الذهب والفضة- الأستاذ أبو محمود
- نشر في اقتصادية
- قيم الموضوع
- قراءة: 767 مرات
هذه نبذة مختصرة عن جورج ميتشل والذي عينه باراك أوباما مبعوثا خاصا عنه لمنطقة الشرق الأوسط.
ولد جورج ميتشل عام 1933، لأب ينحدرُ من جذور أيرلندية وأم تنتمي إلى أصول لبنانية هاجرت إلى الولايات المتحدة في الثامنة عشرة من عمرها.
في عام 1954 أدى خدمتُه العسكرية الإلزامية ضابطا في وحدة التجسس المضاد بالعاصمة الألمانية برلين حتى عام 1956.
وفي عام 1960 حصل على ليسانس الحقوق ليعمل في وزارة العدل الأمريكية.
وفي الفترة بين 1962 و 1965 شغل منصب المساعد الأول لسيناتور ولاية مين.
وفي الفترة بين 1965 و 1977 مارس مهنةَ المحاماه الخاصة بمدينة بورتلاند في ولاية أوريغون.
وفي عام 1977 عينه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر مدعيا عاما لولاية مين.
وفي عام 1979 عمل قاضيا بالمحكمة الفيدرالية التابعة لولاية مين.
وفي الفترة بين 1980 و 1995شغل منصب سيناتور عن ولاية مين.
وفي عام 1994 كان مبعوثا للإدارة الأمريكية لأيرلندا الشمالية، وكان لنجاحه في تلك المهمة دور بالغ الأثر في إبرام اتفاقِ سلام في أيرلندا الشمالية يعرف باسم "يوم الجمعة العظيم".
وفي عام 1999 منحه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون ميدالية الحرية الرئاسية على خلفية نجاحه في إبرام اتفاق السلام في أيرلندا الشمالية.
وفي عام 2000 تم تعيينه رئيسا للجنة تقصي الحقائق وإجراء التحقيقات الخاصة بأعمال العنف التي اندلعت خلال انتفاضة الأقصى الثانية عام 2000، وعرف التقرير بتقرير لجنة ميتشل.
ومنذ عام 2002 يشغلُ منصب كبير مستشاري مركز "فض النزاعات" التابعة لجامعة كولومبيا الأمريكية.
وفي عام 2006 تم تكليفه برئاسة اللجنة المعنية بالتحقيق في شبهات تعاطي لاعبي دوري البيسبول الأمريكي للمخدرات، وأعد تقريرا تضمن 409 صفحات.
والآن وبعيد دخول الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما أبواب البيت الأبيض، عَين جورج ميتشل مبعوثا خاصا عنه لمنطقة الشرق الأوسط، ويعمل على إيجاد مكتب دائم له في القدس ليكون همزة وصل بين الشرق الأوسط وأمريكا.
نسأل الله تعالى أن يجعل كيد الكافرين في نحورهم، وأن يكون حليفهم الخزي والعار. كما ونسأله عز وجل أن يحمي المسلمين عامة، والجماعات الإسلامية خاصة، دون إستثناء لحزب التحرير، من الوقوع في شراك جورج ميتشل وبلده أمريكا، مذكرين بقوله تعالى (ودوا لو تدهن فيدهنون).
حدثني يعقوب بن إسماعيل ، أخبرنا حبان بن موسى ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا رشدين بن سعد ، عن شراحيل بن يزيد ، عن عبيد بن عمرو ، أنه سمع فضالة بن عبيد ، يقول ": لأن أكون أعلم أن الله قد تقبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها ؛ لأن الله يقول :{ إنما يتقبل الله من المتقين } ".
من أراد الحديث والوقوف على هذه الذكرى لا يسعه إلا أن يقدم جلة اعتذارات للنبي صلوات الله عليه خجلا مما نحن عليه من حال, وعدم نصرتنا لمقامه الكريم بعد ان استهزأ به القاصي والداني.
من أراد الحديث والوقوف على هذه الذكرى لا يسعه إلا أن يقدم طأطأة للرأس مما قدّمه ويقدمه دُعاة ومدّعي التغيير من المسلمين من خدمات لأعداء الله لا لدين الله.
نعتذر لنبينا مما فرط به حكامنا وأضاعوه من أحكام الله, فغيروا وبدلوا فأصبح ولاؤهم براء وبرائهم ولاء وهانوا وذلوا وخنعوا وفرطوا وتنازلوا وباعوا وهادنوا أعداء الله. وحاربوا في السلم أحباب الله فأصبح سلمهم حربا وأصبحت حربهم سلما.
أيها المسلمون!!!
لقد كثرت عند المسلمين الأوائل الأعمال والمواقف المشرفة، وقلّ عندهم الوقوف على الذكرى؛
إذ كانوا هم الذين يسطّرون الذكرى والمواقف والأعمال. بينما اختلف الأمر عندنا اليوم، فكثر الوقوف على الذكرى وقل العمل... ولو كنا في وضع من قيام الدين لكنّا في مقام تسجيل أقوى المواقف وأروع الأعمال. ونحن المسلمين اليوم علينا أن ننظر إلى الذكرى من الزاوية التي تحفز المسلمين على صنع تاريخهم وتاريخ العالم أجمع. وإننا اليوم أمام ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلينا استجلاء ما تعنيه، والقيام بما تستوجبه.
