بسم الله الرحمن الرحيم
إن تنصروا الله ينصركم
تسع وثمانون سنة (92 سنة هجرية) مرت على الذكرى الأليمة لهدم الخلافة الإسلامية، حيث عملت أوروبا بزعامة بريطانيا وبتواطؤ من بعض القوميين العرب والأتراك بإلغاء الدولة التي بناها حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقام الخائن والعميل مصطفى كمال بهذه المؤامرة وطرد الخليفة عبد المجيد، وألغى الخلافة وفصل الدين عن الدولة، وبعد هذه الحادثة قال وزير الخارجية بريطانيا آنذاك اللورد كيرزون (لقد ماتت تركيا ولم تقم لها قائمة فقد دمرنا قوتها المعنوية وهي الخلافة والإسلام).
على الرغم من هذا الاعتراف الصريح، ما زال بين المسلمين من يبرر إلغاء الخلافة بحجة عدم قدرة الإسلام على مواكبة التطور وحل مشاكل العصر الحديث، وعلى أن تخلف الدولة التركية كان ناشئا من تطبيق قوانين الإسلام نفسه، ألا ساء ما يحكمون.
فمشكلة تخلف المسلمين والدولة العثمانية لم تكن بسبب الإسلام على الإطلاق، بل على العكس كان نتيجة للتطبيق الخاطئ لقوانينه، وعلاوة على ذلك فإننا نؤكد أن أعظم مصيبة حصلت للأمة الإسلامية هي انتشار الأفكار القومية والوطنية فضلا عن تطبيق القوانين الغربية وبزعمهم أنها لا تتعارض مع الإسلام، ومع هذا فإن هدم الخلافة كانت حادثة بالغة الأهمية بالنسبة للإمبريالية الغربية وروسيا القيصرية، لما كانت تمثله الخلافة من تهديد إيدولوجي من جهة وعقبة أمام تعطشهم لاستعمار العالم من جهة أخرى.
محاولات يائسة لتحسين أوضاع المسلمين كلها باءت بالفشل، 92 سنة والأمة الإسلامية تعيش بدون دولة واحدة تجمعها، وبدون تطبيق للأحكام الشرعية، وبدون وجود بيعة في عنقها، وأثرت هذه المأساة الشنيعة ليس على الأمة الإسلامية فقط، بل على جميع حياة الناس كافة.
فبهدم الخلافة أصبحت قلة قليلة من الدول الإمبريالية هي من تتحكم بالساحة الدولية، وهي في الواقع تمثل مصالح قلة من الأشخاص والشركات العابرة للقارات.
وبهدم الخلافة توقفت أحكام الشريعة الإسلامية عن التطبيق كاملا، وأسقطت راية الإسلام وأودع القرآن والسنة في غياهب النسيان.
وبهدم الخلافة فقدت الأمة قدرتها على حماية أراضيها وحماية إسلامها ومقدساتها وشرفها وكرامتها، ففقدت قوتها وأمنها.
وبهدم الخلافة ذاق المسلمون مرارة الذل والمعاناة والعجز والتفرقة ونهبت ثرواتهم.
وبهدم الخلافة مزقت الأمة إلى دويلات صغيرة لا تملك من أمرها شيئا ونصب على المسلمين حكام عملاء تابعون للغرب، وهو ما أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم (توشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها......)
وبحمد الله على الرغم من كل ما حل بالأمة الإسلامية لم تفقد الأمة إيمانها فوجد بين أبناء الأمة أتقياء صادقون يعملون على إنهاض الأمة ورفع دين الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي على ضلالة). وقال تعالى: (﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ )﴾
عندما انكشف وظهر للأمة عوار وفساد القيم الغربية والديمقراطية الزائفة، ورأى المسلمون بأمهات أعينهم كراهية وحقد الغرب عليهم بقيادة أمريكا، وعندما نفد الصبر على أنظمة الطغيان وبلغ السيل الزبى فقد تفجر الربيع العربي.
هذه الثورات تشهد أن الأمة ما زالت حية مما أدخل الرعب والفزع في نفوس الغرب، ودفعهم إلى مواجهة هذه الثورات وإلى دعم عملائهم، فلما أدركوا أن عملاءهم ساقطون لا محالة سارعوا إلى التخلي عنهم وركبوا موجة الثورات، وقد رأينا كيف تمكنوا من سرقة ثورة تونس وليبيا ومصر وبدلوا وجوه عملائهم بآخرين.
واليوم وقد مضى على ثورة سوريا أكثر من سنتين، وأبناء الأمة الأبطال في الشام يقاومون طغيان وتعسف الشيطان بشار وزبانيته، الذين سعوا في الأرض فسادا وتدميرا، بشرا وشجرا وحجرا، ورأينا كيف أن أوباما ومساعديه وفروا الضوء الأخضر للطاغية ليزداد في جرائمه، لأنهم لم يتمكنوا من حل الأزمة السورية حسب مقياسهم ورغباتهم تحت شعار التسوية السياسية.
