بسم الله الرحمن الرحيم
وجوب التكتل لإعادة الخلافة
قبل أربع وسبعين سنة، وبالتحديد، في الثالث من آذار 1924م أعلن المجرم مصطفى كمال أتاتورك، بعد كيد وتآمر، أن المجلس الوطني الكبير، قد وافق على إلغاء الخلافة وفي نفس اليوم، أمر بطرد الخليفة عبد المجيد بن عبد العزيز، آخر خليفة للمسلمين إلى سويسرا، حاملاً معه حقيبة ثياب وبضعة جنيهات.
كان الواجب يومها، أن يهب المسلمون هبّة رجل واحد، متخذين إجراء الحياة أو الموت لإعادة الخلافة، لكونها القضية المصيرية عند المسلمين، ولكن، لضعف أفهام المسلمين للإسلام، ولضعف تقوى الله في نفوسهم، هان عليهم أن يخضعوا للتهديد والترهيب، الذي مارسه عليهم مصطفى كمال والدول الكافرة، فسكتوا عن إلغاء الخلافة، وعن تقسيم بلاد المسلمين، وعن تحكيم القوانين الوضعية في حياتهم بدل الأحكام الشرعية، واستهانوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
واليوم، لكي يتجنب المسلمون هذه الميتة الجاهلية، ولكي يزيلوا عنهم الهوان الذي لحق بهم، جراء هدم دولة الخلافة، عليهم أن يسلكوا الطريقة الشرعية لاستئناف الحياة الإسلامية، بتنصيب خليفة عليهم، وإعادة دولة الخلافة، وهذه الطريقة المستفادة من النصوص الشرعية، ومن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، توجب عليهم أن يتكتلوا لإعادة الخلافة، امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، فهذا أمر من الله تعالى للمسلمين، أن يوجدوا جماعة أو حزباً منهم، تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فإن فعلوا ذلك كانوا هم الفائزين برضا الله وثوابه، وإلا كانوا كأهل الكتاب الذين تفرقوا واختلفوا فيما أمرهم الله به، وأولئك لهم عذاب عظيم. وهذه القرائن تدلّ على أنَّ الأمر في الآية لتكوين هذه الجماعة للوجوب، لكون الفلاح ترتب على قيامهم بالعمل، والعذاب العظيم ترتب على من قام بعكسه.
وقد جاء هذا الواجب منْصبًّا على إيجاد جماعة من المسلمين تقوم بعملين: أحدهما الدعوة إلى الخير وهو الإسلام، وثانيهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومع أنَّ هذا الواجب مطلوب من الفرد ومن الدولة، إلا أنَّ قيام الفرد به في غير جماعة، في حال عدم وجود خليفة للمسلمين، لا يُسقط عنه إثم التكتل مع جماعة.
والجماعة المطلوبة حتى توصف بالأمة أو الجماعة لا بدّ أن يتوفر فيه أمران: أحدهما: وجود رابطة تربط أعضاء الجماعة ليكونوا جسماً واحداً، وهذه الرابطة قد عينتها الآية، وهي الدعوة إلى الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي نفسها الفكرة الإسلامية، التي تعني العقيدة الإسلامية وما ينبثق عنها من أفكار وأحكام وآراء تفصيلية تلزم لحمل الدعوة الإسلامية، وثانيهما: وجود أمير لهذه الجماعة تجب طاعته لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ إلَّا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ». فالجماعة المطلوبة شرعاً لحمل الدعوة من أجل إقامة الدولة، لا بد أن يجتمع فيها هذان الأمران معاً، وهما: الفكرة الإسلامية والأمير الواجب الطاعة.
والدعوة إلى الإسلام تشمل الدعوة لإيجاد جميع الأحكام الإسلامية في الحياة، كقتل المرتد ورجم الزاني المحصن، وكالجهاد ورعاية شؤون الرعية بالإسلام، إلا أنَّ هذه الأحكام الواجبة هي من صلاحية الدولة ومسؤوليتها، فيكون إيجاد الدولة التي تنفذها واجباً بناءً على نص القاعدة الشرعية: "ما لا يتم الواجب إلى به فهو واجب".
وإقامة هذه الجماعة أو الحزب لدولة الخلافة فرض على الكفاية، فإن أقام المسلمون حزباً مستوفياً للشروط الشرعية، سقط عنهم إثم إقامة الحزب، ولم يسقط عنهم إثم إقامة الدولة إن لم يقم الحزب هذه الدولة، فيظل التكتل في هذا الحزب أو في غيره من الأحزاب، المبرئة للذمة واجباً على كل مسلم إلى أن تقام دولة الخلافة، ويأثم كلّ مكلف إن لم يقم بهذا الواجب، ويأثم كل مقصر بهذا الواجب.
وتعدد الأحزاب التي تقوم على ما نصت عليه الآية جائز، ولا يجوز أن يمنع هذا التعدد، لأنه منع من القيام بفرض. ولا يحتاج إنشاء الحزب إلى إذن من الحاكم، بل جعل القيام بهذا الفرض متوقفاً على إذن الحاكم حرام، لأن القيام بفعل الفروض، كالصلاة والحج وإقامة حزب، أو التكتل مع حزب، هو امتثال لأمر الله تعالى. وإطاعة الحاكم في ترك الفرض معصية، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ». لهذا، فإن إقامة الأحزاب السياسية على أساس الإسلام لا تحتاج إذنًا من الدولة.
فيا أيها المسلمون:
إنَّنا ندعوكم إلى التكتل في حزب على أساس الإسلام، لإعادة الخلافة التي توحدكم على قلب رجل واحد، تبايعونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله ليقودكم في ساحات الجهاد، كي يعود إليكم عزكم ومجدكم، ولكي تنالوا رضوان ربكم، بدل أن ينطبق عليكم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «... وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
التاريخ الهجري :1 من ذي الحجة 1418هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 27 شباط/فبراير 1998م
حزب التحرير
ولاية الأردن