- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2025-02-26
جريدة الراية: بدء المحادثات الأمريكية الروسية
حول أوكرانيا انطلاقا من السعودية
انطلقت صباح يوم الثلاثاء 2025/02/18 في قصر الدرعية شمال غربي الرياض القمة الأمريكية الروسية حول أوكرانيا، ووصفها المفاوض الروسي بأنها مهمة جداً، وتستهدف القمة بحث سبل إنهاء الحرب المستمرة منذ عام 2022 بين روسيا وأوكرانيا، وحضر المباحثات وزيرا الخارجية الأمريكي ماركو روبيو والروسي سيرغي لافروف، كما حضرها كل من مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف، وأما من الجانب الأمريكي فحضرها مساعد الرئيس الأمريكي للأمن القومي مايك والتز بالإضافة إلى مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف.
وقال مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف إن الوفدين الروسي والأمريكي في الرياض حدّدا توجهاتهما الأساسية بشأن أوكرانيا، فيما قالت الخارجية الأمريكية إن روبيو ولافروف اتفقا على تعيين فريق رفيع المستوى لبدء العمل على مسار ينهي الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن.
لقد منحت هذه المحادثات شعوراً للروس بنشوة الانتصار، فقد أحسوا لأول مرة بخروجهم من العزلة الدولية التي كان رئيس أمريكا السابق بايدن قد فرضها عليهم، وبذلك تكون هذه المحادثات قد أتمّت إعادة تأهيل روسيا للعودة إلى النظام العالمي كلاعب رئيسي بعد أن كانت خارجه في السنوات الأخيرة، لقد أصبحت روسيا مع هذا التحول في السياسة الأمريكية أكثر ثباتاً وأقوى مكانةً بينما أصبحت أوكرانيا أكثر ضعفاً وهشاشة.
واقترح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن تعود السفارتان الأمريكية والروسية إلى مستوى تمثيل أعلى بعد مضي فترة طويلة من عمليات الطرد المتبادلة التي بدأت عندما استخدمت روسيا غاز أعصاب على الأراضي البريطانية ضد الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال.
بالمقابل فإنّ أمريكا استثنت أوكرانيا من محادثات تخصها، وهي الطرف الرئيسي في المعركة، إذ لا ذكر لها في هذه المحادثات، كما استثنيت منها أوروبا بأكملها، فقد قال مبعوث ترامب إلى أوكرانيا وروسيا الجنرال كيث كيلوغ في ميونيخ: "إنّ الأوروبيين لن يشاركوا في محادثات السلام بشأن أوكرانيا" وقال بأنّ أوروبا نفسها لن تكون جزءاً من أي اتفاق سلام في المستقبل.
وكان رد فعل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الفوري هو إلغاء رحلته المخطط لها مسبقاً إلى الرياض يوم الأربعاء، حيث كان يأمل في تمكينه من الانضمام للقمة الأمريكية الروسية، ولقد انتقد بشدة الصفقات المتعلقة بأوكرانيا التي تم عقدها بدونها، وذكر أنّه كان قد علم بالقمة الأمريكية الروسية من خلال وسائل الإعلام فقط.
وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز قد تحدّث عن (تنازلات إقليمية) و(ضمانات أمنية) والتي يتعين على طرفي الصراع قبولها كواقع، فالأولى (التنازلات) يتعين على أوكرانيا أن تقدمها، والثانية (الضمانات) يتعين على روسيا أن تقبلها.
تعتبر هذه المحادثات سابقة خطيرة في تاريخ العلاقات الأمريكية الأوروبية ولعلها تكون مقدمة لاضطرابات جيوسياسية كبيرة قد تقلب موازين العلاقات السياسية في أوروبا رأساً على عقب، وقد اعترف وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث بقوله: "إنّ الولايات المتحدة لم تعد ضامنة للأمن في أوروبا"، وأصيب حلفاء أمريكا الثابتون والدائمون في أوروبا بحالة من الذعر والهلع والهياج، ولم يستوعبوا بعد ما حصل وهو ما لم يكونوا يتوقعون حدوثه، فلم تفكر أوروبا قط في أنها ستضطر للدفاع عن نفسها بمفردها منذ نهاية الحرب الباردة من دون أمريكا، ومن دون حلف الناتو الذي تمّت زعزعة أركانه، وتبعثرت أحلامه بمثل هذه التصريحات الأمريكية.