وكل منا رأى كيف تآمر الإعلام ضد الشعب السوري، ورأينا قصد الصحفيين والمحللين تشويه حقيقة الوضع وإخفاء الجرائم الفظيعة للنظام الأسدي وأعوانه وحلفائه من روسيا وإيران وحزب إيران، وتقليلهم من شأن عمليات القتل الجماعي رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا، وتستّرهم على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد السكان، وكما رأينا كيف يضخم الإعلام العالمي ويسلط الضوء على أي مسلم متهم بأي جريمة، وكيف يحقنون المشاعر المعادية للإسلام.
على أية حال، وعلى الرغم من شراسة الهجمة الغربية ضد الإسلام والمسلمين في العالم، إلا أن فكرة الوحدة السياسية للأمة قد آن أوان انتشارها بشكل واسع بين المسلمين، وآن استئناف الحياة الإسلامية في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية.
فعودة هذه الدولة ليست ضربا من الخيال، بل هي واقع لا مفر منه وهذا هو السبب الرئيسي وراء تشويه هذه الفكرة ومحاولة طمسها وإخمادها.
كيف لا، وقد صارت الخلافة تقض مضاجع رؤساء الدول الإمبريالية، والغرب يسخِّر الحملات تلو الحملات لغسل أدمغة "المجتمع الدولي" تحت مسمى تهديد الإرهاب العالمي، قاصدين بذلك الإسلام ومعتنقيه.
واليوم وفيما يسمى بالمجتمعات المتحضرة بما في ذلك أوكرانيا، يتهمون بطرق مختلفة من يمتثل للأحكام الشرعية بأنه معادٍ ومخالف للإسلام المعتدل. وينعتون كل من كبر بـ (الله أكبر) أو رفع راية الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم اتهموه بالإرهاب والتطرف. قال تعالى: (( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِبًا )).
وردا على ذلك، نقول لكل العالم إن الالتزام بأحكام الإسلام وقوانينه ليس نزعة أو هوى بالنفس أو حبا في الاختلاف عن الآخرين، إنما هو فرض فرضه رب العالمين وإليه يحشرون. قال تعالى:
(( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
نحن نتوجه إلى الأمة الإسلامية جمعاء بقول الله:(( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ))
يا مسلمي القرم وأوكرانيا وروسيا وأوروبا
نحن جزء لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، وعلينا كما على سائر المسلمين مسؤولية عن دين الله وإحياء كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.
إحياء دين الله لا يعني فقط بعض الطقوس التعبدية، وإنما يعني إظهار الدين في كل شيء في حياتنا وبذل الجهد على فهم ودراسة الإسلام وأصوله وقواعده وتطبيقه عمليا في جميع شوؤن الحياة والعمل على نشره بين الناس.
نعيش في هذه الأرض في وقت تخالطت فيه الثقافات علينا أكثر من أي وقت مضى، فعلينا أن نلتزم بديننا فهو الضمان الوحيد لنا من الانحطاط والانحدار الأخلاقي الذي يعانيه المجتمع الكافر، وهو قبل كل شيء سبيلنا للنجاة من عذاب يوم القيامة.
نتوجه إلى الأمة في بلاد المسلمين وخاصة العربية منها فنقول: أيها المسلمون
بين أيديكم كتاب الله الذي تقرأونه بلغتكم الأم، فوقكم السماوات وفيها الملائكة باسطة أجنحتها تنتظر أمر الله لنصرتكم، وحولكم تراب عليه آثار النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الذين سقوه بدمائهم، فماذا تنتظرون؟ ألا تستجيبوا لأمر رب العالمين؟
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ))
والله إن نصرتكم لله تكون بتطبيق شرعه في الأرض، وبإعطائكم النصرة لمن أخذ على عاتقه مسوؤلية إقامة حكم الله، لا تكونوا غير مبالين فهذه قضية مصيرية، اعملوا مع حزب التحرير واطلبوا النصرة ممن يمتلكها، انصروا دين الله وأقيموا دولة الإسلام، وأعطوا البيعة لخليفة المسلمين.
نتوجه بنداء إلى أصحاب القوة والمنعة في بلاد المسلمين، إلى أبناء الأمة في الجيوش الإسلامية إلى الجنرالات والضباط:
ألم يَغْلِ الدم في عروقكم بعد، في وقت تتعرض الأمة للاضمحلال والتدمير على يد أعداء الله، ألم تسمعوا صيحات النساء والأطفال في سوريا وفلسطين والعراق وبورما وأفغانستان تستنجدكم وتستصرخكم، والله لا خير فيكم إن لم تستجيبوا لندائها، فاستجيبوا لله ولرسوله، وانصروا إخوانكم...
اتقوا الله حق تقاته، وهبوا من سباتكم وانصروا الله، وأبناء الأمة المخلصين الذين يوصلون الليل بالنهار لاستئناف الحياة الاسلامية في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ))
(( يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ))
التاريخ الهجري :27 من رجب 1434هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 07 حزيران/يونيو 2013م
حزب التحرير
أوكرانيا