقِرُّ الأمم المتحدة ذلك الحق؟
إن قراركم المشاركة في الحرب لا يستند إلى قرارات الأمم المتحدة. بل هو استجابة لدعوة أمريكا، مع ما تكلفه الحرب من إزهاق للأرواح البريئة، واقتراف للتعذيب الوحشي، وإقامة شراكات مع أمراء الحرب والسياسيين الفاسدين وإيجاد أنظمة عميلة لا تمثل إرادة شعوبها، الأمر الذي لا يمكن تبريره من الأمم المتحدة ولا من غيرها! كل ذلك يُبَيِّن أن ادعاءكم الاستناد إلى قرارات الأمم المتحدة في حربكم ما هو إلا عذرٌ ينقصه المصداقية.
وأما قولك إن هدف الحرب هو منع حركة طالبان من الوصول إلى السلطة، فإنه ليس إلا هرطقات كلامية يكذبها سعي حلف شمال الأطلسي الحثيث للتفاوض مع حركة طالبان وإشراكها في حكم أفغانستان!. وعلاوة على ذلك، فإن رجلا بخلفيتك ومعرفته بمصالح الولايات المتحدة الجيوسياسية في تلك المنطقة لا بد أنه يعلم أن أهداف الاحتلال تتجاوز حركة طالبان!. وفوق ذلك، ووفقا لعدة استطلاعات للرأي فإن الغالبية العظمى من الشعب الأفغاني تعتبر وجود حلف الناتو في أفغانستان احتلالا غير مرغوب فيه، فكيف لك بعد هذا أن تختبئ خلف أعذار كتلك؟
والمثير للدهشة أكثر قولك: "إن الحث على استهداف الجنود الدانمركيين هو كمين". وهذا تحريف واضح لرسالتنا. فإن موضوع ندوتنا هو مشاركة حكومات اسكندينافيا في الاحتلال. فنحن نرفض أن نكون صامتين، طالما هنالك احتلال وطالما يكلف هذا الاحتلال العديد من أرواح الأفغان ويسخر الجنود الدانمركيين خدمة لمصالح أمريكا. ونؤكد في هذا السياق أن الشعوب المُحتًلة لها كامل الحق في الدفاع عن نفسها وينسحب حق المقاومة هذا ضد الجنود الدانمركيين أيضا، وحيال هذا الأمر فلا يمكن توجيه اللوم إلا للسياسيين الدانمركيين الذين يقفون وراء قرار المشاركة في هذا الاحتلال الغاشم.
وعليه فإننا نعتبر تصريحك هذا تشويها وتحريفا يهدف إلى ترهيب المنتقدين للاحتلال ويتستر على إراقة الدماء التي يتحمل وزرها السياسيون في البرلمان الدانمركي، وبدورنا فإننا ندين ذلك الترهيب. إن سكان الدانمرك لا يصح أن يُجبَروا على تقبل حرب فيها تقويض لأمنهم وقتل لأبنائهم خدمة للولايات المتحدة، ولذا فان إزالة العوائق التي تمنع مناقشة ناضجة وصادقة حول الاحتلال هو أمر ضروري وملح. وإننا مصممون على المضي في مناقشة هذا الأمر في المكتبة الملكية أو في أي مكان آخر غير مكترثين بحملات التشويه والضغوطات السياسية والتهديدات بالحظر والملاحقة القانونية.
ونحن نعلم أن هناك من المفكرين والمثقفين في الدانمرك من يشعر بالعار إزاء حقيقة أنه لا يوجد بين السياسيين من يستطيع الدفاع عن أمر ذو حساسية عالية، مثل المشاركة في الحرب، إلا عبر حجج واهية. إننا نناشد هؤلاء الأفراد أن يرتقوا إلى مستوى مسؤولياتهم الأخلاقية عن طريق المطالبة بالوقف الفوري للاحتلال والوقوف في وجه التدخلات المتكررة في بلاد المسلميـن، وهذا بدوره يساعد في تضييق الفجوات وإزالة الكراهية التي يُوجِدُها السياسيون بتصرفاتهم غير المقبولة.
وأخيرا، فإن ردود الأفعال منك ومن زملائك على وجه الخصوص، تثبت قولنا أن القيم الغربية ليست إلا شعارات فارغة هشة لا يمكنها الصمود أمام أي تحديات فكرية، كما أنها تتناقض مع الادعاء بأنكم تريدون من وراء هذه الحرب نشر الحرية والديمقراطية. إن زعما كهذا يتطلب منكم أن توجدوا هذه القيم في دياركم أولا لتكتسبوا شيئا من المصداقية حيت تزعمون أنكم تريدون تصديرها للآخرين.
شادي فريجة
الممثل الإعلامي لحزب التحرير- إسكندينافيا
التاريخ الهجري :3 من صـفر الخير 1432هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 07 كانون الثاني/يناير 2011م
حزب التحرير