بسم الله الرحمن الرحيم
القوانين الوضعية الباكستانية لم تمكن باكستان من استغلال إمكاناتها الزراعية بشكل صحيح
من المعروف أنّه حين طُبقت الأحكام الشرعية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في بلاد المسلمين تحولت الأراضي الزراعية فيها إلى أعجوبة في العالم؛ في الوقت الذي كانت ترزح فيه أوروبا تحت الجوع والمجاعات، فأثارت الأراضي المباركة في الشام وثروتها الزراعية الهائلة مطامع الصليبيين، وكان غنى بلاد المسلمين سبباً للحملات الصليبية عليها، حتى إن شعار الحملات الصليبية الحقيقي كان: "دعونا نذهب إلى أرض العسل واللبن"، وعلاوة على ذلك، فإنّ الأراضي الإسلامية كانت خلال العصور المظلمة في أوروبا مصدراً رئيسياً للمحاصيل الزراعية الأساسية لأوروبا، وكانت دولة الخلافة السبّاقة في تعليم الأوروبيين أساليب الري الصيفي. أما بالنسبة لشبه القارة الهندية، فقد كانت في ظل الحكم بالإسلام تنتج أكثر من 23٪ من الناتج الإجمالي العالمي من المحاصيل الزراعية، ما أثار مطامع المستعمرين البريطانيين بالثروة الزراعية الهائلة، ولا سيما التوابل والبهارات.
لكن عندما تمّ اعتماد القوانين الوضعية بدل الأحكام الشرعية خلال فترة الاحتلال البريطاني وحكمه، حدثت مجاعة واسعة النطاق ضمن الأراضي نفسها، أدّت إلى وفاة مئات الآلاف من شدة الجوع، وحتى وقتنا الحالي، وباستمرار تطبيق القوانين الوضعية في مجال الزراعة، حُرمت باكستان من نعيم إمكانياتها الحقيقية كقوة زراعية.
إنّ باكستان بطبيعتها تمتلك إمكانيات زراعية هائلة، حيث توجد فيها مساحات كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة والتي تتغذى في غالبها من أحد أكبر الأنهار في العالم (نهر السند)، وفيها أيدٍ عاملة شبه ماهرة، ومناخها السائد متميز. لقد كانت الزراعة المصدر الرئيسي للنمو الاقتصادي الباكستاني، وهي أساس التجارة الخارجية الباكستانية، حيث يساهم القطاع الزراعي بما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي وأكثر من نصف عائدات التصدير، ويشغل ما يقرب الـ45٪ من القوة العاملة، ويوفر الدخل لما يقرب من ثلثي سكان الريف، وبالإضافة إلى توفير الزراعة لأهم السلع الغذائية، فإنّها كذلك توفّر المواد الخام للصناعات القائمة على الزراعة، وتولّد عائدات ضخمة من خلال تصدير السلع الخام والمصنعة. كل هذا الإنتاج يحصل بالرغم من امتناع الحكومة عن دعم القطاع الزراعي، وبالرغم من استخدام المزارعين لأساليب زراعية بدائية، وعدم استخدامهم للبذور المحسنة جينياً، وعدم توفر شبكات الري الحديثة، وعدم زراعة جميع الأرضي الصالحة للزراعة أو استصلاح الأراضي القابلة للاستصلاح.
لقد أدّت القوانين الوضعية - وكنتيجة حتمية للرأسمالية - إلى تركيز الثروة في أيدي قلة من الناس، ما جعل الأمر يزداد سوءاً - على الرغم من عدة جولات من الإصلاح الزراعي - فأصبح الملايين من الناس غير قادرين على كسب لقمة العيش الكريم وتأمين احتياجاتهم الأساسية، والسكان في المناطق الريفية في باكستان يعيشون حالة مجاعة حقيقية وسط وفرة الأراضي والمحاصيل الزراعية! وأصبحت الأعمال غير الزراعية مصدراً كبيراً للدخل بالنسبة للأسر الزراعية، وخاصة تلك الأسر الفقيرة أو التي ليس عندها أرض، فتضطر جيوش من سكان الريف إلى ترك قراهم والانتقال إلى المدن بحثاً عن سبل العيش، ليُتركوا في نهاية المطاف في الشوارع، أو يقفوا في طوابير طويلة لتدني الأجور في الوظائف الوضيعة! لقد أضافت التسهيلات الائتمانية الزراعية في باكستان إلى هذه المشاكل مشكلة أخرى، فمعدل الفائدة على القروض الزراعية مرتفع، ولا يتم تقديم القروض في الوقت المناسب أو لتكون كافية لسد الحاجة، ما يضطر المزارعين إلى الاقتراض من مصادر غير رسمية، ومن الشائع بين المزارعين القول: "ولد في الديون، وترعرع في الديون، وسيموت في الديون"!
