- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-01-22
جريدة الراية: يا شباب الإسلام إلى خيري الدنيا والآخرة ندعوكم
فهل من مجيب؟
إن الشباب عماد المجتمع، بهم يقوى ويبقى ومن دونهم يضعف ويضمحل. وتقوم الأمم والشعوب بسواعد شبابها. إن الشباب في كل زمان هم حملة مشاعل التغيير وحملة لوائها ورايتها، وقائد مسيرتها، فهم يملكون الطاقة والقوة والحماسة التي تؤهلهم إلى أن يعطوا من أعمالهم وجهودهم وعزمهم وصبرهم ثمرات ناضجة للأمة إذا ما ساروا على الطريق الصحيح الذي رسمه لهم نبينا ﷺ وهم عدة الحاضر، وأمل المستقبل، هو الدرع الواقي للأمة، ورأس الحربة في المنعطفات التاريخية الدقيقة، والطاقة المتوثبة التي تتفجر نشاطا وحيوية، وقد اهتم الرسول ﷺ بالشباب واعتمد عليهم في المهمات الصعبة التي قام عليها بناء الدولة الإسلامية في مجالاتها المتعددة بل في كل ضروب الحياة؛ فقد كانوا الفئة الأكثر التي وقفت بجانبه في بداية الدعوة فأيدوه ونصروه ونشروا الإسلام وتحملوا في سبيل ذلك المشاق والعنت. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب"، ثم تلا قوله عز وجل: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾، وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هدًى﴾.
وسأكتفي بنماذج من هؤلاء الشباب الذين نهلوا من معين النبوة التي جعلت شعارها الإيمان والعمل ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هدًى﴾. الشباب دافعوا عن الإسلام في أحلك الظروف وأدقها وأعقدها، واسترخصوا أرواحهم وبذلوا فداء لإعلاء كلمة الله قبل الهجرة وبعدها.
فمن المواقف التي حفظها التاريخ لسيدنا علي كرم الله وجهه وهو شاب في العشرين من عمره عندما نوى الرسول ﷺ الهجرة إلى المدينة لإقامة الدولة التي حكمت العالم فيما بعد تركه على فراشه، ولم يتردد ذلك الشاب الذي نشأ في عبادة الله تعالى وفي كنف الرسول ﷺ لحظة في أداء هذه المهمة الفدائية التي كان يقدر مدى خطورتها، لكن الواجب يسمو فوق كل اعتبار.
وها هو ﷺ يستعين بسيدنا مصعب بن عمير الشاب ويوكل له مهمة غاية في الصعوبة والحساسية وقد اجتازها بنجاح تام رضي الله عنه وأرضاه؛ ففي العام الثاني عشر من البعثة النبوية جاءت وفود من قبيلتي الأوس والخزرج من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة وبايعوا النبي ﷺ في بيعة سميت ببيعة العقبة الأولى، وأرسل معهم النبي ﷺ مصعب بن عمير رضي الله عنه، وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، وكان يسمى المقرئ بالمدينة. قال ابن الأثير في "أسد الغابة: "هاجر مصعب بن عمير إلى المدينة بعد العقبة الأولى، ليعلم الناس القرآن ويصلي بهم".
كان مصعب رضي الله عنه يأتي الأنصار في دورهم ويدعوهم إلى الإسلام، فيسلم الرجل والرجلان، وقد نجح نجاحا كبيرا في نشر الإسلام في المدينة المنورة، وأسلم على يديه الكثير والكثير، منهم ثلاثة من أئمة الأنصار وسادتهم وأعلامهم، وهم عباد بن بشر، وأسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وقد أسلم بإسلامهم غالب بني عبد الأشهل في يوم واحد، الرجال والنساء. وظل مصعب رضي الله عنه قرابة عام في المدينة المنورة يدعو الناس إلى الإسلام، ويعلمهم أمور دينهم، ثم عاد إلى النبي ﷺ يبشره بما فتح الله عليه، ففرح الرسول ﷺ بعودته، وبما فتح الله عليه، فرحا عظيما.
فيا شباب الإسلام: أين أنتم من مصعب الخير وأين أنتم من العمل للإسلام وإعزاز دينه ورفع رايته حتى يكون دين الله تعالى ظاهرا وفوق كل الأديان ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْـمُشْرِكُونَ﴾. فشمروا عن سواعد الجد وأروا الله من أنفسكم خيرا وانخرطوا مع الثلة الواعية التي تصل ليلها بنهارها لتمكين الإسلام في أرض الواقع بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
فلا عز ولا رفعة لكم إلا بها فهي البضاعةُ والصناعة، هي العزّة والمنعة، هي حافظة الدين والدنيا، هي الأصل والفصل، بها تقام الأحكام، وتحدّ الحدود، وتفتح الفتوح وترفع الرؤوس بالحق. وهي التي تقضي على كيان يهود وتجعله أثراً بعد عين وتعيد فلسطين كاملة إلى ديار الإسلام وكلَّ بلاد الإسلام إلى أصلها وفصلها. هي التي تحرر البلاد والعباد من نفوذ الكفر وعملائه، وبطش زبانيته وأزلامه، وهي التي تنشر العدل والخير، وتُعز الإسلام والمسلمين، وتقطع دابر الظلم والشر، وتُذل الكفر والكافرين.
ألم تكف 104 سنة من الوقوع في الإثم لمن لم يعمل لإيجاد الخليفة وبيعته بأن يتوب ويثوب ويعملَ مع العاملين؟! ألم يقلِ الرسول ﷺ: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»؟! ثم ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾؟
إن القعود عن إقامة خليفة للمسلمين معصية من أكبر المعاصي؛ لأنها قعود عن القيام بفرض من أهم فروض الإسلام، يتوقف عليه إقامة أحكام الدين، بل يتوقف عليه وجود الإسلام في معترك الحياة.
فيا شباب الأمة وحملة لوائها: أروا الله من أنفسكم خيرا وسارعوا إلى رضوانه بالعمل الجاد لإقامة تاج الفروض الخلافة فإن الله سائلكم، ورد في جامع الترمذي عن ابن مسعود عن النبي ﷺ قال: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ».
بقلم: الأستاذ عبد الخالق عبدون علي
المصدر: جريدة الراية