بسم الله الرحمن الرحيم
عربدة أمريكا تتحمل وزرها الدول العربية
أصدر مجلس الأمن في 12/11/1997 قراره: بإدانة انتهاك العراق التزاماته التي تفرض التعاون غير المشروط مع لجنة أسلحة الدمار الشامل، وبفرض حظر على سفر مسؤولين عراقيين.
وعلى إثر صدور هذا القرار من مجلس الأمن، بادرت القيادة العراقية باتخاذ قرار بطرد الخبراء الأمريكيين من العراق فوراً.
وكانت الولايات المتحدة تريد أن يكون قرار مجلس الأمن ينص على وصف المواقف العراقية بأنها (انتهاك مادي) للقرار رقم 687 الخاص بشروط وقف إطلاق النار في حرب الخليج الثانية، مما يعني الصلاحية الدولية للقيام بعمليات عسكرية تتيح لأمريكا أن تقوم بأعمال عسكرية ضد العراق إذا رفض الانصياع لقرارات مجلس الأمن.
إلا أن روسيا والصين وفرنسا، الدول التي تتمتع بحق النقض في مجلس الأمن، رفضت أن يكون قرار مجلس الأمن مشتملا على وصف المواقف العراقية بأنها (انتهاك مادي)، وهذه الدول الثلاث تتحفظ على قيام أمريكا بأية عمليات عسكرية ضد العراق، وتعمل على رفع الحصار عنه.
وكان كلينتون ووزيرة الخارجية الأمريكية ووزير الدفاع الأمريكي قد هددوا بالقيام بأعمال عسكرية ضد العراق إذا لم يرجع عن قراره برفض التعامل مع خبراء التفتيش الأمريكيين، وعن إنذاره بطردهم من بغداد، وعن إنذاره بضرب طائرات التجسس الأمريكية (يو2) إذا استمرت في التحليق في سماء منطقتي الحظر الشمالية والجنوبية.
كما تعهد كلينتون بأن يجبر صدام على الامتثال الكامل لقرارات الأمم المتحدة، وقد أكد الحزبان الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي على كلينتون أن يقوم بعمل عسكري ضد العراق حتى من دون قرار لمجلس الأمن.
وعلى إثر إصدار القيادة العراقية قرارا بطرد المفتشين الأمريكيين في اللجنة فورا من العراق اجتمع كلينتون بمستشاريه لدراسة ما ينبغي أن تقوم به الولايات المتحدة، كما وضعت جميع قواتها البرية والجوية والبحرية الموجودة في منطقة الخليج وفي تركيا في حالة تأهب تام.
وهناك احتمال كبير بأن تقوم أمريكا بعمل عسكري ضد العراق رغم عدم صدور قرار من مجلس الأمن يتيح لها ذلك ورغم معارضة كل من روسيا والصين وفرنسا ومصر وكثير من الدول العربية لأي عمل عسكري تقوم به أمريكا ضد العراق.
غير أن بريطانيا أعلنت أنها ستشارك أمريكا في أي عمل عسكري ستقوم به ضد العراق. وذلك حتى تُبقي على وجودها في الخليج، حتى تطمئن عملاءها حكام الخليج بأنها لن تتخلى عنهم وأنها لن تتخلى عن منطقة الخليج لأمريكا.
إن فصول هذه المسرحية قد بدأت أمريكا بإظهارها بعد قيام طائرات إيرانية بالإغارة على قواعد مجاهدي خلق الإيرانية الموجودة في العراق مما دفع بغداد إلى تهديد إيران بالرد عليها والانتقام منها. وعلى إثر ذلك اتخذت وزارة الدفاع الأمريكية قرارا بتوجه حاملة الطائرات (نيمتز) الأمريكية إلى منطقة الخليج قبل الموعد الذي كان مقررا أن تتحرك فيه، بحجة أن هذا التحرك هو إشارة لبغداد وطهران بأن أمريكا عازمة على فرض منطقتي الحظر الجوي لشمال العراق وجنوبه بالقوة، إلا أن القضية هي أكبر من ذلك بكثير.
فأمريكا رغم وجودها العسكري الكثيف في منطقة الخليج بعد حرب الخليج الثانية، فإنها لم تتمكن من كسب ولاء حكام دول الخليج الخمسة، إذ بقي ولاؤهم للإنجليز رغم مسايرتهم لأمريكا، لذلك أرادت أن تقوم بهذه المسرحية لتظهر بشكل مضخم خطورة صدام عليهم، وأنه يستهدف غزو السعودية والكويت وبقية دول الخليج، وأنه لا يوجد من يقدر على حمايتهم من صدام إلا أمريكا، حتى يسلموا لها القيادة، ويعطوها الولاء، ويطلبوا منها تكثيف وجودها العسكري في منطقة الخليج لحمايتهم.