القوانين الوضعية هي السبب في شحّ الإنتاج الزراعي والفقر في الريف
ضمنت الرأسمالية بعد إلغاء قوانين الشريعة السماوية تركُّز ملكية الأراضي في أيدي قلة قليلة، وعلى الرغم من رحيل الإنجليز إلا أن الرأسمالية ظلّت، واستمر هذا التركز حتى أصبح السمة الغالبة على الزراعة الباكستانية، وأكثر من 49٪ من الأسر الريفية لا تمتلك أي أرض زراعية، وعمال المزارع الذين لا يملكون أرضاً يستأجرون الأرضي الزراعية من ملاك الأراضي ثم يدفعون الأجرة الواجبة عليهم، وغالبية ملّاك الأراضي يعتمدون على التأجير لتحصيل ثرواتهم، لذلك فإنّ أولئك الذين يزرعون الأرض لا يحصلون عملياً إلا على فائدة قليلة، بينما أولئك الذين يملكون الأراضي يحصلون على حصة الأسد.
ما تُسمّى "بالثورة الخضراء" التي حصلت في ستينات القرن الماضي جعلت الأمور تزداد سوءاً، حيث سمحت للنخبة الصغيرة باستعادة الأراضي المؤجرة وطرد المستأجرين السابقين، ما تسبب في زيادة الفقر في الريف، وتدفق العمال الريفيين إلى المدن في بحث محموم عن سبل عيش بديلة، وبين ما تبقى من العمال الريفيين والمهاجرين إلى المدن وأصحاب الأراضي الغائبين من الذين يؤجرون أرضهم، يبقى النقص الإجمالي في الاستفادة من الأراضي الزراعية الوفيرة في باكستان.
بغضّ النظر عمّن يأتي للحكم في الديمقراطية، فإنّ القوانين الكافرة المستعمرة التي يطبقونها تفاقم محنة المسلمين، لأنّ الديمقراطية ليست ملزمة بتطبيق أحكام الإسلام. إنّ حكومة (بينظير بوتو) هي أول من بدأ تطبيق سياسة زراعة الشركات لأول مرة في أواخر التسعينات، حيث وافقت على إدخال 19 شركة زراعية متعددة الجنسيات للعمل، وجاءت دفعة قوية لإطار السياسة العامة في عام 2001م-2002م عندما مرّرت حكومة مشرف سياسة الشركات الزراعية وقانون الشركات الزراعية، التي وفّرت الأساس التشريعي جنباً إلى جنب مع سلسلة من الإعفاءات الضريبية للمستثمرين الأجانب، ووفّرت مجموعةُ السياسات التي تبنّتها حكومة كياني/زرداري لعام 2009م حوافزَ تنافسية للمستثمرين الأجانب في مجال الزراعة، مع الإفراج غير المسبوق عن مساحات شاسعة من أراضي الدولة للمستثمرين الأجانب.
في ظل الحكومة الحالية فإنّ هذه السياسات ستجلب المشقة والمزيد من البطالة وضعف الإنتاج، فبينما يتم سحق المزارعين المحليين من خلال الضرائب العالية على المدخلات الزراعية الأساسية مثل الأسمدة والبذور والآلات والنقل والوقود... تتمتع الشركات الأجنبية بمعاملة تفضيلية فيما يتعلق بملكية الأراضي واستيراد الآلات والمعدات وكذلك تحويل أرباحها إلى دولهم الأجنبية؛ علاوة على ذلك، فإنّ الشركات الأجنبية تفضل المحاصيل النقدية التي تستخدم في اقتصاداتها، فلا تركز على توفير المحاصيل الغذائية الأساسية الضرورية للأمن الغذائي في باكستان. بالتالي، وكنتيجة لتطبيق سياسات الاستعمار، عملت الديمقراطية على اغتصاب قدرة باكستان الزراعية من خلال الشركات الأجنبية، وعلى إضعاف قدرة باكستان على كفاية نفسها الغذاء والكساء... ما يجعلها أكثر اعتماداً على الواردات الأجنبية الأكثر تكلفة.
