الجمعة، 20 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ما هي العبر التي نتعلمها من محمد الفاتح؟

 

 

إن في تاريخ الأمم أياماً مضيئة هي موضع فخر لتلك الأمم فكيف إذا كانت تلك الأيام موقع تحقق بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ إنها لا شك تكون نجوماً تشع في السماء بل شموساً تضيء الدنيا وترفع الأمة إلى عنان السماء... ومن هذه الأيام أيامنا الغراء هذه، أيام ذكرى فتح القسطنطينية.

 

سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي المدينتين تفتح أولا فقال: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ» (رواه أحمد). كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَتُفْتَحَنَّ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ فَلَنِعْمَ الْأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ» (رواه أحمد).

 

كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه نقلت من جيل إلى جيل عبر تاريخ الأمة فأشعلت همم قادة وعلماء ومجاهدي الأمة من أجل استحقاق مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. تحققت بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم 20 جمادى الأولى سنة 857هـ على يدي محمد بن مراد وعمره 23 سنة، ففتح القسطنطينية ولقبه المسلمون بالفاتح واستحق بذلك مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان الفاتح محمد نعم القائد، فغير اسم المدينة إلى "إسلام بول" أي مدينة الإسلام، وأعطى سكان المدينة النصارى الأمان، وحرص على إعمارها أفضل مما كانت عليه. فأشرف على تطوير نظام صرف المياه، وحرص على توفير الماء الصالح للاستهلاك لسكان المدينة. كما وفر للسكان الوسائل لضمان حاجتهم للأكل. ثم قام بحملة لبناء المساجد ودور العلم، والتي ما تزال قائمة إلى يومنا هذا. لم يكتف الفاتح محمد بكل هذه الإنجازات بل جعل المدينة عاصمة لحكمه.

 

أظهر الفاتح محمد براعة فريدة من نوعها في التخطيط لفتح القسطنطينية. فقد أحكم التعامل مع الشتاء القاسي، ومع علاج دفاعات المدينة التي أحبطت المحاولات السابقة لاقتحامها. كما قام بأعمال لوجستية بارعة في مدة زمنية قصيرة لمباغتة العدو. إن فتح القسطنطينية يحمل في طياته عبراً يجدر بالأمة وأصحاب الهمم الاستفادة منها.

 

أولا، مرت أكثر من 800 سنة بعد بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يوفق المسلمون في فتح المدينة. في خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة شهد المسلمون نهاية الخلافة الراشدة، ثم زوال الخلافة الأموية، ثم ضعف الخلفاء العباسيين. ثم قاتل المسلمون الحملات الصليبية، فانتزع الصليبيون منهم مدينة القدس، ثم أعاد المسلمون فتحها، ثم عانوا الويلات من هجمات المغول حتى هزموهم. فبعد مرور 8 قرون على بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ورغم فشل المحاولات المتتالية لفتح المدينة بقي المسلمون متعلقين بكلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبقي اليقين يملأ قلوبهم. يقين بأن بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستتحقق، وأن عاصمة البيزنطيين ستفتح.

 

إن المسلمين لا يتعاملون مع بشارات رسول الله على أنها أحلام مستحيلة، أو أنها أخبار عن غيبيات بعيدة في المستقبل. بل يرى المسلمون أن بشارات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تضع لهم أهدافاً واقعية يجدر بهم الاجتهاد لتحقيقها. فعلا، لقد أنشأ مراد والد الفاتح محمد ابنه على غاية فتح القسطنطينية، وغرس فيه الحماسة لتحقيق بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كما حرص على أن يوفر له تعلم المعارف الدينية على يد الشيخ شمس الدين الذي ظل يشجع الفاتح محمد على فتح المدينة.

 

أليس حرياً بجيلنا هذا أن يتحلى بالثقة بوعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي بشر بعودة الخلافة على منهاج النبوة كما وعد بفتح القسطنطينية: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» (رواه أحمد)؟

 

أما العبرة الثانية فإن المسلمين لا ينظرون إلى بشارات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنها لا تحث على الاجتهاد لإيجادها على أرض الواقع. بل إن هذه البشارات تحفزهم على العمل الجاد والدؤوب كما يبدو جليا من موقف الفاتح محمد من فتح القسطنطينية. فلقد عالج كل الموانع التي تقف في وجه فتح المدينة، فبنى قلعة ليحتمي فيها جيشه من قساوة الشتاء، واستعمل أبرع المهندسين لصناعة مدافع تقدر على دك أسوار المدينة المنيعة، ونقل سفنه على اليابسة لمباغتة العدو من الجهة التي كان يظن أنها حصينة. بل هذه الأعمال تدل على أن الفاتح محمد لم يقصر في جهده آملا أن بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستتحقق دون الأخذ بأسباب النصر. بل نراه اتخذ كل أساليب ووسائل النصر لتتحقق فيه وفي جيشه بشرى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فحري بنا، مسلمي هذا الزمان، أن نقتدي بفعل الفاتح محمد ونحشد هممنا للعمل من أجل عودة الخلافة بعد 100 سنة من إلغائها، وألا نتواكل ونتقاعس عن هذا الواجب العظيم مبررين هذا السكون بانتظارنا للمهدي المنتظر.

 

يجب على المسلمين اليوم أن يستنبطوا من سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخطوات التي سار عليها لإيجاد سلطان الإسلام في المدينة المنورة. فقد كوَّن مجموعة من القادة الذين خاض معهم الصراع مع المجتمع الفاسد في مكة، واستعان بهم على حمل الرسالة إلى عامة الناس وشيوخ القبائل خاصة إلى أن استجاب له الأوس والخزرج. هذه سبيل رسول الله وفيها الأجر العظيم، علاوة على أنها واجب كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» (رواه مسلم).

 

إنه لا يصح أن نستسلم لليأس والتواكل ونمكنهما من تثبيط عزائمنا. بل الأولى أن نسارع إلى رحمة الله حيث يقول العلي القدير: ﴿سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾.

 

يا الله، إنا نسألك التوفيق لأن نكون من عبادك الذين تتحقق بهم بشرى رسولك بعودة الخلافة على منهاج النبوة. آمين.

 

 

التاريخ الهجري :22 من جمادى الأولى 1441هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 17 كانون الثاني/يناير 2020م

حزب التحرير
كندا

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع