الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كتاب من حزب التحرير- ولاية السودان

 

إلى العلماء الأفاضل الموقعين على (بيان في الحالة السودانية)

 

 

 

الاخوة العلماء الأفاضل:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

يقول سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر 28].

 

ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: «العلماء ورثة الأنبياء» أخرجه أبو داود والترمذي عن طريق أبي الدرداء رضي الله عنه.

لهذه المكانة العظيمة التي كرم الله بها العلماء الأتقياء الأنقياء قررنا مخاطبتكم، لكي نكون وإياكم من أولئك؛ ومن الصادعين بالحق لا نخشى في الله لومة لائم.

 

الاخوة العلماء الأفاضل:

لقد سرنا بيانكم المعنون: (بيان في الحالة السودانية)، لما فيه من اهتمام بحال جزء من الأمة الإسلامية لقول الله  عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات10)، لكنا رأينا ملاحظات لابد من تبيانها لكم، ومن ثم تصحيحها في بيانكم الكريم، حتى يزداد خيراً على خير، فالأمة الإسلامية صارت تسأل عن أحكام الله في الوقائع الجارية بغية التقيد بمنهج الله عز وجل في حياتها، فمَن غيركم أهلٌ لتبصير الأمة بأحكام الإسلام؟ وحول بيانكم نقول مستعينين بالله:

 

أولاً:

ذكرتم في مقدمة البيان، جزاكم الله خيراً، أن أعداء الشريعة من دول الغرب المتكبرة يريدون من السودان أن يغيروا ما بقي من حكم الإسلام وشعاره فقلتم: [ولا يكون ذلك إلا بتغيير ما بقي من حكم الإسلام وشعاره الذي ترفعه الدولة]. اسمحوا لنا أيها العلماء الأفاضل أن نختلف معكم في هذا الوصف للواقع، فليس في السودان بقية من حكم الإسلام، فالحكم الإسلامي إنما يقوم على أربع قواعد إذا ذهب شيء منها ذهب الحكم الإسلامي أي سلطان الإسلام، وهذه القواعد أُخذت بالاستقراء من الأدلة الشرعية التي تعرفونها، فأنتم أهل العلم، وهي:

 

  • السيادة للشرع لا للشعب
  • السلطان للأمة.
  • نصب خليفة واحد فرض على المسلمين.
  • للخليفة وحده حق تبني الأحكام الشرعية، فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين.

أما السيادة في السودان فليست للشرع كما تعلمون، بل هي للمجالس التشريعية؛ القومية منها والولائية؛ التي تشرع القوانين برأي الأغلبية، فدستور السودان الذي هو القانون الأساس لم يؤخذ من الإسلام كما ورد في المادة (226) البند (1) من دستور جمهورية السودان الانتقالي لعام 2005م: [استمد هذا الدستور من اتفاقية السلام الشامل ودستور جمهورية السودان للعام 1998].

 

أما السلطان؛ أي حق الأمة (المسلمين) في اختيار الخليفة ونصبه بالبيعة؛ الذي هو حق للمسلمين دون غيرهم فإنه حقٌ منتهك ضائع، الحاكم في السودان يأتي بالانقلاب مغتصباً للسلطة، وإن جاء بالانتخاب فإن الذي يختار هم كل أهل البلاد مسلمهم وكافرهم.

أما نظام الخلافة الذي يُنصّب فيه المسلمون خليفة واحداً فهو غير موجود لا في السودان ولا في غيره، ولذلك فإن الدستور وسائر القوانين تسن بالأغلبية في المجالس التشريعية وهذا هو الطاغوت بعينه {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ}.

 

لذلك فإن حقيقة الواقع في السودان انه دولة ديمقراطية على الشكل الجمهوري الرئاسي في الحكم كما نص على ذلك الدستور في مادته الأولى (طبيعة الدولة): [جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة وهي دولة ديمقراطية...]؛ الذي هو على غير نظام الإسلام الخلافة. ولنوضح ذلك أكثر فإن الاقتصاد في السودان يقوم على النظام الاقتصادي الرأسمالي في جبايته للمال بالضرائب غير المباشرة  ورسوم الانتاج والجمارك وغيرها، وفي انفاقه له، والشركات فيه هي شركات المساهمة الرأسمالية، وتقوم فيه البنوك التي تتعامل بالربا، بل إن مديونية السودان للمؤسسات الدولية البالغة (33.5) مليار دولاراً تشكل الفوائد الجزائية والتعاقدية عليها؛ أي الربا، تشكل 52% ما يساوي (18.9) مليار دولاراً. أما على مستوى النظام الاجتماعي فإن النساء كاسيات عاريات في الحياة العامة، ومثل ذلك يقال في كافة جوانب الحياة.