إن أول ما يجب أن يلفت النظر إليه في هذه الذكرى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كبشر لم يكن إلا ابن أمة تأكل القديد، وما كان أبا أحد من رجال المسلمين، ولم يملك خزائن الله، ولم يكن يعلم الغيب، ولم يكن ملكاً،... إنه كبشر مثل غيره ولكنه يمتاز عنهم بأنه يوحى إليه قال تعالى: " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي" وعلى من أراد أن يتأسى بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويقتدي به أن يعيش معه بتعاليمه ومواقفه فهو في مقام الأسوة والقدوة للمسلمين جميعاً. إنه الشخص الأول في الإسلام، والأوحد في الاتباع، اصطفاه الله سبحانه وتعالى، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، لحمل أمانة الإسلام وتبليغها، وتطبيقها ونشرها، فكان أميناً قوياً، وكان أخشى المسلمين لله وأتقاهم، وقدّم أفضل صورة لما يمكن أن يكون عليه الإنسان كإنسان حتى إنه عُدّ في نظر غير المسلمين «أعظم قائد عرفه التاريخ بمفهوم القيادة الشامل والخُلُقي». إنه رسول، والمهم في الأمر رسالته، وهو كبشر إن مات فإن الإسلام الذي جاء به باقٍ لا يموت، وعلى كل مسلم أن يحيا به مستلهماً من أقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله طريق النبوة الذي يجب أن يسلك اليوم. إن البشرية تحتاج إلى الشخصية الفذة والنموذج والمثال، الذي يقدم الحق بشكل عملي ويعطي أفضل صورة لما يمكن أن يكون عليه الإنسان كإنسان.
إن الوقوف عند ذكرى ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو لتذكر النعمة التي أنعم الله بها على المسلمين في ذلك اليوم، لتذكر الرحمة المهداة، كما يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم.
لقد أظهر الله سبحانه هذا الدين على يديه صلوات الله وسلامه عليه ((هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)).
دعا إلى الإسلام في مكة سراً وجهراً ولاقى وصحبه من قريش الأذى والعذاب الشديد والحصار في الشعب، والجوعَ. استشهد بعض أصحابه ووصل الأمر بكفار مكة أن يقرروا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم, وكل ذلك لم يَثنه صلوات الله وسلامه عليه عن عزمه على تبليغ ما أوحى الله سبحانه له به، لم يَرْضَ بجاهٍ ولا سلطان ولا مال بديلاً عن الإسلام «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلِك دونه»، هكذا كان صلى الله عليه وسلم صادعاً بالحق سافراً متحدياً للكفر وأهله مسفِّهاً لعقائدهم وأصنامهم، لا يخشى في الله لومة لائم. واستمر صابراً محتسباً حتى أمره الله سبحانه أن يطلب نصرة القبائل من غير قريش، ولاقى في سبيل ذلك العَنَتَ والشدة حتى أكرمه الله باستجابة الأنصار، وكانت الدولة والجهاد، والعزة والمنعة، فظهر الإسلام في الجزيرة وصَغُرت الدول الكبرى آنذاك في عين الإسلام، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيشَ لغزو الروم، والرسلَ من قبلُ تصدع بالحق للدول الكافرة. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش الذي جهزه يتهيأ لغزو الروم.
ثم سار على نهجه الصحابة والتابعون بإحسان، فَعَلا دينُ الله في الأرض وارتفعت راية الإسلام، راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله» على معظم أصقاع العالم المعروف: فتحوا الأندلس وطرقوا أبواب فرنسا وأسوار فينّا، وعلت أبصارهم المحيطَ غرباً وتخومَ الصين شرقاً، وأزالوا دولة الفرس وفتحوا حاضرة بيزنطة ووقفوا قبالة روما يتشوقون لفتحها، يسيرون في فتوحهم والعدل يسير معهم، لا ظُلْمَ ولا طغيان ولا استعباد، بل هدىً ونور وأمن وأمان.
أولئك هم السلف الصالح، كانوا أقوياء بربهم أعزاء بدينهم، إذا قالوا قولة دبت في جنبات الدنيا، وإن نطقوا كلمة أدخلت الرعبَ في قلوب الكافرين، أفعالُهم تسبق أقوالهم، يرسل خليفتهم لملك الروم (ما تراه دون أن تسمعه) جواباً على رسالته، وهكذا يكون. فتتسابق جيوش المسلمين يقودها خليفتهم، مع المُرسَل بالجواب إلى ملك الروم، فيسمع الطاغية ضربات الجنود قبل أن يبصر كلمات الخليفة، فيعود إلى صوابه ويَذِلّ ويَخزى.
بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام دولة، تطبق أحكامه، وتجاهد في سبيله، ويسير على خطاه من يحبون الله ورسوله، ومن يعتزون بمولده وبعثته صلى الله عليه وسلم، فتصبح دولتهم قوية الشكيمة مرهوبة الجانب، تكفي صرخة استغاثة (وامعتصماه) من امرأة مسلمة يظلمها عِلْجٌ من علوج الروم، حتى يَهُبَّ الخليفة قائداً جيشه مستجيباً وملبياً لتلك الصرخة، يدك ثغور الروم ويسأل عن مسقط رأس ذلك العلج فيذهب إليه يدكه ويهدم بنيانه ليعلم الكفار عزة الإسلام ومنعته.
ثم خَلَفَ من بعدهم خَلْفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يَلقوْن غَيّاً.
