- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
2016-02-17
جريدة الراية: بيان ميونيخ.. خطوة على خارطة الطريق الأمريكية إبقاء النظام والقضاء على الثورة
تشهد الثورة السورية وما يتعلق بها من مواقف وأحداث تطورات متلاحقة، فالثورة في سوريا في مقدمة أجندة أمريكا السياسية، وعلى رأس سلّم أولوياتها، وهذا واضح من كونها شغل جون كيري الشاغل، ومحور اتصالاته وتحركاته وتصريحاته، وبقية القضايا أصبحت في هامش اهتماماته نسبيا، ولم يعد هذا خاصا بأمريكا، فقد فرضت الثورة السورية نفسها على قضايا العالم بشكل عام، وتحولت الثورة في سوريا من تهديد للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط إلى تهديد لنفوذ الغرب ومصالحه في المنطقة بالجملة، لذلك كان من الطبيعي أن تحتل الثورة في سوريا رأس الهرم في جدول أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن، بالإضافة إلى أن أمريكا تحاول أن تستغل اللقاءات الدولية لتمرير وفرض إرادتها وأجندتها لتخرج بقالب التفاهم الدولي.
وبالرغم من أن أمريكا رفضت منذ بداية الثورة في سوريا أن يكون لأي دولة غربية أي دور في سوريا، واستقدمت روسيا لتستعملها في تأدية دور المفاوض والمعارض لإغلاق الباب على أوروبا من جهة ولفرض أجندتها من جهة أخرى، بالرغم من ذلك فقد كانت أمريكا تأتي بتلك الدول للاجتماعات واللقاءات كشهود زور فقط، ولتأمين الغطاء الدولي لما تريد، ولإسكات تلك الدول بإشراكها ولو ظاهريا لأنها أصبحت تكتوي بنار آثار الأحداث في سوريا، وخاصة ما يتعلق بملف اللاجئين وبملف "الإرهاب".
ومؤتمر ميونيخ للأمن على الرغم من أنه حدث دولي من حيث الحضور والمشاركة إلا أنه ليس مؤتمرا رسميا، بحيث يصدر عنه قرارات أو بيانات رسمية، فهو مؤتمر خاص وليس مؤتمرا حكوميا، وغالب ما يقع فيه عادة نقاشات وتوصيات فقط، إلا أن تطور الأحداث في سوريا وبخاصة الهجمة العسكرية الشرسة على حلب من قبل نظام الأسد والميليشيات المساندة له، بغطاء جوي روسي مكثف بأسلوب الأرض المحروقة، نتج عنه فرار عشرات الآلاف من المدنيين - فرض على أمريكا إصدار ما سمي ببيان ميونيخ، أو تفاهمات ميونيخ بالاشتراك مع روسيا.
وبيان ميونيخ هذا حمل في طياته إعادة صياغة لقرار مجلس الأمن 2254، جاء في الجزيرة.نت في 2016/2/12 (أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري التوصل لاتفاق لوقف تنفيذ الأعمال العدائية في سوريا خلال أسبوع. وقال كيري - في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في ميونيخ- إن الاتفاق على وقف العنف والأعمال العدائية لا يشمل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة... بينما أكد لافروف أن الاتفاق على وقف الأعمال العدائية سيسبق تحضير أطر لوقف إطلاق النار. وكشف كيري عن تشكيل مجموعة عمل لتطوير طرق عمل طويلة الأمد لوقف الأعمال العدائية... وأكد أن المساعدات ستصل إلى دير الزور والفوعة وكفريا ومضايا والمعضمية وكافة المناطق المحاصرة أو التي يصعب الوصول إليها، وتحدث لافروف عن اتفاق في هذا السياق على إسقاط المساعدات على بعض المناطق جواً...)، وجاء في موقع روسيا اليوم في 2016/2/12 (تبنت مجموعة دعم سوريا في اجتماعها بميونيخ بيانا ينص على وقف إطلاق النار وحل القضايا الإنسانية وإطلاق العملية السياسية في سوريا وإجراء انتخابات خلال 18 شهرا... واتفق أعضاء المجموعة الدولية... على التوصل، خلال 6 أشهر بعد بدء المفاوضات السورية السورية، إلى اتفاق بشأن خطة إصلاحات سياسية وتشكيل حكومة انتقالية، وكذلك "إطلاق عملية وضع دستور جديد وإجراء وفقا له انتخابات حرة وعادلة في موعد أقصاه 18 شهرا". ومع ذلك لا يطالب البيان دمشق والمعارضة السورية بالالتزام بموعد معين للعودة إلى المفاوضات، ويدعو "كافة الأطراف" إلى المشاركة في المفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة "في أسرع وقت ممكن").
