بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام والمسلمون هما المستهدفان من مشروع قرار مكافحة الإرهاب
(مترجم)
صدر آخر مشروع قرار للحكومة الاسترالية لمكافحة الإرهاب يوم الثلاثاء الموافق 23 شباط 2010. ويحذر التقرير من أن الإرهاب قد أصبح خاصية دائمة ومميِّزة للمناخ الأمني في أستراليا. ويشير التقرير أيضا إلى أنه بالإضافةً إلى التهديد من 'الحركة الجهادية العالمية‘، فإن أستراليا تواجه أيضاً تهديداً متزايداً من أشخاص أستراليّي المولد والتربية وممن تأثروا بالفكر الجهادي. وقد جاء القرار بعد أسبوع من صدور أحكام جائرة في 'سيدني‘ بحق خمسة مسلمين في تهمٍ متعلقة بالإرهاب.
إن هذه التطورات - وإن كانت غير مفاجِئةً من حيث أنها تمثل استمراراً لنهج الحكومات الغربية في استهداف الإسلام والمسلمين - فإنها لتبعث على القلق نظراً للشدة والجرأة التي تعمل بهما الحكومة الإسترالية في ملاحقة المسلمين. إن ما يدعى 'الحرب على الإرهاب‘ بأكملها، والتي بدأت منذ أكثر من ثماني سنوات، ما هي في الواقع إلا حرب على الاسلام. حربٌ أيديولوجية واقتصادية وسياسية بقدر ما هي عسكرية. ومن المهم أن تُفهم هذه التطورات فهماً أكثر موضوعية وشمولاً.
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» (الأنفال: 36)
يدرك المراقب الواعي أن أهداف الحكومات الغربية في 'مكافحة الإرهاب‘ ليست هي المعلن عنها وإنما هي الآتي:
- زيادة تدخل الحكومات الغربية في العالم الإسلامي وإيجاد ذرائع مسوّغة لذلك.
- لوم المسلمين على هكذا تدخلات بدلاً من توجيه اللوم للحكومات الغربية ذاتها.
- تخويف المسلمين لإرغامهم على التوقف عن محاسبة الحكومات الغربية على سياساتهم الخارجية العدوانية.
- تهميش أفكار وقيم إسلامية أساسية تراها الحكومات الغربية كعقبات في إدارتهم لشؤون العالم وفقاً لمصالحهم التوسعية.
من الواضح أن أهم محرك للأهداف السابقة هو السياسة الخارجية للغرب في العالم الإسلامي، هذه السياسة الوحشية، وغير الإنسانية. سياسة مبنية على الاستغلال الاقتصادي، والقهر السياسي، والغزو الفكري. سياسة تعمل من خلال الحروب، والغزو، والاحتلال، والسلب، والنهب. سياسة تدعم الأنظمة الملكية و الدكتاتورية القمعية، سياسة داعمة بلا حدود للدولة اليهودية غير الشرعية. سياسة فرض الأيديولوجيات والأنظمة الغربية في بلاد المسلمين. إن ما سبق لهُو الإرهاب الحقيقي. إرهابٌ تسبب بقتل الملايين، وتدمير الشعوب، وتدنيس الأعراض، ونهب الثروات، وإفقارٍ لمجتمعات بأكملها. ووفقاً للمحللين الغربيين أنفسهم فإن أمريكا وحدها قد قتلت أكثر من مليون مسلم في السنوات الثلاثين الماضية، والتعداد غير الرسمي أكثر من ذلك بكثير!
إنه لمن الطبيعي أن يكون لمثل هذا القمع الوحشي المستمر تداعيات. حيث لا يعقل أن يقبل أي شعب بظلم بهذه القسوة ولفترة طويلة من دون أن يتحرك. إن ردة فعل المسلمين إلى حد كبير كانت متوقعة حيث رفضت الغالبية التدخل الغربي في شؤونهم بوسائل فكرية وسياسية، بينما اعتمد البعض الآخر الوسائل المادية. لكن الحكومات الغربية لم تُرِد أياًّ من ذلك، واعتبرت سياستها الخارجية الاستغلالية فوق الشبهات، رافضةً أي ردة فعل أو تمرد بأي شكل كان. وعليه فإنها تسعى إلى تحويل اللوم بتضخيم ردات الفعل ليكون الإسلام والمسلمون هم الملامين، وجعلت ردات الفعل هي أصل المشكلة. فكانت هجمات 11 أيلول 2001 هي المشكلة و ليس تدخل الولايات المتحدة في العالم الإسلامي. وكانت تفجيرات لندن عام 2005 هي المشكلة وليس التدخل البريطاني في العالم الإسلامي، وكانت المؤامرات المزعومة لتفجير بعض العواصم الغربية هي المشكلة وليس احتلال العراق وأفغانستان، وكانت المقاومة الفلسطينية هي المستهجنة وليست ما يسمى 'إسرائيل‘، وهلم جرّاً. فعن طريق لوم المسلمين تسعى الحكومات الغربية إلى تبرئة نفسها من كل مسؤولية والاستمرار في سياساتها الخارجية القمعية اللاإنسانية.