لقد تآمر الكفار وعملاؤهم على دولة الإسلام، وبعد أن نجحوا في القضاء عليها نصبوا على رقاب المسلمين حكاماً رويبضات، لا همّ لهم إلا الحفاظ على عروشهم، ينظرون إلى جثث المسلمين في فلسطين فلا يتحركون، ويسمعون صيحات الثكالى والأرامل والأيتام فلا يأبهون، كأن الصمت على جرائم يهود من متطلبات حسن الجوار!
قاتلهم من صعاليك, حتى كلمة صعلوك لا أراها تنطبق عليهم لان الصعلوك لا يقبل الضيم ولا الخنوع ولا الاستسلام, يصبون جام غضبهم على من أهانهم او أهان حلفائهم, نخوتهم صادقة وكرمهم نبيل!!!
بل قل رويبضات, أذلهم الله, ضيعوا البلاد, ونهبوا الثروات, واذلوا العباد.
وعلماء تمسحوا بنعالهم واعتابهم, ساعدوهم بالفتاوى المطليّة بطلاء الشرع ليس اكثر, نافقوا وداهنوا, قدموا الينا ثقافة الغرب الكافرة وقالوا خذوها من باب الحوار والسلام وعدم التقوقع والانغلاق, حتى أصبحت نسائنا كاسيات عاريات سافرات, واولادنا جهلاء لايعرفون عن تاريخهم وخلفائهم إلا الصور المظلمة او ذوي ترف ولهو ومجون. كل هذا قدمه لنا علمائنا وقالوا: خذوه, ثم إلى بيوتكم فاسلكوه, وفي عقولكم فخزّنوه.
وعلى الرغم من مواقف هؤلاء الحكام المخزية فإنهم يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم على طريقتهم: يقيمون احتفالات برعاية الرئيس أو وزير الاوقاف، ثم تنشد الأناشيد وتلقى الكلمات، وقد يتكرم رئيس الدولة بإعلان إغلاق النوادي الليلية والخمارات وبيوت الدعارة والمراقص ودور السينما تلك الليلة, احتفاءً بالمناسبة العطرة، ثم ينفضّ السامر وينتهي كل ذكر للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، بل يحارَب الإسلام ويلاحَق حَمَلَة الإسلام، ويتخاذل الحكام أمام يهود ومجازرهم ضد المسلمين. وبعد هذا وذاك يزعمون أنهم يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم ويحتفلون بذكراه، لا يرعوون ولا يستحيون من الله ولا من رسوله ولا المؤمنين، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
لقد فهم المسلمون الأوائل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثته: حُكْمٌ بما أنزل الله، وجهاد في سبيل الله، وفَتْحُ الفتوح ونَشْرُ الإسلام في العالم، وعزّة لله ولرسوله والمؤمنين... فأعزهم الله ونصرهم، وجعلهم قادة الدنيا ومنارة العالم. هذا هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، عملٌ كما عمل وسيرٌ كما سار: إنه إعادة الخلافة، وإزالة كيان يهود وفتح روما كما فتحت القسطنطينية... وإنا لفاعلون ذلك إن شاء الله، وماضون على الطريق بإذن الله، وإننا ندعو الأمة للسير معنا في هذا المسار لعز الدنيا ونعيم الآخرة. ((ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)).
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف المرسلين, سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ومن تبعه وسار على دربه, واهتدى بهديه, واستن بسنته, ودعا بدعوته واقتفى أثره إلى يوم الدين, واجعلنا معهم واحشرنا في زمرتهم, برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم لا سهل إلا َّ ما جعلته سهلا , وأنت إذا شئت جعلت الحزن سهلا . اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
ربِّ اشرح لي صدري, ويسِّر لي أمري, واحلل عقدة من لساني, يفقهوا قولي.
أحبتنا الكرام: أحييكم بتحية الإسلام, فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:
إخوة الإيمان: في هذه الحلقة سنتحدث عن مبايعة عمر بن الخطاب بالخلافة إلى نهاية عهده بها رضي الله عنه.
ظلَّ عُمَرُ بنُ الخـَطـَّابِ وَزيرا ً لأبي بَكر ٍ طِيلـَة َ فـَترَةِ خِلافـَتِهِ، وَحينَ كانَ أبـُو بَـكر ٍ يُوَدِّع ُ الدُنيـَا، وَثــَقـُـلَ مَرَضُهُ، وَاستـَبَانَ لـُهُ المَوتُ، خـَافَ أنْ يـَترُكَ النـَّاسَ بـِلا خـَليفـَةٍ، فيَـكـُونَ يَومٌ كيَوم ِالسـَّـقيفـَةِ، وَلـَمْ يُردْ أنْ يُعـَيِّـنَ رَجُـلا ً بـِعـَينـِهِ، فـَيـَفعَـلَ مَا لـَمْ يـَفعَـلـْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فجَمَعَ النـَّاسَ، وَلـَمْ يـَشغـَلـْهُ مَرَضُهُ وَألـَمُهُ عَن ِالاهتِمَام ِ بأمْرهِمْ !! فـَنـَزَع َ بَيعَـتـَهُ مِـنْ أعْـنـَاقِهمْ، وَكـَـلــَّـفـَهُـمْ أنْ يَـنـتـَخـِبُوا غـَيـرَهُ لِلخِلافـَـةِ, وَقــَالَ لهُــمْ:
{إنـَّهُ قـَد نـَزَلَ بي مَا تـَرَوْنَ، وَلا أظنـُّـنِي إلا َّ مَيـِّـتا ً لِمَا فِيَّ مِنَ المَرَض ِ، وَقـَد أطلـَـقَ اللهُ أيْمَانـَكـُمْ مِنْ بَيعَتـِي، وَحَـلَّ عـَنكـُمْ عـُـقدَتِي، وَرَدَّ عَـليكـُمْ أمْرَكـُمْ، فأَمِّرُوا عَـليكـُمْ مَنْ أحبَبتـُمْ، فـَأنـَّـكـُمْ إنْ أمَّرتـُمْ فِي حَيَاةٍ مِنـَّي، كانَ أجْدَرَ أنْ لا تـَخـتـَـلـِفـُوا بَعدِي} .