 

ومن ذلك نخلص الى أنه ليس في السودان بقية من حكم الإسلام.

 

ثم إنه هل يجوز أن يقبل المسلم بالإسلام أجزاءً وتفاريق؟؟ يقول سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}. بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو فرد أعزل، لا عدة معه ولا معين إلا الله سبحانه، ولا سلاح عنده سوى إيمانه العميق بالإسلام الذي يدعو إليه، لم يقبل من قريش أي مساومة في الإسلام، فحين عرضوا عليه أن يعبدوا إلهه يوماً ويعبد إلههم يوماً- وهي قسمة قد نراها بمفهوم الربح والخسارة مكسباً كبيراً- لكن القرآن يعلمنا أن الحق إما أن يؤخذ كله أو يُترك: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }. لذلك أيها العلماء الأفاضل فإن الإسلام لا يقبل إلا كاملاً.

 

أما الذي قد يُحدث الالتباس فهو شعارات الإسلام التي يخاطب بها حكام السودان الذين جاءوا من رحم ما يسمى بالحركة الإسلامية؛ جماهير الناس، وهذا إنما هو البشارة بأن جمهرة الأمة وسواد الناس لا يريدون إلا الإسلام، فما على العاملين والعالمين إلا أن يغذوا الخطى وصلاً للّيل بالنهار حتى تستأنف الحياة الإسلامية. أما هؤلاء الحكام فإن الواجب عليهم هو تطبيق الإسلام كاملاً، عملاً لا قولاً.

 

ثانياً:

ذكرتم في مقدمة البيان أن أعداء الشريعة من دول الغرب المتكبرة يريدون تغيير النظام عن طريق الانتخابات المزمعة في ابريل من السنة الجارية: [... وإما بتغيير النظام عن طريق الانتخاب السلمي لمن يرضونه ...]، وذكرتم في النقطة الثانية: [ يحرم انتخاب من لا يسعى لإقامة شرع الله في حياة الناس]، وفي نفس النقطة ذكرتم: [والواجب دعم من يدعو للحكم بالشريعة، فإن لم يوجد فالعمل على إيجاده واجب، وإلى ذلك الحين فيجب اختيار الأمثل ثم الأقل معارضة للشريعة، دفعاً لأكبر المفسدتين بأدناهما]، ثم تحدثتم في النقطة الثالثة عن أهمية نبذ التحالف مع المنافقين والعلمانيين وقلتم: [ولاسيما إن كان للتحالف معهم أثر على البرلمان أو الولايات أو الدولة].

 

يفهم من أقوالكم هذه أنكم تقرون الانتخابات المقبلة، وتريدون من الناس أن ينتخبوا الأمثل ثم الأقل معارضة للشريعة، ولعله قد التبس عليكم حقيقة هذه الانتخابات، ونحن نقول لكم الآتي:

 

  • إن الانتخاب هو أسلوب لاختيار شخص أو أشخاص لأداء عمل معين، لذلك فإن طبيعة العمل هي التي تحدد الحكم الشرعي في الانتخاب، فالحكم الشرعي يتعلق بطبيعة العمل المراد القيام به.
  • إن الانتخابات القادمة في السودان هي لاختيار رئيس جمهورية واختيار اعضاء مجالس تشريعية واختيار ولاة للولايات.

أما اختيار رئيس جمهورية فإنه لا يجوز، لأن نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة، ففيه يختار المسلمون خليفة لهم.

 

والفرق بين خليفة المسلمين ورئيس الجمهورية هو:

 

أ/ حقيقة الخلافة انها رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية الى العالم، لذلك كان الخليفة هو الذي ينوب عن الأمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع وحمل دعوته.

