بسم الله الرحمن الرحيم
الفيدرالية مشروع هادم لوحدة الأمة
منذ أيام قليلة أعلنت مجموعة من دعاة الفيدرالية، من أبناء المنطقة الشرقية في ليبيا، عمّا أسموه «حكومة إقليم برقة»، تضم أسماء 24 شخصًا، لتولّي حقائب وزارية. وجاء في الإعلان كذلك تقسيم الإقليم إلى أربع محافظات، وهي: إجدابيا وبنغازي والجبل الأخضر وطبرق.
وهذه هي المرة الثالثة التي تعلن فيها هذه المجموعة عن مثل هذا المشروع، وتلحّ عليه.
إننا نستغرب هذا الإلحاح في طرح هذا المشروع، ونستنكره بشدة في بلاد موحدة أصلاً، وفي منطقةٍ الغالبيةُ العظمى من سكانها هم ضد تجزئة البلاد وتمزيقها.
كأنّ مجموعة التجزئة هذه تستعجل طرح مشروعها لتسبق وضع دستور من المفترض أنه سينص على وحدة البلاد ومنع تقسيمها، وهي تستغل في ذلك حالة عدم الاستقرار لفرض واقعٍ تقسيمي.
وإذا كان من حجج المنادين بالفيدرالية هو ما تعانيه مناطقهم من تهميش وإهمال وحرمان، فإن مناطق ليبيا كلَّها تعاني من ذلك. إن الحلّ لكل هذا التهميش والإهمال في البلاد لا يأتي بإعلان الفيدرالية هنا أو هناك، ولا بمجرد تقسيم البلاد إلى أقاليم ومحافظات، وإنما يكون الحل في نظام الحكم الصحيح العادل الذي أنزله الله تعالى. وهو نظام الإسلام العظيم، الذي هو «نظام وحدة»، وليس «نظامًا اتحاديًا»، «والذي يكون الحكم فيه مركزيًا والإدارة لامركزية»أي أن تعطى للمسئولين في الأقاليم والمحافظات وفي المؤسسات والإدارات... كل الصلاحيات الإدارية للقيام برعاية شؤون الناس، وتوفير الراحة لهم وتحقيق مصالحهم في مناطقهم التي يعيشون فيها، بحيث لا يحتاجون في قضاء مصالحهم اليومية إلى الرجوع إلى الحكام في مركز الدولة.
والفرق بين الحكم والإدارة، هو أن الحكم والسلطان، وهما بمعنى واحد، هو السلطة التي تنفذ الأحكام على الناس، وهو عمل الإمارة التي أوجبها الشرع على المسلمين، وعمل الإمارة هذا هو عمل السلطة التي يناط بها دفع التظالم، وفصل التخاصم، ورعاية الشؤون لكل من يحمل التابعية، ومن يقيم في البلاد إقامة قانونية. وهذه السلطة هي التي عينها الشرع في قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [سورة النساء 59]، فأولوا الأمر هم الحكام الذين تختارهم الأمة، ويناط بهم القيام بتنفيذ الأحكام الشرعية بين الناس، ورعاية شؤونهم بحسب هذه الأحكام، ووضع السياسات العامة للدولة في الداخل والخارج.
ومن هنا نفهم أن أمر الحكم هو أمر مركزي في الدولة يقوم به الحكام بما لهم من الصلاحية بالنظر العام في كل ما يتعلق بشؤون الدولة. أما الأعمال الإدارية، فيقوم بها الموظفون العامون، الذين يعينهم الحكام للقيام بمصالح الناس وخدمتهم في مناطقهم، وهذه الأعمال شأنها ألا تكون مركزية حتى لا تتعطل مصالح الناس، أو يعانون مشقة السفر والذهاب إلى مركز الدولة لقضاء مصالحهم وحاجاتهم اليومية في خدمات التعليم والصحة والسكن والغذاء والكساء والأمن والقضاء وغير ذلك من الخدمات اليومية لرعايا الدولة.