فذهَبـُوا فتـَشاوَرُوا، وَبَحَـثـُوا فـَلمْ يَـتـَّـفـِقـُوا عَـلى أحَدٍ، فرَجَعُوا إليهِ فـَوَكـَّـلوُهُ أنْ يَختـَارَ لهُمْ، قالَ أبُو بَكر ٍ:
{فأمهلـُونِي حَتـَّى أنظـُرَ للهِ وَلِدِيـنِهِ وَلِعبَادِهِ}.
وَبَدَأ الصِّديقُ استشَارَاتِهِ، وَجَعَـلَ يَدْعـُو أصحَابَ الرَّأي وَكِـبَـارَ الصَّحَـابَـةِ وَاحـِدا ً بَعـدَ وَاحـِدٍ, فـَدَعَا أوَّلا ًعَـبدَ الرَّحمَن بنَ عَوفٍ فقالَ لهُ: {أخبرنِي عَنْ عُمَرَ بنَ الخطـَّابِ} فقالَ لهُ:{مَا تسْألـُـنِي عَنْ أمْر ٍ إلا َّ وَأنتَ أعلـَمُ بـِهِ مِنـِّي}.
فقالَ لهُ:{وَإنْ!} فقالَ عَبدُ الرَّحمَن ِ:{هُوَ وَاللهِ أفضَـلُ مِنْ رَأيـِكَ فِيهِ}. ثـُمَّ دَعَا عُـثمَانَ فقالَ لهُ مِثـلَ ذلكَ، فقالَ:{عِلمِي بهِ أنَّ سَريرَتـَهُ خيرٌ مِنْ عَلانـِيَتِهِ وَأنـَّهُ ليسَ فِينـَا مِثـلـُه}. فقالَ لهُ أبُو بَكر: {يَرحَمُـكَ اللهُ، وَاللهِ لـَو ترَكتـُهُ مَا عَدَوتـُـك}. أي لاخترتـُـكَ أنتَ يَا عُثمَانُ دُونَ غـَيركَ.
ثـُمَّ شَاوَرَ سَعيدَ بنَ زَيدٍ، وَأسَيدَ بنَ الحُضَير ِ وَغـَيرَهُمَا مِنَ المُهَاجرينَ وَالأنصَار ِ فقالَ أسَيدٌ:{اللهُمَّ أعْـلــَمُهُ الخيرَة َ بَعدَكَ، يَرضَى لِلرِّضَا، وَيَسخـَط ُ لِلسُّخطِ، وَالذي يُسِـرُّ خيرٌ مِـنَ الذي يُعلـِنُ، وَلنْ يَلـِيَ هَذا الأمْرَ أحَـدٌ أقوَى مِنهُ}.
وَسَمِعَ بذلكَ بَعضُ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ لا يَرَى انتخابَ عُمَـرَ فـَدَخـَـلـُوا عَـلى الصِّديق ِ, فقـَالَ لـَهُ قائِـلٌ مِنهُم: {مَا أنتَ قائِـلٌ لرَبـِّـكَ إذا سَألكَ عَن ِاستِخلافِكَ عُـمَرَ عَـلينـَا, وَقـَدْ تـَرَى غـِلظـَتـَهُ, وَهُوَ إذا وَلـِيَ كانَ أفـَـظ َّ وَأغلـَـظ َ}.؟!
قالَ أبـُو بَـكر ٍ:{أجلِسُونِي}. فلمَّا جَلـَسَ قالَ: {أباللهِ تـُخـَوِّفـُونـَنِي؟ خابَ مَنْ تـَزَوَّدَ مِـنْ أمْركـُمْ بـِظـُـلم ٍ}. أقـُولُ: {اللهُمَّ إنـِّي قـَدِ استخـلـَـفتُ عَلى أهلِكَ خـَيرَ أهلِكَ}. ثـُمَّ قالَ لِلقائل:{أبلـِغْ عَـنـِّي مَا قـُـلتَ لكَ مَنْ وَرَاءَكَ}.
ثـُمَّ اضطجَعَ وَدَعَا بعُـثمَانَ وَأمْـلـَى عَـليهِ هَذا القـَرَارَ بتـَسمـِيَةِ عُـمَرَ، وَلـَمْ يـَتـَّخِذهُ بوَصفِهِ الخـَليفـَة َ، بَـلْ لأنَّ المُسلمينَ أصْحَابَ الحَقِّ بالانتِخـَابِ وَكـَّـلـُوهُ بأنْ يُسَمِّيَ لـهَُمْ مَنْ يَرَاهُ، وَهَذا نـَصُّهُ:
{بسم ِاللهِ الرَّحمَن ِالرَّحِيم هَذا مَا عَهدَ بهِ أبُـو بَـكر ٍ بنُ أبي قـُحَافـَة َ فِي آخِـرِ عَهدِهِ بالدُنيَا خـَارجا ً مِنهَا وَأوَّلَ عَهدِهِ بالآخرَةِ دَاخِلا ً فيهَا، حَيثُ يُؤمِـنُ الكافـِرُ، وَيُـوقـِنُ الفـَاجـِرُ وَيُصَدِّقُ الكاذِبُ، إنـَّي استخلـَـفتُ عَليكـُمْ بَعدِي...}.
