بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجب على المسلمين دعم النزاع "المحرّم" في سوريا؟
(مترجم)
لقد مرت ثلاث سنواتٍ كاملةً منذ ووجهت الدعوة السلمية والقوية ضدّ نظام بشّار الأسد بردّ فعلٍ عنيفٍ وقاسٍ من النظام. والآن، بدأت الحكومة البريطانية بتجريم أولئك الذين يعارضون نظام بشّار. فهل تغيّر شيء؟ وهل صاروا الآن يؤيدون بشّار؟!
في الحقيقة لم يتغير موقف دول العالم بما فيها بريطانيا؛ فمنذ البداية لم يصنعوا شيئاً للتعجيل في إبعاد بشّار. فالسياسيون أمثال هيلاري كلينتون ووليام هيغ كانوا متحفظين في نقدهم، فقد وصفوا بشار منذ البداية بأنّه إصلاحي، وأعطوه بالتالي المهل المتتالية للإصلاح، وعندما تصاعدت جرائمه البشعة، اقترحوا فقط بأنّه يجب أنْ يتنحّى. وتعثرت بعد ذلك مهمة كل من الأخضر الإبراهيمي وكوفي عنان، وبقي الجميع شبه صامتين تجاه استعمال بشّار للأسلحة الكيميائية.
والحقيقة أن هذه الدول تخاف من فقدان السيطرة على منطقة ظلّت تحت نفوذهم منذ عقد اتفاقية سايكس بيكو أثناء الحرب العالمية الأولى - وهي منطقة مهمة استراتيجيّاً لقُربِها من العراق وتركيا والاحتلال الصهيوني لفلسطين.
وظلّوا طوال هذا الوقت يبحثون عن معارضة عميلة تكون بديلاً لعميلهم بشّار، تضمن مصالحهم، وتحظى بمصداقيةٍ لدى الناس، كما ضمن بشار مصالحهم، ورغم ذلك فإن كلّ خططهم ومؤامراتهم في جنيف وقطر وفي أماكن أخرى فشلت في تشكيل معارضةٍ تتوفر فيها هذه المواصفات.
هذا الموقف السلبيّ الذي اتخذه الغرب تجاه القتل الجماعي الذي مارسه النظام كان يعني وجوب توكّل المسلمين في سوريا على الله وحده - وقد أصبحوا يشكّون تماماً في أيّ سياسيين مرتبطين بالغرب وفي تحركاتهم السياسية، بل منذ الأيام الأولى رفعت مظاهراتهم شعارات إسلامية، كما أن كتائبهم المقاتلة حملت أسماء إسلامية، وحتى أهدافهم المُعلَنة لسوريا المستقبل كانت إسلاميةً صريحة.
رغم ذلك، صار معارضو بشّار يوصفون مؤخراً "بالمتطرفين" و"الإسلاميين"، وتجري المبالغة في وصف أخطائهم التي لا تقارن بجرائم النظام. وبدأوا الآن في بريطانيا يعتقلون المسلمين الذي سافروا إلى سوريا بقصد تقديم المساعدة للناس بشبهة "الإرهاب"، وحتى المنظمات الخيرية الإسلامية خضعت للتحقيق بسبب إرسال الصدقات إلى سوريا.
هذا التجريم للإسلام ومهاجمة المعارضة يحمل رسالتين: رسالة إلى المسلمين في سوريا بأن يحنوا رؤوسهم للمصالح الغربية أو أن يشقَوْا تحت حكم بشّار... ورسالة إلى المسلمين في بريطانيا بأنه يجب أن يكون اهتمامهم بمصالح السياسة الخارجية البريطانية أكثر من اهتمامهم بالأمة (الإسلامية) في سوريا.
أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في الإسلام! يجب على جاليتنا أن تتّخذ الموقف الصحيح في دعم المسلمين في سوريا!