 

أما النظام الرئاسي الجمهوري فيختار فيه جمهور الناس الذين يعيشون في أرض معينة (مسلمهم وكافرهم)، يختارون رئيس جمهورية ليطبق عليهم ما يريده الشعب، لذلك فإن رئيس الجمهورية يمثل إرادة الشعب، كما ورد في نص المادة (58) من دستور السودان لعام 2005م: [رئيس الجمهورية هو رأس الدولة والحكومة ويمثل إرادة الشعب ....].

 

ب/ لا يصبح من تختاره الأمة خليفة إلا بعد عقد البيعة له من المسلمين، ومحل عقد البيعة، هو تطبيق الإسلام وحمله. وهذه البيعة فرض لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».

 

أما رئيس الجمهورية فيختاره كل جمهور الناس مسلمهم وكافرهم، ويجب أن يلتزم بدستور 2005م غير المأخوذ من الإسلام كما ورد في المادة (226) البند (1): [استمد هذا الدستور من اتفاقية السلام الشامل ودستور جمهورية السودان للعام 1998]. بل يجب أن يُقسم رئيس الجمهورية على عدم تنفيذ الإسلام ومن باب أولى عدم حمله، كما ورد في المادة (56) تحت العنوان (قسم رئيس الجمهورية) حيث ورد: [أنا... أقسم بالله العظيم بوصفي رئيساً لجمهورية السودان أن أكون مخلصاً وصادقاً في ولائي لجمهورية السودان، وأن أؤدي واجباتي ومسئولياتي بجد وأمانة...، وأن التزم بالدستور وأحميه وأحافظ عليه وأن أراعي قوانين جمهورية السودان وأن أدافع عن سيادة البلاد، وأن أعمل لوحدتها وأوطد دعائم نظام الحكم الديمقراطي اللامركزي...، والله على ما أقول شهيد]. لذلك فإن رئيس الجمهورية أجير بعوض ينفذ إرادة الأمة أو من يمثلها؛ أي ينفذ إرادة البشر لا رب البشر وهذا هو الطاغوت بعينه {أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.

 

ج/ ليس لخليفة المسلمين اي حصانة أمام القضاء، فهو وإن كان نائباً عن الأمة في تنفيذ أحكام الشرع عليها، إلا انه يخضع كغيره من المسلمين لأحكام الشرع، فإن ظلم أو جار ترفع عليه الدعاوى والتظلمات أمام محكمة المظالم.

 

أما رئيس الجمهورية فإن له حصانة طيلة فترة وجوده في الحكم، ولا يجوز مقاضاته على أي مظلمة تحصل منه، بل إن نائبه الأول وهو غير مسلم له نفس الحصانة، كما نصت على ذلك المادة (60) البند (1): [يتمتع رئيس الجمهورية والنائب الأول بحصانة في مواجهة أي إجراءات قانونية ولا يجوز اتهامهما أو مقاضاتهما في أي محكمة أثناء فترة ولايتهما].

 

د/ يجب أن تتوفر في الخليفة سبعة شروط حتى تنعقد له البيعة، فهي شروط انعقاد؛ إذا نقص شرط منها لم تنعقد الخلافة وهي:

 

1/ أن يكون مسلماً. فلا تصح الخلافة لكافر مطلقاً، لقوله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}. والحكم هو أقوى سبيل للحاكم على المحكوم، والتعبير بلن المفيدة للتأبيد قرينة على النهي الجازم عن أن يتولى الكافر أي حكم مطلقاً على المسلمين.

 

2/ أن يكون ذكراً. فلا يجوز أن يكون الخليفة أنثى. لما روى البخاري عن أبي بَكْرَة قال: لما بلغ رسول صلى الله عليه وآله وسلم أن أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة». فإخبار الرسول بنفي الفلاح عمن يولون أمرهم امرأة هو نهي عن توليتها،  إذ هو من صيغ الطلب، وكون هذا الإخبار جاء إخباراً بالذم لمن يولون أمرهم امرأة بنفي الفلاح عنهم،  فإنه يكون قرينة على النهي الجازم.

 

3/ أن يكون بالغاً. فلا يجوز أن يكون صبياً، لما روى أبو داود عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المعتوه حتى يبرأ». ومن رفع القلم عنه لا يصح أن يتصرف في أمره، وهو غير مكلف شرعاً، فلا يصح أن يكون خليفة، أو ما دون ذلك من الحكم، لأنه لا يملك التصرفات.

