بسم الله الرحمن الرحيم
هدم الأسرة قربان آخر تقدمه السلطة على أعتاب سيداو وزلفى لأعداء الإسلام
رغم أن أهل فلسطين جعلوا اتفاقية سيداو تحت أقدامهم ولم يقبلوا بتحديد سن الزواج الذي أقرته السلطة، فخنست السلطة حيناً، وخفتت الأصوات المشبوهة التي كانت تدعو إلى تطبيق اتفاقية سيداو، تحت وطأة صوت الحق من أهل فلسطين من شمالها إلى جنوبها، من نسائها ورجالها، فنكص شيطانهم على عقبيه، ولكنه يعود مطلاً برأسه بل بجسده، ولكنها إطلالة خفافيش الليل التي تستغل العتمة.
وفي الوقت الذي يتعرض فيه أهل فلسطين إلى تهديد كبير من كيان يهود يستهدف مصادرة أرضهم وفق صفقة ترامب الإجرامية، وفي ظل انشغال الناس بوباء كورونا، وفي جنح الليل كانت السلطة تدس جريمتها (قانون حماية الأسرة من العنف) لتقره كما تسرب بالقراءة الأولى في 2020/5/11، رغم أنّ دستور السلطة المزعوم يمنعها من سن القوانين في فترة غياب المجلس التشريعي إلا في حالات الضرورة القصوى، فما هي تلك الضرورة القصوى التي تدفع السلطة للدوس على دستورها وتجاهل التهديد الكبير الذي يتعرض له الناس من أجل إقرار هذا القانون؟! هل هي الحرص والغيرة على أبناء وبنات ونساء أهل فلسطين؟! أم هي المكر بهم وتدمير أسرهم ليُحكم اليهود قبضتهم على البلاد والعباد؟!
ولتبرير هذا القانون تحاول السلطة والجمعيات السيداوية ولجانها تشويه صورة أهل فلسطين وإظهار المجتمع كأنه مجتمع جريمة وعنف وسفاح، والحقيقة أن أهل فلسطين أهل عفة وطهارة، ولكن السلطة والجمعيات الممولة من أعداء الإسلام هي التي تغذي الرذيلة وتنشرها بين الناس، وهي التي ترعى البرامج الإفسادية التي تهدف إلى تفكيك المجتمع وسلخ المسلمين عن دينهم.
إنّ هذا القانون يهدف بشكل واضح من خلال مواده المقترحة إلى هدم الأسرة وإلغاء فكرتي القوامة والولاية اللتين نزل بهما الوحي من فوق سبع سماوات، إذ يريدون من خلال هذا القانون منع الرجل من ممارسة القوامة على الزوجة والولاية على الأبناء والبنات؛ فقد اعتبر القانون في مواده المقترحة تأديب الزوج لزوجته أو لأحد أبنائه وبناته بالكلام جريمة تسمى "عنفا نفسيا" تستوجب الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور وبغرامة لا تقل عن ألف دينار أردني. واعتبر القانون التعدي على حرية الزوجة أو الأبناء والبنات جريمة تستحق العقوبة، وهذا يعني أن الزوج لا يملك أن يمنع زوجته أو ابنته من الخروج أو الاختلاط أو كشف العورات أو الزنا أو اللواط وحتى الردة عن الإسلام، لأن اتفاقية سيداو التي انبثق عنها هذا القانون تؤكد على حرية التدين والحرية الشخصية وحرية إقامة العلاقات الجنسية.
أما "جريمة التمييز" التي يعاقب عليها القانون بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر، فيمكن أن يندرج تحتها كل الأحكام الشرعية الخاصة بالنساء من ارتداء الجلباب والحجاب، وأحكام الميراث والولاية والطلاق والعدة...الخ. ويضاف إلى ما سبق لو أن رجلاً أتى زوجه ثم ادعت أنها تعرضت للعنف وأنه أتاها من غير رضاً منها فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة مالية، فهل هذا هو السبيل للمحافظة على الأسرة؟! أم قول الله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾؟
وفوق ذلك فقد قرر القانون إخراج المتهم بالاعتداء النفسي أو الجسدي أو الاقتصادي أو التمييز، من بيته وحرمانه من عائلته ورؤية أولاده لمدة طويلة وعدم السماح له برؤيتهم إلا بعد ثلاثة شهور وبحضور الشرطة حتى تنظر المحكمة وتقرر الحكم الذي قد يأتي بعد سنوات!! فالقانون بكل وضوح يهدف إلى هدم الأسرة وجعل الرجل ليس له هيبة وفاقداً للسيطرة على بيته، ويهدف إلى إلغاء فكرتي القوامة والولاية اللتين نص عليهما الشرع الحنيف، وزرع بذور التمرد داخل الأسرة ليفككها، لتصبح أسرنا مثل أسر المجتمعات الغربية أحجاراً متناثرة متنافرة لا يربط بينها سوى مكان السكن.