وَأخـَذتْ أبَا بَـكر ٍ غـَشيـَة ٌ فـَذُهِبَ بـِهِ قـَبلَ أنْ يُسمِّيَ أحَدا ً, فـَـكـَتـَبَ عُـثمَانُ: {عُمَرَ بنَ الخـَطـَّابِ}.
ثـُمَّ أفـَاقَ أبـُو بَـكر ٍ, فقالَ: اقرأ عَليَّ مَا كـَتـَبـْتَ. فقرَأ عَـليهِ وَذكـَرَ عُمَرَ, فـَـكبَّرَ أبـُو بَـكر ٍ وَقالَ: {أرَاكَ خِـفـْتَ أنْ تـَذهَبَ نـَفسِي فِي غـَشيَـتِي تِلك, فيَختـَـلِفَ النـَّاسُ, فجَزَاكَ اللهُ عَن ِالإسلام ِ خـَيرا ً, وَاللهِ إنْ كـُنتََ لهَا لأهلا ً}.
ثـُمَّ أمَرَهُ أنْ يَـكتـُبَ تـَتِمـَّة َ الكِتـَابِ:{فـَاسمَعُوا وَأطيعـُوا وَإنـِّي لـَمْ آلُ اللهَ وَرَسُولـَهُ وَدِينـَهُ وَنـَفسِي وَإيـَّاكـُمْ خـَيرا ً, فإنْ عَـدَلَ فذلكَ ظـَنـِّي بـِهِ وَعِلمِي فِـيهِ, وَإنْ بَـدََّلَ فـَـلِكـُـلِّ امرئ ٍ مَا اكتـَسَبَ وَالخـَيرَ أرَدْتُ, وَلا أعْـلـَمُ الغـَيبَ, وَسَيَعلـَمُ الذينَ ظلـَمُوا أيَّ مُـنقـَلـَبٍ يـَنقـَـلـِبُونَ. وَالسَّلامُ عَـليكـُمْ وَرَحْمَة ُ اللهِ}.
ثـُمَّ أمَرَهُ فـَخـَتـَمَ الكِتـَابَ, وَخـَرَجَ بـِهِ مَختـُوما ً وَمَعَهُ عُمَرُ وَأسَيدُ بنُ الحُضَير ِ, وَأسَيدُ بنُ سَعيدٍ القـُرَظِيُّ, فقالَ عُـثمَانُ لِلنـَّاس ِ: {أتبَايعُونَ لِمَنْ فِي هَذا الكتابِ}؟ قالـُوا : نـَعَمْ. وَفِي روَايَةٍ أنَّ أبَا بَـكر ٍ أشرَفَ عَـلى النـَّاس ِ فِي كـُوَّتِهِ, فقـَالَ:{يَا أيُّهَا النـَّاسُ!! إنـِّي قـَدْ عَهدْتُ عَهْدا ً أَفـَتـَرْضَونـَهُ}؟ فقالَ النـَّاسُ:{رَضِـينـَا يَا خـَـليفـَة َ رَسُول ِاللهِ}. فقامَ عَـليٌ فقالَ:{لا نـَرضَى إلا َّ أنْ يَكونَ عُمَرَ}. قالَ:{فإنـَّهُ عُمَرُ}. فـَأقـَرُّوا بذلكَ جَميعا وَرَضُوا بـِهِ, ثـُمَّ بَايَعـُوا.
فـَرَفـَعَ أبـُو بَـكر ٍ يَدَيهِ فقالَ:{اللهُمَّ إنـِّي لـَمْ أردْ إلا َّ صَلاحَهُمْ, وَخِفـْتُ عَـلـَيهمُ الفِتـنـَة َ, فعَمِلتُ فـِيهمْ مَا أنتَ أعْـلـَمُ بـِهِ, وَاجتهَدْتُ لـَهُمْ رَأيي, فـَوَلـَّيتُ عَـليهمْ خـَيرَهُمْ وَأقوَاهـُمْ عَـليهِ, وَأحْرَصَهُمْ عَـلى مَا أرْشدَهُمْ, وَقـَدْ حَضَرَنِي مِـنْ أمْركَ مَا حَضَرَ فـَاخلـُـفـنِي فيهمْ, فـَهُمْ عـِبَادُكَ, وَنـَوَاصِيهمْ بيَـدِكَ, وَأصْـلِحْ لهُمْ أميرَهـُمْ, وَاجعَـلـْـهُ مِـنْ خـُـلــَـفـَائِــكَ الرَّاشِــدينَ, يـَـتــَّبـِعُ هَــدْيَ نـَبـِيِّ الرَّحْمَــةِ وَهَــدْيَ الصَّالِحيـنَ بَعْــدَهُ, وَأصْـلِــحْ لــَـهُ رَعـِيـَّـتـَهُ}.
{... وقبل أن يضع عمر بن الخطاب رضي الله عنه دستورا ً للولاةِ, وضع دستورا ً لنفسه قوامه أن الحكم محنة للحاكم, ومحنة للمحكومين, وأنه لا يصلح إلا بشدة لا جبرية فيها, ولين لا وهن فيه, وأن الخليفة مسؤول عن ولاته واحدا ً واحدا ً في كل كبيرة وصغيرة, ولا يعفيه من اللوم أنه أحسن الاختيار.