لقد كان هذا التفريق بين طبيعة الحكم والإدارة واضحاً في حياة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وهو قدوتنا، وفي حياة خلفائه من بعده. فقد كان صلى الله عليه وسلم حاكماً وولي أمر المسلمين بالإضافة إلى كونه نبياً ورسولاً، فقد كان يرسل الولاة حكاماً إلى ولايات الدولة، وكان يأمرهم بأن ينفذوا الشرع ويرعوا مصالح الناس، وكان يطلق لهم الأمر - باعتبارهم حكاماً - لهم صلاحية النظر العام، ولا يقيدهم فيما يتخذونه من وسائل وأساليب لتحقيق ذلك. بينما نلحظ أنه صلى الله عليه وسلم كان يرسل الموظفين ومن لهم الخبرة في الشؤون الإدارية والحياتية، ويلزمهم بأوامر معينة والقيام بمهمات محددة لا يتعدونها، وكان يبعث العمال يجبون الزكاة، فيجمعونها ويحضرونها إليه صلى الله عليه وسلم فيعطيهم أجرهم على ذلك باعتبارهم موظفين إداريين وليسوا حكاماً، لأن الحاكم في الإسلام ليس أجيراً عند الأمة، وإنما هو نائب عنها لتطبيق أحكام الشرع.
ومن ذلك يمكن للناظر في تاريخ الإسلام أن يرى كيف كان النظام الإداري في الدولة الإسلامية نظاماً لامركزياً، أثبت نجاحه في توفير الأمن والاستقرار، وتسهيل إجراءات مصالح الناس وتوفير الراحة لهم في مناطقهم وأقاليمهم مهما بعدت عن المركز.
إنّ شعبنا الليبي المسلم هو جزء غالٍ من أمته الإسلامية العظيمة، يجمعه معها الدين الواحد والعقيدة الواحدة، والمصير والآمال الواحدة. وبلادنا ليبيا أيضاً هي جزء مهم وغالٍ من أرض بلاد أمتنا الإسلامية، وإذا كان الأصل هو وحدة الأمة الإسلامية في دولة واحدة الخلافة، ووحدة شعوبها وأراضيها، فإن ما نراه اليوم في الواقع من هذه التجزئة والتشرذم والانفصال، هو خلاف الأصل، وهو نتيجة لغياب دولة الإسلام الواحدة (الخلافة) ونتيجة لاحتلال بلاد المسلمين من قبل أعداء الإسلام من الغرب ومن الشرق لحقب طويلة من الزمن.
وإذا كان المسلمون اليوم عاجزين عن توحيد شعوب أمتهم، وتوحيد بلدانهم، وإقامة دولتهم الواحدة فلا أقل من أن يحافظ كل شعب منهم على وحدة الأرض والبلاد التي يعيش فيها حتى يأتي يوم الخلاص، الذي نرجو أن يكون قريبًا بإذن الله، ولا أقل من أن لا يسمح لأي شخص في أي قطر من أقطار الإسلام بأن يعمل على تفتيت وحدة القطر الذي يعيش فيه، أو وحدة المسلمين الذين يعيشون معه.
ونختم فنقول: أيّها الليبيون المعتزون بإسلامكم وانتمائكم لأمتكم، أين الفيدرالية من ثوابت ووحدة الأمّة التي قال الله عنها ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾؟! [سورة الأنبياء 92] وأين دعاة الفيدرالية من تحمّل مسؤولياتهم كمسلمين في الحفاظ على دينهم وعقيدتهم، ووحدة بلادهم وأمتهم، وفي الحفاظ على مشاعر إخوانهم المسلمين في كل مكان، ومشاعر إخوانهم الذين يعيشون معهم على هذه الأرض، والذين يتأذّون من هذا الأمر؟
والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله
التاريخ الهجري :28 من ذي الحجة 1434هـ
التاريخ الميلادي : الأحد, 03 تشرين الثاني/نوفمبر 2013م
حزب التحرير
ليبيا