ولم يكتف ترامب بتجاهل الرئيس الأوكراني وعدم دعوته للمشاركة في الانتخابات بل ووصفه بالديكتاتور واتهم أوكرانيا بأنّها هي التي بدأت الحرب مع روسيا، وقال: "يجب على الديكتاتور الذي حكم بدون انتخابات أن يتحرك بسرعة وإلا لن تبقى له دولة"، ورد عليه زيلينسكي: "إنّ ترامب يعيش في فضاء من المعلومات المضللة ويساعد بوتين على الخروج من عزلته".
وقال ترامب: "إنّ زيلينسكي لا يمتلك أوراقا، وبالتالي فهو ليس مهما للمشاركة في أي اجتماعات"، وأوضح: "لقد كنت أشاهد لسنوات، وكنت أشاهده يتفاوض بدون أوراق، ليس لديه أوراق، وسئمت منه، أنت فقط تشعر بالمرض من ذلك، وقد شعرت"، وتابع: "لقد كان يعقد اجتماعات لمدة ثلاث سنوات، ولم يقم بأي شيء لذلك لا أعتقد أنّ من المهم جداً أن يكون في الاجتماعات"، وأردف: "إنّه يجعل من الصعب جدا عقد الصفقات، لكن انظر إلى ما حدث لبلده، تم تدميره".
وطالب ترامب أوكرانيا بسداد ما عليها من ديون لأمريكا بأن تدفع نصف ما لديها من معادن وزعم يوم الجمعة 2025/02/21 أنّ واشنطن تقترب من توقيع اتفاق يلزم كييف بتسليم أكثر من 50 في المائة من معادنها الأرضية النادرة كتعويض عن المساعدات الأمريكية خلال صراع أوكرانيا مع روسيا.
وقال ترامب للصحفيين في المكتب البيضاوي عندما سُئل عن اتفاق بشأن المعادن الأوكرانية "نحن بصدد توقيع اتفاق، ونأمل أن يتم ذلك خلال فترة زمنية قصيرة نسبيا".
وعلّق زيلينسكي على مقترح ترامب دون الالتزام بتوفير ضمانات أمنية لأوكرانيا بالقول: "هذه ليست محادثة جادة، لا يمكنني بيع دولتنا".
وهكذا تتدهور في عهد ترامب علاقات أمريكا مع أوكرانيا وأوروبا، بينما تتحسّن مع روسيا، وتُهدد أمريكا أوروبا والعالم بالانسحاب من الأمم المتحدة، وبسحب قواتها من أوروبا، ما يجعل الدول الأوروبية في حالة من الضعف الشديد أمام إمكانية اندلاع أي حرب قادمة مع روسيا وحلفائها.
وتغيير ترامب للسياسات الأمريكية التقليدية تجاه روسيا وأوروبا يأتي ضمن إعادة هيكلة سياسة أمريكا الخارجية وفقا للمنظور السياسي الجديد المبني على تحقيق المصالح المادية القائمة على الربح والخسارة، وعدم الالتفات إلى عهود من التحالف العسكري مع أوروبا، ومن ثمّ جعل السياسة الخارجية الأمريكية لا تخدم سوى اللوبي المالي والتجاري الذي يتغول داخل أمريكا بصرف النظر عن الصداقات والعداوات القديمة لأمريكا، فالمهم عند ترامب وفريقه "أمريكا أولا"، وهو ما يعني عدم تحمل أمريكا لأية نفقات لا عوائد مادية ربحية لها.
إنّ هذا التوجه - إن استمر على هذا المنوال - سيؤدي بالضرورة إلى انفصام وشقاق بين دول الغرب، وسيوجد حتماً فوضى عالمية قد يترتب عليها تشكل فراغ سياسي دولي في المستقبل لا يملؤه إلا دولة الإسلام القادمة حتماً قريبا بإذن الله.
بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني
المصدر: جريدة الراية