- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2015-11-11
جريدة الراية: ماذا استجد على الساحة السورية حتى كان مؤتمر فينّا؟
إن أول ما يلاحظ على اجتماع فينّا المتعلق بسوريا يوم 2015/10/30 أنه خرج بعملية تناقض وخداع لأهل سوريا وتآمر عليهم لا مثيل لها. فقد قرروا فيه مصير سوريا وأهلها بعدة نقاط تتلخص في: المحافظة على النظام العلماني وعلى مؤسساته الإجرامية وعلى حدود سوريا كما رسمها المستعمرون في اتفاقية سايكس بيكو واعتبروا هذه الأمور أساسية، وتأمين وقف إطلاق النار وإيقاف الحرب ضد النظام لمنع سقوطه ومحاربة كل الجماعات التي ترفض العلمانية وتريد الإسلام باتهامها بالجماعات الإرهابية وفرض اتفاقية جنيف1 وقرارات مجلس الأمن التآمرية على أهل سوريا وتشكيل حكومة من عملائهم في النظام والمعارضة. ثم أضافوا بندا تضمن أن "الشعب السوري هو من يحدد مستقبل سوريا".
إنهم يفترضون أن شعب سوريا المسلم مسلوب الإرادة، وأنه يجب أن يخضع لإرادتهم، وأنهم قادرون أن يفرضوا عليه ما يشاؤون ولا قيمة لما يريده الشعب، إلا بخداعه بجملة أنه هو الذي يحدد مستقبله!
يظهر أن هذا الاجتماع جاء بعد الجمود الذي حصل في موضوع الحل السياسي الذي تنشده أمريكا واستنفاد كل السبل لتطبيقه، فقد صرح مبعوث الأمم المتحدة دي ميستورا يوم 2015/10/30 قائلا: "أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة حيث هناك شعور بأن الحلول العسكرية لن تقودنا إلى أي مكان حتى التدخل الروسي الذي غير قواعد اللعبة والذي ساهم في تسريع وتيرة الموجة السياسية الدبلوماسية يعني أن إنهاء الصراع السوري والقضاء على داعش لن يحدث دون خلق حل سياسي مواز وملموس للحكم في البلاد". فمن هذا الكلام يفهم أن أمريكا دفعت روسيا للتدخل عسكريا في سوريا لتسريع الحل السياسي، وذلك بعدما وصلت الأمور إلى طريق شبه مسدودة، وأن اجتماع فينّا جاء ليوهم الناس كأن الحل على وشك التنفيذ فقرروا مستقبل سوريا دون مشورة أهلها أصحاب السلطان فيها، فما بقي إلا إجراءات تنفيذية وفنية وأن كل شيء قد طبخ واستوى!
ولذلك قام دي ميستورا يوم 2015/11/1 بزيارة دمشق والتقى وزير خارجية النظام السوري وبعد ذلك صرح قائلا: "نتجه إلى إطلاق مجموعات العمل الخاصة التي ستكون أحد جوانب متابعة محادثات فينّا وأعتقد أن الوزير المعلم أعلن أنهم سيكونون جزءا منها". فأراد أن يحيي خطته التي أطلقها يوم 2015/7/29 بعدما ظهر فشلها.
قُدّر لاجتماع فينّا 2015/10/30 أن يعقد دون مشاركة أوروبا حسب اجتماع فينّا الرباعي يوم 2015/10/23 الذي ضم وزراء خارجية أمريكا وروسيا والسعودية وتركيا، ولكن أوروبا ضغطت حتى فرضت نفسها واستخدمت ورقة لاجئي سوريا القادمين إليها لتثبت أنها معنية بالمسألة السورية كما صرح المسؤولون الألمان بشكل علني وقاموا باتصالات دولية. فوجهت أمريكا الدعوة لبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وممثلية الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي. لأن أمريكا لا تريد التشويش على قراراتها من قبل الدول الأوروبية ولا تريد أن تعطيها قيمة دولية، وأرادت أن تتفرد بدول مطواعة لها توافقها في الرأي كروسيا.