تشجيع زراعة الأراضي والازدهار في المناطق الريفية، وتوفير الأمن الغذائي
سيزداد بعودة الخلافة الإنتاج الزراعي والعمالة الريفية، وبالتالي يتوسع الأمن الغذائي في باكستان ويزدهر، من خلال تطبيق الأحكام الشرعية المتعلقة بالأراضي في شبه القارة الهندية. الإسلام يربط بين مسألة امتلاك الأرض وزراعتها، فعلى صاحب الأراضي - بغض النظر عمّا إذا كان يملك مساحات شاسعة من الأراضي أو مساحات صغيرة - الإشراف على زراعتها شخصياً، وسوف تساعد الدولة مالكي الأرض في زراعتها، سواء من خلال المنح أو عن طريق القروض غير الربوية.
ورد في مقدمة الدستور لحزب التحرير في المادة رقم 136: "يجبر كل من ملك أرضاً على استغلالها ويعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من هذا الاستغلال. وكل من يهمل الأرض ثلاث سنين من غير استغلال تؤخذ منه وتعطى لغيره".
أما إذا كان مالك الأرض غير راغب أو غير قادر على زراعة أرضه الزراعية - على الرغم من عرض تقديم المساعدة له - فإنّه لا يُسمح له أن يؤجرها لآخر لزراعتها، فقد قال رسول الله ﷺ: «ازْرَعْهَا أَوْ امْنَحْهَا أَخَاكَ» (النسائي)، كما ورد في مقدمة الدستور لحزب التحرير في المادة رقم 135: "يمنع تأجير الأرض للزراعة مطلقاً سواء أكانت خراجية أم عشرية، كما تمنع المزارعة، أما المساقاة فجائزة مطلقاً".
كما يشجع الإسلام إحياء الأراضي الزراعية غير المزروعة "إحياء الموات" عن طريق منح ملكية الأرض الميتة إلى الشخص الذي يحييها بالزراعة، حيث قال رسول الله ﷺ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَه» ]الترمذي[، وورد في مقدمة الدستور لحزب التحرير في المادة رقم 134: "الأرض الموات تملك بالإحياء والتحجير، وأما غير الموات فلا تملك إلا بسبب شرعي كالإرث والشراء والإقطاع".
سوف تلغي الخلافة ملكية الأجانب للأراضي الزراعية، وستحرر المزارعين المحليين من أعباء الضرائب الثقيلة على المدخلات الزراعية، من خلال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في الإيرادات (العشر والخراج)، وإيرادات العشر هي على الإنتاج الزراعي الفعلي، والخراج يقدر على حسب قدرة الأرض الزراعية إذا زرعت بشكل حسن، وسيكون ذلك عاملاً قوياً لتحقيق الأمن الغذائي والرخاء أيضاً، كما تمتعت الأمة به لقرون تحت الحكم الإسلامي. هكذا، فإنّ الخلافة ستعطي الأولوية للمحاصيل الزراعية التي تلبي الاحتياجات الأساسية من الغذاء والكساء، وتصدير الفائض منها في التجارة الخارجية كجزء من بناء علاقات مع الدول الأخرى لحمل دعوة الإسلام لها، كما سترعى الدولة برامج لتطوير مستويات الزراعة حتى تصبح قياسية يُقاد بها العالم، بما في ذلك استخدام أساليب الري الحديثة والوقاية من الأمراض واستصلاح الأراضي الصالحة للزراعة، واستخدام الأسمدة واستغلال التطورات الجديدة مثل الوقود الحيوي، كما سيتم إنشاء المراعي الكثيرة من أجل تنمية الثروة الحيوانية.
ورد في مقدمة الدستور لحزب التحرير في المادة رقم 165: "يمنع استغلال الأموال الأجنبية واستثمارها في البلاد كما يمنع منح الامتيازات لأي أجنبي"، وورد أيضا في المادة 133: "الأرض العشرية هي التي أسلم أهلها عليها وأرض جزيرة العرب، والأرض الخراجية هي التي فتحت حرباً أو صلحاً ما عدا جزيرة العرب، والأرض العشرية يملك الأفراد رقبتها ومنفعتها. وأما الأرض الخراجية فرقبتها ملك للدولة ومنفعتها يملكها الأفراد، ويحق لكل فرد تبادل الأرض العشرية، ومنفعة الأرض الخراجية بالعقود الشرعية وتورث عنهم كسائر الأموال".
التاريخ الهجري :14 من رمــضان المبارك 1443هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 15 نيسان/ابريل 2022م
حزب التحرير
ولاية باكستان