تعتبر زيارة رئيس الوزراء اليوناني كوستاس كرامانليس هذه الأولى من نوعها لرئيس وزراء يوناني منذ 49 عاماً عندما قام عمه قسطنطين كرامانليس بزيارة أنقرة عام 1959 للمضي قدماً مع عدنان مندريس في القضية القبرصية وفقاً للمخطط الأميركي آنذاك. اليونان هي جارة عدوة لتركيا تمتاز بعلاقات متوترة ومشاكل جمة مع تركيا، وهذه العداوة هي عداوة تاريخية ابتدأت منذ أن فتح محمد الفاتح اسطنبول وجعل من البيزنطيين أثراً بعد عين (فولدت "فكرة مِغَال/Megal-Idea" اليونانية الانتقامية)، وبرزت للعيان بانفصال اليونان عن كيان دولة الخلافة العثمانية حين انتابها الضعف، وصُعدت بمشاركتها دول التحالف في مهاجمة أراضي الدولة العثمانية ووصولها إلى محيط أنقرة، وعلى الرغم من أنهم أجبروا على الانسحاب نتيجة للضغوط إنجلترا عليهم إلا أنهم احتلوا معظم جزر بحر إيجة، وفي قبرص تحركوا جنباً إلى جنب مع الإنجليز وتنكروا للدولة العثمانية التي رعت شئونهم على مدار قرون، وقد ساعدت سياساتهم العدائية تأجيج المشاكل المؤدية لصراع أميركي-إنجليزي، فنجم عن ذلك العديد من المشاكل والأزمات من مثل؛ مشكلة قبرص، مشكلة بحر إيجة، مشكلة الأقليات، وقضية البطريركية. أما القضية القبرصية فعلقت عقب إخفاق خطة عنان، لذا طالب رئيس الجمهورية التركية عبد الله غُل بانكي موون أثناء زيارته لأميركا بالعمل على وضع حل جديد للمشكلة القبرصية، فكان الطالب عاجز والمُطالب أعجز!! أما قضية بحر إيجة فهي أكثر تعقيداً بسبب الآلية الاستعمارية المسماة "الحقوق الدولية" من مثل حدود المياه الإقليمية وخط فِر، ووفقاً لتصريحات أردوغان وكرامانليس فلم يتمكن التوصل إلى أية نتائج حتى الآن من اللقاءات الاستكشافية (أي اللقاءات السرية لاستيضاح الأزمة) المستمرة منذ أمد طويل والتي عقد آخرها (اللقاء 37) مؤخراً، وعلى الرغم من أن رئيس الأركان العامة بيوك أنيت كان قد وصف خلال زيارته لليونان العام المنصرم العلاقات التركية-اليونانية بأنها علاقات صداقة إلا أن رئاسة الأركان المسلحة التركية تنشر بصورة مستمرة عبر مواقعها على الإنترنت تجاوزات الزوارق البحرية العسكرية اليونانية في بحر إيجة. أما مشكلة الأقليات فإنها ألصقت بمباحثات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي. وأما قضية البطريركية فهي مشكلة جدية على المدى الطويل، ذلك أن اليونان تصف البطريركية الرومية بـ"الإكومنك" التي تعطي البطريركية حق "امتلاك أراض مستقلة" في اسطنبول، بالإضافة إلى فتح مدرسة الرهبان التي أغلقت في السبعينيات من القرن المنصرم. وعلى الرغم من ذلك كله، وعلى الرغم من العداء التاريخي مع اليونان، تسعى حكومة حزب العدالة والتنمية بتحفيز أميركي إلى توطيد العلاقات التركية-اليونانية وإلى خفض حدة التوتر بين البلدين من خلال امتطاء الجوانب الاقتصادية والتجارية والسياحة والطاقة وعضوية الاتحاد الأوروبي. وأميركا لا تريد ذلك لخير تركيا والشعب التركي، بل إنها تخشى أن تقوم إنجلترا بإثارة وتحريك هذه المشاكل مما سيعرقل خططها ويفشلها، لذا أوصت كل من حكومة حزب العدالة والتنمية وحكومة عميلها كرامانليس للاتفاق حتى في الجزئيات التافهة، وأن يتبادلوا الزيارات وإن كانت زيارات شكلية.
مما هو معلوم أن اليونان وقبرص وجزر إيجة هم أراض إسلامية ولا يجوز قبول سيادة الكفر عليهم، والقرارات الدولية الصادرة لصالح اليونان لا اعتبار ولا قيمة لها عند المسلمين. وفي الإسلام لا يوجد واقع لمصطلح "الأقليات" بل هنالك "أهل الذمة"، فكافة الذين يخضعون لسلطان الإسلام من غير المسلمين تجب معاملتهم معاملة أهل ذمة وفقاً للأحكام الشرعية المتعلقة بذلك. وهذه الأحكام والمعالجات الإسلامية الجذرية لا يمكن تنفيذها إلا بدولة إسلامية، لذا فلا يؤمل من الحكام الموجودين أن يتوصلوا إلى أية نتائج حقيقية!
|