وقد أصرت أمريكا على مشاركة إيران. فقد صرح الناطق الرسمي باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي يوم 2015/10/26: "إن الإيرانيين طرف ذو مصلحة في هذه العملية ولهم علاقات مع نظام الأسد بالإضافة إلى علاقاتهم داخل سوريا، وإن الوزير (كيري) يدرك جيدا أن هذه عملية معقدة، وستستغرق وقتا وستتضمن حتما بعض التنازلات من قبل الجميع حينما نصل إلى هناك". فكان أهم إنجاز لأمريكا هو إشراك إيران في العملية السياسية المتعلقة بسوريا بعدما أشركتها عسكريا فيها، لتستخدمها كيفما تشاء بالأسلوب الذي تراه، وتتخبأ وراءه. فعندما يطالب طرف برحيل بشار أسد تقف إيران وتقول لا، حتى تؤخر أمريكا رحيله لتتمكن من تنفيذ الحل السياسي وإيجاد البديل. فتضع أمريكا إيران في الواجهة كما وضعت روسيا في الواجهة لتلعب دور الموفّق بين الآراء والمؤجّل لرحيل بشار أسد، وقد تكلمت أمريكا وعميلها دي ميستورا عن مرحلة انتقالية يكون الأسد جزءا منها فأوجد ردود فعل قوية من قبل أهل سوريا الثائرين على النظام العلماني الجائر.
إن ما يلاحظ على مؤتمر فينّا أنه أوهم الجميع بأنه سيعقد من أجل تقرير مصير الأسد ولكن لم ترد ولو كلمة واحدة في البيان الختامي حوله. وقد صرح وزير خارجية روسيا لافروف عقب المؤتمر بأن "المحادثات متعددة الأطراف التي استضافتها فينّا يوم الجمعة حول الأزمة السورية فشلت في التوصل لاتفاق على مصير الرئيس السوري بشار الأسد". وهذا ما أرادته أمريكا؛ ألا يتقرر شيء يتعلق بمصير الطاغية الآن حتى لا تحرج وتقع تحت الضغوطات وهي في حالة حرج شديد لعدم قدرتها على فرض الحل السياسي على شعب سوريا المسلم الأبي.
إن روسيا تظهر بموقف المحتضن لبشار أسد، فقد دعته إلى روسيا في أول خروج له من مخبئه إلى الخارج لتكرمه ومن ثم تستخدم ذلك وتدخلها لحمايته من السقوط ورقة ضغط عليه عندما يتقرر مصيره. ولذلك أجابت زاخاروفا المتحدثة باسم الخارجية الروسية يوم 2015/11/3 على سؤال "إن كان مبدئيا الإبقاء على الأسد في السلطة؟ بقولها: "أبدا لم نقل هكذا أبدا". فروسيا متوافقة مع أمريكا في سوريا توافقا تاما، وقد أعلنا عن التنسيق بينهما في طيرانهما الذي يقوم بشن الغارات على أهل سوريا، وأعلنا أن هدفهما هو الحفاظ على النظام العلماني الديمقراطي في سوريا، ولم يحدث أي خلاف بينهما في أية نقطة. وروسيا تدرك أن أمريكا هي صاحبة الشأن في سوريا، وهي تشاركها لتعلي من مكانتها الدولية ولتقف في وجه إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تؤرقها كما أظهرت، لكونها محاذية للمنطقة التي يجري فيها العمل لإقامتها، ولوجود نسبة كبيرة من المسلمين بداخلها، وهي تحتل أراضي إسلامية في القوقاز وتهيمن على بلاد إسلامية في آسيا الوسطى. فصراعها مع المسلمين مصيري ومباشر، وأما أمريكا فإنه يمكنها أن تعود إلى بلادها وتتخلى عن عدوانها على المسلمين وبلادهم، فتبيت في مأمن وراء الأطلسي ولو مرحليا.
