بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب حزب التحرير / إندونيسيا إلى العلماء الأفاضل في المؤتمر الختامي للقاء شوال للعلماء والزعماء المنعقد في إندونيسيا يومي السبت والأحد 6 - 7 أيلول/سبتمبر 2014م
إلى الإخوة العلماء الأفاضل الأحباء:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يقول سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: 28]. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء» أخرجه أبو داود والترمذي عن طريق أبي الدرداء رضي الله عنه. لهذه المكانة العظيمة التي كرم الله بها العلماء الأتقياء الأنقياء قررنا مخاطبتكم، رجاء أن نكون وإياكم من أولئك الصادعين بالحق الذين لا يخشون في الله لومة لائم.
الإخوة العلماء الأفاضل:
إن العلماء ورثة الأنبياء في علمهم، وإيمانهم، وأعمالهم، ومواقفهم. ولكن أين هم العلماء في هذا العصر؟ أين هم ورثة الأنبياء؟ الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، ولكن ورثوا هذا العلم الشرعي وأعمالهم ومواقفهم الصلبة. إن عظماء علماء المسلمين بالأمس لم يشتهروا ويُعرفوا إلى يومنا هذا فقط لغزارة علمهم وسعة فقههم، فالعلماء والفقهاء في زمنهم كانوا كثراً. ولكن عظماء علماء المسلمين بالأمس اشتُهروا وعُرفوا إلى يومنا هذا بمواقفهم وتصديهم للقضايا المصيرية التي واجهتهم في زمانهم.
فعبد الله بن عباس تصدى للخوارج، وسعيد بن جبير تصدى للحجاج، وسفيان الثوري لم يمَس كتاب هارون الرشيد بيده لأنه أتى من ظالم، بل أمر أحد أصحابِه أن يقْلِبَ الكتاب ويكتبَ على ظهره: «إلى هارون - وليس أمير المؤمنين - ثم يقول ما خلاصتُه: إنك أقررت على نفسك أنك تتصرف بأموال المسلمين على هواك، فأنت ظالم، وسأشهد عليك». وأبو حنيفة لم يكن راضياً عن سياسة المنصور بشكل عام. وقد قالت له أمه يوما وهو بالسجن: «يا نعمان، إن علما ما أفادك غير الضرب والحبس لحقيق بك أن تنفر عنه. فأجابها: يا أمه، لو أردت الدنيا لوصلت إليها، ولكني أردت أن يعلم اللهُ تعالى أني صنت العلم ولم أعرّض نفسي فيه للهلكة»، وأحمد بن حنبل تصدى لمسألة خلق القرآن، والعز بن عبد السلام باع المماليك، وابن تيمية قاتل التتار...
هذه من مواقف عظماء علماء المسلمين بالأمس، فأين عظماء علماء المسلمين اليوم؟ أين أنتم من قضايا الأمة المعاصرة؟ أين أنتم من قول الغزالي: "فساد الرعايا بفساد الملوك، وفساد الملوك بفساد العلماء"؟ أين أنتم من قوله تعالى: ﴿لتبينُنّه للناس ولا تكتمونَه﴾؟ لماذا ترضَوْن بأن تكونوا مطية وأعوانا وأدوات للحكام والخونة؟ ما فائدةُ وجودِكم وما فائدة علمِكم إن لم تنصروا الحق، وتمنعوا الباطل، وتأمروا بالمعروف، وتنهوا عن المنكر، وتحاسبوا الحكام؟!
إخوتنا العلماء الأفاضل:
إن العمل لتطبيق الأحكام الشرعية وإقامة الخلافة في الأرض من أعظم واجبات الدين، وهو معلوم من الدين بالضرورة، ولا خلاف فيه بين العلماء قاطبة، ولذلك قال الغزالي: (الملك والدين توأمان فالدين أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع). وعليه، فالعمل لإقامة الخلافة ليس فرضا على حزب التحرير وحده، بل هو فرض على المسلمين كلهم، بمن فيه علماؤهم. وكل من قصر فيه وقعد عنه أثم.
إن الخلافة، أيها العلماء الأفاضل فرض، وهي وعد ربكم، وبشرى نبيكم صلى الله عليه وسلم حيث قال سبحانه: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. وقال صلى الله عليه وسلم : «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ» [رواه أحمد عن حذيفة].
وخاتمة الختام، أيها العلماء الأفاضل:
إننا لم نرسل إليكم خطابنا هذا إلاّ طمعاً في ثلاثة:
أولها: أن تكونوا للناس مُبصِّرين وناصحين، فتبصرونهم بخطر السكوت على النظام الفاسد والمفسد وهو النظام العلماني الرأسمالي، لكيلا يقع الناس في غضب من الله عظيم.
ثانيها: أن تكونوا للناس مُبصِّرين وناصحين، فتبصرونهم بالنظام المنزل من رب العالمين، وهو الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهي الحل الوحيد الناجع الصحيح لبلادنا.
ثالثها: أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُ لِنَفْسِهِ»، ولأننا نحب الخير لكم، فنحن نحب أن تشاركونا هذا الفضل العظيم، بالعمل لإقامة دولة الخلافة، لأن هذا الواقع الأليم إنما هو ثمرة غيابها، فَمَنْ أوْلى من العلماء بأداء هذا الفرض العظيم؟ إن العالم التقي النقي هو أحقُّ بهذا الأمر وأهله، وموقعه أن يكون في الصفوف الأولى في كل مواقع الخير، ولذلك فإننا نقول لكم اعملوا لإقامة الخلافة كل من موقعه وشاركونا هذا الخير العميم، فإننا مطمئنون إلى نصر الله وقرب بزوغ فجر الخلافة من جديد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التاريخ الهجري :29 من شوال 1435هـ
التاريخ الميلادي : الإثنين, 25 آب/أغسطس 2014م
حزب التحرير
إندونيسيا