- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
2016-03-29
جريدة الراية: قانون محاربة العنف ضد المرأة في المغرب وحجب الشمس بغربال
عزز المغرب "ترسانته" القانونية عبر المصادقة على مشروع قانون محاربة العنف ضد المرأة، ويعد هذا القانون من ضمن الخطوات المتبعة في سبيل إصلاح قانون الأحوال الشخصية (مدونة الأسرة). القانون الجديد وصفته وزيرة الأسرة والمرأة بسيمة الحقاوي بأنه "هدية للمرأة المغربية بمناسبة اليوم العالمي للمرأة". وجدير بالذكر أن القانون كان وما زال محل جدل واسع وتم تعليق النقاش حوله منذ اقتراحه في عام 2013، وبالرغم من أنه تجاوز العقبات بعد أن توقف طويلا عند مادة شاذة المحتوى والمسمى استنكرها أهل المغرب تهدف لتجريم اغتصاب الرجل لزوجته، فقد انتهى الأمر بتمرير القانون مع حذف المادة المثيرة للجدل، إلا أنه لن يدخل حيّز التنفيذ إلا عند مصادقة غرفتي البرلمان عليه ونشره في الجريدة الرسمية.
ولم يأت هذا الخبر من فراغ فقد سبقه حملات ممنهجة تحت شعارات أممية وزخم إعلامي عن تحول العنف ضد المرأة لظاهرة في المغرب. ومن ذلك التقرير الصادر عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب في تشرين الأول/أكتوبر الماضي أن "6,2 مليون امرأة مغربية يعانين من العنف، ويحظى ذلك بنوع من القبول الاجتماعي القائم على الإفلات من العقاب الذي يستفيد منه المتورطون في العنف".
ولم يأت القانون كمفاجأة إذ إنه يسير في إطار حملة أممية لتفعيل مقررات لجنة المرأة في الأمم المتحدة وتفعيل قوانين لتجريم العنف ضد المرأة (وهذا المسمى عباءة فضفاضة لقائمة طويلة من الأفعال التي يعدونها نوعاً من أنواع العنف ضد المرأة مثل التمييز في التعليم والصحة والعمل).
وقد سبق المصادقة على القانون انضمام المغرب إلى البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة ورفع المغرب لكافة التحفظات المتعلقة باتفاقية سيداو. ويهدف هذا البروتوكول لتمكين الدول الموقعة من النظر في الشكاوى الواردة من أي دولة موقعة والتحقيق في حالات انتهاك الحقوق المدرجة في اتفاقية سيداو بعد التأكُّد من استنفاد جميع وسائل الطعن الداخلية للبلد الطرف. أي أن البت في النزاعات المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية قد يتجاوز حدود سيادة القانون في المملكة.
وصف البعض هذا القانون بأنه إنجاز للمرأة ولكن في المحصلة لن تجني المرأة المغربية شيئا من قوانين مستوردة تسندها إحصائيات عشوائية عن العنف ضد المرأة. قوانين تتجاهل معاناة المرأة المعيلة التي تكد وتعمل وتُمتهن كرامتها لتنفق على المكلف شرعاً بالنفقة وتعيش في نمط غير منسجم مع كون المرأة أماً وربة بيت وعرضاً يجب أن يصان. إن هذه القوانين تتجاهل غياب الرعاية الصحية في بلادنا المنكوبة حيث تلد الحرة على قارعة الطريق وفي ممرات المشافي وفي العربات بينما تبقى الرعاية الصحية حكرا على المقتدرين. إنها قوانين تتعامى على شقاء القرويات في رحلة حمل الحطب وجلب الماء سيرا على الأقدام ونحن في الألفية الثالثة. إنها قوانين عمياء عرجاء تبحث خلف الأبواب المغلقة وتختلق الإحصائيات وتصرف النظر عن الحقائق الجلية. وكأنها تحجب الشمس بغربال!
لم يأت القانون بتعريف محدد ودقيق للعنف ضد المرأة، ولم يتطرق للخصوصية الثقافية للبلاد الإسلامية بل أتى وكأنه نقل حرفي شأنه شأن الدساتير والقوانين الوضعية التي ابتليت بها بلاد المسلمين. أتى في إطار تنفيذ وتفعيل اتفاقيات أممية تتم خلف قاعات مغلقة وتعبث بالأسرة المسلمة، أتى بعد إملاءات وضغوطات مباشرة من المجتمع الدولي وهيئاته، وقد شددت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في الثامن من آذار/مارس على ضرورة الإسراع بتبني قانون مغربي يجرم العنف ضد المرأة.
ولعل الأهم من هذا هو ذلك السؤال الذي يطرحه الصحفيون المعلقون مع كل ضجة يحدثها مشروع قانون خاص بالمرأة: "هل القوانين الداخلية والاتفاقيات الدولية وحْدها كافية لمحاربة التمييز القائم على الجنس، أمْ أنّ ذلك يقتضي تغيير نمط تفكير المجتمع ونظرته إلى المرأة؟" وهل نجحت القوانين التي شرعت في الدول الأخرى للدفاع عن المرأة وتجريم العنف الموجه ضدها في حماية المرأة من تعنيف القريب والبعيد والاعتداء عليها ماديا ومعنويا؟
إن الناظر المنصف يجد أن العنف ضد المرأة ما زال موجوداً في المجتمعات التي تدعي أنها متقدمة في مجال "حقوق المرأة"، تماما كما أن العنصرية متفشية في دول تدعي بأنها سباقة في مجال الحقوق المدنية والتشريعات التي تكفل المساواة بين كافة فئات المجتمع. وفي المقابل نلاحظ أن المنظومة الفكرية للإسلام فيما يتعلق بالمرأة وحقوقها الشرعية قد وضعت المرأة في مكانة رفيعة تجعلها محفوظة مصانة في مجتمعها ويتم هذا بقناعة ذاتية من الفرد المسلم، فالأفكار تؤخد عن قناعة ورضا، والمسلم يسعى لتطبيقها في محيطه الخاص ويحرص على وجودها في المجتمع ويقبل على تطبيق القوانين التي تحمي هذه الأفكار. المجتمع الإسلامي يحرص على المرأة كفرد مصان له حقوق شرعية وليس من باب التبعية الفكرية والخوف من مغبة عدم تطبيق الاتفاقات الدولية والقوانين المترتبة عليها.
وتزداد دهشتنا من هذا القانون العبثي حينما نعلم أن من أعده وقام عليه يدعون أنهم يحملون شعار الإسلام ويحصدون أصوات الناخبين على هذا الأساس، وقد كان الأولى أن يتجاوزوا الشعارات ويتمسكوا بعرى الإسلام بدلا من نقضها والسعي لهدم الأسرة المسلمة التي هي حصن للفرد والمجتمع.
وختاما، هل هناك عنف أكبر من أن تنتزع من المرأة مكانتها وتضيّع كرامتها وتشكك في أنوثتها ودورها الأساسي كأم وربة بيت؟! وهل من ضيم أسوأ من تعطيل شرع الله وأن يعيش الناس فوضى لا سراة لهم يتنقلون بين القوانين الوضعية؟!!
بقلم: هدى محمد (أم يحيى)
المصدر: جريدة الراية