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
1. كوننا جزءاً من هذه "الأمّة الخيّرة" يعني بأن الله أكرمنا وفرض علينا الاهتمام بما يحدث لإخوتنا وأخواتنا في سوريا؛ لذا يجب أن نستمر في دعمهم من خلال دعائنا وصدقاتنا وأصواتنا.
فرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَخُونُهُ وَلَا يَكْذِبُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ». أخرجه الترمذي.
لذا لا يجوز أن نخذل تلك العائلات في المملكة المتحدة التي تعاقَب لدعمِها المسلمين في سوريا - سواء أكانوا أفراداً أم منظمات خيرية. وإذا كان هناك بعض الناس في الجالية يعتبرون أنّ من غير الحكمة للمسلمين في بريطانيا الذهاب إلى سوريا، أو بأنّه من الأفضل أن تعطى مساعدتهم بطرق أخرى؛ فلا يجوز أبداً أنْ نُدينَ أولئك الذين يذهبون هناك بدافعٍ إسلامي بوصفهم "مجرمين" أو "إرهابيين".
فهم يوصفون "بالمتطرفين" - كما توصف النساء المسلمات اللواتي يَلْبسنَ النقاب "بالمتطرفات"، أَو كما يوصف الرجال والنساء المسلمون الذين يجلسون منفصلين عن بعض في النشاطات العامّة. فكُلّ هذا جزء من "سياسة المنع"؛ وهي سياسة تهدف إلى إدخال المعتقدات العلمانية والقيم الليبرالية ومفهوم الرأسمالية للدول الوطنية في "ديننا" بالإكراه.
2. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ يعني أن نكون صريحين في قول ما نراه حقا وضد ما نراه خطأً، حتى لو كرهت وزارة الداخلية ووزارة الخارجية ما نقول، واستعملتا الأكاذيبَ والافتراءات والإرهاب لِمُحاولة إسكاتنا عن قول الحقّ.
لذا، يجب أن نسأل السياسيين: ما الفائدة من تجريم الإسلام والمسلمين؟ هل تبذل حكومة جادّة جهودَها في مطاردة أناس لم يوقِعوا أيّ أذى للناس في بريطانيا، أو تقوم بدلاً من ذلك بالقبض على اللصوص والمغتصبين؟ هل تعتبر حكومة جادّة تلك التي تلاحق منظمات خيرية إسلامية تعطي الصدقات لضحايا بشّار، أو تُطهّرُ بدلاً من ذلك عالم الفساد المالي الذي حطّم الاقتصاد العالمي تقريباً؟
كما يجب أن نعارض ونفضح صراحة الألاعيب الإقليمية الحالية التي تقوم بها الدول الكبرى التي تتدخّل في المنطقة، بخاصة جهودهم لتشكيل معارضة تشارك في قمّة جنيف على سبيل المثال. فأولئك الذين أوجدوا المشاكل البنيوية في المنطقة ليسوا أهلاً لحلّها.
علاوة على ذلك، يجب أن ندعم صراحة رغبات المسلمين في سوريا في تغيير الظلم الحالي إلى نظام إسلامي؛ وذلك بمواجهة الدعاية التي تفتري بأنّ مثل هذا النظام الإسلامي سيزيد من سوء الطائفية التي أطلق بشار لها العنان أو أنه سيضطهد الأقلّيات. والحقيقة هي أن النظام الإسلامي - أي الخلافة - هي وحدها التي وحدت كلّ الناس في المنطقة لقرون طويلة - قبل تجزئتهم من قبل سايكس بيكو وبلفور، بالإضافة إلى خطط إقليمية أخرى صاغتها الدول الكبرى. وفي ظلّ هذا النظام الإسلامي تمت حماية تلك الجاليات النصرانية واليهودية واستمر وجودها في بلاد الشام.
3. وأهم من ذلك كلّه أنه يجب أن نثق بالله وأن نتوكّل عليه وحده، ذاكرين دوماً قوله سبحانه وتعالى:
﴿إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾
التاريخ الهجري :13 من جمادى الأولى 1435هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 14 آذار/مارس 2014م
حزب التحرير
بريطانيا