أيها المسلمون: بحسب اتفاقية سيداو وقانون حماية الأسرة المزعوم يُعتبر قول الله تعالى جريمة ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾، وقوله تعالى ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ جريمة تمييز، وهدي النبوة في تربية الأبناء على الصلاة جريمة عنف؛ قال رسول الله ﷺ: «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رواه أحمد، وكذلك قول رسول الله ﷺ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ،...» رواه الحاكم، يعتبر جريمة تعد على الحرية.
إن قانون "حماية!" الأسرة الذي تعمل السلطة على تمريره مبني على اتفاقية سيداو المشئومة، وهو ما تقر به تقارير السلطة التي ترفعها إلى الجهات الدولية المعنية باتفاقية سيداو، وهي الاتفاقية التي حذرنا منها، والتي تهدف إلى تفكيك الأسرة بتطبيق نمط الحياة الغربية على بلادنا، تلك الحياة التي يكتوي الغرب بلظاها ليل نهار، فلا أسرة ولا كرامة، والمرأة سلعة سهلة المنال وأداة للمتعة وترويج السلع والخدمات، وإمعاناً في الجريمة بحق أسركم يفرض هذا القانون على كافة الوزارات والمؤسسات الالتزام بمخرجاته والترويج لها، وفي إحدى مسوداته يوجب إدخال هذه الثقافة الغربية المعادية للإسلام على المناهج التعليمية في المدارس والجامعات، فهذا القانون تحريض على الدين، وحرب على الإسلام، واستجابة لأعداء الأمة والهدف منه تدمير أسرنا وأبنائنا وسلخهم عن دينهم وإبعادهم عن القيم الرفيعة.
إن ديننا الحنيف قد حفظ بيوتنا وحفظ أبناءنا وبناتنا وأمهاتنا وآباءنا حفظاً يُعجب الزراع ليغيظ به الكفار، حتى قاتلونا بكل أدواتهم من عملاء وحكام ومؤسسات تدعو إلى حياة الغرب الماجنة، فكان كل هؤلاء رأس حربته المسمومة، زاعمين أنهم يريدون إنقاذ المرأة والأسرة فأولى لهم بما كذبوا قول الله تعالى ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾.
يا أهل الأرض المباركة: إنكم بيضة القبان، فأنتم من وقف في وجه قانون الضمان فأفشله، وأنتم من وقف في وجه قرار تمليك الروس أرض الصحابي تميم الداري رضي الله عنه فأحبطه، وأنتم من فتح المساجد بعد إغلاقها، وأنتم بعون الله وتوفيقه قادرون على الوقوف في وجه السلطة ومنعها من تمرير قانون حماية الأسرة وأشباهه من مخرجات سيداو المهلكة، فأدركوا بيوتكم قبل أن تقدمها السلطة قرباناً على أعتاب سيداو وزلفى لأعداء الإسلام، أدركوا أبناءكم وبناتكم وأسركم قبل أن لا ينفع الندم، فمن فرط بأرض فلسطين والدماء الزكية، ومن وضع يده بيد يهود لن تطرف له عين حين يقدّم أعراضكم وأسركم إرضاء لأعدائكم، واحذروا من المنافقين الذين يدعون إلى التفاوض على هذا القانون، فالمنكر لا يفاوَض على بقائه بل يجب أن يُزال كاملاً، والذي يحمي أسرنا ويحفظها هو الإسلام والأحكام الشرعية، فقفوا المواقف التي ترضي ربكم وتحمي أسركم، كونوا أقوياء بدينكم ولا تقبلوا الدنية في أسركم، فأنتم أهل الأرض وملحها وأنتم أصحاب الكلمة الفصل في كل قضية، واعلموا أن العاقبة للمتقين وأن نصر الله قريب، فنحن مبشَّرون من رسول الله ﷺ بخلافة على منهاج النبوة تقيم الدين، وتحفظ أعراض المسلمين، وترد عدوان الكافرين، وتأخذ على يد الخائنين والعابثين، وفي ظلها تتجلى الخيرية التي عليها أمة محمد ﷺ في أبهى صورة.
وفي الختام نناديكم بقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾.
التاريخ الهجري :22 من شوال 1441هـ
التاريخ الميلادي : السبت, 13 حزيران/يونيو 2020م
حزب التحرير
الأرض المباركة فلسطين