ثم أوعزت أمريكا لـ(ريتشار بتلر) الرئيس التنفيذي للجنة الخاصة المكلفة نزع الأسلحة العراقية المحظورة بإلغاء الاتفاق الذي تم بين العراق وبين (رالف أكيوس) الرئيس السابق للجنة في شأن منع تفتيش الأماكن الحساسة في العراق، ذات العلاقة بالمواقع الرئاسية والسيادية، والعودة إلى ترتيبات تفتيش مفتوحة.
كما أخذت أمريكا بالضغط على مجلس الأمن لفرض عقوبات جديدة على العراق فتقدمت مع بريطانيا وسبع دول أخرى بمشروع قرار لمجلس الأمن لفرض عقوبات إضافية على العراق، فاتخذ مجلس الأمن قرارا هدد فيه العراق بعقوبات في أي وقت تُعَرقَلُ فيه مهمات خبراء التفتيش.
وعلى إثر هذا القرار اتخذت القيادة العراقية، بتوصية من المجلس الوطني العراقي، قرارا برفض التعاون مع خبراء التفتيش الأمريكيين مع بقاء التعاون مع اللجنة الخاصة، والطلب من هذه اللجنة بأن تسحب غطاءها عن طائرة التجسس الأمريكية (يو2).
والذي حفز العراق على اتخاذ هذا القرار، والتصدي لتحدي الولايات المتحدة، هو وصول القناعة عند القيادة العراقية إلى أن أمريكا سوف لا ترفع الحصار عن العراق، ولو وفّى بجميع الالتزامات، وقد عبّر عن هذه القناعة طارق عزيز في مؤتمر صحفي عقده في بغداد في 7/11 قال فيه: (إن اللجنة الخاصة تستخدم كأداة وكتغطية من قبل الولايات المتحدة للإبقاء على العقوبات المفروضة على العراق منذ سنة 1990م، ولدينا القناعة بأن ما يجري هو لعبة لا نهاية لها يمكن أن تدوم ربما لعقود) هذا فضلاً عن رؤية أن الحلف الذي كان بين أمريكا وحلفائها أيام حرب الخليج الثانية قد تفسخ، وأصبحت روسيا والصين وفرنسا، وبعض حلفاء أمريكا من الدول العربية يتحفظون على ما تقوم به أمريكا ضد العراق من إدامة للحصار، ومن القيام بأي عمل عسكري ضده.
وقد أخذ كل من العراق وأمريكا في تصعيد مواقفه، فمنع العراق الخبراء الأمريكيين من المشاركة في عمليات التفتيش مع اللجنة الخاصة، وقامت أمريكا بوضع جميع قواتها البرية والجوية والبحرية الموجودة في الخليج وفي تركيا في حالة استنفار وتأهب، كما أخذت أمريكا تضغط على مجلس الأمن ليتخذ قرارا بإدانة العراق، واعتبار ما تقوم به من منع الخبراء الأمريكيين، ومن التهديد لطائرات التجسس الأمريكية (انتهاكاً مادياً) لتطلق يدها في القيام بعمل عسكري، فقام الأمين العام بإرسال بعثة سياسية إلى العراق كمحاولة لإقناع العراق بالرجوع عن قراراته وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة دون قيد أو شرط كما أرسلت بغداد طارق عزيز ليشرح للأمين العام والأمم المتحدة وجهة النظر العراقية، فأخفقت البعثة السياسية في مهمتها، كما أخفق طارق عزيز في مهمته، وعند ذلك أصدر مجلس الأمن قراره باتخاذ عقوبات إضافية ضد العراق.
إن هذه العربدة الأمريكية، والطغيان الأمريكي لا يطال صدام، فصدام في مأمن في مخابئه الكثيرة، ولديه كل ما يحتاج إليه من أطايب الطعام وفاخر الثياب، وفاره السيارات، وإنما تطال العراق البلد المسلم، وأهل العراق المسلمين، بل هي تطال أهل المنطقة جميعهم، كما تطال المسلمين جميعا، والبلاد الإسلامية جميعها. وهي في حد ذاتها إذلال للمسلمين جميعاً، وتحقير لهم، واستصغار لشأنهم، وأمريكا تدرك أن جماهير المسلمين في العالم الإسلامي ليس لهم أي أثر في القرار السياسي في العالم الإسلامي كله ومنه العالم العربي، لأن هذه الجماهير تعيش في سجن كبير من تسلط الحكام عليهم، والقرار السياسي محصور في الحكام العملاء، وقراراتُهم السياسية هي تنفيذ لأوامر أمريكا، أو أوامر الدول التي هم عملاء لها.