وهناك عقبة أخرى أمام هذه السياسة الخارجية الغربية هي الانتقاد المستمر من المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيهم لهكذا سياسات. وللتقليل من تأثير هذه العقبة ظهر هدف آخر هو العمل على إسكات المسلمين من خلال التخويف وبث مشاعر الخوف بينهم فأصبحنا نشهد تسميات مثل 'التطرف‘، و'الأصولية‘، و'الراديكالية الاسلامية‘، وما شابه ذلك لنعت المسلمين ومن ثم عزلهم.
فأصبح الهدف الرئيسي لحملتهم هو مهاجمة الأفكار الإسلامية الإساسية والتي تعطي المسلمين القوة والزخم لتحدي أي فكر دخيل، هذه الأفكار التي تشكل عقبة أساسية في وجه الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي. أفكار مثل وجوب توحيد بلاد المسلمين، ووجوب أن يكون المسلمون تحت قيادة واحدة، والالتزام بتطبيق الشريعة في ظل الخلافة، ووجوب الجهاد لمقاومة الاحتلال، ووجوب محاسبة الحكام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. هذه هي الأفكار التي تمكن المسلمين من مقاومة الهيمنة الغربية في العالم الاسلامي، وإقامة دولة الخلافة ، ومن ثم تحدي الغرب ومنافسته في قيادة العالم. وبالتالي، فإن المسألة الأساسية كانت دائماً حول هذه الأفكار، وذلك بهدف إجبار المسلمين للتخلي عنها. وبما أن الزعماء الغربيين ليس لديهم الجرأة لإعلان أن مشكلتهم هي مع الإسلام نفسه فقد اتخذوا مسألة الإرهاب كسِتار.
ولذلك نرى الآن أن جميع الحكومات الغربية قد تحولّت من التحدث عن الإرهاب ذاته إلى التركيز على 'أيديولوجية الإرهاب‘. حتى أصبح أولئك الذين لا يعتمدون على الأعمال المادية يُنعتون بالتطرف والأصولية ليس لشيء إلا لأنهم يَدعون لتلك الأفكار الإسلامية. وقد تسربت اقتراحات من صنّاع القرار البريطانيين فيما يتعلق بسياسة مكافحة الإرهاب يدعون فيها إلى اعتبار كل من يدعو إلى الخلافة، وتطبيق أحكام الشريعة، وينادي بالجهاد، ويقول بتحريم الإسلام للشذوذ الجنسي، أو يرفض إدانة قتل الجنود البريطانيين في العراق و أفغانستان، هو شخص متطرف. وقد لاحظنا استنتاجات مماثلة في التقارير الواردة من مراكز الأبحاث السياسية في الولايات المتحدة وبريطانيا.
إن مشروع قرار الحكومة الاسترالية المقدم يسير في نفس الاتجاه. إن 'سهولة المناورة والحركة‘ هي جزء من استراتيجيتها المعلنة في استهداف 'التطرف‘ بدلاً من استهداف الإرهاب نفسه. وهكذا 'تطرف‘ بالطبع يدور حول الأفكار وليس الأفعال. وقد نصح معهد السياسة الاستراتيجية الاسترالي الحكومةُ في تقرير نشر في حزيران 2009 أن تركيزها ينبغي أن ينصبّ على 'مكافحة التطرف‘، وبالتالي السير على خطا المملكة المتحدة. وكجزء من هذه الاستراتيجية بدأ العمل على الترويج لـ'الإسلام المعتدل‘ في مواجهة 'الإسلام الأصولي‘، وهي سياسة تهدف إلى تقسيم الإسلام وإضفاء الصبغة العلمانية التي تتماشى مع الرؤى الغربية للعالم الاسلامي.
وهكذا نرى أن مسألة الإرهاب برمتها ما هي إلا ستار من أجل تحقيق أهداف أخرى خفية. واستنتاج كذلك يتضح من التركيز غير المتناسب من الحكومات الغربية على ما يسمى ب 'الإرهاب الإسلامي‘. ولربما نفاجأ لو علمنا أن تقريراً قد صدر مؤخراً عن 'يوروبول‘ يظهر أن 99.6% من الهجمات الإرهابية في السنوات الثلاث الماضية في أوروبا لم ينفذها مسلمون!. وفي الولايات المتحدة تُظهر الاحصاءات أن 94% من الهجمات التي نُفذت كانت من قبل غير المسلمين. لكن رغم هذه الحقائق فإن الجهود الغربية لا تكِلُّ لإظهار كما لو أن 'الإرهاب الإسلامي‘ هو أكبر تهديد للعالم الغربي.