قال يوما ً لمن حوله: أرأيتم إذا استعملت عليكم خير من أعلم ثم أمرته بالعدل, أكنت قضيت ما عليَّ؟
قالوا: نعم, قال: لا, حتى أنظر في عمله, أعمل بما أمرته أم لا؟
وعهود عمر بن الخطاب رضي الله عنه هي خير العهود التي تؤخذ على ولاة أمر ٍ, وأبينها للحدود القائمة بين الراعي والرعية, وخير ما فيها أنه كان يحث الناس على الاستغناء عن التحاكم إلى الحكام, خلافا ً لأصحاب الأمر الذين يودون لو فرضوا لأنفسهم حكما ً في كل شيء فكان يقول لهم:
أعطوا الحق من أنفسكم, ولا يحمل بعضكم بعضا ً على أن تحاكموا إليَّ.
وعاهد الناس فقال:
لكم عليَّ ألا َّ أجتني شيئا ً من خراجكم, ولا ما أفاء الله عليكم. ولكم عليَّ إذا وقع في يدي ألا َّ يخرج مني إلا َّ في حقه.
ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم وأرزاقكم إن شاء الله.
ولكم عليَّ ألا َّ ألقيكم في المهالك, ولا أجمِّركم (أي أحبسكم في ثغوركم), وإذا غبتم في البعوث, فأنا أبو العيال حتى ترجعوا إليهم, فاتقوا الله عباد الله, وأعينوني على أنفسكم بكفها عني, وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, وإحضار النصيحة فيما ولاني الله من أمركم.
وجمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاح الأمر في ثلاث:
1. أداء الأمانة.
2. والأخذ بالقوة.
3. والحكم بما أنزل الله.
وجمع رضي الله عنه صلاح المال في ثلاث:
1. أن يؤخذ من حق.
2. ويعطى في حق.
3. ويمنع في باطل.
ومن أوائل عهوده في بيان الحق الذي يرشح الحاكم لولاية الحكم:
((أيها الناس, إني قد وُليت عليكم, ولولا رجاءٌ أن أكون خيركم لكم, وأقواكم عليكم, وأشدكم اضطلاعا ً بما ينوب من مهم أموركم, ما وليت ذلك منكم)).
فأحق الناس بالحكم, أقدرهم على البر, والحزم والنهوض بالأعباء, وليس له في غير ذلك حق يرشحه للحكومة.
ومن أوائل خطبه بعد توليه الخلافة: ((إن الله ابتلاكم بي وابتلاني بكم, وأبقاني فيكم بعد صاحبيَّ, فلا والله لا يحضرني شيءٌ من أمركم فيَـلِيَهُ أحدٌ دوني, ولا يتغيب عني فآلوَ (أعتمد) فيه عن أهل الصدق والأمانة, ولئن أحسنوا لأحسننَّ إليهم, ولئن أساؤوا لأنكلنَّ بهم)).
فهو يعدهم أن يلي الأمر في كل ما حضره, وألا َّ يعهد فيه إلى غيره إلا َّ إذا غاب عنه, ثم لا يكون وكلاؤه فيه إلا َّ من أهل الصدق والأمانة, ثم هو لا يدعهم وشأنهم بعد ذلك, بل يراقبهم ويتتبع أعمالهم, فيحسن إلى من أحسن, وينكل بمن أساء, وقد كان عمر رضي الله عنه يقول, ويعني ما يقول, ويعمل بما يقول. وصارح القوم فيما لا يحصى من الخطب والأحاديث أن له عليهم حق الطاعة فيما أمر الله, فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق, وأن له عليهم حق النصيحة, ولو آذوه فيها, ومن ذلك الرواية المشهورة التي سأل الناس فيها أن يدلوه على عوجه فقال له أحدهم: والله لو علمنا فيك اعوجاجا ً لقومناه بسيوفنا, فحمد الله أن جعل في المسلمين من يقوِّم اعوجاج عمر بسيفه.
لم يكن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبيح من مال المسلمين لنفسه إلا َّ ما يقيم أوده وأود أهله عند الحاجة إليه, فإن رزقه الله ما يغنيه عن بيت المال كفَّ يده عنه.
يقول عمررضي الله عنه: ((ألا وإني أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم, إن استغنيت استعففت, وإن افتقرت أكلت بالمعروف تقرم البهيمة الأعرابية ((القضم لا الخضم)) , أي كما تأكل ماشية البادية قضما ً بأطراف أسنانها, لا مضغا ً وطحنا ً بأضراسها)).
ولما سُئل عما يحل للخليفة من ما الله قال: ((إنه لا يحل لعمر من مال الله إلا َّ حلتان: حلة للشتاء, وحلة للصيف, وما أحج به وأعتمر, وقوتي وقوت أهلي كرجل من قريش, ليس بأغناهم, ولا بأفقرهم, ثم أنا بعد رجل من المسلمين)) }
إخوة الإيمان:
وَتـَدُورُ عَجَـلــَة ُ الزَّمَان ِ، مَرَّة ً ثانية ً, وَتـنقـَضِيْ سَنـَوَاتُ خِلافـَةِ الفـَـارُوق ِ عُـمَـرَ رضي الله عنه, الـذي مَــلأ الأرضَ عَـدلا ً, وَأعَـزَّ اللهُ بـِهِ الإسلامَ وَأهلـَهُ, وَاتـَّسَعَتْ فِي عَهـدِهِ رقـعَة ُ الدَّولـَةِ الإسلاميَّـةِ, وَتـَبـَوَّأ المُسلِمُونَ المَكانـَة َ اللائـِقـَة َ بـِهمْ بَينَ الأمَم ِ وَالشـُّعُوبِ, فكانـُوا بحَقٍّ خـَيرَ أمـَّةٍ أخرجَتْ لِلنـَّاس ِ.
أحبتنا الكرام : بهذا نكون قد أنهينا حديثنا عن مبايعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه بالخلافة إلى نهاية عهده بها، وفي الحلقة القادمة إن شاء الله سيكون حديثنا عن مبايعة عثمان بن عفان رضي الله عنه بالخلافة، وإلى ذلك الحين أستودعكم الله، أستودعه دينكم وإيمانكم وخواتيم أعمالكم,
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة2. صدق الله العظيم.
الحمد لله حمد الشاكرين, والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين, خاتم الأنبياء, وأشرف المرسلين, المبعوث رحمة للعالمين, سيدنا محمد وعلى أله وصحبه ومن تبعه وسار على دربه, واقتفى أثره, واستن بسنته, واهتدى بهديه إلى بوم الدين, واجعلنا معهم, واحشرنا في زمرتهم, برحمتك يا أرحم الراحمين.
أحبتنا الكرام:
أحييكم بتحية الإسلام, فالسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:
بادئ ذي بدء, وفي مقدمة حديثنا عن ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم نقول وبالله التوفيق: إعتاد المسلمون في هذا اليوم من كل عام الثاني عشر من ربيع الأول، الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف صلوات ربي وسلامه عليه.
وإنني إذ أتكلم في هذه المناسبة، أود أن أبين أنه لا يجوز للمسلمين أنْ يحتفلوا إلا فِي عيدين اثنين هما: عيد الأضحى, وعيد الفطر, فقد نهانا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم صاحبُ هذه الذكرى عن اتباع اليهود والنصارى, وتقليدهم في أعيادهم.
فقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سَـنن من كان قـبلكم, حذو القذة بالقذة, شبرًا بشبر, وذراعًا بذراع, حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتـموه, قــلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمَن؟».(( أي فمن غيرهم )).
وقال عليه الصلاة والسلام في هذا الشأن: «لا بارك الله في أمة كثـرت أعيادها».
ولكن، إخوة الإيمان، لقد درجت الأمم والجماعات على أن تقف وهلة عند بعض أيامها, تراجع فيها سير عظمائها تكريمًا لهم واحتفاء بهم, وقيامًا بحقوق الوفاء نحوهم, وتقديرًا للخير الذي قدموه لأممهم. ولئن كان الناس قد اعتادوا أن يحتفوا ويهتموا بتاريخ عظمائهم, فالرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه هو أولى الناس بهذا الاحتفاء وهذا الاهتمام. وكيف لا وقد قال الله في حقه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107.
كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم قائــدنا ورائدنــا؟
كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم قدوتنـا وأسوتنـا؟
كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم حبيبنا وعظيمنا؟
اللهم شفعه فينا, واسقنا من حوضه بيده الشريفة, شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبدًا, واحشرنا في زمرته بالفردوس الأعلى, مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقا.
لذلك إخوة الإيمان فإن احتفاءنا واهتمامنا بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم مستمر ومتواصل يشمل كل أمر من أمورنا, وكل لحظة من لحظات حياتنا, لأننا مأمورون باتباعه, قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ....}آل عمران31. وقال تعالى: {..... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ......}الحشر7
أحبتنا الكرام:
الثاني عشر من ربيع الأول كان يومًا عظيمًا, ينوء بحمل تاريخ كبير من أمجاد هذه الأمة, يوم يحمل ينبوع وجودها, وسر أمجادها, ومبعث عزتها, وروح وحدتها!
كان يومًا ارتسم على شمسه الباب العظيم الذي دخلت منه الأمة التاريخ, ثم تبوأت عرشه, وقد كانت قبل ذلك ملقاة على هامشه, شاردة وراء سوره, ذلك لأنه كان يوم المولد النبوي الشريف.
يصف المؤرخون والرواة يوم مولده فيقولون: كان منعطفـًا تاريخيـًا حاسمًا, لأنَّ ميلادَه صلى الله عليه وسلم ميلادُ أمة. لقد أتى على الجزيرة العربية حين من الدهر كانت فيه حال العرب يأباها كل ذي طبع سليم. ولندع شاهد عيان يصف حالهم آنذاك: فعندما هاجر المسلمون إلى الحبشة, استدعى النجاشي ملكها، المسلمين, وسألهم عن سبب مخالفتهم دين قريش, فردَّ عليه جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قائلا ً:
«أيها الملك, كنا قومًا أهل جاهلية وشرك, نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونقطع الأرحام, ونسيء الجوار, ويأكل القوي منا الضعيف, فكنا على ذلك, حتى بعث الله إلينا رسولا ً منا, نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه, فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده, ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه الحجارة والأوثان ....».
ولا يخفى عليكم إخوة الإيمان كم لاقى عليه السلام من صنوف العذاب, كي يرتد عن دينه، ولكنه صلوات الله وسلامه عليه, كان يلاقي كل ذلك بقوله: «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون». حتى إذا ادلهمت عليه الخطوب رفع بصره إلى السماء, وأخذ يضرع إلى الله يستمد منه العون والتأييد: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي, وقلة حيلتي, وهواني على الناس, أنت أرحم الراحمين, أنت رب المستضعفين, وأنت ربي ... إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي, غير أن عافيتك هي أوسع لي. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات, وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن يحلَّ عليَّ غضبك, أو ينزل بي سخطك, لك العتبى حتى ترضى, ولا حول ولا قوة إلا َّ بك».
واستمرَّ النبي الكريم في دعوته غير آبه, ولا مكترث بما يلاقيه من صنوف العذاب, فأنار من الجهال عقولهم, وجمع من الأعراب أشتاتهم, فكانوا خير أمة أخرجت للناس, وطافوا مشارق الأرض ومغاربها أبطالا ً فاتحين, فخضعت لهم الأمم, واعترفت بفضلهم الشعوب.
وما أشبه الليلة بالبارحة, والتاريخ يعيد نفسه, فلقد عدنا أعرابًا جاهليين, وأصبحنا نستمرئ الذل والهوان! ما هذا القلق الذي نعاني, والبلاء الذي نعيش, والمصيبة التي ما تركت شيئـًا إلا وأتت عليه, والعقلاء منا ـ إن كان ثمة عقلاء ـ يكاد التيار يجرفهم, والبغضاء تلحقهم. لقد أصبحنا كالقطيع لا نعيش إلا َّ تابعين, ولا نحيا إلا َّ موجهين, ترسم لنا الطريق, ونبحث عن سند وصديق, فساستنا الأمم, واقتسمتنا الدنيا! وصار الإسلام غريبًا تمامًا كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «بدأ الدين غريبًا, وسيعود غريبًا كما بدأ, فطوبى للغرباء, فقيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون ما أفسد الناس».
حكم بغير ما أنزل الله! وتعطيل لأحكام الله! وإيقاف للجهاد في سبيل الله! وصد وإعراض عن دعوة الله! واحتلال واغتصاب للأوطان! وهتك للأعراض! وقتل للنساء والشيوخ والأطفال! وهدم للبيوت فوق رؤوس ساكنيها! وهدم وحرق للمساجد! واستباحة للمقدسات! وشتم للنبي صلى الله عليه وسلم! وتمزيق للقران! وطعن في الإسلام! واعتداء على المسلمين في كل مكان!
يحدث كل هذا إخوة الإيمان على مرأى ومسمع من المسلمين, وتمر علينا ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم سنة بعد سنة, وعامًا بعد عام, ويحتفل المسلمون بهذه الذكرى ولا زالت أحكام الله تعالى, وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم معطلة, وجيوش المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها رابضة في ثكناتها, لا تحرك ساكنـًا, فإلى متى سيظل حالنا على ما هو عليه؟ هل يرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم احتفال المسلمين في يوم مولده وحالهم هذا الحال؟ أما آن لنا أن نرعوي عن غينا؟ أم أنَّ الله سيستبدلنا؟ تحقيقـًا لقوله تعالى: {... وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }محمد38.
ورحم الله من قال:
يا سيــد الخلــق دنيـاك التـي اغتســلت بالطهـــر عـــاد إليهـــا الإثــم يعتـــور
مسـراك مسـراك جــال المعتـدون بــه والنــار في المنبـر المحـزون تستعــر
والـــدار خلـــف شفــار البغــي نائيـــة والصـوت منكسـر والطـرف منحســر
هــــل نفــــرة كالتــي مـــن يثــــرب؟ حطمت هام الطغاة ودوى بعدها الظفر
إخوة الإيمان:جدير بنا ونحن نستذكر ميلاد نبينا العظيم أن نجعله قدوة لنا في حياتنا كلها, فسيرة الرسول الكريم مليئة بالدروس والعبر, والله سبحانه وتعالى قد أمرنا باتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال عز من قائل: {..... وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ......}الحشر7, وقال في موضع آخر: ]{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }آل عمران132، وقال كذلك: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن ..... }النساء80
إخوة الإيمان: حري بالأمة الإسلامية أن تراجع حسابها مع نفسها, وأن تتخذ من هذه الذكرى ما يحفزها إلى العودة إلى دينها القويم, والتمسك بالكتاب الكريم, وما فيه من الهدى والرشاد والحكمة.
حري بالأمة الإسلامية أن تحرص على ما حرص عليه نبيها الكريم صلى الله عليه وسلم صاحب هذه الذكرى, فتعمل مع العاملين لإقامة الخلافة بكل إخلاص وجد.
حري بالأمة الإسلامية خصوصًا أهل القوة فيها أن تنصر دين الله بالعمل مع حزب التحرير وتمكينه من استلام الحكم, كي ترضي ربها, وتسترد مجدها, وتستعيد ماضي عزها, وتطرد عدوها من أرضها المغتصبة, وإنَّ الله على هدايتها, وجمع صفوفها, وتوحيد كلمتها إذا يشاء قدير.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبدًا: كتاب الله وسنتي».
وختاماً إخوة الإيمان: نسأله سبحانه في هذا اليوم المبارك أن يقر أعيننا بإقامة دولة الخلافة, وأن يجعلنا من جنودها الأوفياء المخلصين.
اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم, وتب علينا إنك أنت التواب الكريم, واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم, واستجب دعاءنا إنك أنت العلي العظيم.
فالسلام عليك يا سيدي يا رسول الله, يوم ولدت, ويوم مت, ويوم تبعث حيًا.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.