وأما بالنسبة لما يجري الحديث عنه من تدخل تركيا في سوريا فذلك مرهون بالإرادة الأمريكية، فقد كان زعيمها أردوغان يلح على ذلك فلم تسمح له أمريكا، وأعرض عن ذلك منذ عامين، وبلع كلامه الذي تلفظ به بأنه لن يسمح بحماة ثانية، وقد ارتكب النظام السوري حماة ثالثة ورابعة وما زال يرتكب، ومن ثم طالب بإقامة مناطق آمنة داخل سوريا لإسكان لاجئي سوريا فيها فرفضت أمريكا، وطالب بعدم دعم الحزب الكردستاني في كوباني ولكن أمريكا أجبرته على فتح الطريق لهم والإمدادات عبر تركيا. وأجبرته على أن يفتح لها قاعدة إنجرليك لضرب أهل سوريا وعلى المشاركة في حلفها. وفتحت تركيا لأمريكا أراضيها لتدريب ما يسمى بالمعارضة المعتدلة، واشتركت معها في ذلك المشروع الذي فشل فشلا ذريعا. وقد احتجت على المشاركة الروسية ولكن أمريكا أسكتتها وجعلتها تتفق مع روسيا على موضوع الاختراقات الجوية. ولهذا فتركيا لن تتصرف بأي فعل دون إيعاز أو موافقة من أمريكا. وإذا فعلت ذلك فإن تركيا تعلم كيف ستمسك أمريكا بتلابيبها، وهي تخشى أن تتورط في سوريا دون موافقة ودعم منها، لأنها ستطلب العتاد والسلاح، وهي اقتصاديا وعسكريا مربوطة بأمريكا، وليس لدى حكامها إرادة التحرر من التبعية الأمريكية.
ومن ناحية ثانية فإن التدخل البري من قبل تركيا ودول في المنطقة لا يوجد عليه مؤشرات جادة حاليا، ويظهر أن أمريكا ليست بصدده الآن، وإن أظهرت هذه الدول استعدادها لفعل ذلك عند موافقة أمريكا، وسربت الحكومة التركية إلى وسائل إعلامها عن استعدادها لذلك، وكان وزير خارجية قطر خالد العطية قد ذكر يوم 2015/10/21: أن "أي شيء سيؤدي إلى حماية الشعب السوري لن ندخر جهدا للقيام به مع السعوديين والأتراك، مهما كان ذلك الشيء، وإذا كان التدخل العسكري سيحمي الشعب السوري فالبطبع سنقوم به". واعترف أن قطر تدعم حركة أحرار الشام.
وقد أعلنت أمريكا يوم 2015/10/30 عن "إرسال قوات إلى سوريا ما بين 20 و30 مستشارا من أفراد القوات الخاصة للعمل كمستشارين عسكريين في إطار محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وإن قوات أمريكية إضافية ستلعب دورا محدودا ينطوي على تقديم المشورة والعون". فيظهر أنها ستلعب من الداخل للاتصال بالتنظيمات الفاعلة لشراء ما تستطيع أن تشتري من الذمم الرخيصة إن وجدت، كما تقوم السعودية وقطر وتركيا بفعل ذلك. فهذا هو الأسلوب الحالي الذي سيطبق حتى يستنفد ويفشل. وبعد ذلك، ستبقى الورقة الأخيرة هي التدخل المباشر بواسطة حلفائها وهي تدعمهم من الخلف.
إن مقصد أمريكا أولا وقبل كل شيء هو المحافظة على نفوذها في سوريا وإذا فقدته فإنها ستفقد الكثير الذي ربما سيؤدي إلى فقدان نفوذها نهائيا من المنطقة، فأصبحت سوريا بالنسبة لها مسألة مصيرية. وكذلك تريد الحفاظ على الدولة السورية بهويتها العلمانية ومؤسساتها الإجرامية التي أذاقت الناس الويلات على مدى عقود، وعلى الحدود التي رسمها الاستعمار، لأن ذلك يضمن لها بقاء نفوذها. وقد أعلن عن ذلك في مؤتمر فينّا، وأقرته تلك الدول المتحالفة معها في تحد صارخ لإرادة الشعب السوري المتمسك بإسلامه، فكان إعلان فينّا بمثابة إعلان الحرب على الثورة السورية المباركة للقضاء على مشروعها الإسلامي القاضي بإقصاء النظام العلماني وإزالة آثاره وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ولم تتمكن أمريكا وتلك الدول من التغلب على إرادة الشعب السوري الأبي رغم مرور حوالي خمس سنوات، ورغم حجم التآمر والتكالب عليه. ولذلك أملنا بالله أن يثبت هذا الشعب المسلم ويوحد فصائله على الحق وتحت إمرة قيادة سياسية واعية مخلصة تبنت مشروع الخلافة على منهاج النبوة وأوصلته إلى ما أوصلته إليه وأن يكونوا أهل نصرة لهذه القيادة الرائدة.
بقلم: أسعد منصور
المصدر: جريدة الراية