في واقع الأمر إن تهديد 'الإرهاب‘، إحصائياً، لا يكاد يُذكر. حيث تشير الدراسات إلى أن الوفيات الناجمة عن حوادث سيارات الدفع الرباعي في الولايات المتحدة هي أكثر من جميع الهجمات الإرهابية مجتمعة. واحتمال غرق شخص في مغطس حمام منزله في أستراليا هو أكبر من احتمال موته بسبب 'عمل إرهابي‘، فلم يمت أحد بسبب 'عمل إرهابي‘ منذ 11 أيلول 2001 حتى الآن في أستراليا، فحتى عندما نشمل الذين قتلوا في الخارج فإن الإحصاءات تشير إلى أن احتمال وفاة مواطن استرالي في حادث على طريق سريع هو أكبر ب 470 مرة من احتمال وفاته بسبب هجوم ارهابي! ومع أن العديد من الطرق الرئيسية في أستراليا لا تزال في حالة مزرية، تواصل الحكومة إنفاق المليارات على 'مكافحة الإرهاب‘.
وما يعزز هذا التحليل أن الحكومات الغربية تركز على أعراض الإرهاب بدلاً من أسبابه الجذرية، وترفض الاعتراف بالدور المركزي للسياسة الخارجية في خلق المآسي التي التي يشعر بها المسلمون وغيرهم. تلك المآسي لا يتم الاعتراف بها كما يجب، وإنما تُتجاهل على أنها 'مآسي وهمية‘ كما هو الحال في مشروع القرار الحالي. إذا كانت الحكومات الغربية جادة فيما يتعلق بأمنها القومي لتعاملت مع الأسباب الجذرية للإرهاب من باب أولى.
وأكثر من ذلك فإن قوانين 'مكافحة الإرهاب‘ التي تم تشريعها حديثاً في الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا، قد تم تعديلها لتصبح أكثر اتساعاً وشمولاً. وليس ذلك لأي حاجة ملحة لوقف الهجمات الإرهابية حيث لم يحدث أيٌ منها في أستراليا، ولكن ما حدث هو لتسهيل عزل المسلمين هنا وجعل ذلك عبرة لغيرهم من المسلمين. هذا هو بالضبط جوهر قضية إخواننا المسلمين الخمسة الذين حوكموا منذ أسبوعين وأدينوا بالتخطيط لعمل إرهابيّ من غير أي دليل مباشر، ولا نية مثبتة للقتل، ولا هدف محدد. كل ما هنالك هو أدلة ظرفية جُمعت مع بعضها بطريقة معينة كوصف القاضي لها بأنها وجهات نظر 'متطرفة‘ يحملها المتهمون مع أن كثيراً من هذه المبادئ ما هي إلاّ مبادئ إسلامية أساسية!
أيها المسلمون!
لقد أعزّنا الله بالإسلام، وحريُّ بنا أن ندافع عن ديننا بكل ما أوتينا من قوة كما فعل الرسول عليه الصلاة والسلام والسلف الصالح من قبلنا.
يجب ألا ينطلي علينا ما تحاوله الحكومة والناعقون في وسائل الإعلام الترويجَ له، وأن نرفض أي محاولة لتحويل اللوم ليكون على المسلمين وحدهم، وأن نعي أن الحكومات الغربية هم الإرهابيون الحقيقيون. فالمقاومة لن تتوقف ما دام هناك إرهابٌ يمارس من الدول كما هو الحال اليوم في العالم الإسلامي وغير الإسلامي.
ويجب علينا أيضا أن نرفض ما يحاول الترويج له من 'الإسلام المعتدل‘ وأن نأخذ الإسلام كما هو من دون أي نعوتات أو تحوير. ويجب أيضاً أن نتمسك بالقيم والأفكار الإسلامية الأساسية المُحاوَل تمييعها. وأن نعي أن الحل الوحيد للعالم الإسلامي هو بتطبيق الإسلام الشريعة الإسلامية وحدهما في أراضي المسلمين، وأن الدفاع عن أراضي المسلمين المحتلة هو واجب على كل مسلم، وأن 'إسرائيل‘ على وجه الخصوص هي دولة غير شرعية لأنها قائمة على احتلال أرض المسلمين. باختصار يجب أن نتمسك جميعا بالإسلام ككل دون أي تنازل.
أخيراً، وليس آخراً، لا يمكننا أن نقبل بأن تكون جلُّ أفعالنا هي ردات فِعل على ما يُفعل بنا، ويجب أن نتحرك بما يقدمه الإسلام لنا من حلول وذلك بإقامة دولة الخلافة في بلاد المسلمين، ومن ثم نشر هذا الحق والنور للعالم أجمع. إن هذا هو واجب فرضه الله سبحانه وتعالى علينا، يجب علينا جميعاً أن نساهم في تحقيقه.
«وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ» (يوسف: 21)
التاريخ الهجري :19 من ربيع الاول 1431هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 05 آذار/مارس 2010م
حزب التحرير
أستراليا