والظاهر أن ما ورد في ميونيخ تكرار لما جاء في قرار مجلس الأمن 2254، إلا أن ما يلفت النظر بحسب ما ورد في موقع روسيا اليوم أعلاه حول نص البيان، هو استعمال البيان عبارة تشكيل حكومة انتقالية، مع أن قرار مجلس الأمن نص على "هيئة حكم انتقالي"، والحكومة الانتقالية جاءت على لسان كيري عندما التقى برياض حجاب قبيل مؤتمر جينيف3 حيث أبلغه بأنه ستكون هناك حكومة وحدة وطنية في سوريا وليس هيئة حكم انتقالي، جاء في مفكرة الإسلام في 2016/1/25 (... وأضاف المصدر أن كيري أبلغ حجاب، أن لقاء جنيف سيبحث تشكيل حكومة وحدة وطنية، مشتركة بين النظام والثوار، وليس هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية. كما أوضح كيري أنه "لا يوجد جدول زمني لرحيل بشار، ومن حقه الترشح في الانتخابات القادمة")، وعلى هذا يكون بيان ميونيخ أحدث تعديلا في قرار 2254، أو لنقل كشف عن نوايا أمريكا وما تريده عند تطبيق قرار 2254، فيما يتعلق ببند هيئة الحكم الانتقالي.
أما ما يتعلق بوقف الأعمال العدائية فلن يغير من واقع الأعمال العسكرية شيئا، لأن استثناء تنظيم الدولة وجبهة النصرة يعني أن أعمال القصف والتدمير ستستمر بحجة محاربة الإرهاب، وروسيا أصلا تدعي أنها لا تقصف سوى "الإرهاب"!.
كما أن أمريكا بحاجة من روسيا لإكمال مهمة إعادة سيطرة النظام على حلب، بل إن أمريكا قامت بقصف حلب بنفسها، نقلت رويترز في 2016/2/11 (قالت وزارة الدفاع الروسية يوم الخميس إن طائرتين أمريكيتين قصفتا مدينة حلب السورية في العاشر من شباط/فبراير وإن الطائرات الروسية لم تكن تعمل في المنطقة. واتهم متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية القوات الروسية والقوات الحكومية السورية يوم الأربعاء بتدمير المستشفيين الرئيسيين في حلب بضربات جوية وإن كان لم يحدد متى حدثت الضربات... لكن المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيجور كوناشينكوف قال في بيان "لم يحلق فوق المدينة أمس سوى طيران من التحالف المناهض لداعش" في إشارة إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للدول التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية. وتابع قوله "في الساعة 13:55 بتوقيت موسكو دخلت طائرتان من القوات الجوية الأمريكية من طراز إيه-10 المجال الجوي السوري من الأراضي التركية ووصلتا حلب عن طريق أقرب الطرق المباشرة ثم نفذتا ضربات ضد أهداف في المدينة." وأضاف أن الضربات الروسية في ذلك اليوم كانت على بعد 20 كيلومترا على الأقل من المدينة. وعندما سئل يوم الأربعاء إن كان التحالف الذي تقوده واشنطن سيبذل مزيدا من الجهود لمساعدة مقاتلي المعارضة في حلب أو تحسين فرص وصول المساعدات الإنسانية للمدينة قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية الكولونيل ستيف وارن إن تركيز التحالف لا يزال منصبا على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وهو "لا وجود له فعليا في تلك المنطقة من سوريا".)
وهذا يدل على أن أمريكا مستعجلة لحسم معركة حلب لصالح النظام، كما أنه لا يعنيها لو أفرغت حلب جميعها من سكانها، وهي تريد المدينة بلا منغصات لنظام الأسد.
أما موقف ما يسمى بالهيئة العليا للمفاوضات والذي جاء على لسان رياض حجاب رئيس الهيئة فهو نوع من البطولة المصطنعة، وتسويق للهيئة لدى الفصائل المسلحة، جاء في موقع العربي الجديد في 2016/2/13 (كشف قيادي في الجيش السوري الحر أن فصائل المعارضة السورية المسلحة ستعقد اجتماعا مع رياض حجاب منسق الهيئة العليا للمفاوضات لمناقشة اتفاق ميونيخ الذي تمخض عن اجتماع المجموعة الدولية من أجل سوريا، الذي عُقد على هامش مؤتمر ميونيخ الدولي للأمن والسياسات الدفاعية، وصدر فجر الجمعة، ورفض القيادي، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، في تصريح لـ "العربي الجديد" الخوض في التفاصيل التي سيناقشها الاجتماع الذي سيعقد "قريبا جدا"، مرجحا أن يصدر عنه موقف موحد بين الفصائل وهيئة التفاوض من اتفاق ميونيخ).
وهذا التناسق في الموقف بين الفصائل المسلحة وبين ما يسمى بالهيئة العليا للمفاوضات يكسب الهيئة شرعية تمثيلية تسهل على أمريكا لاحقا تمرير نتائج الحل الدبلوماسي الذي تقوم بتفصيله ليناسب مقاس عميلها نظام الأسد المجرم.
نسأل الله سبحانه أن يقي ثورة الشام من كيد الكفار وأذنابهم، وأن يعجل لنا بالنصر والتمكين!
بقلم: عبد الله المحمود
المصدر: جريدة الراية