 

4/ أن يكون عاقلاً. فلا يصح أن يكون مجنوناً؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفع القلم عن ثلاثة»، وذكر منها: «المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق». ومن رُفع عنه القلم فهو غير مكلف. والخليفة إنما يقوم بتصرفات الحكم، وبتنفيذ التكاليف الشرعية، فلا يصح أن يكون مجنوناً؛ لأن المجنون لا يصح أن يتصرف في أمر نفسه، ومن باب أولى لا يصح أن يتصرف في أمور الناس.

 

5/ أن يكون عدلاً. فلا يصح أن يكون فاسقاً. والعدالة شرط لازم لانعقاد الخلافة ولاستمرارها؛ لأن الله تعالى اشترط في الشاهد أن يكون عدلاً. قال تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» فالذي هو أعظم من الشاهد، وهو الخليفة، من باب أولى أنه يلزم أن يكون عدلاً.

 

6/ أن يكون حراً لأن العبد مملوك لسيده فلا يملك التصرف بنفسه ومن باب أولى أن لا يملك التصرف بغيره، فلا يملك الولاية على الناس.

 

7/ أن يكون قادراً. من أهل الكفاية على القيام بأعباء الخلافة؛ لأن ذلك من مقتضى البيعة.

 

أما شروط رئيس الجمهورية فهي كما حددتها المادة (53): [يجب أن تتوفر في المرشح لمنصب رئيس الجمهورية الشروط التالية:

 

(أ) أن يكون سودانياً بالميلاد. (ب) أن يكون سليم العقل. (ج) ألا يقل عمره عن أربعين عاماً.

(د) أن يكون ملماً بالقراءة والكتابة. (هـ) ألا يكون قد أُدين في جريمة تتعلق بالأمانة أو الفساد الأخلاقي].

 

من كل هذا يتبين أن الاختلاف بين خليفة المسلمين ورئيس الجمهورية ليس اختلاف أسماء والفاظ فحسب، بل هو اختلاف مسميات وجوهر، كاختلاف الليل والنهار والحق والباطل.

 

  • أما اختيار أعضاء مجالس تشريعية فباطل لأن هذه المجالس تقوم بتشريع الأحكام والقوانين بالأغلبية، وذلك مخالف للإسلام.
  • أما انتخاب الولاة بواسطة سكان الولايات، فتصبح لهم سلطة ذاتية يستمدونها من الناس، وذلك وضع يناقض حكم الإسلام، فالوالي في ولايته نائب عن الخليفة، لذلك فإن الذي يعينه هو الخليفة، وهو يستمد سلطته من تعيين الخليفة، الذي له صلاحية عزله كذلك، والأصل في ذلك هو عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه قد ولّى معاذ بن جبل على الجند، وزياد بن لبيد على حضرموت.
  • أما قولكم إن هذه الانتخابات يريد الكفار منها تغيير النظام فهو وصف غير دقيق لأن هذه الانتخابات مبنية على اتفاق نيفاشا الباطل، الذي تبينت لكم خطورته ولا بد للمترشح أن يقر به وينفذه. ورد في قانون الانتخابات المادة (103): [يجب على كل شخص يرشح نفسه أو حزب يزكي مرشح أو يرشح قائمة حزبية أو قائمة امرأة لأي إنتخابات أن يقدم شهادة موقعة منه وموثقة توثيقًا قانونيًا تفيد احترامه لاتفاقية السلام الشامل والإلتزام بها وتنفيذها]، لذلك فإن الانتخابات يمكن أن تغير الأشخاص الحاكمين لكنها لا تستطيع تغيير النظام الذي أرسته نيفاشا والدستور الانتقالي؛ اللذان يذيقان الناس الآن الفقر والشر والدمار.