وإن هؤلاء الحكام في البلاد الإسلامية ومنها العربية لو كان عندهم ذرة من إحساس بالكرامة لما تركوا لأمريكا، ولا لغيرها من دول الكفر والاستعمار أن يذلوهم هذا الإذلال، وأن يستهينوا بهم وبشعوبهم هذه الاستهانة، وأن يحتقروهم هذا الاحتقار، ولهبوا في وجه أمريكا وفي وجه غيرها من الدول الطامعة في ثرواتهم وخيراتهم، ولهددوا مصالح أمريكا الحيوية ومصالح غيرها من الدول الطامعة في منطقة العالم الإسلامي، ولو أن أمريكا تتأكد أن هؤلاء الحكام في العالم الإسلامي سيهددون مصالحها الحيوية لما تجرأت على أن تعاملهم هذه المعاملة، ولما أذلتهم هذا الإذلال، ولما وقفت مع دولة اليهود، ولفسحت لهم الطريق ليقضوا عليها، ويستأصلوها من شأفتها، فأمريكا عندما ترى أن مصالحها الحيوية ستهدد فإنها تتقهقر وتتراجع وتقلع عن غيّها وصلفها. وما تراجعها عن تهديد شركة (توتال) الفرنسية بعد أن وظفت ملياري دولار في صناعة الغاز في إيران، وخرقت قانون (داماتو) الأمريكي الذي يفرض عقوبات على الشركات التي توقع عقودا كبيرة تزيد عن أربعين مليون دولار مع إيران أو ليبيا في مشاريع الغاز والنفط، وعن تهديد شركة (شِلْ) الإنجليزية الهولندية التي تريد أن تستثمر مبلغ عشرة مليارات في مشاريع الغاز في إيران، لهو أكبر دليل على أن تهديد مصالح أمريكا كفيل بأن يوقفها عند حدها ويرجعها عن عربدتها وطغيانها. وأن أمريكا لها مصالح حيوية ضخمة في منطقة العالم الإسلامي، خاصة في منطقة العالم العربي، وتهديد مصالحها هذه تهديدا حقيقياً كفيل بتأديبها وإيقافها عند حدها. لكن أنى لهؤلاء الحكام في العالم الإسلامي، ومنه العربي، العملاء لأمريكا أو لغيرها من الدول الغربية، الخونة لشعوبهم، العبيد لأعدائهم، أنى لهم أن يتصدوا لأمريكا، ولتهديدها في مصالحها الحيوية، ولإنهاء هيمنتها في بلادهم.
لذلك فإن هؤلاء الحكام يتحملون وزر عربدة أمريكا، ووزر الإتيان بها للعالم الإسلامي، ووزر بقاء هيمنتها عليه، ووزر استئثارها بثروات بلادهم، لأنهم هم الذين سهلوا لها القيام بكل ذلك، فتحملوا الوزر، واستحقوا العزل.
إن الأمة الإسلامية بما حباها الله من ثروات ضخمة ومن رجال، ومن بلاد ذات موقع استراتيجي قادرة على أن تهدد مصالح أمريكا الحيوية تهديدا حقيقيا، وعلى تصفية تلك المصالح من البلاد الإسلامية كلها.
وإن استخذاء هؤلاء الحكام العملاء أمام أمريكا، وغيرها من الدول الغربية، لا يُعفي المسلمين في العالم الإسلامي بما فيه العالم العربي من القيام بإنهاء المصالح الأمريكية والغربية من البلاد الإسلامية جميعاً. وهم يتحملون وزر السكوت على هؤلاء الحكام الخونة الذين أذلوهم، والذين استخذَوْا أمام أعدائهم، ووزر سكوتهم على بقاء المصالح الأمريكية والغربية في بلاد المسلمين، وعلى استمرار الهيمنة الأمريكية والغربية على بلادهم، وعلى بقاء دولة اليهود.
وحتى يرفعوا عنهم هذا الإثم فلا بدّ من أن يعملوا جادين لإقامة كيان مخلص في المنطقة يقوم على عقيدتهم الإسلامية، ويتبنى تطبيق الأحكام الشرعية، أي أن يقيموا دولة الخلافة وأن ينصبوا خليفة يبايعونه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله ليطبق عليهم أحكام الإسلام، وليوحد العالم الإسلامي في دولة الخلافة، وليعمل على إنهاء جميع المصالح الأمريكية والغربية من بلاد المسلمين، وإنهاء أية هيمنة أو سيطرة لهم عليها، وأن يعلن الجهاد على دولة اليهود ليستأصل شأفتها، ولحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى العالم أجمع.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾
التاريخ الهجري :14 من رجب 1418هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 14 تشرين الثاني/نوفمبر 1997م
حزب التحرير