بسم الله الرحمن الرحيم
ماذا خسر المسلمون بزوال الخلافة؟
كانت أعظم مصيبة حلت بالمسلمين بزوال خلافتهم وذهاب سلطانهم هي توقف العمل بكتاب الله و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام. فقد كانوا يعيشون حياة إسلامية و يطبقون شرع الله في كل مناحي حياتهم و كان القرآن دستورهم كما قال عنهم ربنا عز وجل: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه}آل عمران110، بعد كل هذا أصبحت حالهم اليوم و قد غابت دولتهم حوالي سبع وثمانين سنة حالا ذليلة مزرية، و غابت أحكام الإسلام عن واقع الحياة كلية و حل مكانها أحكام الكفر وسيطرت النزعة الرأسمالية على مجتمعات المسلمين وحلت الروابط القومية والوطنية والمصلحية محل رابطة العقيدة بين أبناء الأمة. وهذا كله ثمرة حيدهم عن شرع الله و احتكامهم إلى الطاغوت و اتخاذهم الأنظمة الوضعية شريعة و تركهم ما أمرهم الله أن يتبعوه: كتاب الله و سنة نبيه عليه الصلاة و السلام، و استكانتهم وقبولهم بالذلة، و رضاهم أن يحكموا بغير ما أنزل الله خشية من الحكام العملاء، و الله ربهم يقول في محكم تنزيله: { فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ }المائدة44. فهيهات أن يستقيم أمر هذه الأمة من غير أن تقوم خلافة راشدة على منهاج النبوة تحكم بما أنزل الله قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }النساء65.
خسر المسلمون بفقدان الخلافة وحدتهم. فما إن أجهز الكفار على الخلافة الإسلامية التي دامت أكثر من 13 قرنا حتى أخذوا في تقطيع جسد الأمة، و استعمروا البلاد الإسلامية كاملة بشتى الطرق و الوسائل، و جعلوا بينها حدودا فاصلة و كرسوا هذا التقسيم بتنصيب حكام خونة من أبناء الأمة يخدمون مشروع الكافر المستعمر ويربطون مصيرهم به. و كانت هذه محاولة من الأعداء للقضاء على القوة المعنوية للمسلمين ألا و هي الوحدة تحت راية الخلافة الإسلامية و قد نجحوا في ذلك إذ صارت الفرقة و التمزق أمرا واقعا بل إن هناك من المسلمين من يدافع عن التشرذم تحت اسم الوطنية الدخيلة على ديننا. و تمزق العالم الإسلامي إلى دويلات لا تملك من أمرها شيئا وتنفذ أوامر الكفار وتحارب الإسلام وأهله بعد أن كانت كلها في دولة واحدة قادت العالم عدة قرون، تلك الدولة التي كانت ترعى شؤون المسلمين فسادوا في دولة واحدة و انتصروا بجيش واحد و استظلوا براية واحدة و ائتموا بخليفة واحد. يقول الله سبحانه و تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} المؤمنون52. فما الخلاص إلا بالوحدة أيها المسلمون يقول تعالى: {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}الأنفال46.
خسر المسلمون بعدم وجود الخلافة مكانتهم و هيبتهم بين الدول. و التاريخ يشهد أن دولة الإسلام كانت أقوى الدول في شتى المجالات، و كان لها التأثير الواضح في سياسات الدول الأخرى. فبعد أن كانت الدولة الإسلامية مهيبة الجانب ذات جيش لا يقهر تتسابق الدول الكافرة لنيل رضاها و إبرام معاهدات الصلح معها، و بعد أن كان المسلمون يحققون الانتصار تلو الآخر، و كانت لهم عزة ما بعدها عزة. أصبحوا الآن و بعد تلاشي دولتهم أذل شعوب العالم و أقلها شأنا بل و لم تعد لهم مكانة أصلا ناهيك عن الهيبة . فهذه بلاد المسلمين محتلة و تتوالى المصائب عليهم و كياناتُهم الهزيلة و على رأسها الحكام العملاء لا تحرك ساكنا، حتى صار المسلمون يتوقون لطعم الانتصار بعد الهزائم المخزية و النكسات المتكررة. و أضحت كل شعوب العالم لا تحسب للمسلمين حسابا بل و تتسابق في العدوان على أمة الإسلام الجريحة كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم:( يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْت)ِ و ستبقى الحال كذلك إلا أن تهب أمة الإسلام ساعية في طريق عزتها بإقامة دولة الخلافة ، خلافة ترعى شؤونهم و تعيد لهم مكانتهم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7.
خسر المسلمون السيطرة على ثرواتهم و خيراتهم بزوال الخلافة التي كانت تحكم بما أنزل الله، و تطبق النظام الاقتصادي الإسلامي وفق الأحكام الشرعية فامتلأت خزائن المسلمين بالأموال و حسن التسيير و لم تجد الزكاة مستحقيها في بعض الأحيان، و عم الخير و الرخاء و بارك الله للمسلمين في ثرواتهم و خيراتهم لما طبقوا شرعه فاستغنوا و قوي اقتصادهم، و بعد أن كان خليفة المسلمين أحرص الناس على بيت مالهم يحاسب الولاة و المسؤولين، صارت حالنا اليوم بغياب الخلافة حالا يرثى لها، و أضحت أموالنا و ثرواتنا تنهب و تسرق سواء من الأجانب الكفار الذين يتكالبون على ثروات المسلمين من نفط و غيره من الخامات الحيوية أو من أبناء جلدتنا الذين لا يقفون عند مسؤولياتهم و ينهبون مال الأمة بدون رادع أو زاجر، و أصبحت دول المسلمين و شعوبهم مثالا على الفقر المدقع و الاقتصادات الهشة التابعة لدول الكفر الرأسمالية مصداقا لقوله تعالى: {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }البقرة276. فهل كان فقد المسلمين لثرواتهم وانتزاع البركة من حياتهم حتى صار الكثيرون منهم يموتون جوعا إلا لغياب الإمام الجُنّة الذي يجمع شتات الأمة تحت راية الإسلام؟!!
أيها المسلمون :
إنكم لن تجدوا مقعد عز في الدنيا والآخرة ولن تفوزوا برضا الله تعالى إلا بعملكم مع العاملين لإقامة دين الله في الأرض، وهذه وظيفة المرسلين ودأب الصالحين والصديقين، أمر الله بها رسوله ومن تأسى به من المؤمنين، فكان أمره إياهم على ثقله شرفا عظيما لهم وكيف لا؟ وهم المكلفون بإقامة دين الله العظيم، ليكون الدين كله لله، فيعز به المؤمنون ويذلَّ الكفرة والمنافقون، فلا يغرنكم تقلب الذين كفروا في البلاد، واعملوا لوعد الله فإنه حق، ولا يلفتنكم عن ذلك خوف من الطغاة العملاء، ولا نقيق المنافقين الجبناء، ولا وسوسات الشياطين، ولا دسائس المتآمرين وخذلان المثبطين، فقد قال رسولنا صلى الله عليه و سلم: (مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة).ففروا إلى الله من الميتة الجاهلية واعملوا ليوم توقفون فيه وتُسألون،وتعرضون على الله لا تخفى منكم خافية . فهل أنتم مجيبون؟
قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُول إذا دعاكم لما يحييكم}الأنفال24.
التاريخ الهجري :29 من رجب 1429هـ
التاريخ الميلادي : الأربعاء, 13 آب/أغسطس 2008م
حزب التحرير
الجزائر