أيها العلماء الأفاضل:

إن حقيقة هذه الانتخابات أنها الحلقة قبل الأخيرة في سلسلة تمزيق السودان- لا قدر الله- فالغرب الكافر عندما وضع اتفاق نيفاشا كان الوضع الطبيعي أن يجعل الانتخابات بعد أن يتحدد مصير الجنوب؛ ثلث البلاد الغني  بالثروات ولكنه؛ أي الغرب الكافر يريد ان يضفي شرعية على انفصال الجنوب، لذلك يراد لهذه الانتخابات؛ التي يجمع الغرب على انجاحها، أن تشرك أكبر قدر من الأحزاب والقوى السياسية في حكم السودان حتى توقع على انفصال الجنوب حكومة منتخبة ديمقراطياً تمثل أهل السودان وطيفه السياسي كما يزعمون، {أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}.

 

ثالثاً:

قولكم في النقطة السادسة: [... ولا يجوز التنازل عن ذلك إلاّ إن حصل الإكراه عليه] تريدون بذلك انفصال الجنوب، وقولكم في النقطة الرابعة: [...فلا يجوز الرضا بما يسمى حق تقرير المصير وإن اتُّفِقَ عليه اجتهاداً أو اضطراراً]، نقول: إن حق تقرير المصير لأهل جنوب السودان حرام شرعاً فهو ليس حقاً ليكفله الشرع، بل هو باطل، فإننا مأمورون بتطبيق الإسلام في كل الأرض: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} سواءً أرضي الكفار بذلك أم كرهوا، فرضى الله هو الأحق بالإتباع: {وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ}، وأن لا نرضى بتمزيق بلادنا وإقامة كيانات مختلفة فيها لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: »من جاءكم وأمركم جميع على رجلٍ واحد يريد أن يشق جماعتكم فاشدخوا رأسه بالسيف كائناً من كان «رواه الحاكم.

 

إن من أخطر الأبواب التي دخل منها أصحاب الأهواء والأغراض من الحكام والسياسيين للتنازل عن حرمات المسلمين ومقدساتهم هو باب (الاضطرار والاكراه) هذا، وحقيقة ذلك إنه لم يحصل إكراه للقبول بحق تقرير المصير ولا الاضطرار الملجيء الذي يخشى منه الهلاك؛ أي الموت وهو الوارد في قوله تعالى: { فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}، فإن الاضطرار الذي يبيح المحرّم هو الذي ورد فيه نص شرعي، أما الاضطرار الذي يراه العقل فلا اعتبار له.

 

لذلك فإن الذين وقّعوا على اتفاق نيفاشا (الحكومة) لم يكونوا مكرهين ولا مضطرين، بل فعلوا ما فعلوا من إثم وخيانة بمحض اختيارهم وإرادتهم، وبين فعلهم وبين الاجتهاد الشرعي بُعد المشرقين! وستحاسبهم دولة الخلافة العائدة قريباً بإذن الله وعندها {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

 

رابعاً:

ذكرتم في النقطة الحادية عشرة: [...على المنظمات الإسلامية العاملة في حقول التعليم والدعوة والتنمية والإغاثة مد أيديهم وبذل جهودهم في السودان شمالاً وجنوباً، ولا يتركوا المجال للمنظمات والمؤسسات المنحرفة...]، إن أمر توفير الطعام والدواء والكساء والتعليم والأمن والتطبيب؛ التي هي حاجات أساسية للناس، مناط بالدولة بل هو عمل محصور بالدولة، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «... فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ...» لذلك كان إشباع الحاجات الأساسية للناس وتمكينهم من اشباع حاجاتهم الكمالية هو مفهوم رعاية الشؤون الواجبة على الدولة، ولا يجوز أن يقوم برعاية الشؤون الدائمية غير الدولة، فلا منظمات إسلامية ولا غيرها. أما المنظمات المنحرفة التي تغذي الصراع وتشكل أعيناً واذرعاً للاستخبارات العالمية، فإن الواجب هو طردها وقطع شرورها لا منافستها.

 

هذا فيما يتعلق بالمنظمات، أما الدولة فواجبها المحافظة على وحدة البلاد، وكل ما تقوم به الدولة الآن من تخاذل في هذا الأمر لهو خيانة لله ورسوله وللمؤمنين. ولا يكون ذلك كما صرحتم في الفقرة أعلاه في بيانكم: [دعوة المنظمات الإسلامية... وبذل جهودهم في السودان شمالاً وجنوباً... {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}]، وأنتم أيها العلماء الأفاضل تعلمون أن المحافظة على وحدة الدولة، سبيلها تحرك الجيش للجهاد وقتال دعاة الإنفصال في الجنوب، وعدم الولاء للكفار المستعمرين، وعدم فعل ذلك هو الذي يكون {فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}، فهذا جزء من آية كريمة، وردت في سياق آياتٍ موضوعها النصرة والجهاد، وعدم موالاة الكفار، فنص الآيات هو:

 

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}، هكذا يحافظ على وحدة البلاد؛ لا بتقديم التنازلات كما في نيفاشا وأبوجا والرضا بحق تقرير المصير، فإن على الحكام أن يرجعوا للحق لا أن يستمروا في {طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، وإلا فإن الأمة لهم بالمرصاد؛ يتقدمها علماؤها فـ«العلماء ورثة الأنبياء»، فمن أولى منكم ياورثة الأنبياء بهذا الخير العميم؟!.

 

خامساً:

إن بيانكم أغفل أهم أمر فَرَضَهُ رب العالمين، يضمن وحدة الأمة، ويصون البلاد من التمزيق، ويوفر الأمن والأمان للرعية، وهو نظام الخلافة الذي يجب أن يسود بلاد المسلمين، ببيعة خليفة يحكمهم بما أنزل الله، ويجاهد بهم في سبيل الله، وهذا النظام ليس هو سبيل عز المسلمين ووحدتهم فحسب، بل هو فرض، وأيُّ فرض، هو تاج الفروض لا مندوحة عنه، والقعود عنه إثم كبير.

 

وإن البيان لم يغفل هذا الفرض العظيم فحسب، بل هو أوحى كذلك بجواز تعدد الدول في بلاد المسلمين فقال: [السودان وسائر الدول الإسلامية]، ونحن نعلم أن العلماء الأفاضل لا شك يدركون أن الدولة الإسلامية هي فقط دولة الخلافة، فنظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة فحسب، وليس جمهورياً أو ملكياً، ولا ديمقراطياً أو دكتاتورياً.

 

نقول أيها الاخوة الكرام:

إننا ندرك أنكم لم تغفلوا هذين الأمرين جهلاً منكم؛ فأنتم أهل العلم ودُراسه، وتعلمون ما نعلم من آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل رأيتم في جعل الحديث عائماً عاماً غير محدد، مراعاةً لعدم إثارة نظام الحكم في السودان؟ ومجاملة له؟ فإن كان ذلك فسامحكم الله! وهل رأيتم أن المرور على القضايا والمشاكل من أطرافها أولى من طرق أبوابها؟ فهذا وإن كان مقبولاً من العامة، لكنه لا يقبل من علماء الأمة فأنتم ملح الأرض، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد حدد الطريق والسبيل لمن أراد الجنة وسعى إليها سعيها وهو مؤمن فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» رواه الترمذي.

وخاتمة الختام، أيها العلماء الأفاضل:

إننا لم نرسل إليكم خطابنا هذا إلاّ طمعاً في اثنتين:

 

أولاهما: أن تكونوا للناس مُبصِّرين وناصحين، فتبصروهم بخطر المشاركة في الإنتخابات وخطر السكوت على الحكام الفاسقين الساعين لتمزيق بلاد المسلمين، لكيلا يقع الناس في غضب من الله عظيم.

 

ثانيهما: لحبنا الخير لكم، فقد أخرج البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُ لِنَفْسِهِ»، فنحن نحب أن تشاركونا هذا الفضل العظيم، بالعمل لإقامة دولة الخلافة، لأن هذا الواقع الأليم إنما هو ثمرة غيابها، فمن أولى من العلماء بأداء هذا الفرض العظيم؟ فإن العالم التقي النقي هو أحقُّ بهذا الأمر وأهلُه، وموقعه أن يكون في الصفوف الأولى في كل مواقع الخير، ولذلك فإننا نقول لكم اعملوا لإقامة الخلافة كل من موقعه وشاركونا هذا الخير العميم، فإننا مطمئنون إلى نصر الله وقرب بزوغ فجر الخلافة من جديد، وإن هذا لكائن بإذن الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون}.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

التاريخ الهجري :2 من ربيع الاول 1431هـ
التاريخ الميلادي : الثلاثاء, 16 شباط/فبراير 2010م

حزب التحرير
ولاية السودان

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع